الهاتف الخاص جدًا بوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى رن صباح يوم 15 إبريل الماضى، ورفع العادلى سماعة الهاتف فى لهفة شديدة وأجاب محدثه على الجانب الآخر فسمع صوت محاميه وسط ضوضاء شديدة يخبره بصدور حكم ضده بالسجن 7 سنوات فى قضية الاستيلاء على المال العام بوزارة الداخلية، هبط الخبر كالصاعقة على العادلى لكنه-طبقًا لمقربين- لم يكن سببًا كافيًا لاتخاذ قرار صعب بالهروب من أحد أكثر الأماكن هدوءًا وأمنًا فى مصر حيث تقبع فيلته وعائلته، بمدينة «الخمائل» فى 6 أكتوبر.
فيلا «الخمائل» هى الفيلا التى اتخذها العادلى -بجانب فيلا الشيخ زايد- حصنًا للاختباء من الرأى العام بعد خروجه من السجن فى مارس 2015، وظل منذ هذا التوقيت وحتى 15 إبريل الماضى تحت الإقامة الجبرية والحراسة المشددة من وزارة الداخلية، وعلى عكس ما روجه البعض من أنباء حول هروب العادلى لمكان غير معلوم، تأكدنا من مصادرنا الخاصة والمقربة من الوزير الأسبق أن العادلى لم يغادر منزله بمدينة الخمائل ولم يهرب كما روج البعض، وأن كل شىء كما هو باستثناء اختفاء الحراسة التابعة لوزارة الداخلية واستبدالها بحراسة تابعة لشركة خاصة.
الأخطر من نبأ الهروب «المزيف»، هو ما كشفته لنا المصادر عن المذكرات التى عكف العادلى على كتابتها حتى صدر قرار محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار حسن فريد، برفض الاستشكال المقدم من دفاعه، لوقف الحكم الصادر ضده.
البعض اتهم وزارة الداخلية بالتستر على الوزير الهارب، الأمر الذى جعلها تتقدم بخطاب رسمى إلى النيابة العامة يفيد بهروب «العادلى» بعد أن داهمت قوات الأمن مسكنه أكثر من مرة ولم يتم العثور عليه، لكن المصادر تؤكد أن الداخلية فتشت فيلا العادلى الأخرى فى الشيخ زايد لكنها لم تقترب من فيلا الخمائل ولم تزره أو يزره أحد فيها منذ صدور الحكم، وأن حرس كمبوند الخمائل ب 6 أكتوبر- وهم غير الحرس الخاص الذى يحيط بفيلته من الخارج- لا يسمح بالأساس بدخول أى شخص يطلب زيارة العادلى الذى يتمدد على سريره داخل الفيلا مصابًا بجلطة شديدة - يقول البعض إنها تطورت إلى شلل فى الأطراف - وبصحبته عدد من الأطباء والممرضات، وفى إحدى الغرف المجاورة له تناثرت أوراق العادلى فوق مكتبه الذى يدون فيها وقائع من الماضى القريب ليضمها لمذكراته التى عكف على كتابتها - وتصويرها- منذ فترة وحتى 15 إبريل الماضى وداخل الخزانة الديجيتال الموجودة داخل مكتبه الأنيق بفيلته شديدة الثراء والفخامة عدد هائل من التسجيلات لكبار الشخصيات، والاجتماعات التى دارت خلال ال 18 يومًا الأولى من ثورة 25 يناير، وهى التسجيلات التى احتفظ بها على «فلاش ميمورى»، واشترى لها خزانة صغيرة أخرى تعمل ببصمة اليد.
مذكرات ساخنة البداية حسبما أكدت مصادر مقربة من عائلة «العادلى» كانت بعد خروج وزير الداخلية الأسبق من السجن على خلفية اتهامه فى قضية الاستيلاء على أموال الداخلية، إذ ألح «شريف» نجل «العادلى» عليه لتسجيل مذكراته بالصوت والصورة وكتابتها، واضطر الوزير الأسبق فى النهاية للموافقة على طلب ابنه الوحيد، بشرط عدم الحديث عن المسائل التى ترتبط بالأمن القومى. «العادلى» تحدث فى مذكراته عن علاقته بالرئيس الأسبق «مبارك»، وكيف قاوم فكرة «التوريث»، علاوة على مواجهة سيطرة وهيمنة رجال الحزب الوطنى، والدور الذى لعبه بالتنسيق مع مشايخ الجماعة الإسلامية واستخدام بعض شيوخ الأزهر فى عمل المراجعات الفكرية للمتطرفين داخل السجون، بالإضافة إلى علاقة جهات أجنبية بحوادث الإرهاب التى استهدفت السياحة فى مصر، ورحلة صعوده من ضابط شرطة إلى وزير داخلية، وقد سجل حوالى 10 ساعات من تلك المذكرات.
«العادلى» حاول أن يتناول فى مذكراته بعض الأحداث المهمة خلال ال 18 يومًا الأولى من ثورة يناير، وبالتحديد من يوم 26 يناير إلى 11 فبراير، مستعينًا فى ذلك بفلاش ميمورى تضم تسجيلات لشخصيات سياسية وعامة حول تلك الفترة، وبعض تلك الشخصيات موجود فى الحكومة الحالية والبرلمان، ويحتفظ أيضا ب نسخة من ملفات بعض السياسيين، والتى تم اتلافها أثناء اقتحام مقرات أمن الدولة خلال الثورة.
«العادلى» شارك بعض المقربين والأصدقاء هذه المعلومات لتبرئة ساحته من تهمة فتح السجون، وألمح إلى تورط أجهزة خارجية فى فتح السجون بالتنسيق مع جماعة الإخوان لخلق حالة من الفوضى داخل الدولة، وقد أبلغ «العادلى» وقتها الرئيس الأسبق «مبارك» بهذه المعلومات، لكنه تجاهلها، كما أطلع المقربين من العادلى على المذكرات التى يسجلها بمعرفة نجله «شريف»، وذلك قبل رفض الاستشكال على الحكم الصادر ضده.
العادلى لا يثق فى أى مخلوق، ولا يأتمن أحدًا على الفلاشة والتسجيلات، ما جعله يشترى خزانة تعمل ببصمة اليد ليحتفظ بالتسجيلات داخلها، علاوة على احتفاظه ببعض شرائط الفيديو التى استخدمها كوسيلة للسيطرة على خصومه السياسيين، وبعد صدور الحكم بحبسه 7 سنوات أصر على تأمين كل هذه التسجيلات والوثاثق فى غرفة مكتبه بالفيلا التى تحولت إلى غرفة مصفحة كما يطلق عليها المقربون منه، وتلقى «العادلى» خلال الأسابيع الماضية عروضًا من أصدقائه بدول خليجية لاستضافته، خوفًا على حياته بسبب المعلومات التى يحتفظ بها، إلا أنه رفض، وقرر فقط الانتقال من فيلا الشيخ زايد إلى فيلا أكتوبر.
فيلا الخمائل
مدينة الخمائل بمنتجع «بالم هيلز» خصصها «العادلى» خلال فترة تولية الوزارة كمدينة لسكن الضباط، وخصص لنفسه داخلها فيلا مقامة على مساحة أرض كبيرة فى أعلى نقطة بالمدينة، وفيلته لها شارع خاص بعيدًا عن شوارع المدينة ولا يمر منه سوى أفراد عائلته أو المقربين منهم فقط.
وبعد ساعات من انتقاله إلى فيلا «الخمائل» شعر «العادلى» بإعياء شديد فذهبت زوجته وشقيقها إليه، ليتم نقله إلى مستشفى «دار الفؤاد»، حيث تعرض لجلطة بذراعه الأيسر وظل تحت الرعاية الطبية لمدة 24 ساعة إلى أن استقرت الحالة ثم عاد إلى مسكنه بمفرده، ترافقه حراسة خاصة».
رغم أن «العادلى» قرر منذ أيام تسليم نفسه بعد ما أثير حول هروبه خارج البلاد وبعد الأزمة المثارة على خلفية الاتهامات التى طالت وزارة الداخلية بأنها متسترة على هارب، إلا أن نصيحة صديق قديم له، وهو قاضٍ بالمعاش كانت كافية لتغيير رأيه ليظل داخل منزله لحين وضوح الرؤية.
خلال الفترة الماضية عاش العادلى حياة شبه طبيعية داخل منزله، وتخلى فقط عن أداء صلاة الفجر بالمسجد القريب من الفيلا كعادته، وتوقف عن ممارسة هوايته المفضلة، وهى «المشى» فى التراك القريب من مسكنه، كما حرص على عدم استقبال أى زيارات لمنع الإحراج سواء للزوار أو لأفراد الحراسة، خاصة بعد تكثيف الحراسة، والاستعانة بحراسات خاصة بعد انسحاب عناصر الداخلية عقب إصدار الحكم الأول فى 15 إبريل، وغلق الشارع المؤدى للفيلا، وتمت الاستعانة بطاقم تمريض للإشراف على حالته الصحية، خاصة أن الأطباء شخصوا حالته بغير المستقرة، كما رفض استقبال أصدقائه المقربين، وعلى رأسهم د. أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق وصاحب مكتب المحاماة بجاردن سيتى حاليًا، والذى اتفق مع العادلى منذ فترة على الدفاع عنه فى قضية أموال الداخلية مقابل 3.5 مليون جنيه، إلا أن «سرور» أعلن مؤخرًا عن انسحابه من الدفاع عن حبيب العادلى، وذلك قبل الإعلان عن هروب الأخير بأيام، ولا أحد حول العادلى يعلم أسباب تراجع «سرور» عن الدفاع عنه رغم توليه قضيته منذ شهرين فقط.
«صول» بدلًا من الهواتف
يتواصل «العادلى» مع عائلته التى ابتعدت عن فيلا الخمائل وتركته بمفرده بصحبة الطاقم الطبى والحراسة الخاصة عن طريق «صول» بالمعاش وهو سائقه الخاص منذ أكثر من عشرين عامًا، إذ كان يعمل معه قبل أن يكون وزيرًا للداخلية، وبعد أن وصل للمنصب مطلع التسعينيات انتدبه للعمل بديوان عام الوزارة ليكون قريبًا من «العادلى» ومكث بجواره فترة إدارته لوزارة الداخلية، وهو وسيلته للتواصل مع مساعديه والمقربين منه، وله مكانة خاصة لدى العادلى وأسرته، وهو ما يعد دليل آخر على اتهامه باستغلال المجندين وغيرهم فى أعمال الخدمات الخاصة بمنزله، وهى القضية التى حوكم فيها العادلى بعد ثورة 25 يناير والمعروفة إعلاميًا ب«سخرة المجندين»، والتى انتهت جولاتها فى فبراير 2014 بعد تأييد محكمة النقض الأحكام الصادرة ضده فى هذه القضية ومدتها ثلاث سنوات قضاها العادلى كلها- أو بعض منها- داخل سجن طرة، حيث إن بعض الشائعات ترددت بعد خروجه من السجن تفيد أنه كان يخرج خلال فترة حبسه لمدة يومين أو ثلاثة أسبوعيًا لقضائهما فى منزله ثم يعود مرة أخرى ليقضى بقية الأسبوع فى السجن وأنه واظب على ذلك حتى منتصف 2014 إلا أنه منذ هذا التاريخ وحتى الإفراج عنه فى مارس 2015 لم يخرج من محبسه أبدًا، هذه الشائعة ترددت بقوة بين عدد من الشخصيات السياسية ونفاها فى وقتها عدد من الشخصيات الأمنية، والعلم عند الله.و وزارة الداخلية