مما لا شك فيه أن المتابع للعلاقات المصرية السعودية طوال مائة عام يرى صعود وهبوط حميمية العلاقة وصولًا لدرجات توتر أحيانا أو توحد فى الرؤى فى أحيان كثيرة نتيجة لتعدد القضايا المشتركة بين القوتين الإقليميتين واختلاف الأولويات والمصالح بين رأس الدولة فى كليهما وتوجهاته. وتأتى زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر فى ضوء الكثير من التحديات والتحولات التى تنتاب الإقليم وفى ضوء تغيرات فى السياسة الخارجية للمملكة وتراجع للنفوذ الإقليمى لمصر. كما لا يخفى الكثير من الشائعات التى تتناول أن هناك خلافات بين البلدين وصفها البعض بالحادة وخصوصًا فيما يتعلق بالشأن السورى واليمنى وحزب الله وغيرها من القضايا مما دعا البعض للحديث عن تراجع دعم السعودية للرئيس السيسى بعد رحيل الملك عبدالله بن عبد العزيز وطوال فترة حكم الملك سلمان لم يخل أسبوع من زيارة مسئول مصرى للرياض لمقابلة نظيره السعودى للتأكيد على أهمية دور المملكة كداعم لاستقرار الداخل الاقتصادى المصرى وأهمية التفاهم المشترك حول قضايا الإقليم. فى ضوء كل ما سبق تأتى زيارة الملك سلمان للقاهرة وهى زيارة ليست بالمقتصرة على لقاءات على مستوى القمة كما أنها ليست بالزيارة القصيرة إذ تستمر لمدى 5 أيام ستشهد بالإضافة للقاءات قمة مقتصرة وموسعة بين رأس الدولتين توقيع 24 اتفاقًا ومذكرة تفاهم بين الدولتين فى إطار مجلس التنسيق المصرى السعودى وتوقيع الصندوق السعودى للتنمية 12 اتفاقية بخصوص سيناء بقيمة إجمالية تصل إلى 1.5 بليون دولار تشمل إنشاء جامعة الملك سلمان فى مدينة الطور. كما أنه من المقرر أن يزور العاهل السعودى مقر مشيخة الأزهر الشريف ومقر البرلمان المصرى بمراسم رسمية وأيضًا تشمل الزيارة الطويلة لخادم الحرمين الشريفين تفقد عدد من المشروعات التى يتم تنفيذها بتمويل سعودى كأعمال تطوير مستشفى قصر العينى الفرنسى. وعلى هامش الزيارة سيلتقى الملك بالعديد من الشخصيات فى لقاءات متعددة تم إعدادها من خلال السفارة السعودية فى القاهرة بالتعاون مع الديوان الملكى فى الرياض. ولكن هناك بشكل أساسى وبارز قضايا خلافية بين الدولتين ورؤى متباينة حول عدد من قضايا الإقليم وعلى رأسها الخلاف المصرى التركى والذى لا ترضى عنه السعودية بحال فى ظل الصراع السعودى الإيرانى والذى أضحى أحد أولويات السياسة الخارجية للملك سلمان بعد خروج الولاياتالمتحدة خارج دائرة الدعم المباشر للمملكة فى هذا الصراع. التفاهم السعودى التركى حول فكرة الهلال السنى لحصار النفوذ الإيرانى أيضًا والمتمدد فى العراق وسوريا ولبنان واليمن وهى أماكن تمثل خطر المتاخمة للمملكة وحصارها من كافة الاتجاهات. التوافق السعودى التركى حول ضرورة التخلص من بشار الأسد فى أى معادلة قادمة لحل المسألة السورية. وهناك أيضا قضية النفوذ الروسى فى المنطقة والتى تشهد حاليًا تقاربًا ملحوظًا فى الرؤى فى ضوء التحول فى العلاقات السعودية الروسية يمكن ملاحظته من خلال الزيارات المتبادلة بين الرياض وموسكو ولكنه يشمل أيضًا اختلافًا بين القاهرةوالرياض فى مدى القبول لشكل وطبيعة الدور الروسى المتنامى فى المنطقة. أيضا على رأس القضايا الخلافية موضوع اليمن والذى وان امتعضت فيه السعودية عن انسحاب مصر من التدخل المباشر والدعم البرى إلا أنه تظل فكرة الدعم البحرى اللوجستى المصرى فى جنوبالبحر الأحمر مسألة مهمة. رغم حجم الاختلافات بين الدولتين إلا أن زيارة الملك سلمان تؤكد على أن استمرار أهمية استقرار مصر وعدم انهيارها على رأس أولويات المملكة منذ نشأتها وأن كلتا الدولتين عامل مهم لاستقرار نظام الدولة فى الإقليم وستؤكد أيضًا على استمرار دعم الرياض للرئيس عبد الفتاح السيسى وعدم السماح بانهيار الاقتصاد المصرى مع التأكيد أنه لا يمكن الدفع للأبد أو الدعم دون مقابل.