«الجورة الظهير» و«المهدية» و«الجميعى» و«التومة» و«المقاطعة».. أبرز قرى تجنيد الأطفال مقابل المال المراقبة والتفخيخ ونقل الذخائر والعمليات الانتحارية.. مهام يتدرب عليها أشبال «بيت المقدس» بعيدًا عن كل الأحاديث النبوية المعروفة التى توصى برعاية الأطفال والعطف عليهم وإحسان تنشئتهم، وبعيدًا عن كل القيم الإنسانية التى تدعو إلى إبعاد الأطفال عن مخاطر الحروب، وعن أى خطر يحدق بهم، لجأ تنظيم «أنصار بيت المقدس» الإرهابى إلى استغلال الأطفال فى عملياته الإرهابية، بعد أن بادر إلى هذا الأسلوب غير الأخلاقى تنظيم «داعش» الإرهابى فى سوريا والعراق على وجه الخصوص، وسبق أن استخدمته كل التنظيمات الإرهابية الإجرامية فى مختلف أنحاء العالم، وبمختلف عقيدتها وطبيعة نشاطها الإجرامى. ولجأ تنظيم «بيت أنصار المقدس» الإرهابى فى الفترة الأخيرة إلى استخدام الأطفال فى عمليات عدة، بدأت باستغلالهم فى تنفيذ مهام استخباراتية، وصولًا إلى استغلالهم كعناصر انتحارية لن يثيروا الكثير من انتباه رجال الأمن الذين يظنون فى البداية أنهم أمام أطفال أبرياء. ومن أهم هذه العمليات التى يستغلون فيها الأطفال مراقبة أجهزة الأمن، ورصد التحركات، ونقلها إلى عناصر التنظيم من خلال أجهزة محمول عادية، وبعضها أجهزة لاسلكى ذات شفرات خاصة، وتعمل على شبكات غير مصرية.
كتائب الأشبال حسب المعلومات التى حصلت عليها «الصباح» من مصادر داخل مدينتى الشيخ زويد والعريش، فإن التنظيم الإرهابى أقبل على استغلال الأطفال فى أنشطته الإرهابية منذ بدء عمليات إخلاء الشريط الحدودى، إلا أن الاستجابة من جانب عائلات أبناء سيناء كانت ضئيلة للغاية. الأمر الذى اضطر قادة التنظيم إلى استغلال أبنائهم هم فى تكوين نواة لما يعرف باسم «كتائب الأشبال». وتقول مصادر إن هذه الكتائب ما زالت فى طور التجهيز حتى الآن، رغم أن عددًا كبيرًا من الأطفال بات مجهزًا، وقاموا بأدوار عديدة لصالح التنظيم الإرهابى خلال الفترة الماضية. وأوضحت المصادر أن عملية استقطاب هؤلاء الأطفال تتم عبر عدة مصادر، فكان المصدر الأول الذى تم الاعتماد عليه هو أبناء الإرهابيين الموجودين داخل عناصر التنظيم، وهناك جزء منهم يعيش بشكل عادى وسط المواطنين، بحكم أنهم من أبناء القبائل. والمصدر الثانى هو استغلال حالة الفقر فى عدد من القرى وتقديم بعض المساعدات المالية واحتياجاتهم خلال الفترة الماضية، ما جعل التنظيم يستقطب بعض الرجال وأطفالهم، ونسائهم أيضا، مثلما حدث فى قرى: الجورة الظهير، المهدية، الجميعى، التومة والمقاطعة. وهذه القرى هى التى تم تدريب الأطفال المستقطبين فيها على مراقبة الأجهزة الأمنية، ورصد التحركات وإرسال تلك المعلومات بشفرات معينة وكلمات غير صريحة. وقال المصدر إن هناك ما يقرب من 100 طفل باتوا تحت تصرف تلك الجماعات، ويتم تدريبهم على بعض المهام التى تتناسب مع أعمارهم، لافتًا إلى أنه يجرى الآن تدريبهم للهروب والمراقبة الأمنية للعناصر الكبيرة التى يمكن رصدها بسهولة أثناء تحركها فى المدن خاصة بعد تحالف القبائل مع الجيش فى محاربة الإرهاب. وتكشفت المزيد من المعلومات مع إلقاء القبض على 4 من هؤلاء الأطفال خلال العمليات الأخيرة، فاعترفوا بما تلقوه من تدريبات ومهام نفذوها بأوامر من تنظيم «ولاية سيناء». معسكرات التدريب تقع معسكرات تدريب الأطفال فى جبل الحلال، وتنقسم إلى عدة مراحل حسب سن الأطفال، فالمرحلة التى تشمل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 سنوات إلى 13 سنة، تقوم فيها التدريبات على كيفية استعمال أجهزة المحمول واللاسلكى، وكيفية استخدامها فى رصد التحركات وإرسالها دون أن يلفت الطفل نظر أجهزة الأمن أو انتباهها. كما يتم تدريبهم فى تلك المرحلة أيضًا، والتى تستغرق شهرًا، على إطلاق القنابل اليدوية. كما يتم تدريبهم على قيادة الدراجات النارية حتى يتم استخدامهم فى عمليات فردية فيما بعد. وحسب المصدر فإن الأطفال لا يمكثون بشكل دائم فى المعسكر بل يذهبون إلى وسط الأماكن السكنية بشكل عادى حتى لا يلاحظ غيابهم أو وجودهم، إلا أن الأمر قد يختلف خلال الفترة الحالية بسبب الإجراءات التى تتخذها قوات الأمن عقب هجمات الشيخ زويد والعريش. أما المرحلة الثانية فتشمل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 إلى 17 عامًا، ويتم تدريبهم فيها على استخدام الأسلحة وزراعة المتفجرات، وصناعتها أيضًا. وتخضع هذه المرحلة لفترة تدريب تتجاوز الشهرين فى منطقة جبل الحلال. ورغم أن عدد المتدربين فى هذه المرحلة ليس بكثير، إلا أن تنظيم «أنصار بيت المقدس» الإرهابى يحاول تجنيد المزيد من الشباب فى هذه المرحلة العمرية تحت ذريعة أن القوات الأمنية تستهدف الآمنين والأهالى وتريد إخلاء سيناء نهائيًا لتأمين إسرائيل، وكلها مزاعم واهية وكاذبة، لا أساس لها من الصحة. وكان عناصر التنظيم الإرهابى يشعرون بالحرج حين يفشلون فى الرد على بعض أبناء سيناء الذين كانوا يطرحون عليهم سؤالًا بسيطًا يكشف حقيقة أهداف التنظيم والجهات التى تحركه وتموله: «لماذا لا تستهدفون أى أهداف إسرائيلية فى أى مكان بالعالم، ولا تقتلون إلا المسلمين، ولا تستهدفون إلا جيوش البلاد التى تتواجدون فيها، وكأنكم تنفذون مهمة لصالح إسرائيل فقط فى المنطقة؟!». وتعد العمليات الانتحارية إحدى فرق التدريب التى يحصل عليها هؤلاء الأطفال بمجرد بلوغهم سن 15 عامًا، وذلك لسهولة إقناعهم، وكذلك إمكانية تضليلهم للقوات الأمنية. وتتم عمليات التدريب على فترات منها كيفية تجهيز المفرقعات، وتجهيز السيارات المفخخة، وتوصيل الدوائر الكهربائية، وكيفية تنفيذ العمليات الانتحارية باحترافية لضرب الأهداف المحددة، حتى لا يتم تفجير السيارة بعيدًا عن الهدف. وتؤكد العديد من المصادر أن من يقف وراء فكرة استغلال الأطفال فى العمليات الإرهابية هو القيادى الإرهابى كمال علام، أخطر العناصر الإرهابية فى سيناء، والذى يقود تنظيم التوحيد والجهاد، أحد تنظيمات أنصار بيت المقدس، الذى أطلق على نفسه اسم «ولاية سيناء»، بعد مبايعة تنظيم «داعش» الإرهابى. وكان كمال علام، الذى لقى حتفه على يد قوات الأمن منذ أيام قليلة، يعمل بتنظيم الحفلات والغناء فى الأفراح البدوية بمدينة العريش، التى كان يقيم فيها، حيث ينتمى إلى عائلة الفواخرية التى تمثل ثلث سكان المدينة. وتحول كمال فجأة إلى قيادة أخطر العناصر الإرهابية فى سيناء، فاصطحب أسرته معه، وسعى لتجنيد الكثير من الأطفال بعد مبايعة ما يسمى بتنظيم «داعش». وقالت مصادر إن فكرة استغلال الأطفال على هذا النحو الفاسد جاءت بإيعاز من العناصر السورية الوافدة على تنظيم «أنصار بيت المقدس» الإرهابى، بعد البيعة لداعش، حتى يقوموا بتدريب عناصر التنظيم على الأعمال الإرهابية المتقدمة. أهالى سيناء ويقول المهندس منظور رمضان، عضو حركة شباب شمال سيناء، إن التنظيم كان قد بدأ بالفعل خلال الأيام الماضية بتجنيد بعض الأسر والشباب الذين لهم توجهات متطرفة أو الأقرب إليه، ويسعى من خلالهم لاستقطاب المزيد من الأسر الأخرى من خلال إيهامهم بأنهم يدافعون عن حقوق المهجرين من أرضهم وبيوتهم حسب زعم الجماعات التكفيرية. وأضاف رمضان أن حرص الجيش على عدم التعرض للأطفال أو النساء هو الذى دفع تلك التنظيمات إلى استخدام الآلية الجديدة التى تقوم على استغلالهم فى عدة أشكال. وشدد منظور على أن استغلال الأطفال أمر يحتاج إلى استراتيجية خاصة فى التعامل، لأن قوات الجيش لا تتعامل بعنف مع الأطفال أو النساء، وهذا الأمر يحتاج إلى إعداد طرق للتعامل مع الأمر لتجنب سقوط ضحايا فى صفوف الجيش أو الأطفال. كما لفت إلى أن التهديدات من جانب أنصار بيت المقدس باتت تستهدف جميع المدنيين الذين يشكون فى تعاملهم مع الأمن أو عدم ولائهم لهم. من جانبه أكد الدكتور سالم أبو غزالة، نائب رئيس المجلس الأعلى للقبائل المصرية وأحد مشايخ سيناء، أن المرحلة الحالية هى من أخطر المراحل التى يتم فيها تجنيد الأطفال، وذلك بعد وصول عناصر من سوريا والعراق، كما أن عمليات الاستقطاب تستهدف الأسر الفقيرة وأهالى الذين يقتلون بشكل خاطئ أثناء عمليات المداهمة أو الهجوم. وأوضح أبو غزالة أن هناك بعض الأشخاص يقومون بالترويج للفكر الجهادى، من خلال استغلال الحالة الاقتصادية والتهميش، والترويج لمقولة أن المجتمع السيناوى يعانى من الظلم، ولا بد من الخروج على قوات الأمن والمواطنين الموالين لهم. وكشف أبو غزالة أن هذه العمليات تتم فى المنطقة الشرقية المجاورة لفلسطين، وأن السبب الرئيسى وراء ذلك انعدام الحالة الاقتصادية، خاصة أن هناك عوائل باتت لا تملك قوت يومها، وهو الأمر الذى يسهل معه استقطابهم.