عمر مكرم الشخصية التاريخية، الذى يطل علينا اسمه كلما قرأنا خبر وفاة أحد كبار المسئولين، الذى يتم تشييعه من مسجد عمر مكرم الشهير، لا يعلم الكثيرون أنه صاحب أوقاف كثيرة فى طول البلاد وعرضها، تدر أموالا بالملايين، يتصارع عليها حاليا وزارة الأوقاف وأحفاد عمر مكرم، فى ظاهرة تعكس معاناة أصحاب الأوقاف مع الوزارة المعنية. «الصباح» التقت بعصمت مصطفى، حفيد عمر مكرم، والذى عرف نفسه قائلاً: «أنا الشريف عصمت ابن الشريف مصطفى ابن الشريف محمد حسين الحكيم ابن الشريفة زينب، الملقبة بأمان، بنت عمر مكرم نقيب الأشراف الأسبق»، مؤكداً أن 1500 وريث عينوه فى منصب ناظراً للعائلة ومفوضاً للبحث عن حقوقها الضائعة. وأكد عصمت مصطفى أن عائلته فوضته منذ نحو 18 عاماً لاستعادة وقف «جدنا الشيخ عمر مكرم، من وزارة الأوقاف التى وضعت يدها عليه وحرمتنا من حقنا منذ عشرات السنين، فبدأت برفع عدة دعاوى قضائية فى أروقة المحاكم المختصة، لإثبات حقنا فى أوقاف جدى». وأضاف حفيد عمر مكرم: «لدىّ جميع الأوراق والمستندات التى تثبت حقى وعائلتى فى ميراث جدى، والذى يتكون من 366 منزلاً فى القاهرة، وقطعة أرض فى درب الأتراك خلف الجامع الأزهر، وحوالى 12 وكالة فى منطقة الغورية، ورغم أن عمر مكرم أوصى بصرف 2.6 % من هذه التركة الضخمة على الخير، على أن يخصص إيراد بقية الأملاك للإنفاق على ذريته، جيلاً بعد جيل، إلا أن وزارة الأوقاف كان لها رأى آخر، فلم تنفذ الوصية بحجة أن ريع تلك الأراضى والعقارات لا يكفى للإنفاق على أعمال الخير،ليتم تحويل الوقف بأكمله إلى منفعة عامة ليتم حرمان جميع الورثة». وشدد عصمت على أن عائلة عمر مكرم حصلت على العديد من الأحكام القضائية، ومن لجنة القسمة التى تثبت أحقية العائلة فى أوقاف عمر مكرم، مضيفاً: «قابلت عام 2011 رئيس هيئة الأوقاف، وتم تشكيل لجنة لحصر أملاكنا، وأصدر القرار رقم 282 فى عام 2013 بتسليمنا الأوقاف، لكن الوزارة ضربت بكل الأحكام عرض الحائط ولم تلتزم بتنفيذها، رغم أننى وعائلتى فى حاجة إلى هذا الميراث، حيث نعيش فى شقق متواضعة وبعضنا ليس لديه دخل مالى، فهل يعقل أن يعيش أصحاب تلك الثروة بشكل مهين؟». قصة أحفاد عمر مكرم ليست الوحيدة من نوعها بل هى متكررة فى أكثر من قصة تعكس معاناة ورثة الأوقاف فى مصر، فيقول أحد ورثة وقف محمد بك شكرى، عمرو الشهاوى: إن الوزارة لم تكتف بالاستيلاء على حقوق الورثة الشرعيين، بل وصل الأمر إلى حد التفريط فى تلك الحقوق، فجدى اشترى قطعة أرض بمساحة فدان منذ ما يقرب من 200 عاما، تطل على شارع الهرم مباشرة، وبعد أن ضمتها وزارة الأوقاف، أهملت إدارتها فوضع بعض الأشخاص يدهم على الأرض لمدة تزيد على 30 عاماً، ثم قاموا ببيعها لأحد التجار، والذى قام ببناء أبراج عليها، مؤكداً أن هذا الأمر يتنافى مع قانون الأوقاف، والذى ينص على أن الوقف لا يملك بوضع اليد، وأنه رفع العديد من القضايا على وزارة الأوقاف لاستعادة حقوقه. من جهته، أكد مؤسس جمعية «مستحقى الأوقاف المصرية»، اللواء أحمد جلبى، أن وزارة الأوقاف تضع يدها على ما يقرب من 36 ألف وقف أهلى، و25 ألف وقف خيرى، ما بين أراضٍ وعقارات منها حوالى 45 ألف فدان زراعى، وترجع تلك الأزمة مع صدور قانون فك أراضى الوقف الأهلى فى سبتمبر 1952، وتوزيعها على مستحقيها، بحيث تكون وزارة الأوقاف مسئولة عن الأراضى حتى يتم تسليمها للورثة، والغريب أنه خلال الأعوام الماضية لم يتحدث أحد عن أراضى الأوقاف المنهوبة. وتابع جلبى قائلاً: «بصدور القانون رقم 44 لعام 1962 قامت الوزارة بتسليم أوقافنا الخيرية والأهلية للإصلاح الزراعى لإدارتها لمدة 15 عاماً، حتى تم إنشاء هيئة الأوقاف وتسلمت أوقافنا ونص قانونها، على أن من لم يتقدم من مستحقى الأوقاف بطلب استحقاق للوزارة خلال 6 أشهر يعتبر الوقف خيريا، وبطبيعة الحال من تقدموا واستلموا أوقافهم هم أصحاب النفوذ، أما نحن فلم نحصل على شىء إلى الآن حتى صدر حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان هذا القانون وعدم دستوريته فقامت هيئة الأوقاف والوزارة بالتهرب من تسليم أوقافنا». وكشف مؤسس جمعية «مستحقى الأوقاف المصرية» عن أن وزارة الأوقاف تضع يدها على نحو 45 ألف فدان، ويتم تأجير الفدان الواحد بمبلغ 6 آلاف جنيه سنوياً، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن العائد السنوى يصل إلى 2.7 مليار جنيه، فأين تذهب كل هذه الأموال؟. وأشار جلبى إلى أن قانون الأوقاف الذى وضعه الفقيه الدستورى عبدالرازق السنهورى سنة 1947، كان يراعى كل الأطراف، لكنه للأسف لم يفعل، بعدما أدخلت عليه العديد من التعديلات التى أنقصت من حقوق الورثة الشرعيين وفتحت المجال لسرقة تلك الأوقاف ووضع اليد عليها، لذا قمت برفع العديد من القضايا منذ سنوات ضد وزارة الأوقاف للحصول على ميراث عائلتى، ولكن فى ظل سياسة التعتيم التى تتبعها الوزارة، يتم تأجيل القضايا لأكثر من مرة، فعادة ما تستغرق قضية الوقف الواحدة أكثر من 30 عاماً داخل أروقة المحاكم. فى المقابل، أكد رئيس هيئة الأوقاف، المهندس صلاح الجنيدى أن هناك تعديات كثيرة على أراضى الوقف فى المحافظات، ولذلك تم ضم مساعد وزير الداخلية لمجلس إدارة الهيئة، للمساعدة فى التعامل الأمنى مع التعديات المتكررة على الأوقاف، ثم صدر قرار بتكليف أحد قيادات الهيئة ليكون مسئولاً عن ملف التعديات، وتشكيل لجان رئيسية وفرعية وإعداد مشروع لإزالة التعديات، وتم إصدار تعليمات لردع كل من تسول له نفسه التعدى على أملاك الأوقاف، وتحويله إلى النيابة العامة وعمل قائمة سوداء ونشرها بجميع المعتدين فى وسائل الإعلام. وأشار الجنيدى إلى أن التعديات تسببت فى خسائر لهيئة الأوقاف بمليارات الجنيهات سنوياً، فضلاً عن خسائر الهيئة بسبب عدم استفادتها من الشقق والمحلات التجارية المؤجرة بجنيهات قليلة، رغم أنها فى أماكن تجارية بقلب القاهرة، وذلك لأن أصحاب هؤلاء الشقق والمحلات إيجار قديم. ورغم ذلك فهناك تعنت من قبل المستأجرين فى تسديد هذه الأموال القليلة، ما أثر بالسلب على إيرادات الهيئة. وشدد رئيس هيئة الأوقاف على أن الكثير من الوقفيات انتهت، فمثلاً أوقاف عائلة عمر مكرم لم تعد تكفى للإنفاق على أوجه الخير، فتم اتخاذ قرار بتحويلها إلى المنفعة العامة، ورغم حصول عائلة عمر مكرم على حكم قضائى نهائى باستلام ممتلكاتهم، إلا أن وزارة الأوقاف لم تنفذ الحكم حرصاً على الصالح العام، بعد أن حولت أراضى الوقف إلى الصالح العام.