جميل أن تبحث القوى السياسية والحركات الثورية عن نقطة الالتقاء والتوحد والاصطفاف مرة أخرى، وضرورى أن يرحب الجميع بعودة الشاردين لتذكر الثورة واستعادة ذاكرة الميدان، فالظرف الآنى يحتم على الكل أن يستدعوا روح الميدان كى لا تزهق روح الثورة. غير أن هذه العودة تتطلب عدة أشياء منطقية لا غضاضة فى إنجازها، وعليه ينبغى أن يكون دخول الميدان مقترنا بالاعتذار عما بدر من البعض تجاهه، وطالما قرر الذين خاصموه العودة إليه، فإن الواجب يقتضى الاعتراف بخطأ السير عكس اتجاه حركته، واعتبار المتمسكين بشرعيته من المعطلين أو المخربين أو البلطجية، وهذا بالضرورة يتطلب اعتذارا مهذبا للشهداء الذين سقطوا والفتيات اللاتى جرى سحلهن وتعريتهن والشباب الذين اقتيدوا إلى سراديب التعذيب وإهدار الكرامة والإنسانية، لأن هناك من وفر الغطاء لجرائم وخطايا أجهزة القمع، واعتبر أن الموجودين فى محمد محمود ومجلس الوزراء وقبلهما ماسبيرو ليسوا ثوارا بل بلطجية، يريدون قطع الطريق على انتخابات البرلمان. ولو كانت هناك جدية فى التوحد حول المبادئ، وليس التجمع من أجل المصالح، فينبغى أن يقدم القائمون على مليونية الغد والمشاركون فيها على تكريم أرواح شهداء الآلة العسكرية، من مينا دانيال فى ماسبيرو، وحتى عماد الدين عفت فى مجلس الوزراء، مرورا بنحو مائة شهيد سقطوا منذ 19 نوفمبر من العام الماضى .. وأن تتسع منصات الميدان للاحتفاء والاعتذار لنساء مصر المحترمات اللاتى تعرضن لأبشع أنواع التنكيل على يد جنود رقصوا بأحذيتهم الثقيلة فوق أجسادهن حتى تعرت، وبدلا من الانتفاض دفاعا عن حرمة الدم وقدسية الشرف، سمعنا على ألسنة بعض الذين تذكروا الميدان الآن عبارات قمة فى الانحطاط والتدنى والفحش من نوعية «ايه اللى وداهم التحرير» و«دى لابسة العباية على اللحم» حيث كان عمى البصر والضمير قد بلغ بهم حدا لم يروا فيه جنودا يتصرفون مثل الوحوش الجائعة فى مواجهة فتيات مسالمات شريفات، ورأوا فقط أجسادا تعرت بعد أن نهش الأوغاد ما فوقها من ملابس. لقد لقى الثوار والثائرات أشرس حملات التشويه والتكفير وتلقوا طعنات وجهت من تحت قبة البرلمان أحيانا، وعبر الإعلام السمج طوال الوقت، وحوربوا اجتماعيا وأخلاقيا، من جانب من كانوا يظن أنهم رفقاء طريق الثورة، كما أهين الميدان وتعرض لعمليات تسفيه وتحقير بلغت حدود الفاشية فى كثير من الأوقات، لأن هناك من رأى فيه خطرا على البرلمان، أو منافسا له، رغم أنه لولا الميدان ما كان البرلمان، ومع ذلك أهدوه مكان الوردة سكينا، وسكتوا عن إحراقه بعد أن عبروا فوقه إلى البرلمان. فلتكن العودة إلى الميدان غدا نابعة من إرادة جادة وحقيقية فى استعادة روح وقيم ومبادئ الثمانية عشرة يوما الخالدة فى بداية الثورة، وليتوافق الجميع على ميثاق شرف ومنظومة أخلاقية حاكمة للعلاقة بين كل الأطراف، فى مليونية ينبغى أن ترفع شعار «الاعتذار للثورة ورد الاعتبار للميدان».