الإخوان يستدرجون الأهالى للتظاهر.. والدولة تطاردهم بغرامات الكهرباء والبيئة والمرور والأمن الصناعى الحاج الدسوقى: أصحاب الأفكار المتشددة استغلوا الفقر.. وطفل: كانوا يعطوننا 100 جنيه فى اليوم باعتصام رابعة «البصارطة» قرية دمياطية كانت آمنة، وجدت نفسها فجأة محاصرة بين طرفين، الإرهابيين داخلها وقوات الشرطة المطوقة لحدودها من كل اتجاه.. استغاثات جاءت من أهالى القرية، حيث يصعُب عليهم الحصول على مستلزمات يومهم الأساسية.. الأمن يحاصر البصارطة منذ يوم 27 مارس الماضى، بعد أن استهدف مسلحان داخلها، خفيرًا ثم لاذا بالفرار.. مصرع الخفير جعل قوات الأمن تداهم القرية بالعربات المصفحة والمدرعات، وأحاطها أفراد الأمن المركزى بحثًا عن الجناة، كذلك تحسبًا لأى عمليات إرهابية أخرى. بحث تاريخى قريب عن القرية، أظهر أن الإرهاب وأعمال العنف لم يكن على المستوى الداخلى للقرية فحسب، فعدد كبير من الحوادث الإرهابية التى وقعت خارج دمياط انتمى مُنفذوها للبصارطة، منها مثلاً ما وقع فى أبريل الماضى، حين أصدرت وزارة الداخلية بيانًا توضح خلاله أنه تم ضبط 13 إرهابيًا متهمين بالتخطيط لاستهداف الكنائس، وجاء فى البيان أن من بين المتهمين 8 أشخاص من قرية البصارطة بمحافظة دمياط. وقائع أخرى، يظهرها الباحث الإلكترنى، حدثت عقب ثورة 30 يونيو، فضبطت وزارة الداخلية وقتها 14 عنصرًا إرهابيًا تابعين لجماعة تطلق على نفسها «الحراك المسلح» تستهدف أفراد الشرطة، حيث أصابت معاون مباحث وفرد أمن، وخفرين، وغيرها من الحوادث الإرهابية التى أشارت فيها أصابع الاتهام للبصارطة باعتبارها وكرًا لتفريغ الإرهاب. وعلى أرض الواقع، داخل البصارطة، تواجدت «الصباح» لترى حقيقة الوضع بها، ولتتحقق من علاقة القرية بتفريغ الإرهاب وتصدير الإرهابيين، فبمجرد أن تطأ قدماك للقرية تجد سياجًا أمنيًا، وحواجز حديدية، ومدرعات شرطة وعربات مصفحة، ورجال ترتدى البدلة الرسمية لقوات الأمن ذات اللون الأسود، يدققون ويتفحصون فى الداخل والخارج، من وإلى القرية. سلفيون وإخوان رجل متوسط العمر، يجلس أمام محل يملكه لبيع السلع الغذائية، التقته «الصباح»، ويدعى سعد السيد، قال بضيق: «القرية بأكملها تعانى من المداهمات الأمنية عليها بحثًا عن الإرهابيين»، سكت قليلًا، ثم أضاف بلهجة أقرب للاعتراف «عدد كبير من التيارات ينتشر داخل القرية على رأسها التيار السلفى، لكن السلفيين مسالمين بعض الشىء، ولا يمثلون خطورة مسلحة، ولا علاقة لهم بالأعمال الإرهابية على الإطلاق، مقارنة بالتيارات الأخرى». تسللت إلى كلامه نبرة أكثر شجاعة، قائلًا «الإخوان منتشرون بالقرية، وعددهم كبير وملحوظ، كما أن لهم نشاط ملحوظ فى الشهور التى سبقت قتل الخفير النظامى بالقرية، هم يحرصون على الخروج فى مظاهرات مسلحة ضد النظام، كما أنهم يجتهدون بشكل كبير فى أن يشاركهم الأهالى فى مظاهراتهم، التى تشهد وجود نساء وأطفال وشباب». على المقهى مقهى شعبى داخله مقاعد خشبية قديمة، ذات طراز معمارى أربعينى، تنتشر داخله رائحة الدخان، وجميع من يجلسون بداخله وجوههم عابسة، تشكو وقف الحال، داخلها، أخبرنا الحاج الدسوقى محمود، خمسينى، أن السبب الحقيقى فى انتشار الإخوان داخل البصارطة هو غياب التنمية فيها منذ أكثر من 10 سنوات، وقال «الخدمات سيئة للغاية، والغلاء يجتاح المدينة والفساد ينخر أركانها، ترتب على ذلك انتشار الأفكار المتشددة والمتطرفة، التى انتشرت عبر عدد من العناصر كبيرة السن المعروف انتمائها للإخوان واقتراب أفكارها للتشدد بعض الشىء، ونشر هؤلاء أفكارهم بين الشباب، مستغلين الحالة الاقتصادية المتدنية داخل القرية، كما يجب أن يكون». وصفًا تاريخيًا لانتشار الجماعة على القرية، جاء على لسان الدسوقى، قائلًا «الإرهاب ظهر فى القرية منذ عام 1995، بعدما سيطر إخوان القرية على بعض المساجد هناك كمسجد الرحمن ومسجد عجور، فاتخذوها لسنوات طويلة منبرًا لنشر الإرهاب والأفكار المتطرفة فى عقول الأهالى، موضحًا «كانوا منظمين بشكل كبير، فهم يسلكون طرقًا معينة لنشر أفكارهم بين الرجال، تختلف عن النساء وعن الأطفال». وشرح «الإخوان كانوا يعقدون حلقات نقاشية داخل المساجد، خاصة فى شهر رمضان بعد صلاة التراويح، يحضرها بعض شباب القرية، وأيضًا كانت نفس الحلقات تعقد فى أماكن الصلاة المخصصة للنساء بالمساجد، وبطريقتهم المعروفة (قال الله وقال الرسول) يحاولون استمالة الشباب والنساء للجماعة تنظيميًا، تحت شعار (هذا ما يأمرنا به ديننا)، حتى تمكنوا من ضم عدد كبير من الأهالى». استدراج الفقراء واستدرك الرجل الخمسينى «الحلقات النقاشية لم تكن دينية فقط، فهناك حيل أخرى اتبعها أعضاء الجماعة فى القرية لضم أبناء القرية خاصة غير المتعلمين، أو الذين نالوا قسطًا ضئيلًا من التعليم، هذه الحيلة هى الجمعيات، التى بدأت تقريبًا فى تسعينيات القرن الماضى، فى فترة حكم مبارك، التى شهدت زهوة تمدد جماعة الإخوان بأفكارها المتشددة وقوتها التنظيمية داخل القرية، وتلك الفترة صاحبها ابتعاد رجال الشرطة نهائيًا عن القرية، مغمضين الأعين عما يحدث فيها لسنوات، فلم تكن هناك أى حملة أمنية بالقرية ولا أى ضبطيات للعناصر الخطيرة أو الخارجة عن القانون، أو حتى محاولة حصر تمدد الإخوان ورجالهم داخل البصارطة، وهذا يعتبر أحد أهم الأسباب التى ساعدت على تمدد الإخوان والمتطرفين بالقرية». هذا الأمر، بحسب الدسوقى، «جعل الجماعة تستغل الفقر الموجود بين بعض أهالى القرية مع غياب الأمن وحاجة الشباب للعمل والمال، فى اللجوء للحيلة الجهنمية وهى الجمعيات، أى يقوم أعضاء الجماعة بإقناع بعض شباب القرية المحتاجين للمال بالدخول معهم فى جمعيات شهرية ويتم إعطاء الشاب مبلغ يصل إلى 100 ألف جنيه أو يزيد، ليفتح مشروعًا أو محلًا يكسب رزقه وقوت يومه، وأن يسدد هذا المبلغ بعد ذلك، بعدها يكون الشاب مستعدًا بشكل طبيعى للدخول فى جماعة الإخوان ليمتص الأفكار المتشددة ويكون عضوًا تنظيميًا بها جاهزًا لفعل أى شىء، حتى إذا كان عملًا إرهابيًا ليكسب رضا قياداته ويرد الجميل لهم، وهذا حدث مع عدد من شباب القرية بالفعل، طبقًا لشهادات الأهالى». الزيت والسكر كان مصيدة الإخوان المعتادة، ظهرت فى البصارطة، ونجحوا بالفعل فى كسب عدد كبير من العائلات، وفق كلام أهل القرية، ورأس هؤلاء الإخوان محمد عادل بلبولة، المدرس الأزهرى الحاصل على ليسانس الشريعة والقانون، وهو زعيم الإرهاب فى البصارطة وأهم داعميه وأخطر عناصره، وتم تصفيته على يد قوات الأمن إثر حادث مقتل الخفير بالقرية. شيوخ التطرف منحى آخر، يثيره ربيع عوض، 28 سنة، الذى يتهم القنوات الدينية، كالرحمة والناس وغيرها، حيث يظهر شيوخ السلفية محمد حسان ومحمد حسين يعقوب، بأن لها دورًا كبيرًا فى نشر فكر التطرف بالقرية، وقال «نسبة متابعة هذه القنوات بالقرية كانت كبيرة، وكانت الشغل الشاغل لجميع أهالى القرية، وتربى أبناء القرية عليها، حتى شبوا الأفكار المتشددة، وعندما كبروا طبقوها فى الواقع على هيئة استهداف أفراد الشرطة، وغيرها من العمليات الإرهابية». وعلمت «الصباح» أن معظم أطفال القرية يعملون فى ورش الأثاث والموبيليا ليكسبوا رزقهم ويدبروا مصاريف دراستهم ويساعدوا أسرهم على المعيشة، لكن ظهور الإرهاب وحصار الأمن للقرية، أصبح معظمهم بلا عمل، بعد أن توقف مصدر رزقهم، قال عوض «الحكومة تفرض غرامة على الأطفال العاملين تصل إلى 4 آلاف جنيه، وعلى أى طفل من سن 14 عامًا، لأن عمله فى هذا السن مخالف للقانون». محمود حسن، الطفل الذى أصبح عاطلًا، يضيف «ما يحدث مع أطفال القرية، يشجعهم على الانضمام للجماعات المتطرفة، التى كانت تعطى الفرد من 100 جنيه إلى 150، مقابل الانضمام لاعتصام رابعة بعد ثورة 30 يونيو، مستغلين معاناة أسرهم من الفقر والبطالة، وما يحدث معنا حاليًا يضطر البعض للرجوع لتلك الجماعات المتطرفة، هربًا من الجوع والفقر، وبحثًا عن المال». وأثناء جولتنا فى البصارطة، لاحظنا الكثير من النساء المنتقبات، بل قلما وجدنا سيدة من دون نقاب، وإن وُجد فهى مرتدية زى فضفاض «إسدال»، حتى الرجال يُحافظ معظمهم على اللحية الطويلة. هدم المنازل ولاحظنا أيضًا، مبانى مهدمة كثيرة، وبسؤال الأهالى تبين أن الشرطة أزالتها لأن سكانها ينتمون للإخوان ويمثلون خطرًا على الأمن، لافتين إلى أنه تم إخراج أهلها منها قبل إزالتها، ووجهت لهم تهمة الانتماء إلى جماعات متطرفة والمشاركة فى أعمال إرهابية، ويضيف الأهالى «هدم المنازل أصبح ضمن خطة الداخلية لمحاصرة الإرهاب وتطهير القرية منه». وخلال رحلة «الصباح» داخل البصارطة، تأكد انتشار الركود داخل القرية، فعلى الرغم من أن عدد سكان القرية يصل إلى 70 ألف نسمة تقريبًا، إلا أن جميع ورش الموبيليا وصناعة الأثاث مغلقة فى معظم شوارع القرية وحواريها، بينما العاملون بها وأصحابها يجوبون شوارع القرية بحثًا عن أى مصدر رزق لكسب العيش، بعد توقف الحال بسبب الحملات المستمرة التى تجوب القرية من قبل الإدارات الحكومية كالكهرباء والبيئة والتموين والمرور والأمن الصناعى، وأيضًا الذين حرروا محاضر عدة ضد أصحاب المحال والورش وأيضًا ضد العاملين بها، واستولوا على عدد من المعدات والأدوات داخل هذه الورش. وأوضح سعد السيد، أحد أصحاب المحال التجارية أن «القرية تعانى من فقر شديد نتيجة توقف حركة البيع والشراء، جراء المداهمات المستمرة لقوات الأمن، الأمر الذى ترتب عليه ركود تام ووقف حال»، على حد تعبيره. ثورة البصارطة الركود، وما تبعه من فقر، تسببا فى خروج أهالى البصارطة يوم 13 مايو الجارى فيما يشبه ثورة غضب عارمة بشوارع القرية، احتجاجًا على ما وصل إليه حال القرية من ركود وبطالة وفقر، مطالبين بوقف حملات شرطة التموين والبيئة والكهرباء، وتحسين أوضاع أهالى القرية وإنقاذهم من الفقر والجوع. نواب محافظة دمياط غابوا عن القرية لشهور طويلة وتخلوا عن الأهالى فى أزمتهم، بالرغم من استغاثة أهلى القرية بهم أكثر من مرة، إلا أن النواب تجاهلوا كل هذا، حسب ما قاله أهالى القرية، لكن ظهر النواب مؤخرًا، وبالتحديد يوم وقفة أهالى القرية فى 13 مايو، لكى يظهروا كأنهم يقفون بجانب الأهالى ويدعمون موقفهم، وعلى رأس هؤلاء النائب ضياء داود والنائبة غادة صقر، الأمر الذى رفضه الأهالى، بل وبخوا النواب وطردوهم خارج القرية. وحاولت «الصباح» استيضاح رد النائب ضياء داود، عضو البرلمان عن محافظة دمياط، فقال «أسعى لحل مشكلة أهالى قرية البصارطة وإنهاء الأزمة، وهناك تنسيق مع الجهات المعنية للوقوف على أسباب المشكلة وإيجاد حلول لها فى أقرب وقت ممكن». وأضاف «كان هناك اجتماع الأسبوع الماضى مع عدد من أهالى البصارطة وعائلاتها، لمناقشة المشكلة القائمة والحلول المتاحة لها»، موضحًا أن أهالى قرية البصارطة على درجة عالية من الاحترام والوطنية، ومؤكدًا أنهم تصدوا للإرهاب بالقرية وللمتورطين فيه، وأنهم عاونوا أجهزة الأمن فى التصدى للعناصر الإرهابية. واستطرد نائب دمياط «الجماعة الإرهابية تحاول أن تجعل البصارطة بؤرة إرهابية»، مشيرًا إلى أن هناك تعاونًا بين الأهالى وأجهزة الأمن لوقف هذا الإرهاب، ومؤكدًا أنهم كنواب عن محافظة دمياط يعقدون لقاءات مع الأهالى بشكل دورى ويقومون بدورهم كحلقة وصل بين أبناء القرية والحكومة بأجهزتها، وأن هناك محاولة منهم لوقف حملات الأجهزة الخدمية التى تجوب القرية من وقت لآخر، وأيضًا يسعى النواب، بحسب رده، لتحسين المرافق القرية وتطويرها وحل مشكلات الأهالى. ومن الشارع إلى الإنترنت، وجدنا صفحات ومجموعات إخوانية على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، تحمل أسماء «البصارطة تتحدى الانقلاب» و«شباب ضد الانقلاب - البصارطة»، وكلها تهاجم الداخلية والنظام وتندد بممارستهما ضد الأهالى وبهدم المنازل، مطالبين بوقف هذه الممارسات وعودة محمد مرسى رئيسًا للبلاد، رافعين علامات رابعة وشعارات مؤيدة لجماعة الإخوان الإرهابية، كما ينتشر بتلك الصفحات منشورات تحت شعار وهشتاج «البصارطة_تستغيث»، و«البصارطة_تحت_الحصار»، وهذه المجموعات أججت الأزمة وكانت منبرًا إعلاميًا يتابعه الكثيرون لمعرفة أوضاع القرية المنكوبة، وساعد فى ذلك، الشهرة التى لاقتها القرية كمعقل للجماعات الإرهابية والجماعات المتطرفة، وفقًا لما أوضحه شباب القرية.