*البائعون يتنقلون ببضائعهم كل فترة هربًا من غضب الزبائن واكتشاف الخدعة *القومى للبحوث: أطعمة الرصيف تحمل التيفود والسرطان تشهد أرصفة القاهرة الكبرى، لاسيما المناطق الشعبية، والتى يتردد عليها أكبر عدد من المواطنين، رواجًا كبيرًا لسلع غذائية بعضها منتهى الصلاحية وأخرى مجهولة المصدر، ورغم ذلك يشتريها الآلاف من المواطنين كل يوم لأنها تباع بنصف الثمن، واضعين حياتهم وذويهم فى خطر مستمر. وبالنظر إلى مدى انتشار حركة بيع تلك المنتجات الغذائية الضارة فى الشارع المصرى خاضت «الصباح» جولة ميدانية فى عدة مواقع حيوية بالنسبة لحركة بيع المنتجات مجهولة المصدر، للتعرف على عدد السلع التى يتم تداولها ومصادرها، فى محاولة لكشف تلك التجارة الفاسدة التى تهدد صحة المصريين الفقراء. البداية فى منطقة «كوبرى الخشب» القريبة من محطة مترو البحوث بالدقى، حيث يقف ثلاثة أشخاص يبيعون نحو 20 نوعًا من السلع الغذائية، بداية من الألبان، التى تضم بينها أنواع حليب، وزبادى، وجبن، وعددًا كبيرًا من العصائر منها أسماء منتجات معروفة، فضلًا عن عدد كبير من معلبات التونة وأسماك السالمون. اللافت فى الأمر أن هذه السلع الغذائية تباع بأقل من سعرها فى السوق بكثير، وهو ما دفعنا إلى شراء بعض هذه المنتجات التى وضعت على الرصيف بشكل يتنافى تمامًا مع إرشادات طرق التخزين، وعندما سألنا البائع بشكل مباشر عن سر انخفاض أسعار هذه السلع، فكانت الإجابة التى اعتبرها إجابة منطقية، أنه لا يدفع إيجار محل أو رواتب عمال أو ضرائب، وأنه يشترى السلع من تجار جملة بأسعار بسيطة. بعد شرائنا عددًا من السلع الغذائية الموجودة على الرصيف، اكتشفنا أن بعضها غير مدون عليه تاريخ انتهاء الصلاحية، والبعض الآخر تم محو تاريخ انتهاء الصلاحية عليه عمدًا، وهو ما دفعنا لمحاولة التعرف أكثر على مصدر تلك المنتجات. الحاج شعبان أحمد، أحد أصحاب المحال التجارية الكبيرة، قال لنا إن تلك المنتجات يحصل عليها البائعون من المولات الكبرى والفروع الكبيرة للسوبرماركت، والتى تكون لديها كميات كبيرة من المنتجات لم تُبع بعد، وهى إما أن تكون منتهية الصلاحية، أو أن موعد انتهاء صلاحيتها يحل خلال أيام قليلة. وأضاف أحمد، أن هؤلاء الباعة لا يستقرون فى مكان واحد بشكل مستمر، حيث يتواجدون يومًا أو يومين فى الأسبوع ثم يختفون، وذلك كى لا يواجهوا مشاكل عندما يكتشف الناس الغش الذى يمارسونه، لافتًا إلى أنهم يتغيرون طوال الوقت، حيث يأتى أشخاص آخرون غير الذين باعوا لك أول الأسبوع، وهدفهم فى ذلك فى رأيه هو عدم تعرف المواطنين عليهم إذا ما حدث ضرر نتيجة استعمال السلع التى يبيعونها. رصيف العتبة الحاج أحمد على محمد حجازى، إحدى الحالات التى تعرضت إلى ضرر مباشر جراء شراء تلك المنتجات، إذ واجه التسمم بعد تناوله لوجبة فيليه «فراخ بانيه» اشتراها من على أحد أرصفة العتبة، بعد تناولها بعدة ساعات شعر بآلام شديدة فى معدته أجبرته على اللجوء للمستشفى ليكتشف أنه تناول فراخًا منتهية الصلاحية. انتقلنا مع حجازى إلى رصيف العتبة، الذى لم يقتصر على الملابس زهيدة السعر ومستحضرات التجميل التالفة فقط، بل امتد الأمر ليكون منفذ بيع للمنتجات غير الصالحة، فجنبًا إلى جنب تصطف العديد من المنتجات المجمدة ما بين لحوم وأسماك ومعلبات تونة التى لا يعلم أحد عن جودتها شيئًا، ويلعب السعر عاملًا مغريًا لإقبال المواطنين على شراء تلك المنتجات، ضاربين عرض الحائط بكل الاحتياطات الصحية. تواصلنا مع محمد سليمان، صاحب مزرعة دواجن، والذى أكد لنا أن بعض المزارع تبيع الدواجن النافقة أو المريضة بالواحدة وليس بالكيلو جرام، بأسعار زهيدة جدًا لعدد من التجار، وهؤلاء هم الذين يوزعونها على تجار الرصيف، مما يعد مخالفة لقواعد المهنة ولثوابت الضمير. وأضاف سليمان أن تاجر الرصيف يربح كثيرًا فى هذه العملية، فهو يشترى الفراخ بأقل من ربع ثمنها الحقيقى ويبيعها بنصف ثمنها فى السوق، أى أن المكسب فى هذه التجارة وحدها يتعدى ال 100%، لكن المشكلة التى يعرفها صاحب مزرعة الدواجن هم أن هذه الفراخ النافقة ستسبب الكثير من الأمراض لمن يأكلها، وقد تصل إلى الموت فى حالات التسمم الشديد. أمام محطة مترو كلية الزراعة، كانت جولة أخرى ل«الصباح»، حيث يقف نحو ثلاثة أشخاص، يعرضون عددًا من السلع، منها بعض الجبن والحلاوة، وأنواع التونة، والسمن النباتى، وبعض المعلبات المستوردة من اللحوم، وخلال الحديث معهم أكدوا أنهم يحصلون على هذه المنتجات من منطقة العتبة، بشارع بورسعيد والذى يضم العديد من مراكز الجملة لبيع المنتجات المهربة والمغشوشة. من جانبه قال سيد أحمد، أحد الصيادين بمدينة السويس إن سر بيع أحد أنواع فيليه السمك على الرصيف بأسعار بسيطة، هو لجوء بعض الصيادين إلى جمع الأسماك الميتة، وبيعها مقطعة لأصحاب المحال فى القاهرة، محذرًا من أن هذه الأطعمة غير صالحة للاستهلاك الآدمى. تواصلنا مع الدكتور أسامة سليمان، أستاذ الأورام والعميد الأسبق للمعهد القومى للأورام، الذى حذر من أن الأطعمة المنتشرة على الأرصفة تتسبب فى العديد من الأمراض، خاصة أن معظمها يحمل مادة « الديوكسين» الهرمونية المسرطنة، والتى تؤدى إلى حدوث تشوهات جينية فى الحامض النووى، وهو ما يؤدى إلى اضطرابات فى خلايا الجسم، وقد تتسبب ذلك فى الإصابة بمرض السرطان. وشدد سليمان على أن عدم فرض رقابة صحية على الأسواق بشكل كبير سيتسبب فى كوارث فى صحة المواطنين، مطالبًا الحكومة بتحمل مسئولياتها والتصدى لهذه التجارة التى تقوم على عمليات التهريب، تهدد حياة مئات الآلاف من الشعب المصرى. من جانبه قال أحمد يحيى رئيس شعبة البقالين بغرفة القاهرة، تتم بشكل مخالف للقانون، وتشكل خطرًا كبيرًا على المجتمع، مضيفًا أن السبب فى انتشار مثل هذه العمليات هو استغلال هؤلاء البائعين للمواد التى تتلف فى المراكز التجارية الكبيرة، والتى تبيعها لهم بأسعار منخفضة جدًا بدلًا من التخلص منها، وهو ما يؤدى إلى انتشارها بالشوارع، مؤكدًا أن هذا الأمر يتطلب حملات أمنية مكثفة من مباحث التموين. من ناحية أخرى، أكدت الدكتورة ناهد حسن أحمد الباحثة فى قسم الأغذية بمعهد البحوث، أن هذه الأغذية ستتسب فى العديد من الأمراض للمواطنين بشكل مؤكد، وأضافت أن هذه الأغذية مجهولة المصدر يتم وضع «استيكر» بفترة صلاحية جديدة، ويتم بيعها بهذا الشكل، وهو ما يعرض متناولوها لأخطار جسيمة، لهذا فهى حذرت المواطنين من شراء أى منتجات من على الرصيف حتى لو كان تاريخ صلاحيتها مستمرًا، لأنه سيكون مزيفًا. وشددت ناهد، على أن المواد البروتينية داخل المعلبات يحدث لها عملية تحلل إذا وضعت بأماكن غير مناسبة للتخزين، وكذلك عند انتهاء صلاحيتها، وهو ما يؤدى إلى تعفن فطرى داخل تلك المعلبات أو الأغذية، ويمكن أن تتسبب فى مضاعفات معينة تصل أحيانا إلى السرطان بسبب تكرار تناول هذه الأطعمة. وطالبت ناهد بضرورة تشديد الرقابة على هذه الأسواق، أو الأرصفة من جانب شرطة المرافق، حتى لا تكون مصدرًا من مصادر انتشار الأمراض، خاصة أن هناك نسبة كبيرة من غير القادرين يلجئون إلى هذه المنتجات لانخفاض سعرها. أما الدكتورة نيرا مهنا، متخصص ميكرو بيولوجى، بمركز البحوث، فأكدت أن هذه المنتجات تتعرض للتلوث بأكبر نسبة من الرصاص نتيجة عدم تغليفها أو تخزينها بشكل كيد، وهو ما يتسبب فى تلف خلايا المخ، ويؤدى إلى التخلف العقلى على المدى الطويل. واختتمت نيرا مهنا بأن المواد الحافظة التى تستخدم بنسب غير مناسبة تترسب فى الكبد وتؤدى إلى التليف الكبدى فيما بعد، كذلك تؤدى نسب المواد الحافظة غير المناسبة إلى مرض التيفود.