رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الهندسة    انعقاد برنامج البناء الثقافي للأئمة بمديرية أوقاف السويس    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الأكاديمي CWUR    زراعة النواب توافق على موازنة ديوان "الوزارة" بقيمة 6 مليارات جنيه    بالصور.. محطة مترو جامعة الدول تستعد للتشغيل التجريبي بالركاب غدًا    قومي المرأة يشارك في ورشة «القضية السكانية ..الواقع والرؤى»    وزير الخارجية يلتقي نظيره اليمني في المنامة    دولة أوروبية تنوي مضاعفة مساعداتها للفلسطينيين 4 أضعاف    الجنائية الدولية: نسعى لتطبيق خارطة الطريق الليبية ونركز على تعقب الهاربين    إيهاب جلال يعلن تشكيل الإسماعيلي لمباراة طلائع الجيش    سموحة يهزم الاتحاد السكندري بهدفين في الدوري    تعرف علي ترتيب الدوري الانجليزي قبل مباراة توتنهام ضد مانشستر سيتي    مصرع شخص وإصابة آخر في مشاجرة بالقطامية    جنايات بورسعيد تصدر حكما بالإعدام لمتهم والمؤبد لآخر بتهمة قتل شاب    متاحف وزارة الثقافة مجانًا للجمهور احتفالا بيومها العالمي.. تعرف عليها    أحمد الفيشاوي يكشف تفاصيل شخصيته في فيلم «بنقدر ظروفك»    طرح إعلان فيلم "Megalopolis" استعدادًا لعرضه بالمسابقة الرسمية لمهرجان كان    وزيرة الهجرة: للمجتمع المدني دور فاعل في نجاح المبادرات القومية الكبرى    شعبة الأدوية: الشركات تتبع قوعد لاكتشاف غش الدواء وملزمة بسحبها حال الاكتشاف    الشيبي يظهر في بلو كاست للرد على أزمة الشحات    وزير التعليم يفتتح الندوة الوطنية الأولى حول «مفاهيم تعليم الكبار»    «الزراعة»: مشروع مستقبل مصر تفكير خارج الصندوق لتحقيق التنمية    مصرع شخص غرقاً فى مياه نهر النيل بأسوان    هيئة الأرصاد الجوية تحذر من اضطراب الملاحة وسرعة الرياح في 3 مناطق غدا    «على قد الإيد».. أبرز الفسح والخروجات لقضاء «إجازة الويك اند»    الأسلحة الأمريكية لإسرائيل تثير أزمة داخل واشنطن.. والبيت الأبيض يرفض الإجبار    يخدم 50 ألف نسمة.. كوبري قرية الحمام بأسيوط يتجاوز 60% من مراحل التنفيذ    برلماني: مصر قادرة على الوصول ل50 مليون سائح سنويا بتوجيهات الرئيس    لماذا أصبح عادل إمام «نمبر 1» في الوطن العربي؟    1.6 مليون جنيه إيرادات الأفلام في السينما خلال يوم واحد    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    قبل البيرة ولا بعدها؟.. أول تعليق من علاء مبارك على تهديد يوسف زيدان بالانسحاب من "تكوين"    نائب محافظ أسوان تتابع معدلات تنفيذ الصروح التعليمية الجديدة    "أغلق تماما".. شوبير يكشف ردا صادما للأهلي بعد تدخل هذا الشخص في أزمة الشحات والشيبي    مقبلات اليوم.. طريقة تحضير شوربة الدجاج بالمشروم    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    طالب يضرب معلمًا بسبب الغش بالغربية.. والتعليم: إلغاء امتحانه واعتباره عام رسوب    «الحرية ورحلة استعادة المجتمع».. رسائل عرضين بالموسم المسرحي بالفيوم    تصريحات كريم قاسم عن خوفه من الزواج تدفعه لصدارة التريند ..ما القصة؟    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته بكفر الشيخ لجلسة الخميس المقبل    رئيس مجلس الدولة يتفقد المقر الجديد بالقاهرة الجديدة    داعية إسلامي: يوضح ما يجب على الحاج فعله فور حصوله على التأشيرة    دعاء للميت في ذي القعدة.. تعرف على أفضل الصيغ له    رسميا مانشستر يونايتد يعلن رحيل نجم الفريق نهاية الموسم الحالي    مهرجان الإسكندرية يعلن تفاصيل المشاركة في مسابقة أفلام شباب مصر    وزير الدفاع البريطاني: لن نحاول إجبار أوكرانيا على قبول اتفاق سلام مع روسيا    «الداخلية»: ضبط 25 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    مصر تدين الهجوم الإرهابى بمحافظة صلاح الدين بالعراق    5 شروط لتملك رؤوس الأموال في البنوك، تعرف عليها    فى أول نزال احترافى.. وفاة الملاكم البريطانى شريف لوال    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    أبو الغيط: العدوان على غزة وصمة عار على جبين العالم بأسره    أحمد الطاهرى: فلسطين هي قضية العرب الأولى وباتت تمس الأمن الإقليمي بأكمله    رئيس جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين 25%    "أسنان القناة" تستقبل زيارة الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد    الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانا بمدينة حدائق أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعرف على تاريخ المسيحية في ارض فلسطين.. كوادر الكنيسة هناك تتحدث
نشر في الفجر يوم 26 - 10 - 2023

في أحد خطاباته أمام الجمعية العمومية للأمم المتّحدة، وجّه البابا فرنسيس إنتقادًا إلى القوى الدولية، مشيرًا إلى أنّ «أعداد ضحايا الحروب لا تهزّها بقدر ما يُحرّكها هبوط أرقام البورصة». وبات الرأي العام العالمي والمنظّمات الإنسانية أشبه بعدّاد لتسجيل بيانات وحواصل الموت من جهة، وحفظ الأماكن المستهدفة، لا سيّما المستشفيات والمدارس ودور العبادة في سجلّات الإستنكار من جهة أخرى.
لا معايير أخلاقية في قوانين الحرب، فتسحق وتُدمّر كلّ شيء وتدفن كل ما تحتها من حجر وبشر. لكنها في المقابل، تُبرز بالدماء والمعاناة والمآسي ملفّات إنسانية كانت تحت ركام التهميش. هذا ما حصل مع العدوان الإسرائيلي على غزّة. إذ سلّط استهداف المشفى الأهلي العربي المعمداني التابع للكنيسة الأسقفية الأنغليكانية ومحيط كنيسة القديس برفيريوس التابعة للكنيسة الأرثوذكسية التي تُعدّ واحدة من أقدم ثلاث كنائس في العالم بعد كنيستي أورشليم وصور، الضوء على الواقع المسيحيّ في القطاع: أعدادهم، دورهم ومصيرهم.
يعود وجود المسيحيين في فلسطين إلى الزّمن الميلادي الأول مع انطلاق البشارة المسيحية في مهدها إلى جميع الأمم. وأسست كنيستها الأولى في غزّة حوالى عام 250م. ثمّ أخذت تنمو وتتوسّع مع القدّيس برفيريوس (الذي تحمل الكنيسة المُستهدفة إسمه ولا يزال قبره فيها حتّى اليوم)، في القرن الرابع، حتّى أطلق الفيلسوف المسيحي إينيس من غزّة على مسقط رأسه: «أثينة آسيا». أصابهم ما أصاب أهل الشرق مع توالي الإحتلالات والغزوات والفتوحات على مشاربها، شرقًا وغربًا.
تقلّص حضورهم حتى باتوا في هوامش التاريخ. غُرباء في مواطنهم الأصلية. أقلية تدفع أثمانًا كثيرة. ومع النكبة الفلسطينية الأولى سنة 1948، ثمّ الإحتلال الإسرائيلي للضفّة الغربية والقدس وغزّة، انتكست أعدادهم إلى ما دون ال35%. واليوم، تُشير بعض التقديرات إلى أنّ عدد المسيحيين في الضفّة الغربيّة المحتلة يبلغ نحو 50 ألفًا، يتوزعون على مدن القدس الشرقية، وبيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور، ورام الله، وعلى بلدات وقرى بيرزيت، والطيبة، وجفنا والزبابدة، بينما يبلغ عدد المسيحيين في القطاع نحو 1200 (وفق المركز الفلسطيني للدراسات).
«لم يعد هناك سوى أقل من ألف مسيحي في غزّة»، هذا ما لفت إليه مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن الأب رفعت بدر الخوف من أن تقضي الحرب الدائرة على آخر وجود لهم. فالغارة الإسرائيلية الأخيرة على مباني الكنيسة أدت إلى استشهاد عدد منهم. احتمى المسيحيون والمسلمون في كنيسة العائلة المقدّسة للاتين والكنيسة الأرثوذكسية، اللتين تقعان في المدينة القديمة وسط غزّة، حيث يتركّز الوجود المسيحي هناك، ومع بداية العدوان، توزّع المسيحيون وفق بدر بين الكنيستين للإحتماء في كنفهما.
أمّا التواصل معهم، فيشير بدر إلى أنّه «مرهون بالتيّار الكهربائي لشحن هواتفهم الخلوية». تضمّ كنيسة اللاتين، راهبات مرسلات المحبة للقديسة تيريزا أو كما يسمّونهنّ «ملائكة غزّة»، فهنّ نعمة كبيرة للقطاع والمجتمع الفلسطيني ولكل المسيحيين والمسلمين. وصلن إلى غزّة قبل خمسين عامًا ويُدرن ملجأ للمسنين والمرضى ويهتمّون بمساعدة الفقراء والذين فقدوا منازلهم وممتلكاتهم.
في غزّة أيضًا راهبات الوردية المقدّسة، القيّمات على أكبر مدارس القطاع الخاصّة في حيّ تلّ الهوى (وسط المدينة)، حيث كانت تستقبل ما يقارب ال2000 طالب، معظمهم من الغزّاويين المسلمين، مقابل 180 تلميذًا مسيحيًّا. يقدّمن خدمتهن من دون تفرقة. صحيح أن وجودهنّ العددي ضئيل جدًّا، لكن حضورهن ودورهنّ الثقافي والإجتماعي والإنساني، يتخطّى واقعهنّ الضعيف. وأوضح الأب بدر أنه «عندما تلقّت الكنائس إنذارات بالإخلاء، حالت الظروف والإمكانيات دون ذلك. إلى أين سيتوجّهون؟ وكيف سيتمكنون من نقل المرضى والمسنّين؟».
أمّا في العلاقة مع حركة «حماس»، فأشار بدر إلى أنّ نيافة البطريرك لرعية اللاتين سابقًا ميشال صبّاح كان قد لعب دورًا مهمًّا في محاولة توحيد الصفّ الفلسطيني، لا سيما بين حركتي «حماس» و«فتح». وقد التقى أكثر من مرّة في غزّة زعيم ومؤسّس «حماس» الشيخ أحمد ياسين الذي اغتيل من قبل إسرائيل عام 2004، لتعزيز التقارب بين الغزّاويين من مسلمين ومسيحيّين.
كما أن الأب مانويل مسلّم (راعي كنيسة اللاتين في غزّة سابقًا) قد خدم لمدّة 20 عامًا ونسج وفق تحديد وتشديد الأب بدر «علاقات إنسانيّة» مع حماس. تجدر الإشارة إلى أن مسلّم (85 عامًا)، قد دعا قبل أسبوع في رسالة مصوّرة، الفلسطينيين في غزة «للصمود على كل شبر من الأرض»، قائلًا إن «قصفوا منازلكم فاحذروا أن يقصفوا إرادتكم وشجاعتكم. إن رحل بيتكم بالهدم فلا ترحلوا أنتم، اليوم يوم التحرير وقهر الغزاة». أضاف: «إن رحلت أنت فعودتك ستكون شبه مستحيلة... إن حيينا أو متنا فللرب والقدس وفلسطين وشعبنا نموت أو نحيا».
في المقابل، تشير مصادر كنسية أخرى إلى أن «تقلّص الحضور المسيحي في غزّة تتحمّل «حماس» مسؤوليته أيضًا، فالحركة التي سيطرت على القطاع قد أرست حكمًا إسلاميًّا، وتعرّض المسيحيون في بعض الأوقات لمضايقات، خصوصًا مع ظهور بعض الجماعات السلفية داخل القطاع، واستهدافها مؤسسات مسيحية بالحرق أو التفجير عامي 2007 و2009. كما عانوا من تهميش وتمييز في توزيع فرص العمل بشكل عادل. فالضغط النفسي والواقع الإقتصادي والعدوان الإسرائيلي ساهمت في هجرة المسيحيين». أما في الضفة الغربية، فيقول المصدر إنّ «واقعهم أحسن حالًا، ولم يعانوا مضايقات أو تعدّيات كثيرة، لا سيما أن «فتح» كانت تضمّ قيادات مسيحية سياسية وعسكرية، ما عكس تعايشًا أفضل بين مكوّنات الشعب الفلسطيني في الضفّة».
لم يتفاجأ متروبوليت صور وصيدا ومرجعيون وراشيا الوادي وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس كفوري، من الإجرام الإسرائيلي بحق المدنيين واستهداف الكنائس والمدارس والمستشفيات والأماكن العامّة. واعتبر أن دماء المسيحيين امتزجت مع إخوانهم المسلمين. فتعانق مصيرهم وتوحّدت معاناتهم. وشدّد على أن «دعوة المسيحيين هي الشهادة للحقّ والتضحية في سبيل أوطانهم مهما كانت الظروف والأثمان».
ورأى كفوري الذي يتابع معاناة الغزّاويين المحاصرين تحت القصف والنيران، من خلال أبرشية عمان (الأردن)، أن «الصهاينة» (لن نقول اليهود)، لديهم عقدة تاريخية تجاه المسيحيين تحديدًا، فيبغضونهم عقائديًّا ودينيًّا، لذلك لا نستبعد قصفهم الكنائس ودور العبادة، فمن صلب المسيح لن يتوانى عن فعل أي شيء آخر». ولفت إلى أن تهديم غزّة هو تدمير لإرث مسيحيّ متجذّر في تاريخ الكنيسة. فخرج منها العديد من آباء الكنيسة في الأزمة المسيحية الأولى، كبرفيريوس ودوروثيوس وسيلفانوس وغيرهم. حتّى أن رسول الأمم القديس بولس قد زارها، وبشّر فيها تلميذه فيلبّس».
في الخلاصة، يتخوّف المسيحيون من أن يؤدّي العدوان على غزة، إلى استئصال آخر حضور لهم في القطاع. فالمسار التاريخي للصراع الإسرائيلي–العربي / الإسرائيلي–الفلسطيني / الإسرائيلي-الحمساوي، أرخى بظلاله ونتائجه المأسوية على الفلسطينيين عمومًا والمسيحيين خصوصًا، فبعد كل حرب كانت أعدادهم تتراجع وانتشارهم يتقلّص.
من يرحل لا يعود، ومن يعود ينتظر فرصة الخروج مجدّدًا. لا أرضية ثابتة للبقاء والإستقرار ما دام أن القضية الفلسطينية لم تُحلّ، ولم يُعط الشعب الفلسطيني حقّه بإقامة دولته وتطبيق مقررّات قمّة بيروت العربية للسلام (2002).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.