127 ألف طن بالموانئ وراء «الإعفاء بأثر رجعى».. و«الوليد بن طلال» ضمن المستفيدين خالد حنفى عقد الاتفاق مع 3 شركات عالمية قبل رحيله.. و«الوكيل» ضغط لاعتماده «يموت الزمار وصوابعه بتلعب»، مثل شعبى ينطبق على الكثير من الأحداث التى تفرض نفسها على الساحة الآن، خاصة فيما يتعلق بتحكم رجال نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وبعض الوزراء الذين رحلوا عن أماكنهم فى المشهد الاقتصادى، بالشكل الذى يدمر العديد من الصناعات المحلية لصالح عمليات الاستيراد، وهو ما يتناقض مع التصريحات المتتالية للحكومة. وبعد تدمير صناعة السكر ورفع الأسعار إلى درجة جنونية، جاء الدور على تدمير صناعة الدواجن، بنفس السيناريو تقريبًا، وذلك بالقرار الذى أصدره رئيس الوزراء شريف إسماعيل، الإثنين الماضى، بإعفاء الدواجن المستوردة من الجمارك بشكل نهائى. المثير فى الأمر، والذى دفعنا إلى البحث عن الأمر هو إصدار القرار بأثر رجعى تضمن 12 يومًا ماضيًا عن تاريخ نشر القرار وهو 22 نوفمبر، فنص على بداية الإعفاء من 10 نوفمبر حتى 31 مايو 2017، وهو ما كشف «الكارثة» فى التفاصيل التالية. حسب المعلومات التى حصلت عليها «الصباح»، فإن العملية تمت لصالح عدد من الأشخاص والشركات، وبدأت اللعبة بتضليل رئيس الوزراء بأن هناك أزمة كبيرة تهدد الثروة الداجنة، وأن أسعارها سترتفع بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، ما يستدعى إعفاء الدواجن المستوردة من الجمارك، وذلك بهدف ضخ كميات كبيرة، والتحكم فى الأسعار، ومواجهة جشع التجار حسب ما كانوا يرون، وهو ما دفع رئيس الوزراء باتخاذ القرار بحس وطنى من أجل تخفيض الأعباء على المواطن البسيط فى ظل الظروف الراهنة، إلا أن الأمر كان له أبعاد أخرى منذ أبريل الماضى. فى الحادى عشر من أبريل الماضى، عقد وزير التموين آنذاك خالد حنفى اجتماعًا مع 3 من رؤساء شركات عالمية للدواجن، وهم «أولا هانسن»، رئيس شركة «ببى العالمية»، و «مازن السخاوى»، رئيس شركة «مازكس الغذائية»، و «إيهاب الغنيمى»، رئيس شركة «الكسندرينا»، وتم الاتفاق على توفير كميات كبيرة من الدجاج المجمد الروسى لطرحه فى كل فروع المجمعات الاستهلاكية وشركتى الجملة والسيارات المتنقلة التى تجوب المحافظات بأسعار مخفضة تناسب كل الأسر. كان ذلك هو ظاهر الأمر، الذى جاء فى الاجتماع الذى حضره عاطف سعد رئيس قطاع مكتب وزير التموين وممدوح عبد الفتاح نائب رئيس هيئة السلع التموينية والدكتور محمد عاطف رئيس الشركة المصرية لتجارة الجملة وصبحى طاحون رئيس الشركة المصرية للحوم والدواجن وأحمد كمال معاون وزير التموين. أما باطن الاتفاق فكان له أبعاد أخرى خاصة أن تلك الفترة هى ذاتها التى كان يتم فيها إغراق السوق المصرية بالسكر المستورد، وتكمن المفاجأة فى أن هناك طرفًا مشتركًا فى أزمة السكر وأزمة الدواجن الحالية وهو «الوليد بن طلال»، صاحب شركة «المملكة»، والتى تعد الطرف المخول بتوريد الدجاج المجمد للشركات الثلاث التى اتفقت مع «حنفى»، وهو ما كشف عنه النائب إيهاب فتحى عبد ربه، عضو مجلس النواب عن دائرة الهرم. وأوضح «عبد ربه» أن هناك صفقة تم التعاقد عليها لاستيراد نحو مليون و225 ألف طن دجاج مجمد خلال فترة الإعفاء، وأن الأمر كان قد تم الاتفاق عليه مسبقًا بين الشركات المستوردة وشركة «المملكة»، وذلك لإغراق السوق المحلى، والقضاء على الثروة الداجنة فى الداخل، وذلك بعد عزوف المربين لتدنى الأسعار، ومن ثم التحكم فى الأسعار مجددًا من قبل المستوردين، وهى عملية تلاعب بالسوق المصرى بشكل كبير تتم وفق خطة مدروسة من قبل الشركات المستوردة التى تتحكم فى الأمر، مشددًا أنه خلال لقاء الوزراء تم شرح الأمر باستفاضة ومن المرتقب اتخاذ قرار تجاهه. هذا، وأكد مصدر طلب عدم ذكر اسمه، أن الضغط الذى حدث وتضليل المشهد لاستصدار القرار بأثر رجعى جاء ليشمل نحو 127 ألف طن دواجن مجمدة موجودين بالميناء فى هذا التاريخ ضمن الصفقة المتفق عليها، مشيرًا إلى أن ما يتم استيراده كل عام يمثل نحو 120 ألف طن وهو ما يطرح تساؤلات بشأن وجود 127 ألف طن فى الموانئ فى تلك الفترة لصالح الشركات التى شملها الإعفاء الجمركى. من جانبه، كشف الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن أن مثل هذه الخطوة ستمثل كارثة على الثروة الداجنة فى الخارج وأن قيمة الإعفاء الجمركى ستمثل رقمًا كبيرًا، خاصة أنها تمثل 30فى المائة من سعر الشراء الذى يمثل كحد أدنى 1500دولار للطن. وبحسب الصفقة التى تمثل مليون و225طن فإن تكلفة الإعفاء الجمركى تمثل نحو 5 ملايين دولار تضيع على الدولة، إلى جانب تدمير الثروة الداجنة وتشريد آلاف العمال. وقال مصدر فى وزارة الزراعة إن هذا «المخطط» يرعاه كبار التجار، برعاية الاتحاد العام للغرف التجارية، ويهدف إلى إغراق السوق بدواجن رخيصة الثمن، ما سيؤدى فى النهاية لتدمير شركات الدواجن المصرية، والمزارع الصغيرة، والتى لن تتمكن من مجاراة أسعار المستورد والتى ستقل بنسبة 40 فى المائة عن سعر تكلفة كيلو الدجاج المحلى، وبالتالى سيضطر المربى الكبير والصغير لإغلاق النشاط نهائيًا. واتهم المصدر، أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، بالوقوف وراء تنفيذ المخطط، مشيرًا إلى أن «الوكيل» دعا أيضًا لعدم زراعة القمح، والبنجر، والفول، وعدم تربية الدواجن، ومن ثم استيرادها من الخارج حسب رغبته هو وكبار التجار. وأوضح أن كبار المستوردين هم المستفيدون من إلغاء الجمارك على الدواجن المستوردة، عن طريق زيادة الأرباح، وذلك بشراء دواجن بأسعار زهيدة من أمريكا، وبيعها بأسعار مرتفعة فى مصر، دون دفع جمارك، وهو ما سيقضى على الصناعة المحلية للدواجن، والتى تكلف المربين مبالغ طائلة من تحصينات وأعلاف وأدوية وتربية. فيما كشفت مصادر أخرى أن أكثر من 15 مستوردًا يسيطرون على عملية استيراد الدواجن من الخارج، منهم مسئولون فى اتحاد الغرف التجارية، وآخرون بوزارتى الزراعة والتموين، قادوا حملة إلغاء الرسوم الجمركية على الدواجن المستوردة، عبر ممارسة ضغوط على مجلس الوزراء، بالتعاون مع اتحاد الغرف التجارية بقيادة «الوكيل». من جهته، قال الدكتور نبيل درويش، رئيس اتحاد منتجى الدواجن، إن إلغاء الرسوم الجمركية المفروضة على الدواجن المستوردة سيدمر صناعة الدواجن تمامًا، ويعيدها إلى المربع صفر، بعد تحقيقها اكتفاءً ذاتيًا بلغ 90فى المائة فى اللحوم و100فى المائة من البيض، مشيرًا إلى أن القرار بمثابة «التفاف» على خطة الرئيس عبدالفتاح السيسى بالحد من الاستيراد، وتشجيع الإنتاج المحلى، وجذب رؤوس الأموال للداخل، خاصة وأن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تشكل نسبة كبيرة فى قطاع الدواجن، خاصة فى الأقاليم. وأضاف «درويش»: «سيسمح القرار بدخول المستوردين والتجار بشكل أوسع لإغراق السوق المصرية، الأمر الذى يهدد بالقضاء على الصناعة تمامًا وتدميرها، وسحب المستثمرين العرب والأجانب استثماراتهم، إلى جانب تهديد المستهلك المصرى بدخول دواجن رديئة وغير مذبوحة على الطريقة الإسلامية والمسيحية». ورأى المهندس محمود العنانى، عضو اتحاد منتجى الدواجن، أن المستهلك لا يواجه أى أزمة حاليًا فى الدواجن، لذلك لا يوجد مبرر لاتخاذ القرار، مضيفًا: «رغم ما يواجه أصحاب المزارع حاليًا من أزمة كبرى تتمثل فى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج بسبب الدولار، إلا أنهم لم يرفعوا الأسعار، ويبلع الكيلو فى المزارع 15 جنيهًا، بينما تصل تكلفته الفعلية 16 جنيهًا». وتابع: «المقترح سيلحق الخراب بالمنتجين، وسيساهم فى تشريد أكثر من 3 ملايين عامل يعملون فى الصناعة». وأضاف عبد الخالق النويهى، رئيس جمعية مربى الدواجن: «القرار سيشرد 3 ملايين عامل فى المزارع والمجازر ومعامل التفريخ، ومحال البيع، ويهدر استثمارات تقدر حاليًا بعد تحرير سعر الصرف بنحو 60 مليار جنيه» واقترح «النويهى» مجموعة من البدائل، منها توجيه وزارة الزراعة بضرورة إحياء دور الهيئة العامة للخدمات البيطرية، بوضع خريطة وبائية لأمراض وأوبئة الدواجن، حتى يسهل تحديدها، وعزل فيروساتها وميكروباتها، ومن ثم تصنيع لقاحات محلية تناسب «العطرات الوبائية» المتوافرة فى البيئة المحلية. كما طالب بتفعيل القرار الجمهورى السابق بنقل جميع مزارع الدواجن خارج الكتلة السكنية، مع تخصيص مواقع صحراوية، وإمدادها بالمرافق (طرق، كهرباء، وخدمات أخرى)، مع تحميل تكاليف هذه المرافق على أصحاب المزارع الراغبين فى النقل. فيما قالت الدكتورة نسرين سليم، أستاذ بمركز البحوث الزراعية، إن واردات مصر من الدواجن تقريبًا 10 فى المائة فقط من احتياجاتها، بينما اقتربت الصناعة المحلية رغم كل المعوقات والتحديات من تحقيق الاكتفاء الذاتى، وهو ما يمكن تحقيقه بسهولة عبر زيادة مساحة زراعة الذرة الصفراء وفول الصويا». وأكدت أن إلغاء الرسوم الجمركية سيؤدى لانهيار صناعة الدواجن، واضطرار معظم المربين، خاصة الصغار، لوقف النشاط، لاستحالة تحقيقهم أى ربح. الأمر ذاته أكده الدكتور نادر نور الدين، الخبير المائى، قائلاً: «الإعفاء ينبغى أن يكون لحصة معينة من الدواجن، حتى لا يحدث إغراقًا للدواجن المستوردة فى الأسواق المصرية تؤثر على استثمارات الدواجن المحلية، وذلك مثلما تعمد التجار إغراق السوق المصرية بالسكر المستورد، فى حماية وزير التموين السابق، وقت أن كان سعره لا يزيد على 3 جنيهات فى البورصة العالمية، ما هدد مصانع السكر الحكومية». من جهته أكد النائب رائف تمراز، عضو لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب، أنه تقدم بطلب إحاطة لرئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، بشأن منع تنفيذ قرار الحكومة بإلغاء الجمارك على استيراد الدواجن، مشيرًا إلى أن هذا القرار سيكون عاملًا أساسيًا فى انهيار صناعة الدواجن بمصر، وأن الصناعة تعانى من أزمات كبيرة، وكان يجب على الحكومة حل المشكلة وليس تفاقمها بفتح باب الاستيراد.