التقارير السرية عن مخطط تنظيم القاعدة لا ينفصل بأي حال عن مخطط جماعة الإخوان للعودة إلي الحياة السياسية مرة أخري، وإذا كنا في مصر نعتقد أن العودة مستحيلة فإن رؤية المحللين الأمريكيين تتفق مع هذا الرأي وإن كانت تري أن هناك محاولات للعودة علي المدي البعيد وفي إطار جدول زمني طويل، وقد كتب إريك تراجر، وهو باحث مرموق بمعهد واشنطن، عما سيفعله الأعضاء العاديون من "الإخوان المسلمين" في مصر بعد حظر نشاطهم، وتوقع الكاتب ثلاثة احتمالات، اثنان منها يوفران أساساً ممكناً لإحياء "الجماعة" من جديد، وهذه الاحتمالات هي: أولاً: بدلاً من التسلسل القيادي للمنظمة علي الصعيد الوطني، قد يتطلع عموم أعضاء "الإخوان" بشكل عام إلي القادة الذين هم في المنفي من أجل التوجيه والإرشاد.. نقلت "الجماعة" بالفعل عملياتها الإعلامية إلي لندن، وعلي الأقل ثلاثة من كبار قادتها الستة هم خارج مصر وهم: الأمين العام محمود حسين في تركيا ونائب المرشد العام جمعة أمين في لندن، في حين يعتقد أن نائب المرشد العام محمود عزت هو في غزة. «ومن غير المعروف مكان وجود قائد كبير رابع هو محمود غزلان».. ومن هذه النافذة الأجنبية، رفض قادة "الإخوان" محاولة من قبل أحد قادة "الجماعة" داخل مصر لإجراء مصالحة مع الجمهور المصري، ودعا أعضاء "الإخوان" في مصر إلي مواصلة الاحتجاج ضد عزل مرسي وهو ما فعلوه، رغم تراجع الأعداد كثيراً عما كانت عليه من قبل. وكما يقول الكاتب فإن تلك الاستراتيجية في نقل الجماعة مركزها الإعلامي إلي لندن وتشجيع أعضائها بالعودة مرة أخري إلي القاهرة نجحت من قبل وهناك سوابق لهذه الاستراتيجية بين الجماعات الإسلامية، فقد تبنت حركة «النهضة» هذه الاستراتيجية أثناء تسعينيات القرن الماضي وخلال العقد الأول من القرن الحالي عندما كان مركز قيادتها في لندن، ثم بعد ذلك ظهرت بسرعة كحزب بارز في تونس عقب ثورة 2011 وعلي نحو مشابه. ثانياً: وكما يشير الكاتب قد يقرر أعضاء "الإخوان" العاديون المشاركة في الانتخابات، ربما بعد بضع سنوات، كمستقلين.. وبدون منظمة داخلية تسيطر علي استراتيجيتهم، فقد يقررون الترشح في بعض المناطق دون غيرها، وستكون أمامهم فرصة لتقديم أداء جيد أفضل مما يعتقده البعض في الوقت الراهن.. ورغم حقيقة أن "الجماعة" لا تلقي قبولا شعبياً بشكل كبير في الوقت الحالي، فإن هذا الوضع قد يتغير مع استمرار تراجع الاقتصاد المصري في ظل الحكومة المدعومة من قبل الجيش.. والأهم من ذلك، وبالنظر إلي أنه لم يتم اعتقال المزيد من الصفوف المحلية في قيادة "الإخوان"، فإن هذا يعني أن أعضاء "الجماعة" يستطيعون التنسيق مع المناطق لاختيار مرشحين وحشد الأنصار بفاعلية من خلال شبكات العلاقات الشخصية التي ستظل قائمة حتي بدون الهيكل الهرمي ل"الإخوان". وحقيقة أن المجال السياسي في مصر منقسم بعمق بين عشرات الأحزاب، العديد منها لا تكاد تختلف عن بعضها البعض فكرياً وتعاني من سوء التنظيم أيضاً، فإن ذلك سوف يصب في صالح المستقلين التابعين ل"الجماعة" الذين يتميزون بحُسن التنظيم.. ثم يمكن لمستقلي "الإخوان" استخدام فوزهم للضغط من أجل إحياء الحريات وإعادة بعث تنظيمهم المعطل حالياً. ثالثاً: يمكن أن يتخلي عموم أعضاء "الإخوان" عن "الجماعة" ويتجهون إلي حركات إسلامية أخري، بما في ذلك الجماعات العنيفة. وعلي أي حال، يغلب التطرف علي شباب أعضاء "الإخوان" الأصغر سناً أكثر من قادتهم الذين يتبعون سياسات محافظة، وربما يتصرفون الآن من واقع ذلك التطرف.. وعلاوة علي ذلك، استخدم عموم أعضاء "الجماعة" العنف كأداة سياسية في الماضي القريب - وعلي الأخص في ديسمبر الماضي، عندما قامت كوادر "الجماعة" بمهاجمة المحتجين وتعذيبهم وقتلهم خارج القصر الرئاسي في شمال القاهرة.. والتاريخ غني بأمثلة من تلك التي تميز "الإخوان" الذين اتجهوا نحو الأنشطة الجهادية خلال فترات القمع التي مارستها الدولة. لكن في سبيل توضيح هذه النقطة، فإن توجه أعضاء "الإخوان" إلي الإرهاب سوف يبرر المزيد من المواجهة الحكومية علي نطاق واسع.. وينبغي أن يكون القياس المناسب مع جماعة "الإخوان المسلمين" السورية، التي تم استئصالها من سوريا في عام 1982 عقب قيام مجموعة من أعضائها يعرفون باسم "الطليعة المقاتلة" بحمل السلاح ضد النظام، وتلك الجماعة غير قائمة عملياً في تلك البلاد علي مدي ثلاثة عقود. ويؤكد الكاتب أن براءة مرسي شبه مستحيلة ومشيراً إلي أن أحد كبار المسئولين في جماعة "الإخوان المسلمين" أكد له أن الرئيس المصري السابق شارك في التخطيط لرد فعل "الإخوان" علي الاحتجاجات -التي وقعت في الشتاء الماضي- المناهضة لإعلانه الدستوري الذي كان الهدف منه استئثار "الجماعة" بالسلطة، وذلك خلال اجتماع عُقد في منزله في 4 ديسمبر.. وفي اليوم التالي قام أعضاء من "الإخوان" بمهاجمة المتظاهرين خارج قصر الرئاسة الأمر الذي تسبب في وقوع اشتباكات أدت إلي مقتل 10 أشخاص وإصابة 748 آخرين بجراح. ويقول الكاتب الأمريكي إن الحكومة المصرية المدعومة من الجيش في معركتها الحالية مع "الجماعة" يمكنها أن تنجح في التخلص منهم حيث تمتلك هذه الحكومة قوة خشنة كبيرة جداً وتتمتع بدعم شعبي أكبر وأقوي من جماعة "الإخوان".. وعلاوة علي ذلك، أن مظاهرات "الإخوان" المستمرة -والفوضوية في أغلب الأحيان- التي تطالب بإعادة مرسي إلي منصبه لم تحقق سوي مصلحة الحكومة، حيث إنه في الوقت الذي تم فيه تفريق الاحتجاجات بقوة نال ذلك استحسان العديد من المصريين.. وفي ضوء اعتقال أو هروب جميع قادتها وحظر أنشطتها والاستيلاء علي أرصدتها من قبل محكمة مصرية، فإن جماعة "الإخوان" علي وشك الانهيار. ورغم ذلك يعود الكاتب ليؤكد أن التفاؤل بإنهاء جذور الجماعة ليس نهائياً فالتجارب تشير إلي أنهم يستطيعون العودة كما عادوا للظهور مرتين، ففي أعقاب اغتيال مؤسس "الإخوان" حسن البنا عام 1949، عادت "الجماعة" إلي الصدارة السياسية من خلال دعمها للثورة التي تزعمها "الضباط الأحرار" والتي أطاحت بالملك فاروق عام 1952 ثم بعد عقود من الحصار الشديد الذي مارسه الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1954 والذي أدي إلي إدخال الآلاف من أعضاء "الإخوان" إلي السجن، أطلت "الجماعة" برأسها في سبعينيات القرن الماضي في ظل الحرية النسبية التي أتاحها الرئيس أنور السادات، حيث قامت بصورة هادئة بإعادة بناء هيكل القيادة علي مستوي الدولة المصرية، وهو ما مكنها من الفوز بسرعة بالسلطة بمجرد سقوط حسني مبارك عام 2011.