من أساليب إقامة الخلافة أسلوب الاستخلاف أو قيام الخليفة الشاغل للمنصب بتعيين من يتولى المنصب من بعده، وأبرز مثال لهذه الطريقة هو تكليف أبى بكر الصديق لعمر بن الخطاب (رضى الله عنه) بتحمل أعباء الخلافة، وقد وافق الصحابة (رضى الله عنهم) وبايعوه بما يعنى رضا الجميع (الإجماع) على اعتبار استخلاف شاغل المنصب لمن بعده وسيلة مشروعة لتولى المنصب أو فى اولوية الترشيح. ودون مقدمات فالمسلمون جميعا يرون ولهم الحق أن عمر (رضى الله عنه) دون غيره من الحكام هو التجسيد الحى للشريعة والتزام مبادئها حتى قالوا إن عمر (رضى الله عنه) قد أتعب الخلفاء من بعده، حيث إنهم لن يبلغوا ما بلغ عمر من الاطلاع بأعباء المنصب، ولكن علينا دائما أن نفرق بين (واقع قد حدث وأنتج خيرا)، و(بين ما يجب أن يكون) ضمانا للالتزام بمقاصد الشريعة ومبادئها. ومع استبراء أبى بكر وإخلاصه لله ثم الناس فى العهد لعمر فإن العبث بالحقيقة قد وجد منفذا لاستغلال ما فعل أبوبكر، بل هناك من جعلها قاعدة أساس وصل بها إلى حرمان الأمة من حقوقها فضلا عن تحويل الخلافة إلى ملك مخصوص كما فعل معاوية وابنه، ثم ما فعل بنو مروان ثم بنو العباس... إلخ. لابد إذن من آليات منضبطة تضمن حسن الاختيار، وسلامة الترشح وصحة الانتخاب، فضلا عن القدرة على التصحيح والتغيير إذا لزم الأمر. وما دام الإسلام يفرض الشورى وسيلة لتنظيم الشئون العامة، وقد وضع القرآن الشورى وضعا حاسما بين أكبر فريضتين من شعائر الإسلام إذ وضعها بين الصلاة والزكاة فى قوله تعالى (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ). فالشورى فريضة لازمة لزوم الصلاة، وعلى ذلك فهى بحاجة إلى تنظيم يماثل قواعد الصلاة فيقوم على: 1 تحديد موعد الشورى تحديدا مسبقا يمكن الجميع من الاستعداد والحضور. 2 تنظيم الاجتماع وذلك باختيار رئيس للاجتماع مثل امام الصلاة وكذلك مجموعة من المساعدين المراقبين حتى لا ينفرد رئيس الاجتماع كما قال (صلى الله عليه وسلم) «ليلينى منكم أولوا الأحلام والنهى» للرقابة والتذكير والتصحيح. 3 وإذا كان اختيار رئيس الصلاة يتم بترجيح الأكثر فقها والأكثر قرآنا، والحاصل على أكبر توافق فلابد أن توضع شروط، سواء فى أعضاء الشورى أو للمرشح المتقدم للمنصب على أن تتناسب تلك الشروط مع طبيعة المنصب وما يجب توافره فى شاغله. وعلى ذلك فنحن نعجب أشد العجب لتلهى الأمة عن الفقه السياسى لعمر بن الخطاب ذلك الفقه الذى تجلى فى وصف بيعة أبى بكر بأنها كانت «فلتة وقى الله شرها» ومعنى هذه الكلمة أن تلك الطريقة فى الاختيار غير قابلة للتكرار كذلك يكشف عمر (رضى الله عنه) عن تصوره الصحيح للشئون العامة حيث قال عن نفسه وهو يودع الأمة: «أن أترك (بلا تحديد) فقد ترك من هو خير منى» يقصد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذى ترك للناس حق التعبير عن انفسهم والتنافس الفقهى فى ابتكار النظام اللائق بالأمة فى كل عصر. ويتم عمر كلامه «وأن أعهد (أكلف واحدا) فقد عهد من هو خير منى» يقصد أبا بكر لأنه قد عهد واستخلف عمر من بعده. ولكن هل ترك عمر الأمر؟ لا لم لم يترك. وهل عهد لشخص بتولى الأمر؟ أيضا لم يعهد لشخص، فكأن عمر (رضى الله عنه) يرى أن الأمة فى اتساعها جغرافيا وامتدادها تاريخيا لا يمكن أن تهمل شئون المنصب العام، كما لا يكفيها ولا يصلحها أن يتصرف شخص فى شئونها حيا وميتا، بمعنى عدم جدوى العهد والاستخلاف لشخص، فلابد إذن من آلية أخرى تتفادى الترك كما تتوقى الانفراد بالأمر. فشئون أمة الشورى أكبر من تترك الرأى منفردا مهما كان صوابه. هكذا فعل عمر إذا أقدم على تصحيح طريقة العهد بما يفرغها من الفردية والاستبداد، وكذلك يؤسس لجمعية تتحمل المسئولية وترعاها وذلك فى تصور عمر الأقرب للشورى. يتبع،،،،، نقلا عن الشروق