-«فلوس ماشى.. أكل ولبس لأ».. الشعار الذى كانت ترفعه «دار مكة» فى تعاملها مع المتبرعين -دار أيتام شهيرة فى «المعادى» تُجبر الأطفال على الهروب منها لكى يتحولوا إلى «أطفال شوارع» يبدو أن دار «مكةالمكرمة لرعاية الأيتام» بالهرم ليست الدار الوحيدة التى تُرتكب فيها جرائم تعذيب للأطفال، بهذه الطريقة الوحشية التى ظهرت فى فيديو تم تداوله على الإنترنت مؤخرًا، وتسبب فى إحالة صاحب الدار إلى النيابة، بل إن هناك دورًا أخرى للأيتام يعانى الأطفال فيها من أبشع الجرائم، وفى الوقت الذى من المفترض فيه أن تؤدى هذه الدور دورها واجبها فى رعاية هؤلاء الأطفال، إلا أنها أصبحت تؤدى دورًا انحرافيًا لجيل كامل فى ظل الرقابة من قبل وزارة التضامن الاجتماعى. جيران الدار كشفوا ل «الصباح» أثناء الجولة التى قمنا بها فى محيط المكان، عن المزيد من الجرائم البشعة، وكانت المفاجأة أن صاحب ومدير «مكةالمكرمة» لا يعتدى على الأطفال فحسب، بل كان هناك أكثر من حادث سابق فيما يتعلق بالاعتداء على العمال الموجودين فى الدار أيضًا. وتحكى «خديجة»، ربة منزل، وهى إحدى جيران الدار من سكان شارع العريش بالهرم، ما شاهدته بنفسها يوم احتفالات «عيد اليتيم» السابقة فى مطلع شهر إبريل الماضى، حيث اعتادت زيارة الدار فى مثل هذا اليوم، وهى تقول إنها فى أثناء لعبها مع الأطفال سمعت أصوات صراخ من داخل غرفة فى الدار، وعلمت بعدها أن صاحب الدار كان يعتدى على إحدى عاملات النظافة بالضرب بعد أن كسرت أحد الأطباق سقط سهوًا، وخرجت العاملة تجرى مسرعة إلى خارج الدار وهى تتمتم ببعض الألفاظ مثل «مجنون، حسبى الله ونعم الوكيل» وعرف سكان الشارع بعدها أنها لم تكن العاملة الأولى، وأن المتهم معتاد على تعذيب العمال والعاملات داخل الدار والاعتداء عليهم بالضرب لأتفه الأسباب. «فلوس ماشى.. أكل ولبس لأ».. كان هذا هو الشعار الدائم الذى ترفعه «دار مكة» خلال تعاملها مع أهل الخير المتبرعين، فكان منهم يقبل التبرعات المادية المتمثلة فى المبالغ النقدية فقط، أما فى حالة التبرع بأطعمة أو ملابس للاطفال فلا يقبلها، وإن قبلها يكون ذلك بعد جدال شديد مع المتبرعين، وكان له مبرر واضح وصريح فى هذا الشأن، وهو أنه «لا يحب أن يتمرد عليه الأطفال، فحين يتناولون الأكلات الخارجية يتمردون على أطعمته البسيطة، وحين يلبسون الملابس الجديدة لا يرتضون بملابسه الممزقة القديمة التى كان يجبر الأطفال على ارتدائها. فيما تقول منى محمد، إحدى المتبرعات التى كانت تتردد على الدار خلال الأشهر الأخيرة، إن المتهم رفض أكثر من مرة تبرعاتها بحجة أنه لا يريد أن الاطفال يتمردون عليه، وأخبرها أنها لو أرادت أن تتبرع لهم بأى شىء فعليها إعطاؤه ثمن ما تتبرع به نقدًا، وهو سيقوم بعملية الشراء بالتساوى بين الأطفال من حيث المأكل والملبس، وأخبرها أنها لو لم تفعل ذلك فلا داعى لمجيئها مرة أخرى لأنه لن يقبل أى شىء عينى على الإطلاق. وهناك دار أيتام شهيرة فى «المعادى» تُجبر الأطفال على الهروب منها لكى يتحولوا إلى أطفال شوارع، بسبب تعذيبهم وحبسهم بشكل انفرادى، وفقًا لما رواه صلاح أحمد، 15 عامًا والذى كان مقيدًا بالصف الثانى الإعدادى، هو أحد الأطفال الهاربين من الدار، حيث روى «صلاح» أن قصة هروبه بدأت بعد أن قام أحد الموظفين داخل الدار بتكرار تعذيبه وضربه، وكان يتهمه فى أى حادث سرقة يقع داخل الدار، فهرب بعد «حفلة تعذيب كبيرة» حسب تعبيره، ولكنه لم يجد مكانًا يحتمى به فقرر العودة مرة أخرى إلى المكان. وعندما عاد «صلاح» أبلغه هذا الموظف بأن إدارة الدار ترفض وجوده، وأنه تم فصله نهائيًا منها، ولو قرر العودة فيجب أن يعرف أنه سيتم حبسه داخل الدار حبس دائم لا يخرج منه أبدًا، وعليه خرج «صلاح» من الدار إلى الشارع مجددًا، إلا أنه علم بعد ذلك من زملائه أن إدارة الدار لم تمانع إطلاقًا فى وجوده، وأنها لم تقرر حبسه كما قال موظف الدار لأنه لا يرغب فى وجوده من الأساس، حسب قوله. وعندما ذهب «صلاح» إلى المدرسة التى كان يدرس بها أبلغوه بأنه لم يعد على قوة الدار الآن، وبالتالى فهى لا تدفع له المصروفات الخاصة بقيده خلال العام الدراسى، فتم فصله من المدرسة على هذا الأساس. وأضاف «صلاح» ل«الصباح» أنه «لم يكن الوحيد الذى حدث له ذلك فى هذه الدار، بل إن هناك أطفالًا كثيرين داخل الدار يعانون بسبب مثل هذه الأمور، إلا أنهم يخافون الحديث لأى شخص بما يحدث هناك، لأن الموظفين يتوعدونهم بالعقاب». أما الغريب فهو أن إحدى المؤسسات الكبرى، وهى مؤسسة الرعاية الاجتماعية للبنين بالجيزة، والتى كانت من المؤسسات ذات المكانة الكبيرة فى هذا المجال، أصبحت الآن موطنًا لبيع الحشيش و المخدرات بأنواعها للمدمنين. البداية كانت عن طريق مراقبة الدار، التى يقوم أطفالها ببيع الملابس كل مساء أمام مقر المؤسسة بالجيزة، وقمنا بالفعل بشراء بعض الملابس منهم لتتواصل أكثر، وبعدها طلبنا أرقام تليفوناتهم من أجل حجز بعض الملابس مرة أخرى، أو إخبارنا عندما تكون هناك موديلات جديدة. وزيادة فى الاطمئنان، قمنا بعرض المساعدة عليهم، إلا أنهم أخبرونا أنه لايوجد أحد بالدار حاليًا، إلا هم وعدد قليل من الشباب البالغ من العمر 18 عامًا، وكان من بين هؤلاء الشباب « ك، ع » و«م، س»، وعندما طلبنا معلومات أكثر حول الدار تغير موقفهم تمامًا، فقال لنا «م، س»: «هو أنتوا حد باعتكم؟»، قلنا له « لا، ولكن الأمر متعلق بأننا نريد تقييم حجم المساعدات التى يمكن أن نقدمها للدار». وعندها قام بإحضار شابين آخريّن من داخل الدار، يبلغان من العمر 17 سنة، وطلبوا منا الإفصاح عن هويتنا بشكل يشبه التهديد، فأطلعناهم على البطاقة الشخصية فقط، ثم قاموا بعدها بالاتصال بشخص ما قالوا له «إن هناك أشخاصًا يريدون أن يعرفوا بعض المعلومات عن المكان، ويقولون أنهم يريدون المساعدة»، وعندما انتهت المكالمة قال لنا إن «الأستاذ محمد يريد أن يتحدث إلينا، فاكتشفنا أنه مدير المؤسسة واسمه محمد إبراهيم، وطلب المدير منا الحضور إلى مكتبه بدلًا من الحديث مع الأطفال». وفى اليوم التالى اتصلنا بهؤلاء الشباب، بعدما أكد لنا عدد من أصحاب الأكشاك المجاورة للدار أن هناك عمليات بيع مخدرات تتم تحت كوبرى «الجيزة» عن طريق الدار، فقمنا بالاتصال بهم من أرقام مختلفة بعدما عرفنا الأسماء الحركية لهم، وأسماء من يتعاملون معهم، ومنهم شخص يدعى «ياسر الكوتش»، وأخبرناهم أننا تابعين ل«الكوتش»، وأننا نريد شراء «صباعين حشيش». وفى البداية طلبوا التأكد من هويتنا، حتى أنهم سألوا من هو ياسر الكوتش، وعندما أخبرناهم ببعض المعلومات التى وصلتنا عنه، والتى تفيد أنه من سكان الطالبية، وافقوا، وتم الاتفاق على اللقاء أسفل الدار بجوار «فرشة» لبيع الملابس. بعدها اتصلنا بمدير الدار، والذى كان يرحب بنا عندما عرف أننا نريد التبرع فأصبح يتهرب منا، عندما أخبرناه أننا نريد أن نعرف عدد الأطفال الموجودين داخل الدار، وقال إنه لا يستطيع التحدث عن أى شىء إلا من خلال مخاطبة رسمية من وزارة التضامن الاجتماعى. وحسب عدد من شهود العيان، فإن الدار تضم عددًا كبيرًا من الأطفال الذين يخرجون للعمل نهارًا فى مهن عديدة، ثم يعودون فى آخر اليوم إلى الدار للنوم فقط، إلا أن الكثير منهم يعمل فى تجارة المخدرات نظرًا لعدم وجود أى نوع من المراقبة لهم من قبل الدار أو من أجهزة. وأثناء سير زهرة سلامة إخصائية علم الاجتماع التى تجرى أبحاثها داخل إحدى دور رعاية الأطفال فى الجيزة، يخرج الطفل «نعمان» ابن السابعة من الباب بمنتهى السهولة وعلى مرأى ومسمع من رجال الأمن الموجودين أمام الدار وفى يديه 100 جنيه، بطلب من أحد الموظفين بأن يذهب ليشترى كمية من العيش للدار من أحد الأفران القريبة مقابل الحصول على 5 جنيهات له. وعندما سألنا «زهرة» عن باقى الأطفال علمنا أنهم جميعًا يقومون بهذا العمل بشكل يومى، ويخرجون لشراء مستلزمات الموظفين والإخصائيين من خارج الدار، وكل مشوار له «تسعيرة» خاصة، فهناك بعض المشاوير التى يأخذ فيها الطفل 5 جنيهات، ولو كان المكان الذى سيذهب إليه بعيدًا، فلا مانع من زيادة المبلغ بعض الشىء، وأنهم يخرجون ويعودون مرة أخرى دون أدنى مشكلة.