مذكرات شمس بدران الغامضة تصل إلى المحكمة بفضيحة مالية
منذ شهور فتح ملف مذكرات شمس بدران التى سجلتها وكالة الأهرام للإعلان فى لندن.. ولم تستطع وكالة الأهرام أن تتصرف فيها، بعد أن اعترضت عليها وزارة الدفاع لهجوم شمس على عبد الناصر ونسبة ما سمى بفضائح نسائية إليه.
أحاط الغموض بالمذكرات وما جرى فيها حتى كتب الزميل محمد الصباغ المدير السابق لمؤسسة روزاليوسف وصاحب دار الخيال للنشر مقالا مطولا فى مجلة المصور، كشف فيه أنه كان من حصل على المذكرات وسجلها مع شمس فى لندن.
فى مقاله قال الصباغ: «كانت مناقشات الإنتاج قد استقرت أن الأجدر بالقيام بالتسجيل التليفزيونى هو محمد الصباغ معد الحلقات ومحققها تاريخيا، والذى تولدت وتوطدت علاقته بشمس بدران على أن يكون تواجد شمس بدران هو محور العمل وأن تترك المساحة الأكبر له على الشاشة.. كانت رحلة عمل مجهدة، ولكنها موفقة جدا، فقد أثمرت عن أكثر من ثلاثين ساعة تسجيل حافلة بالتأريخ والدراما والأسرار وأدق المعلومات والحنين والبكاء والاعتذار، وحافلة بأهم شىء يمكن للباحث أن يعثر عليه أو يقترب منه وهو الحقيقة».
بدا مما كتبه محمد الصباغ أن البطل الأول والأوحد لمذكرات شمس بدران، لكن الإنذار الذى تسلمه على يد محضر فى سبتمبر الماضى من الزميل حمدى الحسينى الصحفى بروزاليوسف يكشف أن الصباغ لم يكن لاعبا أساسيا.. كما أن هناك كثيرا مما يقال.
الإنذار يقول: إنه بموجب عقد اتفاق شفوى بين الحسينى والصباغ اتفق الصباغ على اسناد إعداد وتسويق مذكرات شمس بدران وزير الحربية المصرى الأسبق أثناء هزيمة يونيه 1967 وذلك مقابل نسبة قدرها خمسون بالمائة من إجمالى صافى عائدات هذا المشروع.
تمكن الحسينى ومن خلال علاقته بأسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام أن تشترى وكالة الأهرام للإعلان المذكرات المكتوبة والمصورة لبدران بثلاثة ملايين جنيه مصرى.. على أن يتولى الحسينى مهمة صياغة وإعداد المادة العلمية فى ثلاثين حلقة تليفزيونية.
سافر حمدى الحسينى مع فريق العمل الذى صور الحلقات مع شمس بدران وكان معهم الدكتور حمدى حسن وهو أستاذ فى إعلام الأزهر وصديق لأسامة سرايا، وانتهت المهمة فى 22 سبتمبر 2010، ومنذ هذا الوقت وكما جاء فى الإنذار يطالب حمدى الحسينى محمد الصباغ بمستحقاته المالية والتى تصل إلى 400 ألف جنيه، إلا أن الصباغ امتنع تماما عن السداد.. وهو ما جعل الحسينى يلجأ إلى القضاء ليطلب من الأهرام أن تمتنع عن استخدام أو تسويق أو بيع المذكرات أو الحلقات التليفزيونية قبل أن يحصل على مستحقاته.
لغة الإنذار جافة وجامدة ولا تشى بتفاصيل أكثر، فما جرى يمكن أن نتعامل معه على أنه فضيحة كاملة، لقد حاول محمد الصباغ أن يبيع المذكرات للمصرى اليوم وقال: إنهم عرضوا عليه 3 ملايين جنيه، وقال: إن الجزيرة عرضت عليه مليون دولار لشراء المذكرات، وإن حافظ الميرازى يفكر وأنه سيعرض الأمر على قناة العربية بشرط ألا يهاجم شمس بدران السعودية وأن يهاجم جمال عبد الناصر.
كان هذا كله من باب التسويق فقط، فعندما تدخل حمدى الحسينى لدى أسامة سرايا وقبل أن ينتج المذكرات تليفزيوينا بعد أن حصل على موافقات من وزارة الدفاع والمخابرات العامة ومؤسسة الرئاسة اعتبر الصباغ هذا نصرا كبيرا.. فعلى ما يبدو أن أحدا لم يعرض عليه شراء المذكرات من الأصل.
كان التصور الأول أن يقوم أسامة سرايا بمحاورة شمس بدران، لكنه اعتذر لانشغاله بمتابعة أخبار الرئيس، واقترح أن يشترك فى الحوار مع شمس كل من أنيس منصور ومكرم محمد أحمد وصلاح منتصر، بالإضافة إلى المذيع الأساسي.
كان الاقتراح الأول أن يقوم يسرى فودة بالحوار مع شمس، لكن وكالة الأهرام عرضت عليه ألفى جنيه فقط فى الحلقة، لكنه طلب 300 ألف جنيه، ولما رفضت الوكالة اعتذر يسري،.. كما رأت الوكالة أن الاستعانة بمكرم وأنيس ومنتصر ستكون مكلفة دون فائدة.
هنا ظهر الصباغ ليطرح نفسه كمحاور، ورغم عدم خبرته فى الحوار سواء التليفزيونى أو الصحفى إلا أن الوكالة رأته مناسبا لأنه طرح نفسه دون أن يطلب مليما واحدا مقابل الحوار.. فقد حصل بالفعل على 2 مليون جنيه مقابل المشروع كله.
كان مفروضاً أن يعطى الصباغ شمس بدران مليوناً و200 ألف جنيه.. وتظل هناك 800 ألف يتقاسمها مع حمدى الحسينى، فى لندن سأل حمدى شمس بدران لماذا رفض عرض الجزيرة بتسجيل مذكراته، فأنكر تماما أن يكون تلقى عرضا من الجزيرة، وأكد أن هذا هو العرض الجاد الوحيد الذى تلقاه.
كان شمس بدران قد تلقى اتصالاً من إبراهيم المعلم وطلب منه أن يشترى مذكراته، وسافر بالفعل شريف المعلم ووقع عقدا مع شمس لطباعة مذكراته مقابل 300 ألف جنيه، لكن وبعد توقيع العقد اختفى شريف المعلم، ولم يعد يتصل بشمس بدران أو يرد عليه، وقد فكر بدران فى مقاضاة دار الشروق، لشعوره بأنها تعاملت معه بإهانة شديدة، لكنه تراجع فقد اعتبر أن الأمر لا يستحق.
سأل الحسينى شمس بدران عن مستحقاته المالية من تسجيل الأهرام معه، فقال إنه حصل على نصف مليون جنيه، وقال إنه سيوزعها بين أولاده فى القاهرة وزوجته الإنجليزية.
كانت صدمة بالنسبة لحمدي، فمعنى ذلك أن الصباغ أخفى 700 ألف جنيه كاملة من المبلغ، لكن الصدمة الأكبر كانت بعد أن عاد فريق العمل إلى القاهرة، أخبر الصباغ حمدى الحسينى بأنه دفع لبدران مليوناً و200 ألف جنيه، وقام بشراء هدايا للعاملين فى وكالة الأهرام للإعلان، وكذلك هدايا للوسيط الذى أوصله إلى شمس الذى لم يكن فى نيته أن يتكلم.. ليتبقى بعد كل ذلك 300 ألف جنيه، وبعد كان حمدى ينتظر 50 بالمائة من صافى أرباح المشروع، إذا بالصباغ يخبره أنه سيعطيه 10 بالمائة فقط.. وبعد خصم الضرائب منها يصل ما يستحقه إلى أقل من 30 ألف جنيه بكثير.
لا أريد أن أوصف هذه العلمية بشىء.. فالأمر الآن متروك للقضاء.. لكن ما يخجل حقا أن مذكرات شمس بدران التى تعتبر جزءا من تاريخ مصر رغم أى شىء يأتى فيها كانت مجرد وسيلة للتكسب والربح.
كان يمكن أن يكون لدينا وثيقة مهمة جدا.. لكن كل من شارك فيها أهدرها.. الصباغ بإصراره وتدبيره أصبح المحاور فى المذكرات دون أن يكون له اسم كبير ولا خبرة وهو ما بدا واضحا فى التسجيل، فهو بالفعل أضعف ما فيها.. والأهرام تكاسلت فلم تنتج المذكرات إنتاجا كبيرا من منطق الاستسهال.
الآن الأهرام لديها بضاعة راكدة، قبل الثورة ألقى يسرى فودة بمعلومة ضمن مقاله بأن شمس بدران تحدث عن الحياة الجنسية لجمال عبدالناصر وذرف دموعا أغلب الظن أنها كانت زائفة على شرف عبد الناصر وعرضه، ولم يكن ما فعله إلا «زمبة» متكاملة الأركان، فبعدها طلبت جهة سيادية التسجيلات وأمرت الأهرام بعدم إذاعتها إلا بعد حذف الأجزاء التى تعرضت لعبد الناصر منها.
بعد الثورة حاولت الأهرام أن تسوق للحلقات.. وحددت للحلقة الواحدة 10 آلاف دولار.. لكن أحدا لم يقبل عليها، لقد فقدت بريقها وإغراءها.. لم يعد أحد - الآن- على الأقل مهتما بالتاريخ - ولذلك فبدران ليس ورقة رابحة على الإطلاق.
سيكون مبالغة إذا قلنا إن الأهرام أهدرت المال العام.. فالمؤسسة عندما أنتجت المذكرات لم تكن تعرف أن الثورة ستقوم لتبور بضاعتها.. لكن الواقع فعلاً أن ثلاثة ملايين من أموال الدولة أهدرت.. لم يستفد منها سوى محمد الصباغ الذى حصل على أكثر من مليون ونصف المليون دون أن يمنح من يستحق حقه.. وهى قضية أخرى أعرف أن القضاء سيحسمها لمن يستحق