الشركات المنتجة لجأت لإعادة تدوير المستعمل من أجل زيادة الأرباح الفوضى والجشع صارا الكلمتين اللتين يصف بهما المواطن سوق الدواء والمستحضرات الطبية والتجميلية طول الوقت، وخاصة بعد أن فتحت الدولة الباب لرفع الأسعار دون رقيب، فصار التلاعب سواء بالأسعار أو حتى جودة المنتج هو السمة الرئيسية لهذا السوق، وتضاعفت الأسعار، وتضاعفت معها شهية الجميع للتربح من الأزمة التى تعصف بالمواطنين، يستوى فيها المواطنون البسطاء ومحدودى الدخل، وصار المكسب فقط هو اللغة التى يعرفها التجار بداية من المُصنِّع أو المستورد، مرورًا بتاجر الجملة أو شركة التوزيع وانتهاءً بالصيدلى أو تاجر التجزئة، وثمن هذا المكسب صار معروفًا، صار جيوب المصريين. وتأتى حفاضات الأطفال، على رأس المستلزمات التى لا تستغنى عنها الأسر المصرية التى تحوى بين أفرادها رضيعًا أو طفلًا فى سنوات عمره الأولى، وهو سلعة رائجة بعد أن صار من المستحيل الاستغناء عنها حتى لأبسط الأسر المصرية، وخلال الفترة الماضية ارتفع سعره بشكل يثير الريبة والشك قدر ما يثر غضب المواطنين، خاصة أن زيادة السعر مستمرة على الأقل كل أسبوع طيلة الأشهر الثلاثة الماضية حتى أن سعره اليوم أصبح أكثر من ضعف سعره منذ أسابيع قليلة خلت، وهو الارتفاع الذى عم المنتج المحلى منه والمستورد، كما أن الزيادة لم تتوقف عند حدود الضعف إذا كان مبرر ذلك هو تضاعف سعر الدولار بعد قرار الحكومة بتحرير سعر صرفه «تعويم الجنيه»، فمثلًا عبوة إحدى العلامات التجارية والتى كانت تضم 64 قطعة كان سعرها لا يتجاوز ال60 جنيهًا، بينما سعر نفس العبوة لنفس المنتج اليوم تجاوز ال170 جنيهًا. وفى سبيلها لمعرفة الأسباب، تواصلت «الصباح» مع صاحب إحدى الصيدليات، وهو الصيدلى سيد محمد، والذى كشف أن الشركات التى تقوم بتوريد المستحضرات الطبية ومستحضرات التجميل ومنها «الحفاضات» تقوم بتوريد هذه المنتجات بفاتورة ضريبية تتضمن السعر بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة فقط دون تحديد سعر للبيع للجمهور ولو حتى تحدد سعرًا استرشاديًا، وهو ما يؤدى بأغلب الصيدليات إلى تجاوز نسبة الربح المتعارف عليها وهى 25 فى المائة، أو أن يضاعف البعض منها الأرباح أكثر. «الصباح» بدورها استطاعت الحصول على إحدى الفواتير الضريبية لأحد أشهر أنواع «الحفاضات» والتى تباع العبوة منه بمتوسط 175 جنيهًا هذه الأيام، فوجدت أن سعره فى الفاتورة الضريبية الصادرة بتاريخ 18 يناير 2016 هو 95 جنيهًا، يضاف إليها ضريبة القيمة المضافة لتصبح إجمالى التكلفة على الصيدلى نحو 107 جنيهات، فى حين أنه يبيعه ب175 بمكسب 68 جنيهًا للعبوة أى أن نسبة الربح تتخطى ال63 فى المائة. أحد الصيادلة الذين تواصلت معهم «الصباح» أكد أن هذا المنتج كان يباع قبل فترة بسيطة بنحو 70 جنيهًا وفى الآونة الأخيرة زاد سعره بنسبة كبيرة، وهى الزيادة التى يتحملها المواطن وحده، خاصة أن تكلفة مثل هذه العبوة لا تتخطى لإنتاجها ال20 جنيهًا شاملة تكاليف الإنتاج واليد العاملة وحتى مصروفات النقل، مع الأخذ فى الاعتبار أن المواد الخام المستخدمة فى صناعة «الحفاضات» تعد من المواد ذات التكلفة الرخيصة والمتوفرة. الدكتور وحيد عبد الصمد، أمين صندوق نقابة الصيادلة وعضو لجنة التسعير بوزارة الصحة سابقًا، قال: الشركات المنتجة لهذه المستحضرات تتلاعب فى الأسواق من خلال توريدها لكل من تاجر التجزئة العادى بالإضافة للصيدلى، وهو ما أدى فى بداية الأمر لتضارب فى الأسعار بين كلا الفريقين ليصبح السعر لدى تاجر التجزئة أقل من سعر الصيدلى نتيجة لحصوله على نسبة خصم أكبر، وبعد ارتفاع نسبة شكاوى الصيادلة من هذا الأمر، غازلتهم الشركات بعدم وضع سعر استرشادى على المنتجات، ليصبح الأمر خاضعًا للعرض والطلب دون أى ضوابط، مع العلم أن هذه المنتجات لا توجد لها تسعيرة محددة. عبد الصمد أضاف ل«الصباح» أن الكارثة تزيد عندما نعلم أن معظم الشركات المنتجة ل«الحفاضات» لجأت بالفعل منذ فترة لعمليات إعادة تدوير الورق، أى أنها تعيد تدوير المنتج مرة أخرى، كما أنها أصبحت تستورد المواد الخام الجاهزة على آخر مرحلة وهى التغليف، وهى مواد أسعارها متدنية جدًا مقارنة للسعر التى يتم بيعها به، مؤكدًا أن هناك عددًا من الشركات تسيطر على سوق المستحضرات فى مصر وهذه الشركات تتلاعب بالأسعار وفقًا لحساباتها الخاصة دون وجود أى رقيب أو رادع. فى الإطار ذاته قال الدكتور صبرى الطويلة، رئيس لجنة صناعة الدواء بنقابة الصيادلة، إن الشركات المصنعة لمستحضرات التجميل والمستلزمات اليومية للأطفال والكبار بشكل عام لجأت لهذا الأمر فى ظل الارتفاعات المتتالية التى حدثت فى أسعار الدواء كما أنها غير ملزمة بأسعار محددة بل تضع الأسعار طبقًا لسوق المنافسة والعرض والطلب، وفى النهاية يتحمل المواطنون كل ذلك فى ظل زيادة الأسعار يومًا بعد يوم. وأوضح الطويلة أن الشركات رأت أنها لابد وأن تنتفع بالزيادات التى حلت على سوق الدواء مع العلم أن الشركات العالمية تسيطر على أكثر من 70 فى المائة من سوق المستحضرات الطبية والتجميل، كما أن المصانع المحلية لجأت إلى السلوك نفسه.