مازال التهميش يضرب العشرات من المناطق الأثرية الفريدة من نوعها بالصعيد، إذ تمتلك بعض محافظات الصعيد وعلى رأسها المنيا مدنا أثرية تمتد لعدة كيلو مترات، فوق الأرض وفي باطنها، ولاتزال تبحث عن التطوير، ووقعت فريسة في أيدي المصابين بهوس التنقيب عن الآثار وبيعها. ورغم تنوع تلك المناطق باحتوائها لكافة العصور التاريخية، إلا أن ذلك لم يشفع لها أمام مسؤولي وزارة الآثار للنهوض بها واعدادها ضمن مناطق الزيارات للسائحين. " أكوريس " مدينة تحتضن كافة العصور .. وتماسيح الآله "سوبك" للتبرك أبرز تلك المناطق الأثرية والتي يطلق عليها "مدن " نظرا لمساحاتها الكبيرة واحتلالها مكانة كبيرة في العصور السابقة، إلى أن تحولت لأطلال حاليا، هي مدينة "أكوريس" أو كما تسمى حالي بطهنا الجبل، والتي تقع بالجبل الشرقي بين مركزي المنيا وسمالوط، وتعد من المناطق شديدة الأهمية لإحتواءها على معبدا فريدا من نوعه على مستوى معابد مصر ومكون من 3 طوابق محفوره في حضن الجبل، حيث تقع تلك المنطقة على مسافة 9 كيلو متر تقريبًا، وتتميز بآثارها المتنوعه لكافة العصور، إذ تعود للدولة الفرعونية القديمة، مرورًا بالعصور الوسطى والدولة القبطية ثم الإسلامية. وتمتد تلك المدينة لمسافات كبيرة، وتعمل بها حاليا بعثة يابانية للكشف عن آثارها، كما نجد خلال السير بين جدران تلك المدينة القديمة، أن الأرض بها كميات كبيرة من بقايا الفخار، والذي كان مستخدمًا بشكل كبيرًا في العصور القديمة في تخزين الغلال والاستخدامات الأخرى، ومازالت بقاياه منتشرة وتكاد تكسو أرض المكان بالكامل. وقبل الوصول لقمة الجبل، نجد درجات سلالم مصنوعة من الحجارة الكبيرة، وتعد هي بداية الطريق لأحد أشهر المعابد المصرية الفريدة من نوعها وهو معبد "نيرون"، إذ يرجع تاريخه لأكثر من 2000 سنة تقريبًا، وهو من عصر الدولة الوسطى، وأعيد استخدامه فى العصر القبطي، ويتميز المعبد عن باقي هو تكوينه المختلف عن غالبية معابد مصر، إذ يتكون من 3 طوابق متتالية، رغم أنه منحوت في قلب الجبل الصخري، ونجد في الطابق الأول صالة كبيرة تبلغ مساحتها 20 متر، بها 8 أعمدة وصوامع للغلال محفورة في الأرض، ثم صالة بها باب إلى "قدس الأقداس"، ومقصورة للآله "حتحور"، وبعض الآبار للدفن. كما يوجد بالمعبد غرفة للآله "سوبك" والذي تمثله مجموعة من التماسيح المحنطة، غير معروف عددها بالتحديد، بينما تتميز غرف الطابقين الثاني والثالث بالنقوش الفرعونية التي تملأ الجدران والسقف، ما يعد فريدا عن الكثير من غرف المعابد بمصر لكون الكتابات موجودة على السقف الذي لون باللون الأسود ، ورغم جمال المدينة إلا أنها تعاني من قلة البعثات فيها، إذ تشهد المدينة غيابًا تامًا لأية بعثات للكشف عن تاريخها، ولا يوجد بها سوا بعثة يابانية واحدة هي من تعمل في تلك المنطقة بالجانب الشرقي منذ ما يقرب من 30 عامًا، ولم تنشر ما توصلت إليه حتى الآن. وتعاني المنطقة من عدة مشكلات بدأت في تهديد معالمها التاريخية، حيث أصيبت بعضًا من درجات سلالم المعبد بتشققات وكسور خطيرة، وانقسم بعضها إلى نصفين، كما تتسبب مياه الأمطار من حين لآخر في سقوط جدران أطلال المدينة القديمة، إلا أن الوزارة لم تقدم الدعم المالي لأعمال الترميم بحجة عدم وجود امكانيات حاليًا. ورغم غياب السائحين عن زيارة تلك المنطقة بسبب عدم إدراجها فى برامج الزيارات من قبل المسؤلين بسبب عدم تأهيلها بشكل جيد، إلا أن البسطاء والعواقر من السيدات يتوافدون على تلك المنطقة من وقت لآخر، للتبرك أمام غرفة الآله "سوبك" وهي الغرفة التي تحتوي على عدد من التماسيح المحنطة وتتبع معبد نيرون. ويؤكد "تامر حسن" أحد مفتشي آثار المنطقة، أن هذه المدينة تعد من أهم المناطق الأثرية على مستوى مصر، نظرًا لوجود معبد نيرون بها، وما يميزه عن كافة معابد مصر بتصميمه المكون من ثلاث طوابق، غير أن المنطقة لم تستقبل سائحين منذ فترات طويلة، وهي غير مدرجة ضمن مناطق استقبال السياح، أسوة بباقي المناطق لأنها غير مؤهله بالشكل اللازم، ومتمنيا أن تجرى المزيد من أعمال الحفائر والبعثات بطهنا الجبل، لأن أطلال المدينة الحالية قد تكشف أعمال البحث أسفلها عن بقايا المدينة الأقدم منها، وخاصة أنها منطقة لعصور مختلفة، وما نراه حاليًا هو بقايا منازل المدينة القبطية فقط. " الشيخ عباده " .. هنا منزل زوجة النبي .. وأطلال الكنائس تحوي التاريخ وتقع منطقة الشيخ عبادة أو كما يطلق عليها قديما (أنطونيو بوليس) وهي مدينة قبطية رومانية ، و تعد المنطقة بالكامل مرتعاً للتنقيب عن الآثار، حيث يرجع تاريخها إلي العصر الروماني لأكثر من 2000 عام ، وقد أنشأها الإمبراطور هارديان سنة 130 ميلادية وكانت مدينة هامه جدا في العصر الروماني وكان يتمتع الساكنين فيها بمزايا متعددة عن باقي المناطق الاخري وبلغ الأمر أنها كانت تعتبر ثاني مدينة في الأهمية بعد الإسكندرية عاصمة مصر في ذلك الوقت وتمتلئ متاحف العالم بالكثير من الكنوز المستخرجة من أرضها ، وكذلك فهي تحتل مكانه كبيرة في التاريخ الكنسي لكونها تسمي مدينة الشهداء وكانت مقراً لحكم أدريانوس والذي قام بالكثير من عمليات القتل والتعذيب لمعتنقي المسيحية في عصر الاستشهاد عام 284م والذي خلده الأقباط بان جعلوه بداية للتقويم القبطي. ورغم أن المنطقة مليئة بأطلال الكنائس، إلا أنها تعاني الإهمال وتعرض غالبيتها للهدم ومن أشهرها كنيسة النيل ، كما تعد المنطقة غير مؤمنه بشكل كبير, حيث يتواجد بها عدد ضئيل من ألفراد الأمن . في محيط المنطقة أيضا نجد أحد المنازل المبنيه من الطوب اللبن، والتي يقال أنه منزل " ماريا القبطية " زوجة الرسول "ص" باحدى المناطق الصحراوية بين الشيخ عباده وأنصنا، حيث يقوم العديد من الأهالي بالذهاب إلى هذا المنزل البسيط الذي لا يتعدى كونه حجرة تم بنائها بالطوب اللبن ومحاطة بسور صغير ولها باب حديد صغير، ويقومون بالتبارك بالمكان والدعاء، وخاصة السيدات اللاتي يريدن الإنجاب والشفاء من الأمراض المختلفة . بينما يرى بعض الباحثين أن الغرفة ليست خاصة بزوجة الرسول والتي عاشت بالفعل بالمنطقة، ولكنها لأحد الكهنة ويدعى "سيدوس" ، وهو من القرن الرابع الميلادي في العصر القبطي، قبل مجىء النبي محمد بمئات السنين ، و أن الغرفة تقع في الجزء الشمالي الشرقي للشيخ عبادة، وهي منطقة أثرية بها الكثير من الآثار، وآخر ما توصلت إليه المعلومات حول تلك الغرفة كان من خلال البعثة الايطالية في تلك المنطقة، في الثلاثينيات من القرن الماضي، والتي أفادت أيضًا بأن تلك الغرفة لسيدوس وكانت تستخدم غرفة دفن . "مدينة الأرواح" .. سراديب تقود إلى كنوز مفقوده وبالانتقال إلى الظهير الصحراوي الغربي أقصى جنوب المحافظة نجد ما يطلق عليها بمدينة الأرواح بمنطقة تونا الجبل، حيث ظلت تلك المدينة تحت الأرض آلاف السنين ، وتم اكتشافها منذ 70 عامًا تقريبًا، بفضل البعثات الاستكشافية بكلية الآثار بجامعة القاهرة تحت قيادة العالم الأُثري سامي جبره، لتدخل في مسلسل الآثار الدفينة وعدم جاهزيتها لاستقبال السائحين، رغم أن كافة الأبحاث أشارت إلى أن المدينة تمتد لكيلوات من المترات تحت الأرض وتقود إلى كنوز لم يفصح عنها حتى الآن. وقال مصدر بآثار المنيا، إن المدينة تضم عدة سراديب خلال الفترة من 1930 الى 1950، وأطلق عليها عدة أسماء منها سراديب المدينة القديمة، وسراديب المعبد الأعظم، وتبين أنها أكبر جبانة بمصر القديمة، لدفن المعبود تحوت وبعض الحيوانات المقدسة، وأنها تؤدي لغرف ومزيد من الكنوز الدفينة التي مازال البحث عنها مستمرًا ، وبحسب الدراسات الكشفية التي أجريت وكشفتها الأجهزة الدقيقة، فإن المدينة مساحتها تقترب من 3 كيلو متر تحت الأرض بمنطقة تونا الجبل، قد خصصت لدفن الحيوانات المقدسة خاصة القرد المقدس " قرد البابون" أو كما نطلق عليه حاليًا طائر أبو قردان، والتي توضع داخل توابيت مصنوعة من الفخار أو حجرية أو خشبية، ويتم دفنها للتقرب من الآلهة. أبرز ما أعلن عنه في تلك المدينة هو وجود 3 سراديب شديدة الأهمية، إذ تم تخصيص السرادب الأول للطائر توت أو "أبيس، و يتميز السرداب الثاني والذي يرجح إنشاؤه خلال العصر البطلمي، بإحتواءه على عدة ممرات تقود طرق عديدة وبها اماكن مخصصة لحفظ موميات الطائر المقدس، بينما يعتبر السرداب الثالث هو الأكثر أهمية بعد أن أُكتشف به غرفة تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وكانت تستقبل الندوات المختلفة للكهنة، و بداخلها مومياء لقرد البابون لإستلام القرابين، ويملأ الغرفة نقوش عديدة ، إلا أن غالبية محتوياتها تم نقلها المتاحف المختلفة داخل مصر وخارجها، بعد أن تعرضت للسرقة خلال أعوام طويلة عقب اكتشافها لعدم التكثيف الأمني عناك وغياب قوانين الآثار حتى سنوات منتصف القرن الماضي. الطرق المؤدية حاليًا إلى تلك المنطقة والتي تقع بالظهير الصحراوي لغربي بذمام مركز ملويجنوبالمنيا، مازالت تعاني عدم تمهيد الطرق، أو وجود عمدان إنارة، وكذا ضعف التكثيف الأمني هناك ، ما تسبب في توافد العديد من السارقين للتنقيب عن الآثار بمناطق قريبة من هناك، ومحاولة استخراج الكنوز التي قد تكون دفينة بالقرب من المدينة المدفونة، خاضة في ظل تأكيد مسؤولي الآثار على أهمية السراديب والمنطقة ككل وأن البعثات ستتوصل إلى مزيد من الاكشتافات خلال سنوات قليلة مقبلة، بعد اكتشاف 16 مومياء بشرية بإحدى المقابر بمنطقة قريبة من هناك، لتعد أولى الجبانات الآدمية التي تكتشف بمنطقة مصر الوسطى. جدير بالذكر أن محافظة المنيا قد أعلنت في بيان رسمي منذ عام تقريبا عن ضرورة تطوير المنطقة وقال حينها عصام البديوي محافظ الأقليم، إنه جاري التخطيط لتركيب كشافات إضاءة وتمهيد الطرق المؤدية للسراديب، لتسهيل زيارتها من قبل السائحين، وطالب برفع التعديات والإهمال الموجود بكافة المناطق الأثرية. من جانبه طالب ناصر نعنوس مدير التسجيل الأثري بالمنيا، بسرعة الاهتمام بتلك المناطق، مؤكدا على أهميتها الكبيرة وما تخفيه من أسرار لحقب زمنية لمختلف العثور، ومستنكرا أن يكون دائما ضعف التمويل من الوزارة هو سبب عدم تطوير تلك المناطق ، مناشدا بادراج تلك المناطق للزيارات ما يدفع عجلة السياحة للمحافظة. كما تمنى نعنوس أن يتم اعداد حملة مكبرة للدعايا لتلك المناطق، عبر وسائل الاعلام المختلفة، مع تنشيط السياحة الداخلية أيضا لتعريق المواطنين بآثار بلدهم، ما ينعكس بالايجاب على سير العملية السياحية التي تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.