لم يخف على أحد أن شيلدون إديلسون رجل الأعمال الأمريكي اليهودي من أكبر داعمي الحزب الجمهوري وترامب، وخصص جزء كبيرا من أمواله لدعمهما، ولاسيما لسياستهما فيما يتعلق بإسرائيل، وتردد بقوة أنه قام بتمويل بناء ونقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل إلى القدس. يعد الملياردير الأمريكي أحد أكبر المتبرعين للحزب الجمهوري، وساهم بشكل كبير في تمويل حملة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بمبلغ 30 مليون دولار وفي تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، أشارت إلى التأثير الكبير لشيلدون على سياسات ترامب بشأن إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وبخصوص تمويل نقل السفارة، نقلت أسوشيتد برس عن أربع مصادر في البيت الأبيض قولهم، إن إديلسون اقترح منذ البداية المساهمة في تمويل السفارة التي تعتزم الإدارة الأمريكية إقامتها في القدس وشجع بقوة الرئيس الأمريكي على إحداث هذا التغير الجذري في السياسة الأمريكية. وتؤكد مصادر مطلعة أن إديلسون اشترط على المرشح ترامب عام 2016، في لقاء لهما تم بهدف التأكد من جدية الأخير في تنفيذ ما يطلبه منه تصفية القضية الفلسطينية من خلال إعلان اعتراف الولاياتالمتحدةبالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الأمريكية اليها ومن ثم شطب ملف حق عودة اللاجئين الفلسطينيين من أجندة عملية السلام. وأشارت المصادر إلى أنه عندما أجل الرئيس ترامب اعتراف الولاياتالمتحدةبالقدس عاصمة لإسرائيل في العام الأول من فترته الرئاسية ذهب إليه إديلسون في البيت الابيض في الاسبوع الثاني من ديسمبر عام 2017 محذرا إياه إن لم يف بوعده بالاعتراف بالقدس مقابل الدعم المالي الهائل الذي قدمه له ، فإنه يملك تسجيلا للمقابلة التي اجراها معه في صيف عام 2016 , فما كان من الاخير إلا أن استجاب لضغوط اديلسون بعد تلك المقابلة الشهيرة بنحو اسبوعين وكان ما كان في نفس شهر ديسمبر 2017 ضاربا عرض الحائط بمواقف الادارات الامريكية المتعاقبة وقواعد القانون الدولي، وقرارات الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن وحتى بدون الالتفات لنصائح مستشاريه وآراء حلفاء الولاياتالمتحدة المقربين وبدون ادنى مراعاة للقيم والمبادئ والاخلاق. وعلى مدار تاريخه لم يخف أديلسون أبدا مواقفه المتطرفة فهو معارض شديد لإقامة دولة فلسطينية، وعبر عن ذلك في العديد من المرات، كان أشهرها في عام 2008 حين هاجمت هيئات يمولها إديلسون الحكومة الإسرائيلية في فترة المفاوضات التي قام بها رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني مع السلطة الفلسطينية وقتها ، تحت عنوان "أولمرت يخون إسرائيل", وبحسب صحيفة "نيو يوركر" الأمريكية، وصف إديلسون سلام فياض، رئيس حكومة السلطة الفلسطينية السابق، ب "الإرهابي". وإديلسون أيضا صديق مقرب لنتنياهو ، الأمر الذي جعله بين الجهات التي حاولت التنسيق لزيارة ترامب لتل أبيب قبل الانتخابات، وهذه الصداقة تجعل من رجل الاعمال اليهودي أحد المؤثرين في قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضا ،لاسيما وأنه أنفق الكثير من الأموال لدعم حملته الانتخابية الأخيرة. ويستثمر إديلسون أموال باهظة في إسرائيل، وليس من أجل المصالح السياسية لنتنياهو فقط. بل إنه يمول بشكل ثابت الرحلات الجوية لأعضاء الكونجرس الجمهوريين إلى إسرائيل، حيث يلتقون هناك بكبار مسئولي الحكومة الإسرائيلية, كما يعد المساهم الأكبر في مشروع "تجليت"، (Birthright Israel) الذي يهدف إلى إرسال شبان يهود من جميع أنحاء العالم في رحلات إلى إسرائيل، بهدف أن يهاجروا إليها في المستقبَل. ولكن الأهم هو أن إديلسون معروف في إسرائيل باعتباره مالك صحيفة "إسرائيل اليوم"، التي أصبحت خلال سنوات قليلة منذ صدورها عام 2007 الصحيفة الأكثر قراءة في إسرائيل ،و هناك من يعتقد أن هدف الصحيفة الوحيد كان نشر الدعاية لصالح بنيامين نتنياهو، مما أدى إلى انتخابه من جديد عام 2009، وتعزيز حكمه منذ ذلك الحين. بينما ادعى إديلسون نفسه في العديد من الفرص أنّه أسس "إسرائيل اليوم" كي يكسر احتكار صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي كانت الأكثر قراءة في إسرائيل، وكانت معادية لنتنياهو، الأمر الذي دفع ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، المليونير نوني موزيس، إلى وصف إديلسون ب "الدكتاتور". ويصنف شيلدون أديلسون بشكل دائم في أعلى قوائم أغنياء العالم، حيث تم تقدير ثروته عام 2008 ب 26 مليار دولار. وهو معروف في الولاياتالمتحدة باعتباره الداعم الاقتصادي الأكبر للحزب الجمهوري. لقد ساهم مساهمة فعالة في حملات جورج دبليو بوش الرئاسية بين عامي 2001-2009، وكان إديلسون ضيفا دائما في البيت الأبيض في عهد بوش. في انتخابات عام 2012، قيل إن إديلسون أنفق 98 مليون دولار، أكثر من أي أمريكي آخر في أي وقت مضى، على مرشحين مختلفين في انتخابات الرئاسة والكونجرس الأمريكي, خُصص منها مبلغ 30 مليون منها لحملة ميت رومني وحده، ولكن دون فائدة حيث هزم رومني من قبل الرئيس السابق باراك أوباما. يذكر أن إديلسون ولد عام 1933 في حي دورشيستر في بوسطن، وهى إحدى المناطق الأكثر فقرا في الولاياتالمتحدة, عمل والده لكسب الرزق كسائق سيارة أجرة، وكانت والدته خياطة كان كلاهما يهوديان فقيران من أوروبا الشرقية، حيث كانت والدته من أوكرانيا، ووالده من ليتوانيا. ولكن روح المبادرة المتطورة لديه جعلت إديلسون تجسيدا للحلم الأمريكي حيث اقترض 200 دولار من عمه في سن الثانية عشرة ليفتتح كشكا للصحف، وحتى بلوغه الثلاثينيات من عمره أصبح مليونيرا بواسطة مشاريع تجارية مختلفة، وإن كان قد فقد في عدة مرات جميع ثروته وهكذا استمرت حياته التجارية بين مدّ وجزر، ولكن استمر بشجاعة كبيرة في التجارة، وافتتاح وإغلاق المحلات التجارية، ولم يدع الفشل يردعه. كانت مدينة لاس فيجاس هي التي حولت إديلسون إلى ما هو عليه اليوم، وهي مدينة القمار في الولاياتالمتحدة، حيث اشترى عام 1988 فندق ساندس في لاس فيجاس مقابل 128 مليون دولار ،وبعد مرور نحو ثماني سنوات، بعد استثمار مليار ونصف المليار دولار، بنى إديلسون الفندق "البندقي"، الأكثر تكلفة وربحية في تاريخ المدينة. في السنوات التالية أصبح أديلسون إمبراطورا للكازينوهات ، وانتشرت استثماراته في هذا المجال في العالم كله, يعمل إديلسون أيضا في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة، ويقع أحد الكازينوهات الأكثر ربحية له في جزيرة ماكاو في الصين. ساهمت الثروة التي تدفقت إلى جيب إديلسون في العقد الأخير من صناعة القمار في زيادة حجم الإمبراطورية المالية فقد افتتح عام 2007 نسخة جديدة من الفندق البندقي في ماكاو، حيث بنى هناك الكازينو الأكبر في العالم. ثروة إديلسون جعلته، باعتباره أحد أثرياء الولاياتالمتحدة، صديقا مقربا لدى كبار السياسيين في كل العالم وفي عام 1996، كان أحد المساهمين الرئيسيين في حملة بنيامين نتنياهو، الذي انتخب رئيسا للحكومة. وبسبب دعمه المستمر أصبح كل باب في إسرائيل مفتوح أمام إديلسون، إلى درجة أن مقر الكنيست، قد استضاف زفافه بزوجته الثانية الإسرائيلية مريم عام 1991 ليكون إديلسون هو الوحيد الذي تحول البرلمان الإسرائيلي من أجله إلى قاعة أفراح.