الأفكار لها أجنحة لا يستطع أحد أن يمنعها من الطيران.. عايز تنجح مش مهم تقدم حاجة حلوة؛ المهم تقدم حاجة مختلفة.. النجاح يعنى عالم ملهوش حدود إنت إللى بتخلقه لنفسك.. عايز تحقق حلم يبقى لازم تكون قده وتحارب علشان توصله.. ربما كانت تلك الكلمات البسيطة هى ملخص ما فعلته المخرجة السينمائية ساندرا نشأت -صاحبة الثمانية أفلام- فى فيلمها الجديد «شارك» الذى قدمته منذ أيام قليلة لترصد من خلاله موقف المواطن المصرى من الدستور الجديد؛ روعة الفيلم تتلخص فى أن مخرجته لم تتعامل مع الأمر من برج عال كعادة إخواننا المنظرين من فوق منابر الإعلام الذين مل الناس من تنظيرهم وتحليلاتهم السياسية المنفصلة عن الواقع.. نزلت ساندرا إلى الشوارع والمقاهى وحتى الحقول فى جولة مكوكية بين كل محافظات ومدن مصر لترصد بكاميرا سينمائية رأى المواطن العادى فى الدستور؛ أرادات أن تتعرف عن قرب على رأى الناس «الغلابة» و«ولاد الناس»؛ المثقف والأمى؛ مين هيقول نعم ومين هيقول لأ بدون تبريرات ولا جمل مطاطة لشرح الرأى ولا التأثر بموقف سياسى معين تفرضه عادة سلطة صاحب رأس المال فى الفضائيات.. حمل الفيلم أكثر من خمسين نموذج للمواطن المصرى؛ العامل فى فندق فى أسوان الذى يؤيد الدستور من أجل لقمة العيش بعد الضربة القاضية التى تعرضت لها السياحة؛ وذاك شاب على دراجته البخارية وخلفه صديقه فى مشهد نراه مئات المرات يومياً وهى تسألهما « هتقول إيه فى الدستور».. وهؤلاء عمال وفلاحون على سيارة نقل يشيرون بعلامة النصر فتقول لهم بصوت مسوع «رابعة؟» فيردون بضحكة عالية: لأ سيسى.. وها هى ربة المنزل التى وجدت فى الفريق السيسى طوق نجاة تقول: طالما السيسى موافق أنا موافقة.. وهؤلاء الأطفال الذين يتخذون من الشارع مأوى لهم تسأل المخرجة أحدهم: نفسك تطلع إيه؟ فيجيبها بابتسامة سخرية وضحكة عالية: نفسى أطلع ظابط وهو أول العارفين أن أمنيته لن تقف يوماً موقف الحقيقة لأنه فى الأول والآخر «ابن شارع».. وها هى أصوات مصر محمد منير والكبير الراحل -المظلوم تاريخيا- محمد طه وهو يختتم فيلمها بجملة «مصر جميلة».. عبقرية الفيلم التى تسببت فى دموع كل من حاور مخرجته خلال الأيام القليلة الماضية جاءت من تعدد الوجوه؛ فالمخرجة تعرف أن وشوش الناس تحمل من التعبيرات الحقيقية ما يعجز عن تمثيله كبار نجوم التمثيل وعباقرته؛ هى قالت إن ردود الأفعال حول الفيلم كانت مفاجأة كبيرة لم تتوقعها وجاءت أكبر من أحلامها عندما بدأت المشروع.. وأكدت أن نجاح الفيلم ينبع من بساطة كل من ظهروا فيه لأن هؤلاء هم المصريون الحقيقيون، وهذه هى طبيعتهم الجميلة الصادقة.. وأشارت إلى أن كل صناع الفيلم عملوا بدون أجر حتى «حسن» سائق الميكروباص الذى سافر بفريق العمل إلى كل محافظات مصر حتى وصلوا إلى أسوان لرصد الحالة السياسية التى تعيشها مصر من خلال وجوه أبنائها ممن يؤيدون الدستور وممن قرروا مقاطعته أو اختيار «لا» فى ورقة استفتائه.. قالت إنها اضطرت إلى حذف عشرات المقاطع التى أيد أصحابها الفريق السيسى حتى لا تتهم بأن الفيلم موجه؛ وهى التهمة التى لم تخل منها بالمناسبة فخرجت بعض التقارير التى تهاجم الفيلم ومخرجته وتتصيد لها الأخطاء وتتهمها بأنها خرجت من أجل التأكيد على الناس فى الشارع أن يقولوا نعم للدستور.. وفى رأيى الشخصى أن هدف ساندرا من الفيلم لم يكن أبداً بهذا الشكل الذى تغلفه كالعادة نظرية المؤامرة التى تسيطر على حياتنا بعد ثورة 25 يناير؛ حتى وإن حاول البعض ركوب الفيلم وعرضه على أنه مادة لتحفيز الناس على الموافقة على الدستور فهذا لم يكن الهدف منه ولم يظهر طوال ال12 دقيقة هى عمر الفيلم ويكفى أصحاب نظرية المؤامرة عشرات الإعلانات التليفزيونية وإعلانات الشوارع التى تطلب من الشعب اختيار خانة «نعم»؛ بالتأكيد لسنا فى حاجة لفيلم سريع يرصد آراء الناس فى الشوارع من أجل الضغط على الناس للموافقة على الدستور.