*المدير يؤكد: وزارة التضامن تراقب وتأمر بإصلاح أى مشاكل حتى لو تمزق سجادة هذه ليست دارًا للمسنين يقضون فيها أيامهم الأخيرة فى هدوء وسلام، وليست مكانًا لتوجيه العطف والعرفان لأمهات يواجهن صعوبات فى أيامهن الأخيرة فى الحياة، لكنها دار للعذاب، تتعرض فيها المسنات اللاتى لا حول لهن ولا قوة للإهانة، فكوب ماء قد يعقبه سباب، ورفض الطعام الردىء قد يعقبه ضرب أو تهديد بالطرد. هذه ليست جهنم، لكنها دار «أبناء الطبراوى» للمسنين فى منطقة المطرية، التى زارتها «الصباح» على مدار يومين، فى اليوم الأول استمعت إلى شكاوى الأمهات، اللواتى سرعان ما تراجعن عنها فى اليوم التالى، وكانت الملاحظة الأبرز التعامل الخشن لمشرفى الدار مع المسنات، اللاتى تتعرضن للنهر طيلة اليوم، ردًا على طلب كوب ماء. فى دار «أبناء الطبراوى» لا يحتاج الزائر إلى دليل ليكتشف مدى الحالة السيئة التى تعيشها النزيلات، إذ تكفى نظرة واحدة لاكتشاف أنهن يعشن فى حجرات صغيرة متجاورة، تفتقد إلى أبسط قواعد النظافة، فضلًا عن أرضيات عارية تنبعث منها الروائح الكريهة، كما تسود الفوضى فى أرجاء المكان، فالأسرة غير مرتبة، ولا يوجد كوب واحد نظيف للشرب، ما يضطر النزيلات إلى استخدام عبوات بلاستيكية قديمة. تعانى أسماء، 80 سنة، من عدم قدرتها على الحركة، نظرًا لإصابتها بأمراض السكر والقلب، وهى تقول إنها أتت إلى الدار منذ شهور، بعد أن طردها زوجها وأولادها الأربعة من الشقة التى تقيم فيها، واستولوا على أموالها، موضحة أن أحدًا من أسرتها لم يزرها، ما يجعلها تعانى من الوحدة والإهمال وأمراض الشيخوخة، لدرجة أنها لم تعد تنتظر أحدًا، أو تطلب طعامًًا، لأنها لم تعد راغبة فى الحياة نفسها. أما جليلة، 70 سنة، فهى لا تتحرك من السرير، تقول إنها أرملة ليس لها أقارب، وجاءت إلى الدار منذ سنتين، وتضيف بصوت يملأه الخوف من أن يسمعها أحد مشرفى الدار، إنها تلقى معاملة سيئة داخل الدار، وتتعرض للسباب بألفاظ بذيئة طيلة اليوم، بالإضافة إلى تعرضها للضرب، دون مراعاة لسنها، مؤكدة أنها مضطرة لتحمل تلك الإهانات لأنها لا تمتلك أى مكان آخر يأويها، كما أنها غير قادرة على الرد أو الشكوى. وأشارت جليلة إلى أن الغرفة المجاورة لها تقيم فيها سيدة مسنة مريضة، وغير قادرة على الكلام أو الحركة، ولا يعطيها المشرفون الأدوية التى تحتاجها فى موعدها، وأحيانًا لا يعطونها الأدوية من الأساس، على حد قولها، مضيفة أن تلك السيدة لا تجد من يلبى طلبها لكوب ماء إلا بعد صراخ وعويل قد يمتد إلى ساعة. ولم تستطع نادية، المصابة بشلل فى ذراعها اليمنى، الحديث بطلاقة، إلا أنها قالت «نسيت عمرى والأيام التى تمر»، موضحة أن لديها 3 أولاد لا تعرف عنهم شيئًا، بعدما أودعوها فى الدار منذ 4 سنوات، وأضافت أن المشرفة صفعتها لمجرد شكواها من رداءة الطعام، الذى لا يتناسب مع سنها، حيث ردت عليها قائلة «اللى مش عاجبه الأكمل يخبط راسه فى الحيط»، لذلك لا تجد المقيمات طعامًا جيدًا سوى ما يأتى به المتطوعون، أو ما تشتريه من أموال تحصل عليه من أحد. وقالت إلهام، 55 سنة، إنها مطلقة، وليس لديها أولاد، ولم تر إخوتها منذ 5 أشهر، وعندما أجرت محادثة مع أخيها على هاتف المحرر، لتطلب منه مالًا، رد عليها بعنف، وقال إنه غير قادر على مساعدتها، ثم أكدت أنها تعرضت للسب بألفاظ بذيئة داخل الدار، إلا أنها تخشى الشكوى، حتى لا تنكل بها المشرفات، أو تتعرض للطرد خارج الدار، لأنها لا تملك مأوى. أما نادية، 60 سنة، فهى أرملة، ولديها بنتان، وتعانى من عدم قدرتها على الحركة، خاصة أنها مصابة بأمراض السكر والضغط، وكسر فى الحوض، ومياه بيضاء على العينين، وتقول إنها تعيش فى الدار منذ سنوات، دون أن يسأل عنها أحد، سوى ابنها البائع المتجول، الذى كانت تعيش فى شقته، قبل أن تتركها بسبب سوء معاملة زوجته، مؤكدة أن صعوبة المعيشة، وفقر ابنها هو ما دفعه إلى إيداعها فى الدار، التى تنتظر فيها تبرعات الزوار لتشترى طعامًا. وفى المقابل، أكدت إحدى المشرفات، التى طلبت عدم ذكر اسمها، أنها تفعل كل ما بوسعها لتهيئة الراحة للنزيلات، وتوفير الطعام الجيد والجو الملائم لصحتهن النفسية، فيما رصدت «الصباح» خلال الزيارة الثانية للدار، مشادة كلامية بين إحدى المسنات ومشرفة، بعد اتهام الأخيرة للسيدة بأنها تحاول إثارة شفقة زوار الدار، بترديد الأكاذيب، فيما نفت إحدى المسنات ما قالته فى اليوم الأول عن سوء المعاملة ورداءة الطعام، بينما قالت إحدى المشرفات بصوت عال إن «من لا يعجبه طعام الدار فليشتريه من الخارج على حسابه أو يترك الدار». ومن جهته، قال مدير الدار، عم حسين إنه يتم قبول المسنين للإقامة فى الدار، بعد تقديم صورة من بطاقة الرقم القومى الخاصة بهم، وشهادة صحية تفيد خلو المسن من الأمراض المعدية، موضحًا أن «الدار تخضع لمراقبة وزارة التضامن الاجتماعى، التى يدون موظفوها ملاحظاتهم، ويطلبون الاستجابة لها، مثل وجود تمزق فى سجادة بالطابق الأول للمبنى، أو حاجة ثلاجة إلى الإصلاح، فالوزارة تنظم زيارات دورية للتفتيش والرقابة على الدار»، فيما رد على ما كشفت عنه النزيلات ل«الصباح»، بشأن سوء تعامل المشرفات معهن قائلًا إنه سيحل تلك المشاكل، ويحسن العلاقات بين الجانبين. وأكدت مصادر فى وزارة التضامن أن أغلب دور المسنين فى مصر تعانى إهمالًا كبيرًا، مشيرة إلى أن «النزلاء يتعرضون للكثير من الإهمال، منها ترك كبار السن يدخلون دورات المياه بمفردهم، ما يمثل خطرًا كبيرًا عليهم، خاصة أن كبير السن مهدد بالتعرض لكسور فى حالة السقوط على الأرض». وأشارت إلى أن «5 فى المائة فقط من دور المسنين يتم التعامل فيها بشكل جيد مع النزلاء، وهى دور خاصة، أسعارها ونفقاتها مرتفعة»، مضيفة أن «الوزارة لا تقوم بدورها المنوط به فى الرقابة على الدور، فكل ما تقوم به هو الترتيب مع وسائل الإعلام لتسجيل حلقات عن عيد الأم داخلها، أو أى مناسبة أخرى تذهب إليها الوزيرة، وخلاف ذلك، فالإهمال مستمر، لأن مصر غير مؤهلة للعمل الاجتماعى والخدمى».