القدر المقطوع به أن فلول دولة مبارك تصطف الآن بكل قوة وراء أحمد شفيق، فى انتخابات الرئاسة، وتلك الفلول تنتظم قيادات رسمية أمنية ورجال أعمال يرتبط مصيرهم بتلك الانتخابات، وكل الذين تربحوا سياسيًا وماليًا وإعلاميًا من فساد عصر مبارك هم مع "شفيق" قلبًا وقالبًا، فهو معركتهم الأخيرة والقشّة التى يتعلقون بها للنجاة من سيف العدالة والتطهير، وشفيق لا يحاول حتى أن يتجمل فى هذه المسألة، فمنذ أن اعترف بأن "مبارك" هو مثله الأعلى، لا ينفى عن نفسه أن هدفه وبرنامجه الأساسى هو عودة نظام مبارك، أو كما عبر هو فى أسوان بقوله: "ها نرجع مصر زى ما كانت"، وكأن مصر كانت تركيا أو ماليزيا فى نهضتها مثلاً، كما أنه من غشوميته وحُمقه السياسى وعد بإنهاء البلطجة فى مصر خلال 24 ساعة، فبعث بالرسالة البديهية للرأى العام على أنه أحد صُناع البلطجة، ومالك مفاتيحها وجزء أصيل من "اللهو الخفى" الذى يدير عملية نشر الفوضى فى مصر، وأن هناك تواطؤًا من مؤسسات رسمية معه، وأن هذه المؤسسات بضغطة زر منه ستنهى هذا كله، وهذا لا يفعله إلا مَن كان صانعه، ويعرف مبتدأه ومنتهاه، لكل ذلك نقول إن مصر خلال الأسابيع المقبلة أمام الحسم التاريخى، إما بهزيمة الفلول انتخابيًا بشكل نهائى وتدشين عصر ديمقراطى حقيقى جديد، وإما تجديد ثورة يناير لاقتلاع ما تبقى من أجهزة ومؤسسات ورجال مبارك، أيًا كانوا، إذا حدث تلاعب فى الانتخابات بأى صورة أو محاولات شراء الأصوات، غير أن تجديد الثورة يعنى أن تدخل مصر عامًا آخر أو عامين فى انفلات واضطراب بالغ الخطورة، لا يعرف أحد بالضبط إلى أين يفضى، وقد يعرّض مؤسسات حساسة فى الدولة للانقسام والاقتتال الداخلى، ويغرق مصر فى بحار من الدم، ناهيك عن الانهيار الاقتصادى التام، وهى فرضية لا يوجد فى مصر أحد يتحمل مسؤولية نتائجها وتداعياتها أمام الله وأمام الشعب وأمام التاريخ، ولعله لذلك لا يتصور أى وطنى أن ينجح "شفيق" فى انتخابات الرئاسة. بالمعيار الشعبى لا يوجد أى منطق يدعو للاعتقاد بأن شفيق صاحب شعبية، فلا هو صاحب تاريخ من النضال أو العطاء الشعبى المعروف، ولا هو صاحب مواقف تشرّف أى سياسى، بل هو جزء من منظومة الفساد فى عصر مبارك، وقد اعترف بأنه وقع على عقود بيع أراضٍ لأنجال مبارك أضاعت على الدولة ما يقرب من مليار جنيه، ومثل هذا الفاسد الذى لم يكن أمينًا على المال العام، وهو وزير، فكيف يختاره الناس ليكون أمينًا على المال العام، وهو رئيس جمهورية؟!؛ ولذلك كانت أكذب حملة دِعاية بين المرشحين هى حملته، التى حملت عنوان "الأفعال لا الأقوال"، وهو لم يفعل أى شىء يسجله التاريخ، سوى أنه جامل أبناء مبارك بإهدائهم مليارات الجنيهات على حساب حقوق ملايين المصريين الفقراء والمطحونين، كما أن شفيق كشف عن مستويات من الحمق السياسى وعدم المسؤولية تكفى وحدها للزهد فيه، كتهديده بالاستعانة بالقوات المسلحة لقمع المظاهرات إذا خرجت ضده بافتراض فوزه بالرئاسة، وهو ما يعنى تهديده بتوريط المؤسسة العسكرية فى بحر الدم والفوضى واسترخاص الدم المصرى فداءً لبقائه على الكرسى، على طريقة بشار الأسد، واستشهاده بموقعة العباسية سذاجة وقلة عقل؛ لأن الغضب الذى لا يعرفه شفيق، هو الذى عاينه فى يناير وفبراير 2011، فليس بضعة آلاف من الشباب المتفرق حول قضايا مختلفة، وإنما ملايين يحاصرون كل مؤسسات الدولة فى التحرير والعباسية وغيرها على امتداد مصر بشعار واحد "ارحلْ"، ولن يرحل الملايين إلا إذا رحل بقية نظام مبارك بكاملهم هذه المرة، وهذا الطوفان البشرى يعرف شفيق ومَن يتحدث عنهم أنه لا طاقة لأى قوة بوقف زحفهم أو كسر شوكتهم، والحقيقة أنى أستغرب أن يفكر أحدهم فى أن يكون الرئيس الجديد لمصر يأتى رغمًا عن هذا الغضب الشعبى المليونى العارم من أول يوم، أو أن يكون أهم ملامح برنامجه الانتخابى التلويح بالعصا الغليظة للشعب إذا اعترض عليه ويقول له: هاجيبلك الجيش!!، من أولها؟! يسرّب بعض أقطاب حملة شفيق أنباءً عن أن رجالَ أعمالٍ كبارًا تعهدوا له بشراء سبعة ملايين صوت انتخابى، وأن المال المطلوب جاهز، وأنا أعتقد أنه كلام فى "الهجايص"، وأن مصر ليست مجرد صوت انتخابى، ومصر الوطن لا يمكن أن تُشترى أو تُباع، ومصر الثورة قادرة على كسر رأس أى "فل"، مهما علا ومهما تصور أنه محمى بهذا أو ذاك. ومرة أخرى أؤكد بكل ثقة، مصر ستحتضن رئيسًا مدنيًا نهاية الشهر المقبل، يمثل روح الثورة، ولا ينتمى إلى النظام السابق بأى معيار. [email protected] نقلاً عن المصريون