أطفال رضع، بعضهم لقطاء لا يعرفون ذويهم، وبعضهم الآخر أيتام ذهب ذووهم إلى خالقهم، ليتركوهم بين أياد قد لا تعرف عن الرحمة شيئًا، فقد أوصلهم مصيرهم إلى دور أيتام الأخوين وجدى وكامليا العربى. دار أيتام وجدى العربى تستضيف الصغار، وما أن يشتد عودهم حتى ينتقلوا إلى دور الأيتام الخاصة بشقيقته «كامليا»، وحينما تتجاوز أعمارهم السن القانونية للاستضافة فى دور الأيتام لا يتركهم الإخوان وشأنهم، ولكن يخصصون لهم شققًا غير مرخصة قانونيًا لاستضافتهم. فى غياب أى جهة حكومية مسئولة. «الصباح» كشفت الدور الحقيقى الذى تلعبه هذه دور الأيتام التابعة لجماعة الإخوان، ومصادر تمويلها، وطريقة تربية هذه الأطفال، ورؤية الجماعة لكيفية الاستفادة من ظروف هؤلاء الصبية الذين دفع بهم مصيرهم ليكونوا بين أيدى «المحظورة». وفى منطقة راقية خصصت أغلبها لبناء الفيللات، اختارها أصحابها لتكون بعيدة عن الضوضاء ورسمت خريطتها وزارة الاسكان بحيث تخصص فقط للسكن العائلى، ولكنها تخلو من أى خدمات.، إنها المجاورة السادسة من امتداد مدينة 15 مايو، جنوبالقاهرة، حيث أقيمت دار أيتام «أحباب الله». اشترى ملاك المنطقة الثامنة بالمجاورة السادسة فى المدينة قطع الأراضى الكائنة بهذه المنطقة من جهاز 15 مايو على أنها منطقة مخصصة للسكن العائلى فقط، وليس بها مبان خدمات ولا أنشطة تجارية ولا صناعية مقلقة للراحة، كما هو مسجل على خرائط التقسيم المعتمد لهذه المنطقة. ولكن عبدالوهاب المرعشلى مالك القطعة التاسعة بالمجاورة السادسة تبرع فى أغسطس 2011 بعمارته السكنية للأخوين كامليا ووجدى العربى لتتحول العمارة لدار أيتام «أحباب الله»، ضاربًا بالقوانين عرض الحائط. المستشار جمال غريب عامر، أحد سكان المنطقة، تولى بعد إنشاء هذه الدار مهمة جمع توقيعات من باقى السكان وعددهم 125 ساكنًا لتقديم شكاوى إلى وزيرى الإسكان والشئون الاجتماعية ومحافظ القاهرة ورئيس جهاز مدينة 15 مايو، ولكن دون جدوى، كما يقول: «فقبل أن يأتى الإخوان للحكم عرفوا أن هناك رشاوى دفعت لبعض المسئولين فى هذه الجهات، لتستمر هذه الدار غير المرخصة فى المنطقة، وبعد أن أصبح محمد مرسى رئيسًا تأكدت أن لا فائدة من تقديم أى شكوى، فمن المعروف أن الأخوين العربى ينتمون إلى جماعة الإخوان»، هذا بالإضافة إلى أنه سمع بنفسه من القائمين على هذه الدار قولهم آنذاك « إحنا اللى حامينا الرئيس بتاعنا محمد مرسى ومحدش هيعرف يعمل لنا حاجة». ويضيف المستشار «عامر» ل «الصباح»: «وليت الأمر يقتصر على المخالفات الإدارية، لقد شاهدنا الصبية من نزلاء الدار يمارسون الشذوذ مع بعضهم البعض، الأمر الذى صدمنا، وجعلنا نكتشف أنها ليست دارًا إسلامية لتربية الأيتام كما تدعى كامليا العربى، عندما ذهبنا لها لنخبرها عما شاهدنا وسمعنا، ولكنها دار تؤوى الشواذ والبلطجية». وتجدد الأمل لدى السكان بعد رحيل «مرسى» عن الحكم، ولكن الوضع لم يتغير بل ظل على ما هو عليه حتى هذه اللحظة، ومازالت هذه الدار موجودة على الرغم من مخالفتها القانونية، وعلى الرغم من الشكاوى المتكررة التى يقدمها سكان المنطقة إلى الجهات الرسمية. «فى البداية تعاطفنا معهم، ولكن ما شاهدناه منهم وما حدث لنا بسببهم، كانت فوق كل احتمال».. هذا ما قالته لنا بسنت طه التى تسكن فى العقار المواجه لدار «أحباب الله». وأضافت «بسنت»: «لم نلتفت فى البداية إلى كون هذه الدار مخالفة للقانون وتوجد فى منطقة غير مرخص لها بذلك، وكانت أمى تذهب إلى بعض هؤلاء الأولاد فى مدارسهم، وكان بعض الجيران يعطون لهم المال، ولكننا شاهدنا منهم تجاوزات مع بعضهم البعض ضايقتنا، فى البداية سمعناهم وشاهدناهم يتبادلون السباب العلنى بألفاظ نابية وبأصوات عالية جدًا نسمعها جميعاً، فالمنطقة كلها فيللات، ولا يوجد بها أى مصدر ضوضاء سواهم، كما ينشب بين هؤلاء الفتيان والشباب معارك يومياً، ويتبادلون فيها القذف بالأحجار والزجاج ويثيرون الذعر فى المنطقة». وأوضحت «بسنت» أن هذه الدار الذى تؤوى 40 صبيًا وشابًا تتراوح أعمارهم بين 12 و22 عامًا، على الرغم من أن السن القانونية لهم لابد ألا يزيد على 18 عامًا، لا يوجد بها مربون ولا معلمون ولا أى مشرفين، فقط مدير الدار وهو محام يدعى مجدى محمد طاهر، الذى تقتصر مهمته على تلفيق التهم لكل من حاول تقديم شكوى ضد هذه الدار، وتسريح هؤلاء الأولاد ضد سكان المنطقة، كما يتعرض سكان هذه المنطقة لحالات سرقة يوميًا من قبل هؤلاء الفتيان والشباب، فهم يسرقون إطارات السيارات والأغراض الصغيرة الموجودة فى الحدائق الخاصة بالفيللات كل شىء تقع عليه أيديهم، وحتى كلاب الحراسة التى توجد على الأبواب يسرقونها»! وتابعت: «منذ أن قمنا بتحرير محاضر ضدهم فى أقسام الشرطة، وقدمنا شكاوى لنقل هذه الدار من المنطقة ونحن نتعرض يوميًا لسباب بألفاظ نابية، كما هددنى شاب من أبناء هذه الدار بالاغتصاب علنًا فى الشارع إذا قمت بعمل محضر آخر ضد نزلاء الدار». وداخل الدار، يقول أحد الصبية من النزلاء «مرسى هو بابا اللى هيجيب لنا كل حقوقنا، وهيخلى الدستور فيه حاجات كتير كويسة لنا»، وهو نفس ما يردده كل الفتيان والشباب فى الدار عن الرئيس المعزول أو هذا ما كانوا يتعلمونه، ولا يتعلمون غيره، من أمهم كاميليا العربى التى لم تعلمهم سوى أن مرسى هو «بابا» الذى يحبهم، وأنه هو الذى يحميهم كما يكفلهم وينفق عليهم، وأن جماعة الإخوان هى الفصيل الوحيد الذى يجب أن نحبه وندافع عنه، ولذلك لم يكن من الغريب بالنسبة لجيران دار «أحباب الله» أن يسمعوهم وهم يبكون على «مرسى» بعد الإعلان عن عزله يوم 3 يوليو الماضى، وخروجهم فى شوارع 15 مايو بمظاهرات تطالب عودته إلى الحكم. وحينما قرر الإخوان الاعتصام فى «رابعة العدوية» كانت المفاجأة كما تروى «بسنت» قائلة: «كان يأتى للدار يوميًا ميكروباص فى السادسة صباحاً ليأخذ نصفهم أى حوالى 20 شابًا، ثم يأتى ليلًا ليرجعهم إلى الدار، وكان الأولاد يعلنون ذلك أمام الجيران قائلين (إحنا بنروح رابعة علشان ننصر الشريعة والإسلام وعلشان مرسى يرجع). وفى مساء 28 أغسطس قبيل الجمعة التى عرفت إعلاميًا ب «جمعة حرق مصر»، والتى جهزت لها جماعة الإخوان بعد فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، لكسر ما أسموه «الانقلاب العسكرى» سمع سكان منطقة امتداد 15 مايو صوت شباب الدار، وهم يقومون بتدريبات قتالية مع بعضهم البعض، وفى صباح اليوم التالى خرج جزء كبير منهم ولم يعودوا إلا فى المساء بعدما انتهت فعاليات اليوم الدامى. كما أن هؤلاء الشباب، كما يؤكد سكان المنطقة، مازالوا يخرجون فى مظاهرات الإخوان ويتبادلون الخروج بالتناوب خوفًا من ترك الدار خالية، خاصة أن السكان من جيران الدار يشتكون منها مر الشكوى. التقينا صبيًا من نزلاء الدار يدعى «سيف» يبلغ من العمر 15 عامًا، وهو يطلب من أمه أن تعطيه ثمن «درس» يريد أن يأخذه فى مادة دراسية، وكانت المفاجأة أن هذا الطفل لا يعرف له أمًا غير كاميليا العربى التى يقول لها «ماما»، بالإضافة إلى أم أخرى تتصل به بين الحين والآخر عرفنا منه أنها هى التى تكفله ماليًا، وأنه يعرف رقمها فطلبت منه هذا الرقم فاتضح أنه رقم «جوال» فى السعودية، ورفضت السيدة صاحبة الهاتف ذكر اسمها، وقالت إنها هى من تكفل سيف، وعندما علمت أنه لا يملك ثمن دروسه، انهارت وتعجبت من ذلك، قائلة «أنا أكفل هذا الطفل ب2 مليون جنيه سنويًا، هى كاميليا بتودى الفلوس دى فين؟». ولكاميليا العربى عدة دور أيتام باسم «أحباب الله» فى مدينة 6 أكتوبر ودار أخرى فى زهراء المعادى، بها أيتام ولقطاء من الفتيان والفتيات، يتراوح أعمارهم بين 12 و16 عامًا، وهذه الدور مرخصة باسمها كأماكن رعاية أيتام، لكن المعروف أنها تتخذ من تلك الدور مصدر «بيزنس» مربحًا جدًا لها، وأنها تسافر إلى الدول العربية، وخاصة السعودية كل عام بصور هؤلاء الايتام وتجمع لهم «كفلاء» يدفعون ملايين الجنيهات سنويا. أما وجدى العربى، شقيق «كاميليا»، فله دار أيتام أخرى باسم عبير الإسلام بشارع الطيران فى مدينة نصر، اشتهرت فى الفترة الأخيرة بسبب صور الأطفال المشاركين فى اعتصام «رابعة»، وهم يحملون ويلبسون أكفانهم ويكتبون عليها «مشروع شهيد»، فقد كانت هذه الدار هى التى تخرج هؤلاء الأطفال للمظاهرات والاعتصامات لاستخدامهم كدروع بشرية. وتأخذ كاميليا العربى هؤلاء الأطفال بعد أن يشتد عودهم، وتصل أعمارهم إلى 12 عامًا، وبذلك تأتى ثانى مرحلة لهؤلاء الأيتام فى الدور، حتى يبلغوا 18 عاما، وهو سن الرشد ويصبح من غير القانونى احتجازهم، ومن ثم تأتى المرحلة الثالثة وهى شقق مؤجرة غير مرخصة لهذا الغرض، تتركز فى منطقة عرب المعادى، فقد قال أحد نزلاء دار «أحباب الله» بمنطقة 15 مايو حينما تشاجر مع أحد سكان المنطقة «لو فضلتوا تضايقونا كدا هنجيب لكوا اخواتنا الكبار من عرب المعادى»، بينما القانون هو آخر من يعلم!