أخطر تحقيق من الفيوم فشلت محاولات إنقاذ بحيرة قارون من التلوث والتعديات على مدى السنوات الماضية، وبعد أن كان إنتاجها من السمك يصل إلى نحو 180 ألف طن سنوياً أصبحت مكاناً يقتل الذريعة التى يتم وضعها بمعرفة هيئة الثروة السمكية، لكن زيارة الرئيس السيسى الأخيرة للمحافظة كانت بمثابة نهاية لمسلسل الفشل. تزكم الرائحة الكريهة أنوف المارة على كورنيش بحيرة قارون التى تلونت مياهها بلون الصرف الصحى، رغم وجود 5 جهات من المفترض أنها تتابعها وتديرها بالإضافة لوادى الريان، وتتمثل فى هيئة الثروة السمكية بوزارة الزراعة، ومعهد علوم البحار والمصايد، وديوان محافظة الفيوم، وشرطة المسطحات المائية، ووزارة البيئة. ولم تجد الأبحاث والجلسات والمؤتمرات العلمية والنقاشية لإعادة البحيرة للحياة، بعد امتلاء قاعها بطبقة سميكة من مياه الصرف الصحى، الناتجة عن صرف عشرات القرى المطلة بمركز ابشواى، ويوسف الصديق، وهو ما أغرق مساحات خضراء محيطة بالبحيرة التى يبلغ مساحتها 50 ألف فدان تقريباً. وتأزمت المشكلة بعد إهدار المال العام على مشروعات فشلت لتخفيف الملوحة وتطهير البحيرة، وهو ما تطلب محاسبة من قاموا بإنفاقها، كما أكد أهالى قرية شكشوك السياحية، المعروفة بمطاعم الصيد. أكد عبدالله محمود، أحد الصيادين، أن الصيد بالبحيرة انتهى منذ سنوات، ووصل الأمر إلى أننا نتوجه للصيد بالترع المجاورة، وأغلب صيادى قارون وشكشوك ومركز ابشواى نزحوا إلى بحيرة ناصر بأسوان. وأضاف كنا نلتقى بمسئولين يؤكدون أنه يجرى صيانة البحيرة وتطهيرها، وأنه تم صرف مبالغ وصلت إلى 600 مليون جنيه لهذا الغرض، ولكن لم نر أى تحسن أو تغيير. وأضاف محمد مفرح، صياد سابق ويعمل حاليا بأحد مصانع منطقة كوم أوشيم، أن جميع صيادى قرى كحك وشكشوك وقوته وقارون ومشرك والنزلة وقرى وادى الريان ومركز ابشواى، اتجهوا إلى بحيرة وادى الريان التى يتم إغلاقها فى موسم الصيف بالكامل، وهو ما اضطر بعضهم للسفر وترك المهنة التى تفتح منازل أكثر من 70 ألف مواطن. فيما أكد أحمد عبدالعال، مدير عام الآثار السابق بالفيوم، أن بحيرة قارون لا تنتج حاليا 5% من الكمية التى كانت تنتجها فى الماضى، مشيراً إلى أن إنتاجها كان يتجاوز 11 طناً يومياً من البلطى والبورى والقاروص وقشر البياض وسمك موسى البركاوى المميز، وحاليا لا يتعدى إنتاجها 400 كيلو يوميا، وأثر ذلك على الجانب السياحى بالمحافظة فقد أصبحت الفنادق والمطاعم على سواحل البحيرة تعانى غياب الزائرين. كانت وزارة الزراعة قد أعلنت فى وقت سابق أنها خصصت 10 ملايين جنيه بصفة مبدئية لتطهير بحيرة قارون، وتم عمل ممرات لحجز رواسب الصرف الصحى، وأيضاً حواجز، وفى النهاية باء المشروع بالفشل وانتصر التلوث. وأكد أحد مسئولى هيئة الثروة السمكية، أن اللواء عصام سعد، محافظ الفيوم السابق، حاول استعادة البحيرة وعقد لجنة بقيادة الدكتورة منى محرز، نائب وزير الزراعة، وتم ضخ 50 مليون جنيه شملت صناعة أحواض تقوم بتطهير مياه الترع والمصارف التى تتجه نهايتها للبحيرة، بالقرب من منطقة كوم أوشيم الصناعية، ومدخل قرية ابشواى السياحية، كما تم التعاقد بأموال طائلة مع شركات كبرى لإنشاء محطات رفع وتطهير مياه الصرف المتجه للبحيرة، وتبين أن 74 قرية تقريباً ليس بها صرف صحى وتقوم بالصرف فى البحيرة. ورغم ذلك استمرت عمليات التطوير، ووضعت وزارة الزراعة من خلال هيئة الثروة السمكية 10 ملايين ذريعة جمبرى، و2 مليون ذريعة بلطى وبورى، مع إغلاق البحيرة أمام الصيادين، لكن الإنتاج لم يظهر واختفت الذريعة، نتيجة ارتفاع نسبة الملوحة بالمياه، وأيضاً مياه الصرف الصحى القادمة من قرى مركز يوسف الصديق. وقامت مديرية الرى والزراعة بالتعاون مع جامعة الفيوم، بوضع خطة للتطهير بمشاركة وزارة البيئة، بغرض تفعيل منحة الاتحاد الأوروبى لتطهير بحيرة قارون، والتى تصل لقرابة 600 مليون جنيه، ذهبت هباءً. وتمكن الدكتور جمال سامى، محافظ الفيوم السابق، من إجراء دراسة لمياه البحيرة، وسعى لجلب مراكز ومعامل تحاليل كبرى تابعة لكبرى مراكز البحوث العلمية، والشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، ثم تم ضخ قرابة 44 مليون جنيه لتقليل نسبة «الأمونيا» و«الأملاح» التى تقتل الثروة السمكية، مع القيام بأعمال تكريك، ووضع أحواض ذريعة وفلاتر ضمن مرحلة أولى سعتها 100 متر لكل حوض، وفشل الإنتاج فى العام الماضى، بسبب ارتفاع نسبة الأمونيا. وجاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى الأخيرة للفيوم وحديثه عن بحيرة قارون وسؤاله عن المنحة الأوروبية ليحسم الجدل، وإعلاناً لتوقف مسلسل فشل تطوير وتطهير بحيرة قارون، معلناً الاستفادة منها وعدم سماحه باستمرار تلك الخسارة، على أن تنتهى مشاريع الصرف الصحى للقرى المطلة على بحيرة قارون فوراً، ويتم عمل الأوراق والخرائط الخاصة بالتطوير، وحماية البحيرة من التلوث، وعودة الاستثمار السمكى بها. فيما أكد الدكتور سيد إسماعيل، نائب وزير الإسكان الذى زار الفيوم الأسبوع الماضى، أن هناك تفعيلاً وعملاً جاد لإنقاذ بحيرة قارون وعودتها للإنتاج، وذلك من خلال توصيل الصرف الصحى لحوالى 111 قرية قريبة منها، وإنشاء 25 محطة صرف صحى ومعالجة خاصة بمركزى ابشواى ويوسف الصديق، على أن يتم العمل خلال أيام، مع توفير 9 مليارات جنيه لهذا الغرض. وكشف الدكتور أحمد الأنصارى، محافظ الفيوم، أنه سوف يتم انتهاء معظم المشروع خلال عام واحد.