لم تتهاون السلطات التركية في معاقبة المعارضين لها أو النشطاء السياسيين أو الصحافيين والزج بهم في السجون، وذلك منذ أن وقعت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، حيث تعتقل الآلاف من قطاعات مختلفة داخل البلاد بدعوى تورطهم في محاولة الانقلاب أو لصلتهم بحركة فتح الله جولن، المعارض للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمتهم في تدبير الانقلاب والمقيم حاليًا في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي خطوة جديدة من مسلسل الاعتقالات المستمر في تركيا منذ سنوات، أصدر الإدعاء العام التركي مذكرة اعتقال دولية بحق لاعب كرة السلة التركي المشهور أنس كانتر، الذي يلعب في فريق "نيويورك نيكس" الأمريكي الشهير، بتهمة الارتباط بالجماعة المسلحة التي تقف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة. وطلب الادعاء من السلطات المعنية في الإنتربول الدولي إصدار مذكرة اعتقال دولية بحق اللاعب التركي المقيم قي الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقال الادعاء إنه يسعى إلى إصدار "إخطار أحمر" من أجل كانتر، وهو طلب للشرطة الدولية (الإنتربول) لتحديد مكان شخص واعتقاله بشكل مؤقت لحين تسليمه، مضيفًا أن طلب التسليم يتضمن تعليقات لكانتر، الذي يعلن كثيرًا دعمه لجولن، على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن رجل الدين. ولجأ اللاعب كانتر إلى موقع "تويتر" لنفي ارتكاب أي مخالفات، وقال: "لا تستطيع الحكومة التركية تقديم دليل واحد على ارتكابي أي مخالفات، لم أحصل حتى على مخالفة انتظار سيارة في الممنوع في الولاياتالمتحدة، أنا مقيم ألتزم دائمًا بالقانون". وألغت تركيا قبل ذلك جواز سفر كانتر وأعلنته هاربًا، وبسبب ذلك رفضت رومانيا السماح له بدخولها بسبب إلغاء جواز سفره التركي، لكنه يحمل بطاقة خضراء أمريكية تسمح له بالعيش والعمل في الولاياتالمتحدة بشكل دائم. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال كانتر إنه لن يذهب إلى لندن من أجل مباراة مع فريقه المنافس في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين بسبب مخاوف من التعرض للاغتيال بسبب انتقاده لأردوغان. وقال كانتر، إنه لا يزال يحب وطنه تركيا لكنه يخشى السفر إلى خارج الولاياتالمتحدة وكندا خوفًا على حياته، وأضاف أنه يتلقى عددًا كبيرًا من التهديدات بالقتل من أنصار أردوغان. وأضاف اللاعب التركي: "أنا لا أتلقى التهديدات بالقتل عبر البريد الإلكتروني فقط، بل تصلني ما بين ثلاث إلى أربع تهديدات بالقتل أسبوعيًا، وكنت أقوم بتصويرها بالموبايل لكنها زادت كثيرًا فقررت التوقف عن متابعتها لكثرتها وعدم إضاعة وقتي فيها". وكان كانتر قد وصف أردوغان في العام الماضي بأنه "هتلر القرن"، وهو ما تسبب له بمشكلة كبيرة على الصعيد العائلي، حيث تم فصل والده الذي كان يعمل مدرسًا جامعيًا واعتقاله عام 2018، وصدر عليه حكم بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة الانتماء لجماعة إرهابية. وقالت السلطات التركية، إن محمد كانتر، والد أنس كان على صلة بأكثر من 127 شخصًا أعضاء في جماعة جولن، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، وأنه كان على اتصال ب 57 منهم عبر تطبيق "باي لوك" للاتصال المستخدم في الهواتف المحمولة، وتقول تركيا إن هذا التطبيق خاص بجماعة جولن. وبعد صدور الحكم ضد والده، دافع كانتر في مقطع فيديو نشره عبر تويتر عن والده، مضيفًا: "سأظل أدافع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير والعدالة والديمقراطية، سأظل ثابتًا في الدفاع عن قناعاتي، كل ما أطمح إليه هو أن أكون صوت الأبرياء". وتبرأت أسرة كانتر منه في تركيا عام 2016، ونشرت صحيفة "الصباح" الموالية للرئيس أردوغان رسالة من والد كانتر تبرأ فيها منه وقال في الرسالة: "أعتذر من الرئيس ومن الشعب التركي وأتبرأ من ابني، إنني اشعر بالعار"، وفي أعقاب ذلك أعلن كانتر: "اليوم فقدت من كنت أعتبرهم أسرتي على مدى 24 عامًا". ويعد اللاعب التركي أنس كانتر، البالغ من العمر 26 عامًا، هو لاعب كرة سلة تركي محترف، ولد في سويسرا في 20 مايو 1992، خلال دراسة والده محمد هناك. وأمضى عدة سنوات في سويسرا، ثم عاد مع والديه إلى تركيا بعد حصول الأب على شهادة الدكتوراه, لمع نجمه خلال لعبه مع الفريق التركي لكرة السلة للناشئين خلال البطولة الأوروبية لهذه الفئة عام 2008. لعب كانتر الذي يبلغ طوله 210 سم في الفرق المدرسية والجامعية التركية، وانضم إلى فريق "فنربخشة" التركي الشهير في بداية مسيرته، وانتقل الى الولاياتالمتحدة عام 2009 مع أسرته. كان والده يعمل مدرسًا في جامعة تراقيا بتركيا، قبل أن ينتقل إلى ولاية كاليفورنيا في الولاياتالمتحدة، وعند وصوله إلى هناك انضم إلى فريق كرة السلة في المدرسة التي كان يدرس فيها، وبعدها بعام انضم إلى فريق "نايك هووب ساميت" ولمع نجمه سريعًا في صفوف الفريق. بدأ كانتر مسيرته الاحترافية في نادي "يوتا جاز" عام 2011، وانضم إلى نادي "أوكلاهوما سيتي ثاندر" في عام 2015، كما لعب في فريق تركيا الوطني لكرة السلة في نفس الوقت، وهو عضو الرابطة الأمريكية للاعبي كرة السلة للمحترفين NBA منذ عام 2015 وحتى الآن. قال كانتر، إنه تعلم اللغة الانجليزية عن طريق مشاهدة مسلسل الرسوم المتحركة سبونجي بوب، و مسلسل جيرسي شور لتعلم اللغة الإنجليزية الدارجة التي كان بحاجة إليها للتحدث بها إلى خصمه في الملعب جيمس لوبورن. وكانت محكمة تركية قد اتهمت كانتر في عام 2017، بإهانة أردوغان بسبب تغريداته وصدر عليه حكم بالسجن لمدة 4 سنوات، وطلبت تركيا من الولاياتالمتحدة تسليمه لتنفيذ عقوبة السجن. اضطر كانتر عام 2017 إلى مغادرة إندونيسيا على وجه السرعة أثناء مشاركته في معسكر تدريبي خيري للأطفال هناك، فقد أخبره مديره أن الشرطة الأندونيسية تبحث عنه بناء على طلب الحكومة التركية كونه شخصًا خطيرًا. وبعد فرار كانتر من إندونيسيا في أول رحلة جوية وصل إلى سنغافورة، ومنها طار إلى العاصمة الرومانية بوخارست، وبينما كان في مطار بوخارست بانتظار رحلته إلى الولاياتالمتحدة تم إلقاء القبض عليه، لأن الحكومة التركية ألغت جواز سفره التركي بعد مغادرته سنغافورة مباشرة. واتصل كانتر بعدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية أوكلاهوما وساعدوه في العودة إلى الولاياتالمتحدة. وصرح كانتر بعد استقباله من قبل عضو مجلس الشيوخ الأمريكي مارك روبيو، في 16 يناير الماضي: "أنا عضو في الرابطة الوطنية للاعبي كرة السلة المحترفين وهذا يوفر لي منصة كبيرة كي أكون صوت من لا صوت لهم". وكتب كانتر في صفحة الرأي في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في 15 يناير الجاري، "أنا محظوظ، فقد نجوت من الوقوع في يد الحكومة التركية، فقد تعرض للخطف والترحيل إلى تركيا رجال أعمال ومدراء ومدرسون من مختلف أرجاء العالم من قبل حكومات تسعى للتقرب من أردوغان". وحث أنس كانتر، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على أن يتحدث بصوت أعلى عن حقوق الإنسان في تركيا، وذلك بعد أن طلب مدعون اعتقاله وتسليمه فيما يتصل بصلاته بجماعة جولن. وقال كانتر: " على ترامب أن يتحدث عن هذه القضايا في ظل ما يحدث في تركيا، لأن هناك الكثير من التقارير عن أشخاص يخطفون ويعذبون في السجون ويقتلون". وسجنت السلطات التركية نحو 77 ألف شخص بانتظار محاكمتهم منذ محاولة الانقلاب، بينما جرى إيقاف وإقالة 150 ألفًا من موظفي الحكومة، ضمن حملة على من أن يزعم أنهم أنصار جولن.