بالصور.. حملات مكبرة بحي العجوزة لرفع الإشغالات وتحقيق الانضباط بالشارع العام    خلافات النسب تنتهي بالقتل في الوراق.. النيابة تأمر بتشريح الجثة وحبس المتهم    «الجارديان»: من المرجح أن تقود مصر «قوة الاستقرار» في غزة واستبعاد تركيا    مصرع شخص وإصابة 5 آخرين إثر حادث تصادم سيارتين فى إمبابة    لتفادي النوبات القلبية.. علامات الذبحة الصدرية المبكرة    الصحة: مصرع شخصين وإصابة 41 آخرين في حادث مروري على طريق (القاهرة - السويس)    الحزن يسيطر على محمد صلاح بعد خسارة ليفربول الرابعة في البريميرليج.. صور    ترامب: أراقب إعادة حماس لجثث الرهائن خلال 48 ساعة    مدرب إيجل نوار: الأهلي كان قويا رغم الطرد    وزير الرياضة: سنساعد الزمالك وفقا للوائح والقوانين.. وقد نمنحه قطعة بديلة لأرض أكتوبر    انتخابات الأهلي – الغزاوي: التنمية والاستثمار هما هدف المرحلة المقبلة للمجلس    محمد عبد الجليل: يانيك فيريرا أقل من تدريب الزمالك.. وأنا أفضل من زيزو بمراحل    أشرف صبحي: هدفنا الوصول لنهائي كأس أمم إفريقيا    وزيرة التضامن تتابع إجراءات تسليم الأطفال لأسر بديلة كافلة    استعدادات مكثفة لافتتاح «المتحف المصرى الكبير».. والحكومة: السبت المقبل إجازة رسمية    هيئة سلامة الغذاء تُكرّم 10 مصانع لدخولها القائمة البيضاء لتصدير التمور    الصحة: نقل مصابي حادث طريق "القاهرة - السويس" إلى مستشفيات بدر الجامعي والشروق    مصرع شاب وإصابة شقيقه فى حادث تصادم سيارة نقل بدارجة نارية بالمنوفية    مصرع شخص في حريق شقة سكنية بالعياط    تعرف على برجك اليوم 2025/10/26.. «الأسد»: لا تشتت نفسك بالانتقادات.. و«الجوزاء»: تحقق نتائج إيجابية بالصبر    بعد الظهور في حفل "وطن السلام"، محمد سلام يعلن عن مسلسله الجديد    الانتخابات.. تحية للأغلبية وكشفٌ لواقع المعارضة    خليل الحية: سنسلم إدارة غزة بما فيها الأمن.. وتوافقنا مع فتح على قوات أممية لمراقبة الهدنة    غادة عبد الرحيم تدعو وزارة التعليم لتبني حقيبة "سوبر مامي" لدعم أطفال فرط الحركة وتشتت الانتباه    أكثروا من الألياف.. نصائح فعالة لعلاج شراهة تناول الطعام    السر في فيتامين B12.. أبرز أسباب الإرهاق المستمر والخمول    معاينة حادث طريق السويس: تهشم كامل ل10 سيارات و«تريلا» السبب.. وضبط السائق المتورط    مفاجأة.. اعتذار الدكتور محمد ربيع ناصر مالك جامعة الدلتا عن الترشح بالقائمة الوطنية ممثلًا عن حزب الجبهة بالدقهلية    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم بعطلة الصاغة الأحد 26 أكتوبر 2025    عشاء رومانسى يجمع على الحجار وزوجته.. صورة    أحمد الجنايني يغازل زوجته منة شلبي: بالنسبة للعالم نجمة.. وبالنسبة لي كل شيء (صور)    عليك الموازنة بين الحزم والمرونة.. حظ برج العقرب اليوم 26 أكتوبر    بنغازي تتلألأ بانطلاق المهرجان الثقافي الدولي للفنون والإبداع تحت شعار "من بنغازي... الإبداع يوحدنا والإعمار يجمعنا"    أسعار الموز (بلدي و مستود) والتفاح بالأسواق اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025    صلاح يسجل أمام برينتفورد وليفربول يخسر للمرة الرابعة تواليا في الدوري الإنجليزي    عضو إدارة بتروجت يكشف كواليس انتقال حامد حمدان للزمالك    محمد الغزاوى: أخدم الأهلى فى جميع المناصب ونمتلك أقوى لاعبى اسكواش بأفريقيا    «الداخلية» تكشف ملابسات اعتداء قائد سيارة على سائق أجرة بمدينة نصر    الطفل آدم وهدان: فخور بوقوفى أمام الرئيس ومحمد سلام شخص متواضع    ترامب يؤكد استعداده لخفض الرسوم الجمركية على البرازيل فى ظل الظروف المناسبة    الهلال الأحمر الفلسطينى: أكثر من 15 ألف حالة مرضية بحاجة للعلاج خارج قطاع غزة    رئيس جامعة المنيا يشارك الاحتفالية العالمية «مصر وطن السلام» بمدينة الفنون بالعاصمة الإدارية    ترامب: لن ألتقي بوتين ما لم أتأكد من وجود اتفاق بشأن أوكرانيا    عمرو أديب: مُهمة التدخل للبحث عن جثث الرهائن فى غزة تظهر قوة مصر وحكمتها    بالصور.. محافظ الجيزة يشارك في افتتاح معرض الوادي الجديد الزراعي الثاني    يوسف زيدان: قصة أبرهة الحبشي غير دقيقة.. واستخدام الفيل لهدم الكعبة تصور غير عملي    الأزهر للفتوى: الاعتداء على كبير السن قولًا أو فعلًا جريمة فى ميزان الدين والقيم    امتحانات أكتوبر.. تعليم القاهرة تشدد على الالتزام بالنماذج الامتحانية المعدة من قِبل الموجهين    خالد الجندي: لو تدبرنا إعجاز القرآن لانشغلنا بالخير عن الخلاف    6 صور ترصد تفاصيل حفل وطن السلام بحضور الرئيس السيسي    غدا..مؤتمر جماهيري للجبهة الوطنية بالبحيرة دعمًا لشعراوي وعماد الدين حسين في انتخابات النواب    جلسة خاصة بمؤتمر الإيمان والنظام تسلط الضوء على رجاء وثبات المسيحيين في الشرق الأوسط    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    الصناعة: طرح 1128 قطعة أرض صناعية مرفقة بمساحة 6.2 مليون متر    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    مصر توقع على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    اليوم.. جورج إلومبي يتسلم رئاسة «افريكسم بنك» رسميا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يجوز اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب نهائيا طوال حياتهم؟
نشر في الموجز يوم 22 - 07 - 2020


يقول الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام:
إنجاب الأولاد مطلوبٌ فطريٌّ ومقصودٌ شرعيٌّ؛ لما يترتَّب عليه من تعمير الأرض والاستخلاف فيها، ولذلك رغَّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بزواج الوَلُودِ من النساء؛ روى الإمام أبو داود في "سُننه" عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: جاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قال: «لَا». ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فقال: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ».
وفي "مسند الإمام أحمد" عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: كان رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا، ويقول: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
ومع الترغيب في الإنجاب، إلَّا أن الشرع لم يأمر المكلفين به أمرَ إيجابٍ، وإنما رغَّبهم في الذرية؛ لما فيها من زينة الحياة، قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: 46]، ولأن الولد يكون سندًا وعونًا لأبوَيْه حالَ حياتهما، ويلحَقُ الوالدَ دعاءُ ولده الصالح له بعد موته، فينفع الولدُ الصالح أبوَيْه في الدنيا والآخرة.
وقد دعا غير واحد من الأنبياء طلبًا للذرية الصالحة، فحكى لنا القرآن أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قال في دعائه: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: 100]، ودعا سيدنا زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [آل عمران: 38].
قال الإمام السيوطي في "الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع" (ص: 164، ط. مطابع الرشيد): [وبعضهم يقول: الذي يريد الولد أحمق، فلا نال الدنيا ولا الآخرة؛ إن أراد أن يأكل أو ينام أو يجامع نغص عليه، وإذا أراد أن يتعبَّد شغله أيضًا. غلط عظيم؛ لأنه لما كان مراد الله تعالى من إيجاد الخلق اتصال دوامها إلى أن ينقضي أجلها، حثَّ الله تعالى الآدمي على ذلك، تارةً من حيث الطبع بإيقاد نار الشهوة، وتارةً من باب الشرع بقوله: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: 32]، وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا؛ فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَوْ بِالسَّقطِ».
وقد طلب الأنبياءُ الأولادَ، وتسبَّب الصالحون إلى وجودهم.. وقد يموت له ولد فيبقَى له ذخرًا وأجرًا؛ كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ يَقُولُ اللهُ تعَالَى للْمَلائِكَةِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ اللهُ تعالى: فمَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ -أيْ قَالَ: الحَمْدُ لله، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ- فَيَقُولُ اللهُ تعالى: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ».
وإما أن يخلفه بعده فيلحقه بركةُ دعائه؛ كما في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»، فمن أعرض عن طلب الأولاد خالفَ السنةَ، وعُدِم هذا الفضل والثواب الجزيل] اه.
ولم يوجب الشرع على كل من تزوَّج أن ينجب أولادًا، لكنه حثَّ عمومَ المسلمين على النكاح والتكاثر، واكتفى بالترغيب في ذلك مع بيان أنها مسؤوليةٌ على كل من الوالدَيْن، ووجَّه إلى ضرورةِ حُسن التربية وتقويم النفس والأولاد، والبُعد بهم عن مواطنِ الهلاك، وحذَّر من إضاعة المرءِ حقَّ أولاده؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6]، وقال جل شأنه: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو داود: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ».
فالواجب على الآباء تربية أبنائهم من الناحية الخلقية والاجتماعية والدينية والبدنية وغيرها، والإنفاق عليهم من مأكلٍ وملبسٍ ومسكنٍ وتعليمٍ وعلاجٍ وغير ذلك مما يحتاجون إليه سواء أكان ماديًّا أم معنويًّا.
وإذا غلب على ظن الزوجَيْنِ أنهما غيرُ قادرَيْنِ على هذه المسؤولية، أو قَرَّرا عدمَ الإنجاب لمصلحةٍ معينةٍ: كأن يكون في الإنجاب خطورة مثلًا على صحَّة الزوجة، أو خَافَا فسادَ الزمان على الذريَّة، فاتفقا على عدم الإنجاب، فلا حَرَجَ في ذلك عليهما؛ لأنه لم يرِدْ في كتاب الله تعالى نصٌّ يُحرِّم منعَ الإنجاب أو تقليلَه، واتفاقهما على منع الإنجاب في هذه الحالة يُقاس على العزل، والعزل: قذف الزوج ماءَه خارجَ رحم زوجته لمنع التقائه بالبويضة حتى لا يحصل الحمل، ووجه القياس: اشتراك العزل والاتفاق على منع الإنجاب في المآل، وهو عدمُ حصول العلوق.
وقد اتفق جمهور العلماء على أنَّ العزلَ مباحٌ في حالة اتفاق الزوجين على ذلك؛ مستدِلِّينَ بالحديث الذي رواه الإمام مسلم في "صحيحه" عن جابر رضي الله عنه أَنّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّمَ فقال: إِنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، فقال: «اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا». فَلَبِثَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَاهُ فقال: إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَبِلَتْ. فَقَالَ: «قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا».
وروى الشيخان عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: "كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ"، وعند "مسلم": زَادَ إِسْحَاقُ، قَالَ سُفْيَانُ: لَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ، وفي رواية أخرى عنده: "فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّمَ فَلَمْ يَنْهَنَا".
وروى البخاري في "صحيحه" عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدري رضي الله عنه قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم في غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ، وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ، وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ وَقُلْنَا: نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ؟! فَسَأَلْنَاهُ عن ذلك فقال: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهْيَ كَائِنَةٌ».
قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (7/ 61-62، ط. مكتبة الرشد): [قال الطحاوي: وقوله عليه السّلام: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا..» إلى آخر الحديث، فيه دليلٌ أن العزلَ غير مكروه؛ لأنه عَلَيْهِ السَّلامُ لما أخبروه أنهم يفعلون ذلك لم يُنكِره عليهم، ولا نهاهم عنه، وقال: «مَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ)».] اه.
وقال الإمام الجصاص الحنفي في "شرح مختصر الطحاوي" (4/ 444، ط. دار البشائر الإسلامية): [وليس للرجل أن يعزل عن زوجته الحرَّة إلا بإذنها... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم عنِ الْعَزْلِ عن الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا] اه.
وقال الإمام ابن رشد المالكي في "البيان والتحصيل" (18/ 151، ط. دار الغرب الإسلامي): [الذي عليه جمهورُ الصحابة إباحة العزل. وقد ذُكِر ذلك عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال بعضُ مَن عنده: إنَّ اليهودَ تزعمُ أنها الموءودة الصغرى. فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنها لا تكون موءودةً حتى تمرَّ عليها التارات السبع، وتلا: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ۞ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ۞ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: 12-14]، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: صدقتَ أطال الله بقاءك.. والذي عليه جمهور العلماء بالأمصار مالك وأصحابه والشافعي وأبو حنيفة إباحة العزل على حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه] اه.
وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (16/ 421، ط. دار الفكر): [ويكره العزل؛ لما روت جُذامَةُ بنت وهب رضي الله عنها قالت: "حضرْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم فَسَأَلُوهُ عن الْعَزْلِ. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «ذَلِكَ الْوَأْدُ الخَفِيُّ، ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ [التكوير: 8]». فإن كان ذلك في وطء أمَتِه لم يحرم؛ لأن الاستمتاع بها حق له لا حقَّ لها فيه، وإن كان في وطء زوجته فإن كانت مملوكةً لم يَحرُم؛ لأنه يلحقه العار باسترقاق ولدِه منها، وإن كانت حرَّةً فإن كان بإذنها جاز؛ لأن الحقَّ لهما] اه.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (5/ 189، ط. دار الكتب العلمية): [(ويحرم العزل عن الحرة إلا بإذنها)؛ لما روي عن عمر رضي الله عنه قال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ أَنْ يُعْزَلَ عَنِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا" رواه أحمد وابن ماجه، ولأنَّ لها في الولد حقًّا، وعليها في العزل ضرر، فلم يَجُزْ إلا بإذنها، ومعنى العزل أن ينزع إذا قرب الإنزال فيُنزِل خارجًا عن الفرج] اه.
لكن ما سبق من جواز العزل والاتفاق بين الزوجين على عدم الإنجاب إنما هو على المستوى الفردي، أما على مستوى الأمة فلا يجوز؛ فقد تقرَّر شرعًا أنَّ الفتوى تختلف باختلاف تعلُّق الحكم بالفرد وتعلُّقه بالأمة، ولأن الأمر حينئذٍ يكون فيه إعاقة لاستمرار التناسل البشري، وتصبح المسألة نوعًا من الاعتراض على الله تعالى في خلقه بمحاولة تغيير نظامه وخلخلة بنيانه وتقويض أسبابه التي أقام عليها حياةَ البشر.
ولا يدخل في هذا المنع العام الممنوع شرعًا ما تقومُ به الدول من تدابير تحديد النسل وترغيب الناس فيه؛ فإنه ليس منعًا من الإنجاب مطلقًا، وإنما هو حرصٌ على الموازنة بين المواردِ وعدد السكان الذين ينتفعون بهذه الموارد، ويُطالِبون الحكومات بتقديم الخدمات اللازمة لهم في أمور المعيشة المختلفة، والتي يؤثر عليها بالضرورة الزيادة في عدد السكان.
وبناءً على ذلك: فعدمُ الإنجابِ هو حقٌّ للزوجين معًا، ويجوز لهما الاتفاقُ عليه إذا كان في ذلك مصلحة تخصُّهما، ولا يجوز لأحدهما دون موافقة الآخر، وهذا الجواز على المستوى الفردي، أَمَّا على مستوى الأمة فلا يجوزُ المنْعُ المطلق من الإنجاب؛ لما فيه من الإخلال بنسبة التوازن التي أقام الله الخلق عليها، ولا يدخل فيها ما تقوم به الدول من إجراءات للعمل على تحديد النسل طلبًا للحياة الكريمة لشعوبها وفق الدراسات المفصحة عن إمكانيات هذه الدول؛ فتصرف ولي الأمر منوط بالمصلحة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.