من أسرة إقطاعية متحفظة من فلاحين الدلتا، إلى ساحات الغناء والسينما، والتربع على عرش الشاشة الفضية بأعمال لمست الأسرة المصرية عن قرب. صوت لطالما كان فريدًا من نوعه بقدر تميز الموهبة التي حملته من بلدتها الصغيرة إلى بلاط الشهرة والنجاح، وتجربة الخروج عن المألوف في ثنايا مجتمع ريفي صغير يرفض أن تكون له جذور فنية. إنها الراحلة هدى سلطان، أو بالأحرى بهيجة حبس عبد العال الحو، الشقيقة الثانية بعد هند علام للممثل والمطرب والملحن الراحل محمد فوزي. نشأتها: ولدت هدى سلطان في إحدى قرى مركز "قطور" بمحافظة الغربية، في الخامس عشر من أغسطس عام 1925، لعائلة إقطاعية متحفظة، والتي رفضت أن تعترف بابنها محمد فوزي إلا بعد أن حقق شهرة ونجاحًا واسعًا، هذا الأمر الذي ساند شقيقته في أن تنضم إليه ولكن بشروط نابعة من ثقافته وثقافة عائلته. تزوج والدها حوالي 3 مرات، وأنجب 25 طفلًا، إلا أنها هي ومحمد وهند أشقاء من نفس الأم والأب، وتمكنت من حفظ القرءان كاملًا وهي صغيرة. وأشيع أن أخيها محمد فوزي هددها بالقتل، وهو ما نفته في أحد لقاءاتها، قائلة أن محمد أخيها الأكبر وأنه مثل أي رجل من الأرياف كان يخاف عليها كثيرًا، ولكنه فتح لها العنان بعد التأكد من موهبتها، وأنتج لها أفلامًا ولحن لها أغنيات من أنجح أغانيها. حياتها الفنية وانطلاقتها: كان فيلم "ست الحسن" إنتاج عام 1950، الانطلاقة والميلاد الفني للنجمة القادمة هدى سلطان، لتتوالى بعدها الأعمال السينمائية ومنها إلى المسرح والتلفزيون تباعًا لتقدم رصيدًا كبيرًا من الأعمال الناجحة، تتخللها أشهر وأجمل ما قدمت من أغنيات. شكلت مع الفنان الراحل فريد شوقي "وحش الشاشة"، ثنائيًا فنيًا رائعًا لاقى استحسان الغالبية العظمى من الجمهور، وقدما ما يقرب من أكثر من عشرين فيلمًا متميزًا في السينما المصرية. كان وقوفها على خشبة المسرح ليس بالأمر الهيِن، فقدمت الكثير من المسرحيات الناجحة والتي ساهمت في ثراء المسرح المصري في هذا الوقت، وأثقلت من موهبتها التمثيلية ولاسيما غنائها العذب، ومن ثم برعت في مرحلة عمرية معينة في تقديم الدراما التلفزيونية التي ما زالت تراود ذاكرة المصريين لما تحويه من تفاصيل تشابه الأوراق التي تحمل حكايات الزمن للأسرة المصرية. أعمالها: قدمت للسينما ما يقرب من 70 فيلمًا، أهمها: "عودة الابن الضال، حكايات الغريب، الوداع بونابرت، السيرك، امرأة في الطريق، السكرية، شئ في صدري، بيت الطاعة، جعلوني مجرمًا، الأسطى حسن، ست الحسن، حميدو، اسكندرية كمان وكمان، رصيف نمرة 5، من نظرة عين، أسياد وعبيد". أما في المسرح فقدمت عدد كبير من المسرحيات منها:"8 ستات، الحرافيش، دقة قلب، كان زمان، ظل رجل، وغيرها، كما شاركت في أوبريت القدس حترجع لنا بشخصها في عام 2000". وفي الدراما التفلزيونية، على الشاشة الفضية التي تخترق جدران وعقول المشاهد بما تعرضه، فقد قدمت هدى سلطان من أهم ما قدمته في مسيرتها الفنية ومن هذه الأعمال:"علي الزيبق، زينب والعرش، حد السكين، حتى لا يختنق الحب، الليل وآخره، زيزينيا، هارون الرشيد، أرابيسك، قصر الشوق، الوتد، سلالة عابد المنشاوي، وغيرها الكثير مع كبار النجوم". زيجاتها: كانت أولى زيجاتها من محمد نجيب وهي ابنة 14 عامًا، التي أنجبت منه ابنتها الكبرى نبيلة، والتي سرعان ما انتهت بسبب الغيرة من الشهرة والنجاح التي حققته، وتبعتها بزيجتها من المنتج والموزع السينمائي فؤاد الجزايرلي، التي كللت بالفشل أيضًا ولنفس الأسباب. لتتزوج بعدها من فؤاد الأطرش الشقيق الأكبر للراحلين أسمهان وفريد الأطرش، لتنتهي كذلك وتتزوج من "الملك" فريد شوقي في عام 1951، وأنجبت منه ابنتيها ناهد ومها واستمرت هذه الزيجة طوال 15 عامًا، والتي أسفرت عن شراكة فنية مهمة في مسيرتيهما، وانتهت بشكل ودي في عام 1969، وتزوجت بعده من المخرج المسرحي الكبير حسن عبد السلام، وأشيع وقتها أن فريد شوقي كان يطوف حول البيت في ليلة زفافها ويبكي. ارتداءها الحجاب واعتزالها الغناء: في إحدى المرات بعد أن عادت من العمرة، قررت أن ترتدي الحجاب، وصرحت في أحد اللقاءات بأنها شعرت وكأنها عارية بدون غطاء الرأس أثناء سيرها في الشارع وهي تعلم أنه فرض. وكانت قد قررت اعتزال الغناء قبلها ب 30 عامًا ولكنها عادت لتشارك في "أوبريت القدس حترجع لنا" في عام 2000، عقب الحادث الشهير لاستشهاد الطفل محمد الدرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفاتها: توفيت هدى سلطان متأثرة بمرض سرطان الرئة طوال أربعة أشهر، في يوم الاثنين ال5 من يونيو عام 2006، بمستشفى دار الفؤاد في مصر، عن عمر يناهز 81 عامًا، وذلك عقب وفاة ابنتها مها فريد شوقي بحوالي 50 يومًا.