منذ اللحظة الأولي لإعلان جماعة الإخوان المسلمين عن الترشح لرئاسة الجمهورية وقبل حدوث كل هذه السيناريوهات وكانت هناك تخوفات من وصول الجماعة للحكم وهو ما حدث بالفعل. هذه المخاوف كانت علي عدة أصعدة ولعل أبرزها وأخطرها مخاوف أشقاء الوطن الإخوة الأقباط من قدوم رئيس إخواني «عنصري». ورغم المحاولات المستمرة من الدكتور مرسي والتشديد علي أنه سيكون رئيساً لكل المصريين إلا أن الأيام القليلة، له في الحكم أثبتت أن هذه المخاوف جميعها كانت في محلها فقد بدأ الرئيس مرسي عنصريته باختيار فريق العمل الرئاسي الذي يعاونه وكان جميعهم من الإخوان أو حلفائهم الذين كان لهم الفضل في وصولهم إلي عرش مصر.. وكأن الرئيس أراد منذ اللحظة الأولي تسديد فواتير أصحاب الفضل عليه عرفاناً بجميلهم وإيماناً منه بأنهم الحصن الحصين وصمام الأمان الذي يضمن له البقاء داخل أسوار قصر العروبة ومع كل هذه الممارسات الإخوانية بدأت رحلة فرار الأقباط الذين حزموا حقائبهم مهاجرين الوطن خشية بطش وعنصرية الجماعة. استقبلت الإدارة الأمريكية صعود تيار الإسلام السياسي في مصر ووصول الإخوان المسلمين إلي سدة الحكم بحفاوة شديدة وتأييد غير مسبوق فالعلاقة المصرية الأمريكية أصبحت تعيش شهر عسل تمتزج فيه المصالح والصفقات التي أثرت علي بعض الاهتمامات الأمريكية بالسلب ومنها "أقباط مصر" فعلي الرغم من أن هذا الملف ظل كلمة السر التي تستخدمها أمريكا لتبرير تدخلها في الشئون الداخلية بمصر مستغلة أحداث الفتن الطائفية ومشكلات الأقباط إلا أنه مع تغير الأوضاع وفي ظل حكم الإخوان باعت أمريكا ملف الأقباط كاملا وانقلبت عليهم حتي أن أقباط المهجر فشلوا في الضغط علي الإدارة الأمريكية عندما طالبوهم بدعم الملف القبطي علي غرار العصر الماضي. في البداية أكد نبيل عزمي الأمين العام لائتلاف أقباط مصر أن أمريكا لها مصالح خاصة بالشرق الأوسط وملف الأقباط لا يعنيها في شيء خاصة عندما يتعارض الأمر مع مصالحها الخاصة حيث ترتفع مصالحها فوق أي دور يمكن أن تؤديه لأي جهة مهما بلغ سلطانها، فهي لا تحمي أقباط مصر كما يتصور البعض بالخطأ فضلا عن أن الأقباط أنفسهم يرفضون مثل هذه الحماية فالله هو الذي يحميهم. وقال من يحتمي من الأقباط بأمريكا فهو خاسر للقضية القبطية والوطن ولا ينبغي أن يحتمي الأقباط بأحد بعيدا عن القانون والدستور وأضاف أنه سبق للبابا شنودة وكان له موقف عندما حاولت منظمة حقوق الإنسان الأمريكية التدخل حيث قال من يحمي أمريكا هو الذي سيحمي الأقباط وهو الله ولن نستقوي بالخارج علي وطننا. وأوضح عزمي أن الوضع الآن في مصر اختلف عن السابق فاليوم هناك اتفاق بين الإخوان المسلمين وأمريكا علي أجندة محددة وأمريكا تدرك أن مصلحتها الخاصة تصب عند الإخوان ولذلك انقلب الوضع وأصبح الاستقواء بالخارج من جانب الإخوان لافتا إلي وجود تفاهمات بين أمريكا والإخوان منذ زمن فأمريكا تتعامل مع جميع التيارات في مصر وعندما تري مصلحتها مع طرف أو فصيل معين تنتقل إليه. وقال عزمي لا نستطيع أن نخون الرئيس مرسي ولكن هو ينفذ أجندة أمريكية التزم بها معهم، وحماية أمريكا هي الهدف الأساسي خاصة في ضوء الاتفاقيات التي تتم بينهم، ومن أهم هذه الصفقات هو حماية إسرائيل وعدم المساس بدولة إسرائيل وهذا ما يحدث.. وتساءل أين الجهاديون الآن في سيناء وليس في إسرائيل؟.. ونحن لن نسمح بأن تكون سيناء وطنا بديلا للإخوان المسلمين"حماس". وأضاف أن أمريكا تعتمد في استراتيجيتها داخل الشرق الأوسط علي ورقتي حقوق الإنسان ومصلحتها لكي تنفذ من خلالها أي علاقات مشبوهة وليس ملف الأقباط. وفي نفس السياق قال نجيب جبرائيل المحامي والناشط القبطي إن أمريكا لم تكن أبدا حامية للملف القبطي لأنها تضع مصلحتها في المقام الأول وحماية إسرائيل في الشرق الأوسط.. وأكد علي رفض الأقباط التدخل الأمريكي لصالحهم مدللا علي ذلك برفضهم للكثير من الدعوات لكثير من الأمريكيين المهتمين بملفات حقوق الإنسان لكي لا يتركوا مجالا لأحد للتدخل في الشئون الداخلية. وأشار إلي أن العلاقة بين أمريكا والإخوان تؤثر بشكل سلبي ومباشر علي الأقباط ,فأمريكا تذكر الملف القبطي من باب المجاملة ليس أكثر نتيجة لعلاقتهم الودية مع الإخوان، لافتا إلي أنه منذ صعود التيار الإسلامي إلي الحكم لم يصدر قرار ببناء كنيسة أو حتي ترميم كنيسة وازداد الأمر سوءا عن الماضي، وأصبح هناك حرق للكنائس وتهميش أكثر للأقباط. وقال علي الرغم من الاضطهاد الكبير الذي يعانيه الأقباط إلا أننا لن نتعامل مع ذلك بالوقوع في أحضان الأمريكان وإنما سنواجهه بالاتحاد مع القوي الأخري للحصول علي حقوقنا. كما أكد جبرائيل أن العلاقة بين الإخوان وأمريكا لها عامل كبير في تهميش الملف القبطي وهذا ما يفسر عدم وجود أي دور لأمريكا بخصوص هذا الملف منذ وصول الإخوان للسلطة. وأضاف أن أقباط المهجر حاولوا ممارسة نوع من الضغط علي الكونجرس الأمريكي لحثهم علي الاهتمام بشئون الأقباط في مصر إلا أن الأمر انتهي بالفشل، لافتا إلي اختلافهم معهم في موقفهم هذا. من جانبه أكد كمال سليمان عضو المجلس الاستشاري أن أمريكا تهتم بمصلحتها في المقام الأول والأخير، موضحا أنها كانت تتناول الملف القبطي من جانب حقوق الانسان وليس الديانة.. وقال من الواضح أن هناك صفقات تتم بين الإخوان وأمريكا تتمثل في تبادل المصالح بما ينعكس علي إسرائيل بشكل إيجابي.. ونفي سليمان أن يكون هناك اهتمام من أمريكا بالملف القبطي المصري. وأكد سليمان أن أقباط المهجر كانوا يحاولون الضغط علي أمريكا لكنهم لم يفلحوا لأنهم ليسوا صوتا واحدا يمثل قوة ضاغطة. وقال إنه لا يعتقد أن أمريكا تستهدف من علاقتها بالإخوان الاعتماد علي الرئيس مرسي ليكون رجلها في الشرق فأمريكا تبحث عن مصالح وقتية وليس أكثر، ولا يمكن أن تقيم تحالفا مع الإخوان يستمر لأجل غير مسمي. وأضاف سليمان أن البابا تواضروس لن يهتم بعلاقة أمريكا بالإخوان وتأثيرها علي الأقباط خاصة أنها تعتبر عملا سياسيا بحتا. وأوضح هاني عزت مؤسس حركة منكوبي الأحوال الشخصية أن العلاقة بين الأقباط وأمريكا تغيرت قلبا وقالبا، مؤكدا أن العلاقة بين حكام مصر والإدارة الأمريكية لن تتغير مادام اقتصاد مصر يعاني من هذا التدهور فنحن نقترض منهم وبالتالي نخضع لشروطهم، علي العكس من النظام السابق الذي كان يحسب له أن علاقاته بالخارج كانت جيدة وكان يرفض التدخل الأمريكي ولهذا ظهرت توترات في العلاقة بين الرئيس السابق وجورج بوش لرغبة الثاني في التدخل بالشئون المصرية أما النظام الحالي فهو يقع في حيرة وتخبط بشأن التعامل مع أمريكا ولا يعرف كيف يتعامل معهم خاصة أن هناك كثيرا من أمور الضغط التي تمارس ضده. وأضاف أن العلاقة بين الأقباط وأمريكا تغيرت الآن بشكل كبير ففي الماضي كان البابا شنودة يعرف جيدا متي يستعين بأقباط المهجر كورقة رابحة في الضغط ولكن هذا لا يحدث الآن موضحا أن الفتنة الطائفية التي يتحدثون عنها الآن هي عنوان لتهجير الأقباط خارج مصر. وقال إن أقباط المهجر يتعاملون مع أقباط مصر بما لا يتعارض مع المصالح الأمريكية وهذا منطقي فهم يعيشون في أمريكا وبالتالي لا يمكن الاعتراض علي السياسة الأمريكية للحفاظ علي مصالحهم. وأضاف عزت أن أمريكا باعت القضية في سبيل تحقيق المصالح الأمريكية اليهودية، مؤكدا أن العلاقة بين مصر وأمريكا تعتبر خيارا استراتيجيا والتعامل معها يحتاج خبراء محنكين سياسيا وليس بالاعتماد علي جماعة الإخوان المسلمين فقط. وقالت راهند سعد ناشطة حقوقية قبطية إن أمريكا تعلم جيدا كيف تبحث عن مصلحتها وتحققها لذا انقلبت علي الأقباط وتعاونت مع الإخوان لأنهم هم المسيطرون علي البلاد ومصلحتها معهم، وأمريكا تعي أن التيار الإسلامي هو المسيطر علي جميع الدول العربية وتعمل علي كسب هذا التيار لتضمن تحقق مصلحتها في المستقبل. وأضافت أنه لو حدث واستخدم العنف ضد الأقباط ستتدخل أمريكا ولكن ليس لمصلحة الأقباط ولكن من باب التعامل مع ملف حقوق الإنسان بشكل عام موضحة أن اهتمام أمريكا الآن أصبح بالشأن السياسي ككل وليس بالقضايا الفرعية، خاصة أن دعمهم للأقباط سيعتبر تناقضا في ظل تدعيمهم للتيار الإسلامي السياسي الذي ينفذ أجندتها. وتابعت أن الأقباط لن يستقووا بالخارج بل سينتظروا من البابا الجديد حل كل قضاياهم ولكن هذا يمكن أن يحدث في حالة عدم اتباع تواضروس نفس سياسة البابا شنودة. وقال إبرام لويس رئيس رابطة الاختفاء والاختطاف القسري للفتيات إن مصالح الأقباط تهم الأقباط فقط، ولقد اتهم الكثير منا بالاستقواء بأمريكا لمجرد الجلوس مع مسئولي لجنة الحريات هناك ومنها رابطة الاختفاء، وهذا غير صحيح وإنما كان تعاونهم مع لجنة دولية ليس لها علاقة بأمريكا. وأوضح أن الرئيس السابق حسني مبارك كان يستغل ملف الأقباط للحفاظ علي نظامه.. وأضاف أن أمريكا الآن تعلم جيدا أن التيار الإسلامي هو القائم ولذلك باعوا الملف القبطي. ورفض لويس أن يحدث أي تعامل بينهم والإخوان خاصة أنهم لا يرون أي أمل في نهضة مصر مثلما يزعم الإخوانيون. وقال إنه لا يعتقد أن يكون هناك دور للبابا خاصة أن معظم التصريحات تدل علي أنه لن يتدخل في السياسة وبذلك يصبح هذا هو دور العلمانيين وليس البابا. وأكد ثروت بخيت عضو المجلس الاستشاري القبطي أن أمريكا كانت تضغط علي مصر في بعض الأوقات ليحصل الأقباط علي امتيازات لكي يحققوا مصلحتهم. ورفض بخيت أن يستمر مصطلح "أقباط المهجر" مؤكدا أنهم مصريون ولا يصح أن نطلق عليهم أقباط المهجر عندما يطالبون بحقوق الأقباط وعندما يطالبون بشيء عام نطلق عليهم المصريون في الخارج. وقال رفيق رسمي المسئول الاعلامي لائتلاف أقباط مصر إن أمريكا تعمل علي تذليل كل شيء لتحقق مصلحتها..وأضاف أن وضع الأقباط يتغير من الأسوأ إلي الأكثر سوءا. وأضاف رسمي إذا جاء الدعم من أمريكا علي أساس الديانة فنحن لا نريده فالدعم الذي نريده منها يكون أساسه المواطنة ، مشيرا إلي أن أمريكا تستخدم حقوق الإنسان كورقة ضغط أمريكية لتحقيق أطماعها في الشرق. وأضاف نادر الصرفي مؤسس رابطة 38 أنه من المعروف للجميع أن الإدارة الأمريكية تخصص دعمها لتيار الإسلام السياسي لتتمكن من ترسيخ الدولة الإسلامية بما يمكنها من تقسيم مصر إلي دولة إسلامية وأخري قبطية، ويصبح هناك ثلاث دول في الشرق الإسلامية والقبطية في مصر واليهودية في إسرائيل. ونفي الصرفي مسألة استقواء الأقباط بأمريكا في الماضي خاصة أنها لا تري أي مصلحة لها مع الأقباط مشيرا إلي أنها كانت تهتم بالأقباط لتحقق بعض الأغراض وليس أكثر، مؤكدا أن أقباط المهجر ليس لهم أي دور في هذه المشكلة. ومن جانبه أكد هاني الجزايرلي عضو المجلس الاستشاري، أنه يرفض الهيمنة الأمريكية سواء كانت لصالح الأقباط أو لغيرهم ، وأعلن رفضه للتدخل في الشأن المصري ككل. وطالب أقباط مصر بتحمل مسألة حل مشكلاتهم بأنفسهم ,رافضا تدخل أقباط المهجر فيها إلا بعد التحرك من الداخل حتي يكون هناك تأثير قوي. وأكد أن الحكومة الحالية تتعامل بنفس سياسة النظام السابق مع ملف الإدارة الأمريكية لذلك فلم يشعر الإخوان بأي تغير في الأوضاع داخل مصر. وأوضح الجزايرلي أن أمريكا لا تعتمد علي الرئيس مرسي في الشرق كما يعتقد البعض لكنها تعتمد علي الجماعة بشكل أكبر باعتبارها جماعة دولية فالإخوان هي الرجل الحالي والرجل القادم.