البيان المنسوب لوزير الدفاع السعودى، الذى انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعى، خلال الأيام الماضية، والذى تضمن هجوماً عنيفاً على مصر، لم يكن أكثر من بيان مزيف، صنعته آلة الدعاية الإخوانية التى تسعى قدر إمكانها إلى إفساد العلاقات بين البلدين. تلك العلاقات القوية للغاية، والتى لا يمكن أن تؤثر فيها مثل هذه الفبركات التافهة. المصدر الذى نقل عنه بعض «البلهاء» البيان، هو «أم الدنيا» التابع لتنظيم الإخوان الإرهابى، وهو مجرد حلقة فى مسلسل الإخوان الذى يسعى لتشويه العلاقة بين البلدين الكبيرين. البيان «المفبرك»، تضمن هجوماً من وزير الدفاع السعودى على ما أسماه تخاذل مصر عن نصرة السعودية فى حربها ضد الحوثيين فى اليمن، مع عدد من الاتهامات يكذّبها الواقع. شاركت مصر بقوة فى عاصفة الحزم، التى أطلقتها السعودية والدول العربية للدفاع عن هويتها ضد المد الشيعى، كما إن ما يلفت النظر، هى تلك الرؤية الساذجة التى تمت بها صياغة البيان، وهى الرؤية التى تفتقد أبسط مقومات كتابة البيانات الرسمية، إضافة إلى ركاكة الأسلوب وامتلائه بالأخطاء الإملائية والنحوية. والوثيقة المثيرة للسخرية، لا تتلاءم مع الخطابات التى تصدر من وزارة الخارجية السعودية، لا شكلاً ولا مضموناً. كون مضمونها يتعارض مع سياسة المملكة ولا تتلاءم أصلاً مع مخاطبات وزارة الخارجية لا من ناحية الشكل أو الأسلوب أو المضمون. ولعل أقوى رد من المملكة العربية السعودية على أكاذيب الإخوان، ومحاولاتهم إحداث الوقيعة بين البلدين الشقيقين هو قيام «دارة الملك عبدالعزيز»، بإصدار مجموعة من الكتب والمراجع التى تشرح وتوضح عمق العلاقات المصرية - السعودية منذ الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، وحتى وصول الحكم إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. والعلاقات السعودية - المصرية لا توصف بأقل من أنها متينة ومثالية، بل إنها تقدم من خلال مسيرتها التى بدأت فى عهد الملك عبدالعزيز طيب لله ثراه، نموذجًا عاليًا فى التآخى الإسلامى والتعاضد العربى بين بلدين عربيين، تربطهما وحدة الدين واللغة والمصالح المشتركة والمصير. كما إن ثقل البلدين السياسى والاقتصادى وعراقة دورهما الدبلوماسى والسياسى والإنسانى فى المشهد العربى، يؤهلانهما لتقديم هذا النموذج الناصع فى الترابط والتواصل عبر مسارات عدة تصب فى خدمة الشعبين السعودى والمصرى، وتعزيز القوى العربية، فالزيارة الملكية للملك عبدالعزيز للملك فاروق عام 1946، التى تعد أول زيارة له لبلد عربى أو غير عربى، إذا ما استثنينا زيارته النادرة للبحرين فى بداية توليه الحكم، هى اللبنة الأولى القوية التى أسست بقوة لهذا الارتباط التاريخى بين الحكومات المتعاقبة فى البلدين. وكان صدى الزيارة مدويًا ومميزًا، وقرأ الجميع من خلاله أن العلاقات السعودية-المصرية ستكون الأقوى على مر العقود القادمة، بل إن الملك عبدالعزيز، أوصى قبل وفاته أبناءه خيرًا بمصر، وأن يوثقوا روابطهم وعلاقاتهم، وألا تتعرض هذه العلاقة لأى هزة مهما كانت الظروف. ودعت العلاقة النموذجية والمثمرة «دارة الملك عبدالعزيز»، إلى توثيق الترابط بين الدولتين والشعبين ودراسة وقائع الزيارات وقراءة وتحليل مستقبلها، فصور زيارة الملك عبدالعزيز للملك فاروق العديدة وبرفقته أبناؤه أصدرتها فى عدة إصدارات منها الإصدار المصور «دارة عبدالعزيز»، وشاركت بها فى عدة معارض كان آخرها معرض القاهرة الدولى للكتاب، كما تحتفظ بصور الزيارات المتبادلة بين الملوك السعوديين والرؤساء المصريين. وتحتفظ «الدارة» كذلك بإرشيف صحفى للصحف المصرية والعربية، عن الزيارات المتبادلة بين البلدين وما يتزامن معها من مقالات وتحليلات سياسية وإنتاج أدبى، كما أصدرت عددًا من الكتب الموثقة لهذه العلاقات، منها كتاب «العلاقات السعودية-المصرية فى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز». ويشمل الكتاب أوراق عمل الندوة العلمية الدولية عن هذه العلاقات التى عقدتها دارة الملك عبدالعزيز بالتعاون مع مؤسسة الأهرام بمصر بمناسبة مرور عشرين عامًا على الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه لله، فى حكم المملكة العربية السعودية، وكتاب «العلاقات السعودية-المصرية فى عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز 1964- 1975م»، ومرت العلاقات السعودية-المصرية بمزيد من القوة والصلابة والأخوة على مر عهود ملوك المملكة العربية السعودية، وتعد الكوادر البشرية المصرية فى المملكة العربية السعودية أعلى نسبة من غيرها. كما إن رقم الاستثمار السعودى فى جمهورية مصر هو الأكبر وعلى مدى سنوات طويلة، فضلًا عن عدد السياح السعوديين لمصر الذى يترجم التناغم بين الشعبين وتشابههما فى عناصر عدة ورغبتهما فى التواصل، وتكوين اللجان المشتركة بين البلدين لترجمة هذه العلاقة السياسية الوطيدة إلى عمل مؤسساتى ممنهج. بالإضافة إلى أن العلاقات الثقافية والعلمية تترجمها أعداد المبتعثين السعوديين إلى مصر فى السنوات الماضية، وتبادل الخبرات البشرية بين البلدين، والمساعدات السعودية لمصر فى الأزمات والكوارث الطبيعية، ووحدة الصوت السياسى تجاه المعطيات الدولية المستجدة. وتصل العلاقات السعودية والمصرية ذروتها فى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، حين جاء السيسى معزيًا فى الملك عبدلله بن عبدالعزيز رحمه لله، ومباركًا للملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه لله، على توليه سدة الحكم فى مشهد تاريخى تكرر على مدى ملوك المملكة ورؤساء مصر، بفضل العناصر المشتركة العديدة فى المكونات التاريخية والرؤية السياسية والارتباط الشعبى بين السعوديين والمصريين، والتضامن فى الهدف والمصير بين الدولتين. ومن ثم تعمقت العلاقة بين البلدين مبشرة بعلاقة أقوى وأبرز وأكثر إيجابية فى الاتصال الهاتفى بين الملك سلمان هذا الأسبوع والرئيس السيسى، معبرًا عن «علاقة المملكة العربية بمصر أكبر من أى محاولة لتعكيرها»، ومؤكدًا أن ما يربط البلدين نموذج يحتذى فى العلاقات الإستراتيجية والمصير المشترك. ولذلك قامت «دارة الملك عبدالعزيز» التى تعنى بتوثيق التاريخ السياسى للمملكة؛ كونه الجزء الأهم من التاريخ الوطنى السعودى، والذى يؤرخ انتماء المملكة العربية السعودية المشرف للوطن العربى والإسلامى، بتوثيق العلاقات السعودية-المصرية وإعطائها حقها من حفظ وثائق وصور للعلاقات المصرية السعودية، وما ألمَّ بها من تداعيات، وأصداء إعلامية، ورصد هذه الزيارات وتقديمها للباحثين والباحثات المهتمين بالجانب السياسى والاجتماعى والثقافى بين البلدين، كمرجعية رسمية لتَقَصَّى التاريخ المشرف بين البلدين.