ينقلك فيلم ساندرا نشأت الوثائقى عن الدستور، دون أن تدرى للامتزاج بحالة الحنين والعشق لهذا الوطن, خاصة أننا جميعا فى حاجة ماسة إلى الالتصاق به.. وأجمل ما فى الفيلم أن تنفيذه اعتمد على العفوية التامة التى تخرج الكلمات من بين الضلوع وتترجم إلى تعبيرات مغرقة فى حب الوطن.. ساندرا ابتعدت فى فيلمها عن حالات التنظير التى نسمعها من النخبة التى تفقد المعانى بريقاً، فلم تعزف على ما اعتدناه من الشعارات الجوفاء ذات الرنين التى ترتدى أثواب البطولة والادعاء.. ولكن أبطال فيلم ساندرا من تراب ونسيج هذا الوطن البسطاء الذين يتسلحون بالصبر ولا يحلمون سوى بالستر.. فيلم ابتعد عن الطبقة المثقفة التى تدعى أنها طليعة الشعب ولا تقوم بدورها فى رعاية الطبقة الكادحة، ولانهم محترفو الكلام فأنهم يبيعونه ليل نهار لذلك كان تجاهلهم أجمل ما في الفيلم..فكانت كلمة نعم للدستور بمثابة عزف منفرد للوطنية. نعم طرحت المخرجة ساندرا نشأت، فيلماً وثائقياً عن الدستور، اقترب من نبض الشارع وردود الأفعال تجاهه، ولكنه لم يكن استفتاء فقط على الدستور ولكنه شبه تأكيد، على شعبية السيسى وحب الناس له.. فالفيلم يظهر أن قطاعًا كبيرًا من بسطاء الشعب المصرى يتجهون دون أن يدروا إلى القول بأن «السيسى» هو رجل المرحلة، فهؤلاء ليسوا مهتمين بكلام النخبة، ولا التنظير السياسى والمصطلحات السياسية.. انهم يحبون هذا الراجل الحقيقى الذى يعلمون أنه سوف يراعى الله فيهم.. لأن السيسى منهم رجل جدع وابن بلد.. ولأنه تعاطف مع البسطاء, وتعاطفوا معه، لذلك أحبه المصريون.. وقدم الفيلم ناس تكره مرسى وتقول بتلقائية إنه خرب البلد ولا يريدون تذكر أيامه.. وتبدو الصورة التى قدمتها ساندرا فى الفيلم اهتمت بتفاصيل مصر الجميلة فرأينا محافظات مصر كلها وكأنها بورتريه جميل أو كارت نرسله للعالم ونحن نقول نعم لدستور الاستقرار. وبذكاء استعانت ساندرا في فيلمها الوثائقى بتسجيلات صوتية لكبار الفنانين، واختارت كلمات تعبر بصدق عن دستورنا الحالى وكأنهم يعيشون معنا فى تلك المرحلة فعندما انتقلت إلى مدينة الفيوم اختارت أن تعبر عن حقوق الانسان فى الدستور من خلال كلمات ابن الفيوم يوسف وهبى ولا أدرى مقدار المجهود المبذول للبحث بين أرشيفه المسجل عن أجزاء من حوار يجعلنا نصدق أنه ربما يكون قد قرأ الدستور رغم رحيله منذ أكثر من 25 عاماً, والجميل أنها ركزت مع الناس على قول إن الفيوم معقل الإخوان لتخرج كلمات الناس عفوية رافضة هذا الاتهام. وفى مدينة طنطا، نرى الحلم والأمل فى الغد بصوت الفنانة الراحلة هدى سلطان. ومنها إلى الإسكندرية بصوت فيروز وألحان سيد درويش «ومصر يا أم العجايب»، ثم أسكتش لشكوكو، بينما الكاميرا تتنقل بين الوجوه العاشقة لمصر ثم إلى القاهرة بصوت الأديب الراحل نجيب محفوظ متحدثًا عن مصر، أعقبت ذلك جولة في مدينة طهطا، بصوت الفنان الشعبي محمد طه، ثم محافظة المنيا بصوت الفنان أحمد عدوية، وإلى الإسماعيلية والاستماع إلى السمسمية والبمبوطية فى بورسعيد أعقبت ذلك جولة في محافظة الأقصر لنستمع إلى لقصر بلدنا بلد سواح ثم أسوان لنستمتع إلى صوت محمد منير ابن أسوان.. ومن مكان إلى آخر، كانت الخلفية الموسيقية الأغانى الشهيرة «آه ياليل ياليل» و«على ورق الفل دلعنى». الطريف أن الكثير من الناس كانوا يعبرون عن كرههم لقناة الجزيرة.. أجمل ما فى هذا الفيلم أنه يحفز البسطاء للذهاب إلى الصندوق للمشاركة فى الاستفتاء على الدستور.. شكراً لساندرا نشأت التى عرفت قيمة البسطاء وأهمية اليد الشقيانة من أجل لقمة العيش وقدمت فيلم أبطاله يعلوا وجههم قبلات الزمن المسمى مجازاً التجاعيد ولهم خبرة العفوية الصادقة التى ورثوها من أجدادهم عبر السنين.