مراكز ثقافية بالقليوبيةوسوهاجوالشرقية تتحول لمقالب قمامة نهارًا وملاجئ بلطجية ليلًا فى مطلع العام الحالى، وفى كلمته بدار الأوبرا لإعلان انطلاق مشروع بنك المعرفة، طالب الرئيس بإعادة الاهتمام لدور وقصور الثقافة، مؤكدًا أن مصر تخوض الآن حربين، الأولى معركة التنمية الاقتصادية، والثانية حرب الحفاظ على الهوية الثقافية المصرية، ومن وقتها لم تفعل وزارة الثقافة بقيادة حلمى النمنم، أكثر من تنظيم بعض الفعاليات فى مراكز الشباب، بالتنسيق مع وزارة الشباب والرياضة، ليبقى الوضع الحقيقى من الداخل كما هو.. الاسم «قصور» والواقع «خرابات» مهجورة إلا من الموظفين صباحًا، والبلطجية والمدمنين ليلاً. فمنذ نهاية السبعينيات وحتى اللحظة الحالية، يتزايد الإهمال فى قصور الثقافة لدرجة تشقق جدرانها وإغلاق بعضها واستئجار شقة سكنية بدلًا منه، لإقامة الفعاليات التى يسمونها مجازًا «ندوات»، ولا يحضرها فى الغالب إلا الموظفون، ومع ذلك فهى تكلف الوزارة ميزانية ثابتة كمكافآت، يحدث أن القائمين على هذه الدور يختلقون أى فعالية حتى تصرف لهم. هذه المهزلة يمكن الجزم بأنها موجودة فى أغلب المبانى التابعة لهيئة قصور الثقافة بجميع المحافظات، وهو ما يظهر مثلًا فى محافظة القليوبية، التى تضم 25 مبنى ما بين قصر ثقافة ومكتبة، لا تعرف شيئًا عن الثقافة، كأنها تفرغت لاستقبال القمامة والبلطجية عوضًا عن الأدباء والمثقفين، تمامًا كما هى الحال فى قصر ثقافة طوخ، الذى ظهرت به التشققات وصدر له قرار بالإخلاء الفورى، ليتم إغلاقه وتأجير شقة قديمة أخرى مكونة من غرفتين وصالة بالدور الأرضى، ويتبعه فى ذلك قصر ثقافة أجهور، الذى صدر له قرار بالإخلاء فى أغسطس 2010، ليكون مقلبًا للقمامة نهارًا وملجأ للبطلجية ليلًا، ليسير على نفس خطوات قصر طوخ، ويتم استئجار شقة بدلًا منه فى إحدى العمارات السكنية. فى محافظة سوهاج أيضًا، تدهورت حال معظم مبانى الثقافة، المحاطة بالقمامة من الخارج، لا تدل على أن بها كتبًا قيمة بالداخل، لا يقربها أحد بالطبع، كما فى قصر ثقافة «أخميم» الذى لا يعدو كونه شقة سكنية فى دور أرضى بإحدى العمارات الآيلة للسقوط، ضربتها مياه المجارى، ولا يعرف الأهالى بتبعيتها لقصر الثقافة، إضافة إلى مسرح فى منطقة أخرى بعيدة عن القصر والمكتبة، وهى نفس ظروف قصر ثقافة مدينة المنشأة المستمرة منذ 15 عامًا، وكذلك قصر ثقافة العسيرات الذى تحولت حديقة الطفل التابعة له إلى مكان لتربية الحيوانات. أما فى محافظة الشرقية، وتحديدًا فى أحد الشوارع الجانبية وفى عقار متهالك ينتظر السقوط، يقع مركز ثقافة فاقوس، الذى لا يعرف بوجوده كثير من الأهالى، ومنهم مصطفى الخولى، أحد أبناء المركز، الذى قال ل«الصباح» إنه طوال عمره البالغ 24 عامًا لم يعرف أى شىء عن هذا المركز، إلا كونه مكانًا مهجورًا لا فائدة له، ونفس الحال مع مكتبة مجلس مدينة فاقوس الذى قتله الإهمال، وكذلك قصر الثقافة ديرب نجم الذى تحول إلى مبنى لا يعرفه إلا موظفوه. الكاتب والناقد المسرحى يسرى حسان، رئيس تحرير جريدة «مسرحنا» السابق، وعضو لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة سابقًا، علق على الأمر ل«الصباح» بقوله إن مصر تمتلك 560 قصر ومركز ثقافة فى أنحاء البلاد، لا يعمل منها تقريبًا أكثر من 100 مركز فقط، ومع ذلك فهى تكلف وزارة الثقافة نحو 300 مليون جنيه، فى صورة رواتب للموظفين، ومكافآت لضيوف الندوات التى لا يحضرها أحد. وعلى الرغم من ذلك فإن حسان يستطرد: «هذا الوضع يضعنا أمام مشكلة حسابية، إذ إننا لا يمكن أن نطالب بتقليل رواتب الموظين، ولكن ما يجب فعله هو زيادة الجزء المخصص للفعاليات الثقافية، لتنشيط الحراك الثقافى بشكل جاد، وإلا فما فائدة الوزارة ككل؟». من جانبها، ردت سحر المليجى، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الثقافة، إن الفعاليات الثقافية لا تقام فى مثل هذه الأماكن، ولكنها أماكن لتجمع الموظفين فقط، فالفعاليات تقام بالمشاركة مع مراكز الشباب المجاورة لهذه البيوت والمراكز، كما تقام أيضًا فى الشوارع، مشيرة إلى أن عدد الأماكن المخصصة لاستقبال الفعاليات هو 99 وليس 560، لكنها اعترفت بأن العاملة منها عددها 27 فقط. المليجى اعتبرت فى حديثها مع «الصباح» أن «الأهم الآن هو تقديم خدمة ثقافية حقيقية، وهذا ما يحدث من خلال البرامج الثقافية والليالى والقوافل التى لا ترتبط بمكان، مثلما حدث فى القافلة الثقافية أمام جامعة القاهرة فى الشارع، وفى الأقصر فى ساحة أبو الحجاج»، منوهة فى هذا السياق بأن «الوزير حلمى النمنم أكد مرارًا أن العدالة الثقافية هى الأهم، وهى عدالة وصول الثقافة لكل الأماكن، وهو ما نقدمه من خلال ما نقوم به الآن».