*النوع الواحد يحتوى على أكثر من 250 مكونًا وتعتمد على المشتقات البترولية بحلول فصل الصيف، يزيد استخدام العطور وتصبح جزءًا لا يتجزأ من مهام اليوم المعتادة، ومع انتشار أدوات استخدام المواد العطرية فى السيارات والأماكن المغلقة، زاد عدد محال بيع وتركيب العطور المقلدة، فضلًا عن بيع معطرات الجو ومزيلات التعرق.. وفى هذا التحقيق تكشف «الصباح»، عن ترويج عطور مقلدة للمستهلكين المصريين، رغم أنها تحتوى على مواد خطيرة على الصحة ومحظورة كيميائيًا، وتتسبب فى العديد من الأمراض مثل تسمم الدم وزيادة مضاعفات مرض السكر والتليف الكبدى والفشل الكلوى، وذلك فى ظل غياب تام للرقابة والمتابعة الممثلة بوزارة التجارة والصناعة. فتحى عبدالعزيز، رجل خمسينى يعمل مساعد صيدلى بمستشفى التحرير، وصل إلى ما يمكن وصفه بإدمان استخدام «العطور المركبة»، وذلك لعدة سنوات، ويروى الرجل أنه تعود على رش العطور المقلدة فى ملابسه، وكذلك رش المنزل بالعديد من معطرات الجو، وبعد فترة من استخدام المعطرات بأنواعها، بدأ يعانى من ضيق بالتنفس، حتى أنه أصبح لا يستطيع التواجد فى أى مكان تنتشر به العطور، وعندما لجأ لإجراء فحص طبى، نصحه الطبيب المعالج - وفق تقرير طبى حصلت «الصباح» على نسخة منه - بعدم التعرض لتلك العطور وعدم التواجد بالأماكن التى تنتشر بها. ويضيف عبد العزيز، أنه وبعد فترة من امتناعه عن استنشاق العطور ومشتقاتها، أصبح يشعر بتحسن تدريجى فى قدرته على التنفس بسهولة. حالة أخرى هى، آية محمد، التى بدأت تظهر عليها علامات الإصابة بالبهاقvitillige، وتدهورت حالتها الصحية بشدة فى الآونة الأخيرة، ما وضعها فى حالة يأس تام من وجود أى أمل للشفاء. تبدلت حالة آية تمامًا، بعدما توقفت عن وضع العطور التى كانت تستخدمها بكثافة، وكان ذلك المنع ضمن بروتوكول علاجى أدى إلى التحسن السريع فى حالتها ثم الشفاء تمامًا من المرض. حالتا عبد العزيز وآية ليستا استثناء فى المصابين بالأمراض الناجمة عن استخدام العطور المغشوشة، إذ بدأ، أحمد أبو زيد، كبير فنيى الأشعة بمستشفى إمبابة العام، يشعر بالصداع الدائم وفقدان التركيز والتهابات الجيوب الأنفية، وهو ما تبدل تماما بعدما امتنع عن استنشاق تلك العطور وتحسنت معه حالته، وفق تقرير طبى من طبيبه المعالج والذى حصلنا على نسخة منه، ولكنه الآن يشتكى من زملائه الذين يداومون على وضع تلك المركبات التى تصيبه بالاختناق والحساسية. ويمثل بيع المنتجات العطرية غير الخاضعة للرقابة، مشروعًا تجاريًا مربحًا، وبحسب عدد ممن يعملون فى تركيب تلك المواد، فإنهم لا يعرفون الأثر الطبى للخليط الذى يستخدمونه لإنتاج زجاجة ذات رائحة مقبولة ورخيصة السعر، وأشار أحدهم - طلب عدم ذكر اسمه - أنه عندما يضع كمية أكبر من مادة المثبت والتى يطلقون عليها اسم day «الداى»، واسمها العلمى «الكحول الميثيلى»، فإنه يكون بذلك قد جامل المشترى. ووفق جولة أجراها محرر «الصباح» تفقد خلالها ما يقرب من 15 محلًا لبيع تركيب العطور فى مناطق مختلفة بالقاهرة والجيزة، لاحظ أن العطور تتركب من ماء وكحول وزيت عطرى. الدكتورة، أمانى السيد، إخصائية ورئيس قسم الأمراض الجلدية حللت عينة من تلك العطور المقلدة، وتبين لها وجود مادة «الكحول الميثيلى»، وهو من المواد السامة، والتى يستخدمها التجار بديلًا للإيثانول لرخص ثمنه، ولصعوبة الحصول على الإيثانول الذى يتطلب شراؤه تصريحًا من جهة رسمية لبيان سبب استخدامه. وتقول إخصائية الجلدية، إن النوع الواحد من العطور يحتوى على نحو 100: 250 مكونًا، وتعتمد صناعة العطور على أكثر من خمسة آلاف مركب كيميائى منها 95 فى المائة مشتقات بترولية، تشتمل على مركبات تؤثر على الجهاز التنفسى والجلدى سلبًا، وتضيف، إن تلك المركبات تتسبب فى أنواع مختلفة من الحساسية والتفاعلات المضاعفة لها. وتسبب امتناع، ديفيد محسن، عن استخدام المنتجات العطرية والابتعاد عن استنشاقها بالغ الأثر فى تحسن صحته والشفاء من مرض البهاق، وذلك وفق تقرير طبى رسمى. وكالة حماية البيئة وبحسب تقرير نشرته، وكالة «حماية البيئة الأمريكية»، فإن هناك عشرين نوعًا من المركبات الكيميائية هى الأكثر استخدامًا فى عالم العطور، ومن بينها «الاسيتون وخلات الايثايل، الكحول الإيثيلى، خلات البنزايل»، وتوقف التقرير أمام « التولوين» وهو الأكثر استخدامًا فى العطور ووصفته بالمركب الكيميائى المسرطن» ومؤثر فى الجهاز العصبى، ويصيب المتعرضين له بالربو. وطبقًا للدراسة التى أجرتها الدكتورة ليلى محمد الهادى سابق، أستاذ مساعد السموم الإكلينيكية بكلية الطب جامعة الزقازيق، يرجع الأثر السام بسبب تحويل الكحول الميثيلى المستخدم بصناعة العطور، فى الجسم بسرعة بواسطة إنزيم نازعة الهيدروجين إلى فورمالدهيد وحمض فورميك (وهما مركبان شديدا السمية). وتضيف، أستاذ السموم، يحدث سرعة فى معدل التنفس فى البداية بسبب زيادة نسبة الميثانول فى الجسم وبعد ذلك بسبب زيادة حمضية الجسم، وفى النهاية يكون هناك فشل فى التنفس. وأفادت الأكاديمية الوطنية للعلوم فى الولاياتالمتحدة، أن صناعة العطور والتى لا تتبع أى قيود أو مراجعة، تستطيع أن تضيف أى عدد من المواد الكيميائية إلى منتجاتها، ويمكن أن تدخل أكثر من 6000 مادة كيماوية فى صنع عطر واحد، وتحتوى العطور عددًا من المواد السامة المنصوص عليها فى لوائح النفايات الخطيرة، عند اتحادها مع بعضها تسبب أضرارًا فى الجهاز العصبى، ودوارًا وغثيانًا وصداعًا وإرهاقًا، وفقدان التركيز والنعاس، وعلى المدى البعيد ومع تراكم تلك العطور فى الدم تسبب تليفًا فى الكليتين والكبد مع زيادة نسبة التسمم فى الدم، مما يؤدى إلى اضطراب عام فى وظائف الجسم مع ضعف للمناعة. بحث آخر أجراه الباحثون بجامعة «إدنبره» الاسكتلندية، كشف أن تعرض المرأة الحامل للمواد الكيميائية المستخدمة فى العطور خلال الفترة من 12 إلى 18 أسبوع من الحمل قد تسبب إصابة الجنين الذكر بالعقم. وأكد البروفسور ريتشارد شارب رئيس الفريق البحثى، أنه قد ثبت للباحثين أن المواد الكيمائية المستخدمة فى صناعة العطور المغشوشة تعوق عمل منشطات الذكورة، ومن بينها هرمون التستوستيرون وهو ما يؤدى إلى مشاكل فى الخصوبة، ليس هذا فقط ولكنها أيضًا تؤدى إلى ارتفاع نسب إصابة هؤلاء الذكور بأمراض مثل سرطان البروستاتا فى وقت لاحق فى حياتهم. أماكن بيع وكشفت جولة «الصباح» عن انتشار، أماكن بيع المكونات الأساسية للعطور المقلدة، فى عدة أماكن أبرزها شارع الأزهر بالحسين، وحارة اليهود فى العتبة بوسط القاهرة، وهناك ينتشر تجار الجملة، ويستيطع بائع التجزئة الذى يروج منتجاته المغشوشة والمصنعة من مواد خطرة على الصحة، أن يشترى عدة أحجام من خامات النوع الواحد بداية من 50 مل وحتى 1 كيلو. ويمنح أصحاب محلات الجملة، خصم نسبته 5 فى المائة على كل كيلو جرام، وتتراوح الأسعار بين 450 جنيهًا و700 جنيه للكيلو. محمد أحمد، شاب ثلاثينى، يعمل بائع خامات عطور فى منطقة حارة اليهود، يقول: إن عمله بسيط ومربح فى نفس الوقت، ويضيف «وفى كل الأحوال هو أفضل من كونى عاطلًا». وأوضح أحمد، أنه كلما قل سعر الزجاجة زاد الربح، خاصة أن التكلفة قليلة جدًا، بينما يفضل الزبائن تعبئة المواد التى نصنعها فى زجاجات عطور شبيهة بالأصلية، وذلك لبث إيحاء بالراحة النفسية وتقليل الفارق، ومؤكدًا أنه لا يعلم حقيقة المكونات التى يستخدمها ولا حتى أسماءها العلمية الأصلية، ولكن على الرغم من كثرة ما تردد عن الآثار الجانبية السيئة لاستخدام هذه العطور المركبة، إلا أن الإقبال عليها كما هو، ويقول بحسم «كل شىء نتعامل معه مضر، ما الفارق إذًا». وزارة الصحة الدكتورة أمانى السيد، إخصائية الأمراض الجلدية، حاولت بشكل شخصى تحذير المرضى من استخدام العطور مجهولة المصدر، وتؤكد أنها استطاعت معالجة بعض الحالات عن طريق منع استخدام العطور وتذكر من بينها الطفلة إيمان محمد، التى كانت تعانى من البهاق، والذى اختفى تماما بعد عدة شهور من عدم استخدام العطور فى البيئة المحيطة لها، وهو ما دفع والدة الطفلة لتعليق رسالة شكر لطبيبتها على باب المستشفى. ولفتت الدكتورة أمانى، أنها أعدت بعض البحوث بشأن تأثير العطور المغشوشة على المستخدمين، وعرضتها على الدكتورة، منى مينا، أمين عام نقابة الأطباء، وحازت على تأييدها لجهود مواجهة ذلك الخطر. ولفتت إخصائية الأمراض الجلدية، إلى أن استيراد وبيع العطور فى مصر لا يتبع وزارة الصحة، بل وزارة التجارة والصناعة، وهو ما يضع الأمر بأكمله فى مسار الخطر، حيث لا توجد أية رقابة طبية على تلك التجارة. الدكتور محمد على عز العرب، استشارى الكبد ورئيس وحدة الأورام بالمعهد القومى للكبد، قال إنه لا يعقل أن تترك هذه الصناعة هكذا دون رقابة، لما تحتويه هذه الأنواع من العطور من مركبات ضارة للجسم، كالمركبات الكحولية والتى يتعرض لها الجسم عن طريق الشم وتؤثر على كفاءة الجهاز التنفسى وعند زيادة الجرعة التى تدخل إلى الجسم من هذه المركبات، فإنه يؤدى إلى تأثير ضار بوظائف الكبد والعصب البصرى. وأضاف عز العرب، إن هذه المحال أو الأكشاك التى أصبحت تنتشر فى كل مكان حتى بداخل محطات المترو، تفتقر إلى العلم بمخاطر المواد المستخدمة، فكيف يعقل أن يقف شخص لا يدرى تأثير هذه المواد ويقوم بعمل هذه التراكيب التى تؤثر على الجلد والتنفس، ومن يدرى فقد يدخل فى تلك الصناعة مجموعة من الهرمونات التى يمكن عن طريقها تدمير جسم الإنسان، مؤكدًا أنه يجب أن تتم متابعة تلك الأماكن بصفة دورية، لما تحمله من خطر جسيم على المواطنين المصريين، وطالب بوضع قوانين للحد من هذه الظاهرة. «الصباح» واجهت وزارة الصحة بما وثقته فى التحقيق وما تحمله تلك العطور من مخاطر كبرى، وجاء الرد على لسان الدكتور حسام عبد الغفار المتحدث الإعلامى بوزارة الصحة، الذى قال إن وزارة الصحة غير مسئولة عن أماكن البيع، وتابع، إن المخالفات تندرج تحت إطار الغش الصناعى الذى يؤثر على الاقتصاد، فهناك العديد من المواد المغشوشة التى تملأ الأسواق وليس بالضرورة أن تكون تابعة لوزارة الصحة. وأضاف عبدالغفار، إن دور وزارة الصحة يقتصر على رقابة الأشياء التى تتعلق بصحة المواطن بطريقة مباشرة، كمحلات المأكولات والمشروبات، ومن يقومون بتقديم هذه الأصناف فى المحلات الخاصة بذلك، ونفى أن يكون للوزارة أى علاقة بتلك الصناعات. وحاولت «الصباح» التواصل مع أكثر من مسئول بوزارة الصناعة، إلا أننا لم نتمكن من الحصول على رد بشأن المخالفات.