لا تجتاز عشرات السلع الغذائية الفلسطينية المصنعة محليا الفحوصات الميكروبيولوجية والكيميائية التي يجريها الطب الوقائي في الرعاية الصحية الأولية، ما يتطلب إتلافها فورا. وذكرت صحيفة "دنيا الوطن" الفلسطينية أن بعض المنشآت الصناعية وسط قطاع غزة تخلو من مواصفات الجودة لضعف التنسيق بين البلديات والجهات الرقابية واكتفاء الأولى بمنح الرخص للمصانع دون معاينة صحية وبيئية وفنية من قبل مختصين. وتنص المادة الثانية من قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004م على ضرورة ترخيص الأعمال والحرف والصناعات الغذائية وأماكن بيعها ومراقبتها. قسم الطب الوقائي في المحافظة شدد إجراءاته الرقابية على المصانع والمحال التجارية والأسواق الشعبية لملاحقة المخالفين والحد من انتشار الأغذية منتهية الصلاحية أو التي طالها التلوث في المصانع التي لا تراعي توفر البيئة الصحية. "الرسالة" تسعى للتعرف على الأسباب التي تعرقل الوصول لبيئة صحية في المصانع والأسواق المحلية الفلسطينية. ضبط وإتلاف يتلف القسم 300 كيلو إلى نصف طن يوميا من السلع والأغذية الفاسدة خلال جولات التفتيش والمراقبة في المحافظة الوسطى، حسب إفادته ل"الرسالة". ويشترط الطب الوقائي أن تكون أي منشأة صناعية غذائية في بيئة نظيفة، ومحكمة الإغلاق؛ وخاصة صالات التصنيع والتخزين. ويوجد في المحافظة الوسطى نحو 36 مصنعا ومنشأة صناعية لتصنيع الأغذية مثل البسكويت، و"الجاتوه والبتيفور"، والشيبس، والعصائر، وغيرها. مهندس الصناعات الغذائية في قسم الطب الوقائي عاهد خليل، قال في حديث ل"الرسالة" إن قسم الطب الوقائي يراقب المصانع والتجار من كثب ويأخذ عينات دورية لفحص الأغذية التي تنتج لديهم للتأكد من جودتها. ويبدي خليل قلقه إزاء عمليات الغش التي يقدم عليها بعض التجار وأصحاب المصانع لأنها تؤثر سلبا على صحة الإنسان. الشيبس الأخطر وأوضح مهندسون آخرون رفضوا الكشف عن هويتهم في إفادة ل"الرسالة" أن صناعة الشيبس تتصدر المنتجات التي تحمل خطورة جراء تصنيعها أحيانا بمواد خام فاسدة أو ملوثة بفعل القوارض والطيور المتواجدة بالمصانع المخالفة للشروط الصحية. ويصنع الشيبس من مادة الذرة المجروشة ويقلى في زيت النخيل ومن ثم تجري تعبئته في أكياس صغيرة لتسويقه بالمحال التجارية. ورصد قسم الطب الوقائي في المحافظة الوسطى اختلاط روث القوارض والطيور في المواد الخام التي تصنع منها بعض الأغذية ما استدعى التحرز عليها وإتلافها وإغلاق مصانع في بعض الأحيان. وأشار المهندس خليل إلى أنه جرى قبل أيام ضبط أربعة أطنان من الذرة المجروشة الخاصة بصناعة الشيبس وكمية من "السميد" والطحين في أحد المصانع بالمحافظة الوسطى وقد أصابها التلوث. وحرصت "الرسالة" على توثيق مشاهد للتلوث في أحد مصانع الشيبس بالمحافظة الوسطى عبر مقطع فيديو وصور حصلت عليها حصريا. ولفت المهندس خليل إلى أن القسم ضبط أيضا كميات كبيرة من الشيبس الفاسد المصنع محليا بعد أن كانت معدة للتسويق بالمحافظة من قبل مصنع آخر. وأكد خليل ضبط أصباغ ونكهات غذائية منتهية الصلاحية، وشوكولاتة فاسدة يستعملها أحد المصانع في صناعة الأغذية ما يشكل خطورة كبيرة على صحة المستهلك. وأوضح أنه جرى تقديم صاحب هذا المصنع للمحاكمة بعد تقرير صحي وفني حول الحادثة بالتعاون مع مباحث التموين في الحكومة الفلسطينية بالقطاع. وشدد خليل على أن الطب الوقائي يسعى لتكون صالات الإنتاج في المصانع الفلسطينية كغرف العمليات من حيث التعقيم والنظافة. وكشف عن ضبط مخزن للسلع الغذائية بالمحافظة الوسطى أثبتت الفحوصات أن 80 % من البضائع التي بداخله فاسدة ومنتهية الصلاحية، وقد حصلت "الرسالة" على مقطع فيديو للمخزن. تعاون ضعيف ضعف التعاون بين قسم الطب الوقائي وبلديات المحافظة الوسطى يمنع توفر البيئة الصحية والفنية اللازمة في المصانع المحلية، كما أنه العقبة الكبرى أمام جهود تطوير الصناعات الفلسطينية وضمان جودة المنتجات. ويشتكي مهندسو القسم من مصادقة بعض البلديات على تراخيص المصانع دون الرجوع للطب الوقائي لمعاينة البيئة المحيطة بالمصنع والتأكد من توفر الظروف الصحية اللازمة. ويقول مهندس الصناعات الغذائية لؤي العمصي ل"الرسالة": "نضبط مصانع مخالفة، فيقدم أصحابها شهادة الترخيص للطب الوقائي وقد ختمت رسميا من البلدية فقط، دون الرجوع لأي من الجهات المختصة الأخرى". وأضاف: "خاطبنا رؤساء البلديات في المحافظة مرارا دون جدوى، فيما يتفرد رئيس قسم الحرف والصناعات في البلدية بقرار ترخيص المصنع من عدمه دون مراعاة موافقة باقي الأطراف المعنية". وتابع العمصي: "لا يجوز للبلدية أن تضع الختم النهائي على الترخيص الخاص بالمصانع دون الرجوع للطب الوقائي والدفاع المدني والشرطة الفلسطينية". واستطرد بالقول: "نطلب من الأيدي العاملة في المصنع إجراء ثلاثة فحوصات طبية للتأكد من سلامتهم حفاظا على المستهلك". ولم يخف وجود تعاون بعض البلدات بالمحافظة؛ بحيث تدعو الطب الوقائي للإشراف على ترخيص المصانع، وبعد انتهاء الإجراءات اللازمة يسمح بالإنتاج دون تسويق لحين فحص المنتج في المختبر. ويكلف فحص المنتج الواحد بمختبرات وزارة الصحة 320 شيقلا، بحيث يشمل الفحص الطبي نسبة البكتيريا والخمائر وغيرها ويكون على نفقة الوزارة. توجهت "الرسالة" لرئيس بلدية دير البلح وسط القطاع سعيد نصار الذي رصدت مخالفات عدة لدى بلديته بشأن ترخيص منشآت صناعية، فنفى وجود قانون واضح للترخيص وتجديد الرخص. ويقول نصار: "أساسا لا يوجد قانون مكتوب وواضح في البلدية للترخيص، وجرت العادة أن يتم ترخيص المصانع للمرة الأولى بالتنسيق مع الطب الوقائي، والتجديد لها تلقائيا". وأقر بمنح أحد المصانع في المدينة رخصة لتعبئة الشيبس المصنع محليا وليس تصنيعه في المكان الذي أغلقه لاحقا الطب الوقائي وبالتعاون مع مباحث التموين بالمحافظة. واتهم نصار مهندسي الصناعات الغذائية بالطب الوقائي بالتقصير في المهام المنوطة بهم، نافيا تواصلهم مع بلدية دير البلح فيما يتعلق بالمخالفات التي تصدر عن المنشآت الصناعية. وعلق نصار على إجراءات ترخيص مصانع الأغذية بالقول: "الحكومة تريد من صاحب المنشأة الصناعية الحصول على ترخيص من البلدية، وموافقة الطب الوقائي والدفاع المدني ودفع رسوم لكل منهما فقط!". وأوضح أن بلدية دير البلح تضع صحة المواطن على سلم أولوياتها، مطالبا الطب الوقائي بوضع قوانين ملزمة للجميع بشأن ترخيص المنشآت. وأبدى نصار استعداده لسحب ترخيص أي منشأة صناعية في مدينة دير البلح تفتقد للشروط الصحية والفنية اللازمة لتصنيع المواد الغذائية. "الرسالة" حملت الملف لوزير الحكم المحلي في غزة محمد الفرا، فأبدى استغرابه من التجاوزات في منح التراخيص لمصانع الأغذية، قائلا: "لن نسمح كجهة رقابية على البلديات بتجاوز أي من شروط ترخيص المنشآت الصناعية في القطاع". وأضاف أنه سيحقق في المخالفات السابقة لضمان أخذ موافقة الجهات الرقابية المركزية مثل الطب الوقائي والدفاع المدني وغيرها. وأكد الفرا أن وزارة الحكم المحلي ستتخذ الإجراءات الرقابية والإشرافية اللازمة لمحاسبة أي سلطة محلية تعطي تراخيص لمصانع ومنشآت تفتقد لمواصفات الجودة. عمل سري ويقول المهندس العمصي إن عمل الطب الوقائي يتحلى بالسرية حفاظا على سمعة المصانع الفلسطينية، مشيرا الى انهم يبدون مرونة مع من يستجيب لنصائحهم اللازمة لسلامة المنتجات وخلوها من التلوث. وأكد أنه يوجد تعاون من مباحث التموين في الحكومة الفلسطينية خلال عملية ضبط وإتلاف البضائع الفاسدة؛ مستدركا: لكن لا يوجد حكم قضائي رادع لمن يروجونها بالأسواق المحلية. وأشار العمصي إلى أن القضاء يكتفي بتغريم المخالف مبلغا ماليا، ومن ثم يعود من جديد لممارسة ما وصفه "بالألاعيب" واقتناء السلع الفاسدة وترويجها. الحكومة الفلسطينية تولي أهمية لقضية الأغذية الفاسدة والمصانع المحلية المخالفة في القطاع، وأكد رئيس نيابة غزة الجزئية حسام دكه أن النيابة تتلقى ما بين 900 إلى 1000 قضية سنويا فيما يتعلق بقضايا الغش في الأغذية والصناعات. وقال إن النيابة هي جهة تحقيق واتهام وليس لها علاقة بإصدار الأحكام على المتهمين، مشيرا إلى أن جرائم الغش تنقسم لجنح وجنايات حسب خطورة القضية. وأوضح دكه أن النيابة تستجوب المخالف وتوجه له التهم بناء على ما ارتكبه وآثار ذلك على المجتمع وصحة الإنسان في القطاع. وشدد على أن النيابة العامة دائما تطالب بتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين في قضايا الغش بالأغذية وفقا للقانون الفلسطيني، رافضا التعقيب على الأحكام ومدى ردعها للمجرمين. ضعف الإمكانات قسم الطب الوقائي في المحافظة الوسطى يشرف على المصانع والمحال التجارية في كل من النصيرات والبريج والمغازي ومدينتي دير البلح والزهراء، وقرى الزوايدة والمغراقة، ووادي السلقا. اشتكى العمصي من ضعف الإمكانات، مؤكدا أنه لا توجد مركبة خاصة بالطب الوقائي في المحافظة الوسطى، لافتا إلى أنهم يتنقلون بواسطة دراجات نارية شخصية!. وقال: "عندما نضبط بضائع فاسدة في المحال التجارية ننتظر حضور مركبة البلدية لنقلها وإتلافها وأحيانا تتأخر كثيرا ونقطع العمل". وتمنى أن تتوفر الإمكانات اللازمة لعمل القسم لمضاعفة الإنجازات وفرض سيطرة كاملة على المحافظة بأسواقها ومصانعها مترامية الأطراف. ونصح العمصي المواطنين بعدم شراء الأجبان واللحوم والأسماك المجمدة من الأسواق الشعبية لأنها تتعرض لأشعة الشمس وقد تفسد بسرعة خاصة في فصل الصيف ما يتسبب بأضرار خطرة. وأكد أنه يجري إتلاف أغذية بكميات كبيرة في الأسواق الشعبية وخاصة الأسماك التي تجلب من مصر عبر الأنفاق الحدودية جنوب القطاع. الأغذية الفاسدة والملوثة تؤثر على صحة الإنسان مباشرة، كما أن خطورتها تزداد على الأطفال، ما يتطلب وقوف الجميع أمام مسؤولياته لملاحقة التجار والمصانع المخالفة ودعم الجهات الرقابية بالسبل كافة. وتبقى المواد الغذائية التالفة أو المنتهية الصلاحية تهدد صحة المواطنين لحين ضبط إجراءات الترخيص وآليات الرقابة على المصانع الفلسطينية المحلية، من خلال تعاون جميع الجهات الرسمية المسؤولة عن هذا الملف في القطاع.