اتفاقية السلام قائمة ولا مساس بسيادة جنوب السودان مع دخول قوات حفظ السلام جاءت زيارة الرئيس سلفاكير ميارديت، رئيس جنوب السودان، لمصر، الأسبوع الماضى، فى توقيت غاية فى الأهمية، لتضفى بعض الدلالات، من أهمها عمق العلاقات المصرية الجنوب سودانية، وأهمية مصر بالنسبة للمنطقة الإفريقية، عامة ولجنوب السودان خاصة، حيث تعد هذه الأيام بداية توترات وانشقاقات جديدة داخل جنوب السودان، بالإضافة إلى بعض المتآمرين خارجها الذين يسعون لخرابها ممن تمردوا ورحلوا عنها تاركين شعبها يواجه مصيره من الفقر والجوع والغلاء الذى يأكل الأجساد، والركود الاقتصادى الذى يقضى على الأخضر واليابس، فقد جاء رئيس جنوب السودان إلى مصر ليثبت العلاقات القوية ويقضى على كل الشائعات والشكوك التى قد تناثرت خلال الفترة الماضية بالشارع المصرى والجنوب سودانى على حد سواء، والتى كانت تقول إن مصر لا تريد أى جالية من أهل الجنوب وتقوم بترحيل أى منها خارج البلاد، وحتى الطلبة تم القبض عليهم دون أى تهمة أو سبب. الزيارة أكدت أيضًا على وحدة وحب مصر لأهل الجنوب، بل دعمها على مر السنوات منذ أن أعلنت دولة جنوب السودان استقلالها فى يوليو 2011، حين كانت مصر ثانى دولة بعد السودان تعترف بها كدولة مستقلة ذات سيادة، واستمر الدعم فى مختلف المجالات حتى الآن، حيث إن جنوب السودان لها مكانة كبيرة لدى الشعب المصرى، وتسعى مصر لاستقرار الجنوب فهو العمق الإستراتيجى لمصر. رئيس جنوب السودان زار مصر، الإثنين الماضى، استغرقت يومين، صاحبه خلالها وفد رفيع المستوى ضم عددًا من الوزراء؛ منهم وزير التعليم العالى ووزير الإسكان والبنية التحتية، ووزير الدفاع وعدد من الإعلاميين وأعصاء المكتب الرئاسى، وناقش الرئيس سلفاكير والرئيس عبد الفتاح السيسى عددًا من القضايا والموضوعات المشتركة بين البلدين، أهمها قضية السلام واستقرار الجنوب وتطبيق اتفاق السلام، بعيدًا عن القبلية والعرقية، التى ستدمر ما تبقى من دولة الجنوب، بعد انهيار اتفاق السلام أكثر من مرة، ونشوب عدد من الصراعات والحروب المتوالية كان آخرها فى الثامن من يوليو من العام الماضى، وكانت أهم القضايا التى حلت للنقاش خلال الزيارة دور بعثة الأممالمتحدة لحفظ السلام فى جنوب السودان وقوات الحماية الدولية الإقليمية المقرر نشرها تحت مظلة الأممالمتحدة، والمقرر أن تشارك بها مصر لتحقيق السلام واستقرار جنوب السودان. وصرح أنطونى لويز سفير جمهورية جنوب السودان فى مصر، أن الزيارة جاءت بناءً على دعوة من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى إلى الرئيس سلفاكير، وتم تلبية الدعوة على الفور بوفد رفيع المستوى يضم عددًا من الوزراء وكبار رجال الدولة، حيث إن مصر لها أهمية ومكانة خاصة لدى شعب جنوب السودان منذ زمن بعيد، حيث إن مصر أولى الدول التى أتاحت فرص المنح الدراسية لطلاب الجنوب وقت الحرب وحتى الآن، كذلك الدورات التدريبية والتأهيلية وشحنات الأغذية والأدوية، بالإضافة إلى عدد من المشروعات العملاقة كالكهرباء والآبار والرى والزراعة والأسماك وغيرها، سعيًا لاستقرار وأمن جنوب السودان، بفتح مجالات استثمار مشترك يهدف إلى الإعمار والتنمية والقضاء على أى بؤر تمرد تسعى للخراب والدمار، حيث لمح الرئيس كير خلال المؤتمر الصحفى المشترك الذى عقد على هامش الزيارة، أن هناك بعض جماعات التمرد العديدة والانشقاقات التى تسعى إلى إسقاط عملية السلام من جديد بعقد بعض المؤتمرات المشبوهة للتأكيد على انهيار الجنوب ونشر الفوضى والخراب، ولكن الرئيس خلال تواجده من منبر مصر، أكد أن اتفاق السلام قائم ولن ينهار حتى يصبح الجنوب بلدًا مزدهرًا ينعم بكافة خيراته وثرواته التى يسعى الحاقدون لإثارة التوتر للاستفادة منها. وأكد الرئيس كير خلال الزيارة على دور مصر الدائم ومواقفها الداعمة للجنوب، حيث إنها من الدول التى رفضت قرار حظر السلاح وفرض عقوبات أخرى على جنوب السودان والتى كانت تنوى أمريكا فى ديسمبر الماضى تطبيقه، لولا امتناع مصر وعدد من الدول الأخرى عن التصويت. كذلك دعت جنوب السودان إلى مبادرة للحوار الوطنى بين الأطراف السياسية فى البلاد لوضع حد للعنف المتصاعد ولتوحيد جميع الأطراف بالدولة الجديدة، ولكن تم رفض المبادرة، وظهرت دعوة إلى إعادة النظر فى الاتفاق الموقع مع المعارضة فى أغسطس 2015، وهو ما تم رفضه بشدة. ومن ناحية أخرى، أكد السفير لومومبا، ممثل خارجية جنوب السودان، خلال الزيارة، على أهمية الزيارة الحالية بما لها من نتائج لعدد من المشروعات الجديدة التى سيتم تفعيلها قريبًا فى مجالات للاستزراع السمكى والزراعة والرى والكهرباء والتعليم، وكذلك تحقيق الأمن القومى للبلدين، حيث إن استقرار وأمن دولة الجنوب ينعكس على الوضع الأمنى لمصر، وهى الدولة الرائدة فى القارة السمراء، وتم طرح عدد من الملفات منها التعليم وزيادة فرص المنح بالجامعات، فيوجد حاليًا 6 آلاف طالب يدرس بالقاهرة، علاوة على أن أغلب وزراء ومسئولى الجنوب، من خريجى الجامعات المصرية العريقة، وكذلك تم الاتفاق على تفعيل التجارة البينية لدفع حركة الصادرات وإقامة عدد من المشروعات المشتركة فى الصحة والإدارة وغيرها، وتم طرح فكرة مشروع مشترك للتنمية لدول حوض النيل وربط بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط تجاريًا، حيث تسعى دائمًا دولة الجنوب للاستفادة من الخبرات المصرية لرفع كفاءته الكوادر لديها. وفى المجمل أثمرت الزيارة الغرض منها، بل وعكست لدول المنطقة مدى عمق العلاقة بين البلدين وحب واحترام الشعبين، فتم إلغاء التأشيرات بين البلدين، وهى خطوة تسعى إلى مساعدة أهل الجنوب للمجىء لمصر وذهاب المصريين لاكتشاف الجنوب والاستثمار به.