تركز على حل مشكلات البطالة والدعم والأجور والأسعار دون وضع آليات لتنفيذ ذلك الأحزاب تتخلى عن الحلول السياسية وتغرى الناخبين بإصلاحات اقتصادية لكسب أصواتهم
أطلقت الأحزاب السياسية على مختلف توجهاتها برامجها الانتخابية خلال الأيام الماضية، وركزت خلالها بشكل كبير على الجوانب الاقتصادية التى تروج من خلالها لقدرتها على حل مشاكل المجتمع كمحاولة لجذب الناخبين، وركزت بعض الأحزاب فى شرح توجهاتها الاقتصادية باستفاضة لإدراكهم أن معظم مشكلات المصريين اسبابها اقتصادية فى المقام الأول.
المدهش أن اغلب هذه البرامج تتشابه رغم اختلاف توجات الأحزاب، حيث انصبت على تأكيدات لحل مشكلات البطالة والدعم والأجور والنمو والأسعار وغيرها، ووضعت خططها لتحقيق هذه الأهداف، ومن هذه الخطط ما هو قابل للتنفيذ فعليا ومنها ما لا يعدو كونه مجرد أمنيات وأحلام وردية لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، ومنها ما جاء لخدمة أهداف الحزب نفسه وتوجهاته لا سيما الدينية منها، وذلك مثلما حدث فى برنامج حزب النور السلفى الذى ينادى بتفعيل مؤسسات الزكاة والوقف لمعالجة مشكلة الفقر، وتطبيق المبادئ الأخلاقية التى تقرها الشريعة الإسلامية من الإخلاص والصدق، وإتقان العمل، والصبر والثبات على الحق، ومنع الربا والاحتكار، والعدالة فى توزيع الدخل وتوزيع الثروات، دون وجود أى رؤية لكيفية تفعيل ذلك وهو ما يشكك فى كون هذه الأهداف قابلة للتحقيق وأنها مجرد شعارات، و»حشر» لتوجهات دينية دون توفير مقومات تنفيذ هذه التوجهات.
أما حزب الحرية والعدالة الذى أسسه الإخوان المسلمون فكان أكثر ابتكارا وابداعًا فيما يحمله من خطط وأهداف اقتصادية، وبلغ إبداعه الاقتصادى عندما وضع ضمن برنامجه بندا يخص ترشيد الإنفاق الحكومي، عن طريق التخلص من المؤسسات التى تشكل عبئا على ميزانية الدولة دون فائدة تذكر- على حد قول البرنامج- مثل مجلس الشوري، وقوات الأمن المركزى وجهاز أمن الدولة، والتصرف فى الصحف القومية، والقنوات التليفزيونية والإذاعية، وكذلك التصرف فى معظم القصور والاستراحات الرئاسية والحكومية، دون أن يشير إلى كيفية ذلك «التصرف» أو طريقة تنفيذه، وهل يعنى ذلك أنه فى حالة وصول الاخوان للحكم فإنه لن يكون هناك وجود لصحف تابعة للدولة أو قنوات تليفزيونية، وهل هذا فعلا هو الحل الأمثل لما تعانيه مصر من مشكلات اقتصادية؟
أما الأحزاب الأخرى فمنها من وضع برامج تحتاج إلى خبير اقتصادى لقراءتها، وكل ما يميزها أنها تحمل قدرا لا بأس به من المصطلحات الاقتصادية المعقدة، والتى يصعب على غير المختصين فى الاقتصاد فهمها واستيعابها فضلا عن دمج هذه المصطلحات مع مصطلحات سياسية أخرى أكثر صعوبة، ومنها برنامج حزب النهضة الذى قال فى برنامجه حرفيا إنه سيقوم باجراء عدد من الاصلاحات المؤسسية لإدارة الموارد المالية للدولة أو لتحديد عدد من المشاكل الرئيسية ومحاولة وضع تصورات عن العلاج المناسب لها، وكذلك تحقيق الاستقرار الاقتصادى وتوفير الرقابة والاشراف على النشاط الاقتصادي، فضلا عن وضع السياسات الاقتصادية المختلفة فى مجالات النقود والانفاق والضرائب والمشروعات العامة وبما يحقق الاهداف الاقتصادية العامة بالحرص على ضمان تحقيق مستوى معين من النمو الاقتصادى ومحاربة البطالة ومحاصرة التضخم، وذلك دون الإشارة إلى آلية أو طريقة يمكن من خلالها تحقيق هذه التصورات.
وكان البرنامج الاقتصادى الأكثر وضوحا هو برنامج الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعي، الذى أكد على عدم تخلى الدولة عن دورها فى ضبط إيقاع الأسواق ووضع لذلك آلية عبر المشاركة فى العمليات الانتاجية أو التجارية إذا اقتضى الأمر، بما يضمن حقوق جميع مكونات المجتمع ويراعى المصلحة العامة، كما ركز الحزب بخلاف الأحزاب الأخرى على ضخ استثمارات جديدة فى شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام بالنسبة للقطاعات التى بها ميزة نسبية لمصر ولديها القابلية لتتحول لميزة تنافسية.
وبالنسبة لبرنامج حزب الوفد «الليبرالى» فقد ركز على هيكلة نظام الدعم وتوصيله لمستحقيه من محدودى الدخل ضمن مجموعة برامج إعادة الهيكلة المالية والإقتصادية والضرائبية والأجور، والتخفيض من الضرائب غير المباشرة على اختلاف أنواعها، وإعاده تخطيط النظام الضريبى ليتحمل أصحاب الدخول الأعلى نصيباً أكبر من الضرائب يتكافأ مع قدراتهم المالية.
أما برنامج حزب الثورة مستمرة فيطالب بتعديل الضريبة على الدخل وعلى الشركات بما يجعلها ضريبة تصاعدية بحق، وفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية المتحصلة من التعاملات العقارية والمضاربات فى البورصة، وإعادة هيكلة الأجور الحكومية بوضع حد أعلى وحد أدنى إنسانى للأجور، وتمويل الزيادات فى الأجور المنخفضة من المبالغ الممكن اقتطاعها من الأجور المرتفعة، وتبنى البرنامج عددًا من الإصلاحات الخاصة بالسياسة المالية ومنها العمل وفق مبدأ وحدة الموازنة العامة للدولة بحيث تشتمل الموازنة على كل نفقات الدولة وكل إيراداتها؛ وهو ما ينهى الوضع الفاسد الذى تستبعد فيه الحسابات والصناديق الخاصة من الموازنة