يبدو أن الولاياتالمتحدة قررت مؤخرا نقل إدارة عملياتها خارج قاعدة العديد القطرية ،حيث شهد يوم 28 سبتمبر الماضي أول عملية إدارة العمليات الجوية للقوات الجوية الأمريكية من قاعدة شاو الجوية بولاية ساوث كارولاينا ، ووفقا للمحليين فإن هذه العملية هي جزء من خطة للقيادة لنقل تلك العمليات لتتم من داخل الأراضي الأمريكية، الأمر الذي أثار التساؤلات حول أهمية قاعدة العديد من منظور المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ،وهل الرؤية الأمريكية الجديدة للمنطقة فرضت عليها تغيير البيئة الإستراتيجية لإدارة عملياتها. وفقا لأحدث دراسة نشرتها وحدة بحوث الكونجرس الأمريكي، يوم 25 سبتمبر، عن السياسة الأمريكية تجاه قطر، فإن الوجود الأمريكي في قاعدة العديد العسكرية القطرية يأتي في إطار اتفاق التعاون الدفاعي بين قطروالولاياتالمتحدةالأمريكية الذي تم توقيعه في يونيو عام 1992، والذي تم تجديده مؤخرا في ديسمبر من عام 2013 لمدة عشر سنوات. وتحتل القاعدة أهمية خاصة من منظور المصالح الأمريكية، فهي تضم مقر القيادة الوسطى الأمريكية ، ومقر مركز القوات الجوية المشتركة ، ومقر قيادة العمليات الخاصة الأمريكية الوسطى S، والتي يتم من خلالها إدارة العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، وخصوصا الحرب ضد داعش، والعمليات المرتبطة بسورياوأفغانستان. ووفقا للدراسة فإنه انطلاقا من أهمية الوجود العسكري الأمريكي في القاعدة، باشرت قطر خلال العامين الماضيين مشروعا لتوسيع قاعدة العديد، وفقا لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، يوم 24 يوليو 2018. كما تخطط الحكومة القطرية لإنفاق 1.8 مليار دولار لتحديث القاعدة، ويشمل مشروع التحديث بناء مبانٍ سكنية جديدة تستوعب 200 ضابط، وتوسعات أخرى للبنية التحتية، إلى جانب تحسينات تشغيلية، ووفقا لشهادة الجنرال جوزيف فوتيل القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، يوم 5 فبراير 2019، فقد أنفقت قطر نحو 9 مليارات دولار لدعم عمليات القوات الأمريكية والبنية التحتية في قاعدة العديد على مدار سنوات. ونقلت الدراسة عن صحيفة واشنطن بوست، في عددها الصادر يوم الاثنين 30 سبتمبر الماضي، تقريرا عن خطوة غير معلنة لنقل مركز العمليات الجوية والفضائية من قاعدة العديد بقطر إلى ولاية ساوث كارولينا الأمريكية، بشكل مؤقت، ووفقا لتقرير الصحيفة فإن الأبعاد العامة لتلك الخطوة تتضمن، تدريب إجراء عمليات السيطرة والتحكم عن بعد ،حيث قامت القيادة الجوية الأمريكية الوسطى، يوم السبت 28 سبتمبر، بتجربة أداء تضمنت إجراء كافة عمليات التحكم والسيطرة والقيادة في عمليات القوات الجوية بمنطقة الشرق الأوسط من مقر القيادة الوسطى الجوية في قاعدة شو الجوية بولاية ساوث كارولينا، حيث تمت إدارة طلعات وعمليات تحليق 300 طائرة في عمليات تتعلق بمناطق مثل سورياوأفغانستان ومنطقة الخليج. وعمليات التحكم والسيطرة تلك كانت تجري في السابق من مركز العمليات الجوية المشتركة بقاعدة "العديد". كما تتضمن تلك الخطوة الخطة المستقبلية للانتقال خارج العديد تدريجيا ، حيث أن الإجراءات التي تمت كانت تدريبية ومؤقتة، لكنها تأتي ضمن خطة مستقبلية أوسع لنقل مقر قيادة عمليات القوات الجوية إلى داخل الأراضي الأمريكية، سواء في قاعدة شو الجوية بولاية ساوث كارولينا، أو إلى مكان آخر، حيث سيتم إجراء عمليات القيادة والسيطرة والتحكم من خارج قاعدة العديد مرة كل شهر، ثم لمدة ثماني ساعات يوميا. فوفقا لتقرير واشنطن بوست، يبدو أن العملية تدريجية تتعلق باعتبارات تشغيلية ولوجستية تتعلق بإدارة عمليات القوات الجوية في الخارج بشكل عام، ولا سيما إذا وضِع في الاعتبار أن الخطة لا تتضمن إغلاق مركز العمليات الجوية في قاعدة العديد كليًا، ولكن نقل الوظائف التي يقوم بها المركز تدريجيا للأراضي الأمريكية. وأوضحت الدراسة أنه عقب نشر تقرير صحيفة واشنطن بوست، قالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية لشئون القيادة الوسطى الأمريكية، يوم الاثنين 30 سبتمبر، إن القوات الأمريكية ليست لديها أي خطة لمغادرة قاعدة العديد الجوية في قطر. وأضافت في بيان أن القوات الأمريكية ستواصل استخدام قاعدة العديد في المستقبل، وستقوم بتوسيع العمق التشغيلي للقيادة الوسطى، وتحديدا القوات الجوية الأمريكية في المنطقة. وتابعت أن ذلك يندرج في إطار استراتيجية الرفع من قدرة القيادة على السيطرة الجوية في جميع أنحاء منطقة مسئوليتها. وبشكل عام، فإن ما أثير حول التوجه الأمريكي لنقل مركز قيادة عمليات القوات الجوية من قاعدة العديد إلى الأراضي الأمريكية، يرتبط بتغيير البيئة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ويمكن تفسيره في إطار ثلاثة محددات وفقا للدراسة ، أولها هو التغييرات التكنولوجية ، حيث أدت التطورات المتسارعة في مجال تكنولوجيا الدفاع الجوي، والقدرة على إدارة عمليات السيطرة والتحكم والتوجيه عن بعد، إلى دفع القيادة الجوية الأمريكية الوسطى إلى القيام بعملية إعادة تقييم استراتيجي لمدى فاعلية القيام بتلك العمليات من خارج الأراضي الأمريكية، فما دامت هناك قدرة على القيام بعمليات السيطرة والتحكم عن بعد من داخل الأراضي الأمريكية فلماذا لا يتم إعادة هيكلة إدارة قيادة عمليات القوات الجوية. ومن هذا المنطلق، بدأت القيادة في عملية تدريجية لتطبيق القيادة والسيطرة عن بعد، بحيث تبدأ كتدريب، ثم تطبيقها لعدد من الساعات، ثم عدد من الأيام إلى أن تتم كليًّا من داخل الأراضي الأمريكية. وثانيا يتم تقليل الانخراط العسكري في الإقليم، حيث يرتبط توجه تقليل التواجد العسكري الدائم بمنطقة الشرق الأوسط، بوجود تقييم أمريكي بنجاح الولاياتالمتحدة في الحرب ضد داعش، واحتمالات نجاح وضع خطة سلام في أفغانستان، ومن ثم تأتي خطط تقليل هذا التواجد ضمن توجه أمريكي استراتيجي يرى ضرورة عدم الانخراط مجددا بقوة في منطقة الشرق الأوسط، والعمل على ضرورة الانسحاب التدريجي منها، والاهتمام بالمناطق الاستراتيجية الأكثر أهمية للولايات المتحدة خاصة آسيا. وثالثا طبيعة التهديدات الجديدة، فهناك ثمة علاقة بين خطط نقل مقر قيادة القوات الجوية الأمريكية من قاعدة العديد إلى قاعدة شو الجوية بولاية ساوث كارولينا، وبين طبيعة التهديدات الجديدة بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة التوتر مع إيران، فحوادث إسقاط إيران لطائرة درونز أمريكية في منطقة الخليج مؤخرا، وطبيعة الهجمات على منشآت أرامكو النفطية التي تمت بصواريخ كروز قصيرة المدى ودرونز، دفعت إلى حالة من القلق داخل الأوساط العسكرية الأمريكية بشأن التهديدات المستقبلية، والإجراءات الخاصة بتأمين القواعد العسكرية من مخاطر هجوم خارجي تتم من خلال نشر بطاريات باتريوت وغيرها من أنظمة الدفاع الصاروخي تم تصميمها لمواجهة الطائرات والصواريخ الباليستية التي تأتي بسرعة وعلى ارتفاعات عالية، وليس صواريخ كروز وطائرات بدون طيار منخفضة مثل تلك التي يُعتقد أنها استُخدمت في الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، ومن ثم فالجوانب الدفاعية الصاروخية تجعل الحماية الكاملة للمنشآت الأمريكية في قاعدة "العديد" صعبة جدًّا. وأشارت الدراسة إلى أنه في ضوء المحددات الثلاثة التي دفعت إلى البدء ولو مؤقتا في خطط لنقل مقر قيادة القوات الجوية الأمريكية من قاعدة العديد إلى داخل الأراضي الأمريكية، هناك ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الوجود العسكري الأمريكي في قاعدة العديد السيناريو الأول يأتي في ظل احتمالات نجاح الإجراءات التدريجية لنقل المقر من القاعدة إلى داخل الأراضي الأمريكية، فسوف يتم لاحقا نقل المقر بشكل دائم، وسحب القوات الموجودة في قاعدة العديد، وفي هذه الحالة سيتبقى جزء من قوات القيادة الوسطى الأمريكية الذين يؤدون مهاما أخرى، وفي هذه الحالة فإن أهمية القاعدة من منظور المصالح الأمريكية سوف تقل، خاصة وأن عدد القوات الجوية ومركز قيادة عمليات القوات الجوية هو المكون الرئيسي في وجود القوات الأمريكية بالقاعدة. السيناريو الثاني، أنه إذا ُضِع في الاعتبار المدى الزمني لنقل مقر قوات العمليات الجوية الأمريكية من قاعدة العديد إلى داخل الأراضي الأمريكية، واحتمالات أن يستغرق ذلك شهورا؛ فمن المحتمل أن يظل جزء من الوظائف التي يؤديها المركز داخل قاعدة العديد، مع نقل الوظائف الرئيسية إلى قاعدة شو الجوية بولاية ساوث كارولينا، وفي هذه الحالة أيضا سيكون استمرار مركز العمليات بقاعدة العديد مسألة رمزية. و السيناريو الثالث، هو انه إذا وضِع في الاعتبار نفي وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون المعلن بأن القوات الأمريكية ليست لديها أي خطة لمغادرة قاعدة العديد الجوية في قطر، فمن المحتمل أن يتم إعادة هيكلة وجود القوات الجوية ومركز العمليات لوضع جديد يتلاءم مع طبيعة التهديدات الأمنية الجديدة في المنطقة، والتوجه الأمريكي العام بتقليل الانخراط العسكري في الشرق الأوسط. بشكلٍ عام، يمكن القول إن تغيير البيئة الاستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط، والتوجه الأمريكي العام لتقليل الانخراط العسكري في المنطقة؛ غير المعادلة التقليدية التي كانت فيها قاعدة العديد العسكرية في قطر ذات أهمية إستراتيجية كبرى للمصالح الأمريكية، فَقَد تشهد السنوات القادمة انخفاض الأهمية الإستراتيجية للقاعدة من منظور المصالح الأمريكية.