• جماعة «التكفير والهجرة» التى اغتالت وزير الأوقاف عام 1977 خرجت من عباءة «الإخوان» • «التكفير والجهاد» المرتبط ب«القاعدة» أول من دعا لإقامة «إمارة إسلامية» فى سيناء • «السلفية الجهادية» يستهدف «إعادة الإسلام» بممارساته القديمة والغائبة إلى المسلمين مرة أخرى! «شجرة الإرهاب فى سيناء»، والتى نبتت فى هذه الأرض المباركة على حين غفلة من الزمن، تلاحق الجميع بأخبارها اليومية، وتزاحم الحدث بأخبار الدماء التى تسيل وفق منهج محدد يضرب الوطن المصرى يومياً فى الصميم . وقبل الحديث عن الغفلة الزمنية القاتلة التى سُمح فيها لهذه الشجرة المسمومة بأن تنمو فى هذا المكان الأخطر، سنحاول تتبع جذور وفروع تلك الشجرة التى باتت الهاجس الأول للأمن المصرى، قبل أن يتحدث عن سيطرته على الأوضاع وإصلاح ما أفسده الظرف التاريخى المعيب الذى تعاطينا معه جميعاً . جماعة «التكفير والهجرة» نشأت فى سبعينيات القرن الماضى، ودعت إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بالقوة، من خلال فكر متشدد يقوم على مبدأ الجهاد ضد من أسموهم ب«الكفار»، وهى تفتح هذا التصنيف ليشمل كل من لا يقيم شرع الله وفق مجموعة من التفسيرات الخاصة بهم، وترجع جذور هذه الجماعة إلى عام 1965م فى قضية الإخوان المسلمين المتهمين فيها بالتخطيط والإعداد لقلب نظام الحكم، والتى تم على أثرها إعدام سيد قطب مع عدد آخر من قادة الإخوان. واتسعت موجة الاعتقالات بصورة كبيرة فى هذه القضية الشهيرة، وكان النظام السياسى فى هذا التوقيت يريد أن تكون تلك القضية هى الضربة القاصمة للإخوان وعنوان النهاية لصراع بدأ مع بدايات ثورة 23 يوليو، وبالفعل كانت ضربة قاصمة، لكنها لم تكن عنواناً للنهاية، فقد آمن بالفكر التكفيرى أحد شباب الإخوان المعتقلين إيماناً مطلقاً وزاد من إيمانه ما تعرض له وما شاهده من تعذيب، كان هذا الشاب هو شكرى مصطفى الذى بايعه أنصار التنظيم ليكون أميراً للجماعة وقائداً لها. وظل شكرى مصطفى قائد الجماعة فى المعتقل عدة سنوات ثم خرج عام 1971م، ليبدأ نشاطه فى تكوين وتطوير جماعة «التكفير والهجرة» من الشباب الذين التفوا حول الأفكار المتطرفة التى تشبع بها فى المعتقل، وفى عام 1973م أمر بهجرة الجماعة إلى الجبال بعد أن أعلن تكفير المجتمع وتكفير الحاكم الذى لا يحكم بما أمر الله، فلجأ أعضاء التنظيم إلى الجبال والكهوف والمغارات فى المنيا وتحديداً قرب مدينة أبو قرقاص، وبدأ الأمن يتعرف على هذه الجماعة الجديدة فتم القبض عليهم فى القضية رقم 618 أمن دولة لسنة 1973م. وعندما خرج أعضاء التنظيم من المعتقل عقب حرب أكتوبر اتسع نشاط الجماعة وزاد عدد أعضائها بصورة ملحوظة، ونقل شكرى مصطفى التنظيم إلى مرحلة الفعل، وبدأ فى تأسيس مرحلة جهاد ومحاربة النظام، إلى أن تم تقديمهم للمحاكمة فى قضية اغتيال الشيخ الذهبى وزير الأوقاف الأسبق (القضية رقم 6 لسنة 1977م)، وقضت المحكمة وقتها بإعدام خمسة من قادة التنظيم على رأسهم شكرى مصطفى وماهر عبد العزيز . لكن الجماعة لم تتوقف عن العمل حتى بعد إعدام أميرها وقادة التنظيم بها حيث لجأت للعمل السرى، وقضى العشرات من أعضائها سنوات طويلة فى المعتقلات، لكن الجماعة لم تمت وعادت تطل برأسها من جديد فى سيناء، فقد كان انتقال الجماعة إلى سيناء قد تم من خلال بعض أعضائها الذين خرجوا من المعتقلات بعد ثورة يناير 2011م، وبدأوا يمارسون نشاطهم سراً فى تشكيل الكوادر الجديدة ويتدربون على السلاح والتعامل مع المتفجرات، من خلال تنشيط العلاقات الوثيقة مع بعض التنظيمات المتطرفة الأخرى فى سيناء وقطاع غزة . تنظيم «السلفية الجهادية» وهو من أكبر التنظيمات الموجودة فى سيناء من الناحية العددية، وله أكثر من فرع داخل سيناء نفسها بعضها موجود فى شرق العريش والبعض يتواجد فى جنوب مدينة بئر العبد، وأخطر فروعها يتخذ من منطقة جنوب الشيخ زويد ورفح مسرحاً لتدريباته وعملياته، فالتنظيم يدعو إلى الحرب على الكفار وإسرائيل، ويتخذ من شمال سيناء مركزًا له ولتحركاته، وهذه التنظيم يتبنى أفكار تنظيم القاعدة لكنه لا يتصل به تنظيمياً فقط يتولى بعض من انخرطوا فى تنظيم القاعدة مواقع القيادة والتدريب والتشكيل فى مجموعات السلفية الجهادية، وتقترب لتتلامس أفكار هذه الجماعات من فكر الجماعة الإسلامية فيما يخص الجهاد باعتباره الفريضة الغائبة عن حياة المسلمين، ووضع الهدف من الجهاد فى إقامة شكل الدولة الإسلامية، وإعادة الإسلام بممارساته القديمة والغائبة من وجهة نظرهم إلى المسلمين مرة أخرى، ثم الانطلاق بعد ذلك لإعادة الخلافة الإسلامية من جديد كهدف استراتيجى صريح. وترتبط فكرة الجهاد المسلح عند جماعات السلفية الجهادية بالقضية الفلسطينية بشكل أساسى فى محاولة إضفاء شكل نبيل لعملها ولحشد الأنصار تحت هذه اللافتة البراقة، لكن بعض من هذه الجماعات الجهادية انحرفت عن هذه الأفكار إلى فكرة تكوين إمارة إسلامية مركزها سيناء، لتكون نواة لدولة الخلافة الإسلامية. أعلن تنظيم «السلفية الجهادية» مسئوليته فى بيانات إعلامية منشورة أكثر من مرة أنه وراء تفجيرات خطوط الغاز ما بين مصر وإسرائيل، والتى حدثت على مدار العام ونصف العام الماضى بالإضافة إلى بعض العمليات المتفرقة ضد قوات الشرطة والجيش والتى وقعت فى معظمها فى محيط مدينة العريش العاصمة . «التوحيد والجهاد» استمد هذا التنظيم قوته وشهرته وقدراته الحربائية على التلون ومقاومة المحاولات الأمنية المتتابعة للقضاء عليه، وذلك من خلال النطاق الحيوى الذى يعيش ويتحرك فيه وهو المنطقة المجاورة مباشرة للحدود المصرية مع قطاع غزة، وقد تم ذلك بعد أن أصبحت تعانى من فقدان السيطرة عليها من حكومة فلسطينية مركزية بعد انقلاب حركة حماس على الرئيس محمود عباس وحركة فتح، والسيطرة على القطاع منفردة منذ العام 2007م وحتى الآن، ويتخذ التنظيم من هذه المنطقة الشائكة والعامرة بالأنفاق مسرحاً للتواجد، وتحرص بقوة منذ نشأتها على مد جسور التعاون مع قطاع غزة فى جميع أوجه التعاون الخارج عن القانون، ولتسبق بهذا الارتباط العضوى جميع التنظيمات الإرهابية المسلحة الأخرى بخطوة، وهى بذلك تعد من أخطر الجماعات المسلحة على جانبى الحدود، ويكفى لها شرف السبق فى ممارسة العمليات المسلحة المباشرة ضد الدولة فى أكثر من مكان. ينسب إلى هذا التنظيم الذى تم الكشف عنه للمرة الأولى فى العام 2004م الكثير من التفجيرات الإرهابية فى مصر، أشهرها تفجيرات طابا 2004م وشرم الشيخ 2005م، ثم تفجيرات دهب 2006م ومن بعدها ميدان الحسين 2009م، وخاض الأمن المصرى معارك وملاحقات أمنية طويلة للمرة الأولى فى سيناء فيما عرف وقتها بمعارك «جبل الحلال» وعلى أثرها تم القبض على العشرات من عناصر التنظيم، وحكم على عدد منهم بالإعدام، والبعض بأحكام حبس طويلة تراوحت مابين العشر سنوات والخمسة عشر عاماً، ومن أشهر من تم القبض عليه فى وقتها القيادى عادل حبارة الذى قبض عليه منذ أيام مرة أخرى متهماً باغتيال جنود شرطة بالقرب من مدينة رفح. وبعد ثورة 25 يناير فى العام 2011م عادت عناصر التنظيم للتجمع والعمل سريعا وبقوة مرة أخرى من خلال عدة عمليات، منها فى يناير من العام 2012م حين قام التنظيم بخطف 25 خبيراً صينياً يعملون فى أحد المشروعات بوسط سيناء، على خلفية احتجاجات ومساومات مع أجهزة الأمن تتعلق بالمطالبة بالإفراج عن خمسة متهمين فى العمليات الإرهابية التى سبقت ثورة يناير وتابعين للتنظيم. وتنظيم «التوحيد والجهاد» فى الأساس جماعة جهادية أسسها طبيب مصرى يدعى خالد مساعد سالم فى عام 2002م، وساهم فى زيادة حجم التنظيم وإقبال الشباب عليه، قيام إسرائيل بارتكاب «مذبحة جنين» فى نفس السنة، ثم اندلاع الحرب على العراق فى العام 2003م، وقتل خالد مساعد الذى ينتمى لإحدى القبائل الكبيرة فى سيناء فى الهجوم الإرهابى الذى نفذته جماعته فى طابا فى أغسطس عام 2005، وظهر لأجهزة الأمن فى ذلك الوقت لأول مرة أن الجماعة أصبحت تضم فلسطينيين أيضاً . كانت مجموعة خالد مساعد قد التقت مع مجموعات أخرى تتبع «جماعة الشوقيين» وهى جماعة أسسها قبل سنوات مهندس زراعى من القاهرة يدعى شوقى الشيخ، وتقوم أفكارها على تكفير المجتمع والحكام والجيش والشرطة، وفر كثير من عناصرها إلى سيناء هرباً من الملاحقات الأمنية خاصة بعد موجة للإفراج عن بعض الإسلاميين المحبوسين منذ التسعينيات، وبالتقاء عناصر من هاتين الجماعتين خاصة مع مطلع الألفية حدث بينهم وحدة فكرية، وأطلقوا على أنفسهم اسم «التكفير والجهاد»، ثم غيروا الاسم إلى «القاعدة والجهاد» حين وجدوا أن كلمة التكفير غير مقبولة ولا مستساغة وأيضا لا تجذب لهم أتباعاً جدداً. هذا التنظيم الذى دعا لإقامة إمارة إسلامية فى سيناء هو جماعة سلفية مرتبط بحكم قياداته بتنظيم القاعدة، ويتواصل بشكل مستمر مع «جيش الإسلام الفلسطينى» الموجود فى غزة، والذى اتهمه مباشرة وبالاسم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى بالوقوف وراء حادث كنيسة القديسين فى الإسكندرية مطلع العام 2011م، وهم من هذا التاريخ بالفعل غيروا اسمهم للمرة الثالثة ليصير «التوحيد والجهاد»، وأصبح له علاقة قوية بقطاع غزة ويستخدم الأنفاق فى تهريب الأموال المزورة والسلاح وغيره. ويحاكم حالياً 25 عضواً من أعضاء التنظيم بتهم إنشاء وإدارة الجماعة التى تدعو لتكفير الحاكم وإباحة الخروج عليه، والاعتداء على القوات المسلحة وقتل 7 فى هجمات مسلحة بالعريش الصيف قبل الماضى، وأيضا فى أغسطس من العام قبل الماضى توعد التنظيم بتحويل سيناء لأرض للصراع مع إسرائيل، وذكر فى بيان على الإنترنت « إن أرض الكنانة وجبل الطور قد دخلت مرحلة جديدة ستكون من خلالها عنواناً بإذن الله الواحد الأحد ومسرحاً للصراع مع أعداء الله اليهود وذيوله» . وفى 16 سبتمبر 2011م كشف الأمن المصرى عن منشورات توزع فى سيناء باسم «الجماعات الجهادية»، وكان وراءها تنظيم التوحيد والجهاد تحت عنوان «الإنذار الأول والأخير»، حيث قام بإلقائه فى مدينتى رفح والشيخ زويد، وجاء فى المنشور أن الجماعات التكفيرية والجهادية بسيناء تعلن سيناء إمارة إسلامية لها عادات وتقاليد مستمدة من الشريعة الإسلامية.. ولا داعى لوجود قوات الجيش والشرطة فى سيناء، وللحديث بقية إن شاء الله مع باقى فروع شجرة الإرهاب فى سيناء. خالد عكاشة كاتب ومحلل سياسى