لا تزال التصريحات الرسمية بشأن محاربة الفساد تتأرجح بين الجدية والشعارات، خاصة فى ظل وجود العديد من الوقائع ببعض الوزارات التى لم تتخذ فيها الحكومة موقفًا قاطعًا، ومن بينها وزارة الزراعة، التى نكشف فى هذا التقرير وجود 600 مليون جنيه، تابعة لأحد صناديق مركز البحوث الزراعية، خارج رقابة الدولة، ولا توجد لها بنود صرف رسمية. وبحسب المستندات التى حصلت عليها «الصباح»، فإن سمير خطاب رئيس الإدارة المركزية للتفتيش المالى بوزارة المالية، سابقًا، أعد أكثر من مذكرة تفصيلية بشأن وجود مبلغ يزيد على 91 مليون جنيه فى المركز الإقليمى للأغذية والأعلاف، وطالب بضرورة إعادة المبلغ المذكور إلى موازنة الدولة، ووجه خطابًا رسميًا إلى وزير الزراعة الدكتور صلاح هلال، ولم يتم الرد عليه من قبل الوزارة. أما المبلغ الثانى الذى شملته مذكرات رئيس الإدارة المركزية للتفتيش المالية، فبلغ أكثر من 58 مليون جنيه ضمن ميزانية «مجلس المحاصيل الزراعية» وقد تم إنشاء هذا الحساب بقرار وزارى، وهو ما يعد مخالفًا لأحكام المادة 9 من القانون رقم 53 لسنة 1973بشأن الموازنة العامة للدولة، والتى تنص على أنه لايجوز تخصيص مورد معين لمواجهة استخدام محدد، إلا بقرار من رئيس الجمهورية، وطالبت وزارة المالية باسترداد مبلغ 50 مليون جنيه من ميزانية «صندوق المحاصيل» نظرًا لتضخمها، إلا أن الزراعة تجاهلت هذا الطلب أيضًا. أما الرقم الأكبر الذى يمثل علامة استفهام كبرى، فكان ضمن الحساب الخاص بمواجهة «الأمراض الوبائية للدواجن وتطوير صناعتها»، والذى بلغ رصيده فى 30 يونيو من العام الماضى، 483 مليون جنيه تقريبًا، وتم تخصيصه بقرار وزير الزراعة رقم 1144لسنة 2009، وتضمن تحصيل مصاريف مقابل خدمات معاينة إنشاء مزارع الدواجن وإصدار التراخيص، ومبلغ ألف جنيه مقابل كل عنبر يضم 5 آلاف طائر. وشابت المخالفة تأسيس مواجهة الأمراض الوبائية للدواجن، بسبب طريقة إنشائه الحساب بقرار من الوزير على الرغم من أنه كان يتوجب إصدار الرئيس للقرار، وقد طالبت إدارة التفتيش بالمالية باسترداد 450 مليون جنيه من حساب الصندوق إلى موازنة الدولة، وتم تجاهل الأمر مرة ثالثة. وتعد الحسابات الثلاث المتضخمة فى حسابات الزراعة، ضمن الصناديق الخاصة التى أنشئت بقرار وزارى مخالف لقانون تنظيم إنشاء الصناديق من هذا النوع، فضلًا عن أن المبلغ وفوائده لم يخضعا لأية عمليات رقابة حتى اليوم. وقال سمير خطاب رئيس التفتيش المالى بوزارة المالية، سابقًا، إنه بدلًا من مكافأته على كشف الفساد ومطالبته بعودة هذه الأموال لخزانة الدولة، تمت معاقبته بإنهاء انتدابه للإدارة بدرجة وكيل وزارة، وإعادته إلى درجة مدير عام. ولفت خطاب إلى أن مبلغ ال 600 مليون جنيه يعتبر ضمن المال العام للدولة، ويجب أن يسترد إلى الموازنة، إلا أنها لاتزال موجودة فى الصناديق الخاصة داخل وزارة الزراعة، مُشددًا على أن استمرار تلك المخالفات يؤثر سلبًا على جهود الساعين إلى كشف الفساد فى مختلف قطاعات الدولة، وهو ما يمثل تحديًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى طالب بضرورة الكشف عن الفساد. وتواصلت «الصباح» مع وزارة الزراعة ممثلة فى الدكتور محيى قدح، مدير مكتب الوزير الدكتور صلاح هلال، والذى حصل على استفسار كامل بشأن تفاصيل المخالفات، وأنكر عرضه عليه من قبل، وقال قدح إنه سيبحث الأمر للرد على الجريدة، لكنه لم يرسل أى رد على الأمر كما تهرب من الرد على الهاتف فيما بعد، كما حاولنا الاتصال بمكتب وزير الزراعة الذى تجاهل الرد أيضًا.