دول تغرى الأطباء للعمل لديها لسد العجز فى مستشفياتها المقابل المادى وساعات العمل وراء هروب «الدكاترة » من العمل فى الحكومة عشرات الأسباب التى لا يمكن حصرها، دفعت بالأطباء المصريين للسفر إلى الخارج، يأتى على رأسها طول فترة الدراسة وصعوبتها، تبدأ بست سنوات فى الكلية ثم سنة «امتياز»، لتبدأ مرحلة تحضير الماجستير ثم الدكتوراه، وبعد يخرج لسوق العمل، فإذا التحق بمستشفى حكومى، يكلف بساعات عمل تزيد على الساعات القانونية، بسبب وجود عجز فى الأطباء، كل هذا الجهد يقابل بمقابل مادى ضعيف، فيتسلل إليه إحساس بالإحباط، ويقل حماسه تجاه المهنة، ومن هنا يبدأ فى التفكير فى السفر إلى الخارج. الكلمات السابقة قالها الطبيب المصرى محمد فؤاد عبدالعزيز أثارت القلق حول مستقبل الأطباء والصحة ككل فى مصر، ومع العديد من الحوادث التى تكررت ونتج عنها ما يشبه الظاهرة يبحث الأطباء المصريون عن فرصة للسفر إلى خارج مصر، والالتحاق بمستشفيات دول العالم المختلفة، «الصباح» حاولت البحث حول تفشى تلك الظاهرة ودق ناقوس الخطر الذى يداهمنا، حيث تعانى مصر من «هجرة الأدمغة» فى مختلف المجالات، وانضم لهم الأطباء مؤخرًا حيث قام العديد من ممتهنى الطب بمتابعة مسيرتهم المهنية بالخارج، ويقوم معظمهم بالذهاب إلى أستراليا أو دول أوروبا ودول الخليج وروسيا، وذلك بعد التسهيلات التى تقدمها تلك الدول عبر الإغراءات التى تقدمها للأطباء للسفر إليها. واستطرد عبدالعزيز: ضعف المقابل المادى الذى يحصل عليه الطبيب فى المستشفى الحكومى، مع الضغوط العصبية والجسدية التى تؤثر عليه بالسلب، بالإضافة إلى أن المستشفيات فى مصر تعانى من قلة الإمكانات الطبية واللوجيستية، مثل عدم وجود أسرة أو أدوية، وهو ما يعرض الطبيب نفسه إلى العديد من المشكلات مع أهالى المرضى، وهو ما يأخذنا إلى نقطة عدم الأمان، فمن السهل الآن أن يتوجه أهالى أحد المرضى إلى المستشفى ويعتدون على الأطباء والمنشأة ككل، وعامل الأمن أول من يهرب، وبمتابعة الأخبار نجد أن تلك الاعتداءات تكررت كثيرًا مؤخرًا». وأضاف: «الحماية القانونية المتمثلة فى النقابة أو وزارة الصحة غائبة بشكل كبير، فإذا اشتكى أحد المرضى طبيبًا، يجد الطبيب نفسه بلا أى سند، ويتطور الوضع لأن يصبح الطبيب عرضة للسجن أو الغرامة على خطأ لم يرتكبه، وهو ما يقودنا إلى عدم وجود قانون يحمى الطبيب ويفرق بين الخطأ الطبى والإهمال». وأشار إلى أن الطبيب يستكمل حياته العلمية والعملية وسط العديد من الصعوبات، ومطالب استكمال أبحاثه ودراساته سواء أجنبية أو محلية، وتعنت من الأطباء المحاضرين فى الجامعة، وعنصريتهم ضد الأشخاص من خارج سلك التدريس، فأصبح 80 فى المائة من شباب الأطباء المصريين يحلمون ويبحثون عن السفر حتى يستطيعوا العيش فقط. وتوقع «عبدالعزيز»، انخفاض نسبة الأطباء فى مصر مع ما يحدث لهم، خاصة مع قلة أعداد الخريجين من الكليات كل عام، وبذلك تسير الأمور للأسوأ، وبعدما كان الخليج هو المستقبل للأطباء المصريين فى الماضى حتى أضحت وزارة الصحة السعودية تضم أطباء مصريين أكثر من نظيرتها المصرية، أصبحت هناك حركة هجرة للولايات المتحدةوأسترالياوكندا وأوروبا، خاصة أنهم يعانون من عجز فى الأطباء، وهو ما يجعل الخدمة الصحية هنا تسوء بل وستعانى أكثر مع التوقعات بالخصخصة. روسيا الاتحادية المعلومات التى قالها «عبدالعزيز» كانت المحرك للتواصل مع عدد من الكيانات الطبية التى تضم أطباء مصريين حول العالم، فتواصلت «الصباح» مع «اتحاد الأطباء العرب» فى روسيا الاتحادية، وتحدث عنهم الطبيب المصرى المقيم بروسيا «حاتم مصلوح» استشارى جراحة عظام ورئيس جمعية الأطباء الدوليين، والمنبثق عنه اتحاد الأطباء العرب، حيث قال: فى السنوات الأربع الأخيرة بدأت ظاهرة تتمثل فى سفر الأطباء المصريين إلى روسيا لاستكمال الدراسة، ثم إعلان أغلبهم عن نيته فى الإقامة بروسيا، وأنهوا إجراءات تقديم الأوراق للإقامة للبحث عن عمل بعد استكمال الدراسة». وأضاف أن النظام الطبى فى روسيا عالى المستوى، خصوصا فى الحالات الحرجة، بمعنى أنه فى خلال 10-15 دقيقة تصل سيارة الإسعاف إلى المريض، ويكون هناك طبيب مكلف بالتعامل مع المريض، حتى نقله إلى المستشفى، وهناك يجرون له كل الفحوص والتحاليل مباشرة حتى لو لزم الأمر إجراء عملية، مضيفًا أن الأمر شجع حالات كثيرة من أوروبا وأمريكا على العلاج فى روسيا، بالإضافة إلى طبيعة الشعب الروسى المتقبل للغير، كما أن الطبيب العامل فى روسيا يحصل على مرتب يكفيه للعيش بطريقة كريمة، وبجزء منه يمكن الذهاب برحلة ترفيهية خارج البلد. وأكد أن الحياة بشكل عام فى روسيا حياة جميلة، ممكن أن يشوبها بعض العراقيل والتحديات لكن المصرى يتحدى الصعاب بطبيعته، بل يمكنه أن يتميز أيضًا فى الغربة وتكون التحديات هى دافعة إلى الأمام، علاوة على أن روسيا تقدم كل عام منحة للإقامة لجميع الاختصاصات المتميزة ومنها الأطباء، وهى أول خطوة للإقامة فى روسيا، وبعدها من الممكن التقدم للحصول على الجنسية، متوقعًا زيادة كبيرة فى أعداد الأطباء المصريين المسافرين إلى «موسكو»، فالأطباء المقيمون بروسيا الاتحادية يصطحبون أصدقاءهم الأطباء فيزيد العدد شيئًا فشيئًا، وبالنسبة لروسيا البيضاء فالنظام العلاجى بها على مستوى عال، لكن المرتبات ضعيفة. وأضاف: «من أهداف الجمعية أننا نحاول مساعدة الأطباء العرب خاصة والأطباء الأجانب بشكل عام ليتغلبوا على عوائق اللغة، ويندمجوا فى المجتمع، بالإضافة لتدريب الأطباء الجدد عبر تنظيم دورات مع أطباء متمرسين ليستطيعوا الحصول على عمل كريم فى المستقبل». ومن روسيا الاتحادية إلى ألمانيا وحديث مع الطبيب المصرى عبدالرحمن عاشور المقيم فى «هامبورج»، إذ قال إن ألمانيا بها نحو 1300 طبيب مصرى يعملون بها، فهى من أسهل دول أوروبا فى إجراءات السفر للأطباء. وأضاف: «فى عام 2007 أظهرت الإحصاءات أن أكثر من 25ألف طبيب ألمانى غادروا البلاد، لاعتبارهم أن رواتب الطبيب الألمانى أقل من غيرها، وهو ما جعل الدولة فى حاجة لأطباء أجانب، وبدأت الدولة بزيادة رواتب الأطباء بالتحديد فى آخر عامين، ومن الأخبار التى تهم قطاع الأطباء أن التعليم الطبى فى مصر معترف به فى السلطات الصحية الألمانية، وهو ما يجعل الأطباء يترجمون شهادة تخرجهم ومن ثم اعتمادها فى السفارة الألمانية، ولا يحتاج الطبيب المصرى المتقدم للسفر إلى معادلة شهادته هناك وهو ما يسهل السفر». وإلى بريطانيا التى تعانى من عجز شديد فى أعداد الأطباء مع وجود توقعات بزيادته فى السنوات المقبلة، وهو ما جعل المجلس الطبى البريطانى يتنازل عن شرط الحصول على «الأيليتس» كاختبار لغة لقبول الأطباء غير الإنجليز، ووضع اختبار «أويت» بدلًا منه، وهو اختبار وظيفى للأطباء يهتم بالمصطلحات المهنية لهم. ومن بريطانيا إلى أوكرانيا، حيث قال المتحدث عن اتحاد الأطباء العرب فى أوكرانيا ل «الصباح»، إنه يوجد بعض الأطباء الذين درسوا الطب فى الجامعات الأوكرانية، واستمروا فيها بعد الدراسة، لممارسة مهنة الطب أو التفرغ للعمل فى مجال التجارة، لكن لا توجد حاليًا نسب وأرقام محددة لأعداد الأطباء المصريين هناك. وفى التقرير السابع لمنظمة «كولييرز انتوناشيونال» الطبية فى 2017 الذى استهدف قطاع الرعاية الصحية فى مصر، جاء أن التغييرات الطارئة على قطاع الصحة فى مصر سيؤدى إلى زيادة الحاجة إلى عدد أكبر من مرافق الرعاية طويلة الأمد، وتجدر الإشارة إلى أن الحد الأدنى لمتطلبات أسرة الرعاية طويلة الأمد فى الدول المتقدمة يتراوح بين 4-6أسرة لكل 1000 نسمة فوق سن 65 عامًا، وفى بعض الدول، ترتفع هذه النسبة لتصل من 12 إلى 15 سريرًا وبتطبيق معايير الصناعة، نجد أن مصر تحتاج حاليًا إلى نحو 19 ألف سرير مخصص للرعاية طويلة الأمد، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد ليصل إلى حوالى 64 ألف سرير رعاية طويلة الأمد بحلول عام 2050، فيما بلغ عدد الأطباء فى مصر 310741 طبيبًا خلال عام 2016، أى 3.3 طبيب لكل 1000 نسمة، إذا افترضنا أن النسبة المستقبلية ستبقى عند 3.3 أطباء لكل 1000 نسمة، فستحتاج مصر إلى 36 ألف طبيب إضافى بحلول عام 2020 وما يقرب من 203٫000طبيب بحلول عام 2050. وهناك صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى تخصصت فى تسهيل سفر الأطباء المصريين خارج مصر، ومن أهمها «فترة الامتياز» التى نشرت «بوست» بعنوان «السفر خارج مصر...الدليل المختصر للأطباء»، وفى تصريحات صحفية سابقة فى 2016 قال د. رشوان شعبان، الأمين العام المساعد لنقابة أطباء مصر، إنه على الرغم من كثرة عدد الأطباء الخريجين كل عام، إلا أن مصر ما زالت تعانى أزمة نقص فى الأطباء، موضحًا أنه سنويًا يتخرج من 8 إلى 9 آلاف طبيب، إلا أن مناخ البلد يعتبر طاردًا لغالبية هؤلاء الخريجين. واضاف أن نحو نصف عدد الأطباء المقيدين فى سجلات النقابة مسافرون للخارج لدول الخليج وغيرها، مشيرًا إلى أن مصر تعانى من العجز فى بعض تخصصات الطب منها التخدير، طب الأسرة، العناية المركزة والطوارئ، وذلك نظرًا لأن عدد الخريجين من هذه التخصصات أقل بكثير من احتياجات سوق العمل، وعدد كبير من الأطباء يقدمون استقالة من وظائفهم، ويقدمون على هجرة دائمة للخارج فى دول كندا والولايات المتحدة، وأستراليا، وأوروبا الغربية، أو الهجرة المؤقتة فى الدول العربية وإفريقيا، ولكن يظلون مقيدين فى سجلات النقابة مما يجعل عدد الأطباء المقيدين فى النقابة مخادعًا نظرًا لسفر الكثير منهم للخارج ووفاة آخرين.