منذ أن وطأ بقدميه مبني وزارة الإعلام ضمنت جماعته الإخوانية إصباغ الفكر الإخواني علي جميع الشاشات الأرضية بما يحقق لها البقاء وسط العواصف الضبابية التي تشهدها البلاد .. فالوزير الإخواني صلاح عبدالمقصود استقبله الإعلاميون في يومه الأول بموجة حادة من الرفض القاطع خاصة أنه أعلن انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين وأعلن الإعلاميون رفضهم أخونة الإعلام لكن الرجل راح يؤكد أن ما يتحدثون عنه ما هو إلا افتراءات واتهامات يحملها معارضو الجماعة الإخوانية لإبنائها إلي أن كانت الطامة الكبري - علي حد وصف أبناء ماسبيرو - عندما عاد بالشاشة إلي عهد مبارك وبالتحديد وقت ثورة يناير حيث قام الوزير الإخواني بتوجيه كاميرات التليفزيون إلي المناطق التي تخلو من الاشتباكات والممارسات الإخوانية الخاطئة في تحد صارخ للجميع كما أعطي تعليماته بتجاهل تغطية المظاهرات داخل المحافظات حتي لا يثير حفيظة الشعب المصري ضد جماعة الإخوان.. وبفعلته هذه أثار غضب الجميع فأسرع قياديو المبني بتقديم استقالاتهم في موقف لم يتوقعه أحد خاصة أن البعض منهم طالته الاتهامات بالتستر علي الفساد وموالاة النظام الإخواني الذي يحكم البلاد الآن إلا أنهم عندما ضاقت بهم الأحوال تنفسوا الصعداء وأسرعوا بإعلان انشقاقهم عن التليفزيون الرسمي كاشفين حالة السخط الشديد التي انتابتهم من سياسات تكاد تعود بالبلاد إلي عقود مضت لا يرغب في عودتها أحد. ومثلما أحدث الرئيس الإخواني محمد مرسي أزمة سياسية بإعلانه الدستوري ودعوته لإجراء الاستفتاء علي الدستور المعد مؤخرا علي الرغم من رفض نسبة كبيرة من المصريين ما كان سببا في نشوب الاشتباكات بين مؤيديه ومعارضيه وأسفرت الأحداث عن سقوط قتلي ومصابين .. ومن جانبهم أعلن عدد من مستشاريه الانشقاق عن مؤسسة الرئاسة وعودتهم إلي صفوف الشعب المصري والابتعاد بشكل كلي عن دائرة صنع القرار خوفا من أن تلتصق بهم الاتهامات التي طالت سابقيهم من رؤوس النظام السابق .. وعلي نفس الطريقة كان تفكير عدد من قيادات الإعلام بماسبيرو ممن شعروا بالمخاطر التي تقترب منهم في حالة صمتهم علي السياسة التي أقرها الوزير الإخواني للتعامل مع الأحداث الدامية التي تسببت فيها عناصر تابعة للجماعتين الإخوانية والسلفية من مؤيدي الرئيس مرسي .. وظن الوزير وقيادات الجماعة الإخوانية التي قامت بزرعه داخل المبني لتتمكن من السيطرة الكاملة علي التليفزيون الرسمي وتوجيهه بما يحقق لها أهدافها ويبعد عنها الاتهامات التي طالت رجال الرئيس السابق حسني مبارك وكأن التاريخ يعود بالبلاد إلي الوراء إلا أن قيادات ماسبيرو الحاليين كانوا أكثر حنكة من سابقيهم الذين تصارعوا في الدفاع عن النظام المخلوع دفاعا عن مناصبهم وخوفا من الطوفان الذي ينهي حياتهم داخل الزنازين حيث قيل إن التغطية الإعلامية للتليفزيون المصري لأحداث الاتحادية كانت أهم الأسباب التي أثارت حفيظة عدد من قيادات الإعلام فضلا عن تأثر السياسات الإعلامية بتعليمات الوزير الإخواني الخاصة بتوجيه كاميرات التليفزيون المصري لخدمة جماعة الإخوان المسلمين وفرض حالة من الكتمان أو التستر، إن صح القول، علي الممارسات الخاطئة التي مارسها بعض أعضاء الجماعة الإسلامية والموالين لهم في حق المعتصمين السلميين الذين أرادوا فقط التعبير عن آرائهم ضد قرارات الرئيس الإخواني مرسي، وكان أول المنتفضين ضد سياسة التكتم والتستر علي سياسات الوزير الإعلامي عصام الأمير رئيس قطاع التليفزيون والذي أعلن انشقاقه عن ماسبيرو الواقع حاليا في قبضة وزير ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين ويعمل باستماتة من أجل الدفاع عن الإخوان المسلمين بشكل أثار غضب الجميع خاصة أنه جعل من التليفزيون سلاحا إخوانيا يتم استخدامه من أجل تزييف الحقائق لتحقيق مصالح الجماعة وحدها، ومن بعد الأمير كان الدكتور علي عبد الرحمن رئيس قطاع القنوات المتخصصة الذي تقدم باستقالته، احتجاجا علي الطريقة التي أدار بها الرئيس وجماعته الإخوانية البلاد والتي كان آخرها تحريضهم لأعضائها بالاشتباك مع المعتصمين السلميين في محيط قصر الاتحادية والتي نتج عنها 10 قتلي و 446 مصابا، ثم تبعهما الإعلامي إبراهيم الصياد رئيس قطاع الأخبار والذي قيل إنه سبق له وأن تقدم بها قبيل الأحداث بأسبوع . وقيل أيضا إن الصديقين الأمير وعبدالرحمن اتفقا علي الاستقالة من منصبيهما بعدما انتابتهما حالة من الاستياء الشديد لما شهدته البلاد من تهريج علي الشاشة وابتعادها عن نقل الأحداث الهامة والتي تدين الجماعة الإخوانية وتضيع حقوق السلميين بل الأكثر دهشة أنه تمت إذاعة أفلام ومسرحيات كوميدية في الوقت الذي كانت تشتعل فيه الميادين وتسيل الدماء علي يد عدد من مؤيدي الرئيس الإخواني مرسي . والاستقالة لم تكن غريبة علي عبدالرحمن خاصة أنه سبق له أن تقدم بأكثر من استقالة في عهد الوزير السابق اللواء أحمد أنيس، لكن أنيس كان يرفضها دائما، إلا أنه في هذه المرة أعلن أنه لن يتراجع فيها أبدا خاصة أنه شعر بالإحراج مع نفسه بعدما طلب نزول عدة كاميرات لتغطية الأحداث خاصة أن التليفزيون المصري يمتلك عددا كبيرا من الكاميرات، إلا أنه فوجئ بتجاهل أوامره وإلقائها عرض الحائط، واختلاق المعوقات العجيبة التي تمنع نزول الكاميرات حتي قيلت له صراحة إنه لن يتم السماح للكاميرات بالخروج من المبني، وفي تلك اللحظة اشتاط عبدالرحمن غضبا وتبين له أنه لا أمل في الإصلاح ولا معني لوجوده في منصبه كرئيس للقطاع وقرر الاستقالة بشكل نهائي. كما أعلن عبدالرحمن أن استقالته نهائية ولن يفكر في التراجع عنها مهما حدث ودلل علي كلماته بأنه تلقي عدة اتصالات من الوزير الإخواني صلاح عبدالمقصود لكنه لم يجبه حيث يري أنه - أي عبدالمقصود - أرغم مسئولي الشاشات التليفزيونية علي عرض أشياء تبتعد بالمشاهدين عن متابعة الأحداث وكأن شيئا لم يتغير في البلاد. وعلي الرغم من أنه تم التأكيد علي أن الصياد لم يتقدم باستقالته اعتراضا علي الطريقة التي يدار بها ماسبيرو إلا أن الإعلان عن هذه الاستقالة لم يسبق الأحداث لكنه تبع استقالتي زميليه في ماسبيرو ما يدلل علي أنه انتفض هو الآخر من السياسات الخاطئة التي يدار بها المبني - علي حد وصف الإعلاميين - وقيل إن الصياد، برر استقالته بحالة التربص الشديد، التي يتزعمها الكثيرون للقطاع، في الوقت الذي راهن فيه الكثير علي انهيار ماسبيرو، ولهذا فأكد استقالته وانتظر بمنصبه إلي أن يتم تعيين أحد غيره للمنصب . وعلي الرغم من أن أصحاب تلك المناصب القيادية في ماسبيرو قد أعلنوا الانشقاق والخروج من ماسبيرو قبل أن توجه إليهم أصابع الاتهام بالمشاركة في تزييف الحقائق وإخفائها عن الرأي العام إلا أن الموقف الأكثر غرابة والذي أثار حفيظة البعض من أبناء المؤسسة الإعلامية هو وقوف الوزير الإخواني صلاح عبدالمقصود متحديا بعد الإعلان عن هذه الاستقالات بأنه لا توجد أي استقالات لقيادي واحد في ماسبيرو متهما الإعلام بنشر الأكاذيب والأخبار التي لا أساس لها من الصحة، مدعيا أن ما تقدم به القيادات ليست استقالات وإنما اعتذار عن الاستمرار في العمل بمناصبهم القيادية وأنه قبل اعتذاراتهم. وعلي طريقة سابقيه ممن تسابقوا في التخديم علي النظام الحاكم تسربت أنباء بأن الوزير أعد بمعرفة مكتب الإرشاد الذي ينظم أمورا عديدة داخل الجماعة الإخوانية قائمة بأسماء شخصيات قانونية وجامعية من التابعين للجماعتين الإخوانية والسلفية وتابعيهما لاستضافتهم في برامج التوك شو لتجميل الدستور الذي يتم الاستفتاء الشعبي عليه الآن كما تم وضع أسماء من معارضي النظام الإخواني ضمن قائمة أخري حملت عنوان "القائمة السوداء" وتم فرض حالة الحظر لاستضافتهم في أحد هذه البرامج خوفا من كشف العوار الذي يغطي مواد الدستور، وكما فعل سابقو الوزير نفي الوزير ما تردد بشأن وجود قوائم سوداء موضحا أن الإعلام المصري هو إعلام الشعب, ولكن الاستضافة ستكون بشرط الالتزام بآداب الحوار والنقاش مع الخصوم السياسيين, موضحا أن التليفزيون المصري لن يكون منبرا للسب والقذف والتجريح والتخوين. ومن جانبهم نظم العشرات من الإعلاميين والإداريين بماسبيرو، وقفة احتجاجية، للتنديد بالسياسة التي يفرضها الوزير الإخواني علي الإعلام بما يحقق أهم بنود برنامج أخونة الإعلام، ووضع المتظاهرون الشرائط اللاصقة علي أفواههم، للتأكيد علي رفضهم التام سياسة تكميم الأفواه التي فرضها الوزير علي الشاشة .. وطالب المتظاهرون بعدم تكبيل الحريات وترهيب الإعلاميين، وإنهاء الحصار الذي فرضه مجموعة من الإسلاميين علي مدينة الإنتاج الإعلامي . واصفين ما تمر به البلاد بالمأساة مؤكدين أن الإعلام المصري فقد ثلاثة من أكثر القيادات كفاءة مؤكدين أن مواقفهم ستضاف إلي أرصدتهم الوطنية، كما أوضح الإعلاميون أن مواقف الاستقالات مطلب حيوي خاصة أن مجلس مستشاري الرئيس الإخواني سبق بتقديمها، ووصف الإعلاميون الغاضبون استقالات قيادات ماسبيرو بالانتفاضة بين قيادات قطاعات الشاشة وأنهم ينظفون ملابسهم من الدنس والجرائم التي يرتكبها أبناء جماعة الإخوان المسلمين والمتمثلة في أعمال عنف في الشارع واستغلال الإعلام الرسمي للدولة لتحقيق مصالحهم الشخصية . وأكد الإعلاميون أن التليفزيون الرسمي يدفع ثمن تولي وزير إعلام ينتمي للجماعة الإخوانية الحقيبة الإعلامية وكشفوا عن رغبتهم في أن تضاف استقالات جديدة إلي ما قدمها القيادات الثلاثة في إطار التأكيد علي الحرية واحترام الشاشة وماسبيرو. وبرر الإعلاميون موقف رؤساء القطاعات الثلاثة بالاستقالة لخشيتهم من السقوط في الفخ الذي سقط فيه سابقوهم عبداللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار الأسبق وأنس الفقي وزير الإعلام الأسبق وأسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق أثناء تغطية أحداث ثورة يناير حيث وجهوا الكاميرات إلي مناطق يحتلها مؤيدو مبارك وتجاهلوا الميادين والشوارع التي انتفضت ضده وأعلنت رفضها له ونظامه الذي نال منهم الكثير . وأعلن الإعلاميون رفضهم للوزير الإخواني متهمينه بإفساد الإعلام وتزييف الحقائق وقالوا إنه منذ أن تولي الحقيبة الوزارية وأعلن نيته إذاعة برنامج تليفزيوني بشكل مستمر للرئيس الإخواني وكأنه ليس مسئولا عن الإعلام لكنه أوتي المنصب ليكون المسئول عن تلميع الرئيس مرسي إعلاميا. كما رفضوا المواد الخاصة بالإعلاميين الواردة في مسودة الدستور واتفقوا علي الذهاب إلي صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم "بلا"وعن رأيهم في مواد الدستور قالوا إن مستقبل الإعلام يعتبر مجهولا ويشوبه الغموض كما أن المادتين 215 و216، ربطتا الإعلام المرئي والمسموع بالمقروء ووضعوهم جميعا في سلة واحدة من حيث تنظيم العمل عن طريق مجلس وطني للإعلام، ولم تذكر المادة جملة "وفقًا للقانون"، وكذلك بالنسبة لإدارة الإعلام عن طريق هيئة وطنية للصحافة والإعلام ولم يتحدد ما هو الإعلام المقصود.