أكد المدير العام للأرشيف الوطني، الهادي جلاب، إستعداد المؤسسة لقبول أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة، والجاهزية البشرية واللوجيستية والتقنية لاستقباله ومعالجته وحفظه، وفق المنظومة القانونية المنظمة لعمل مؤسسة الأرشيف الوطني. وأضاف جلاب خلال جلسة استماع له عقدتها بمقر مجلس نواب الشعب بباردو، لجنة شهداء الثورة وجرحاها وتنفيذ قانون العفو العام والعدالة الإنتقالية، حول مدى قدرة المؤسسة على استيعاب أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة، أن "التصرف في رصيد الهيئة سيتم طبقا لثلاثة قوانين أساسية وهي قانون الأرشيف الوطني وقانون النفاذ إلى المعلومة وقانون حماية المعطيات الشخصية، وذلك حفاظا على مصالح كل من تقدموا بشهادات شفاهية خلال جلسات الإستماع أو عن طريق الوسائل السمعية والبصرية أو من خلال الوثائق التي جمعتها الهيئة واعتمدتها في مسار العدالة الإنتقالية. وبخصوص بعض احترازات رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين، حول "عدم تطابق التطبيقات التي استخدمتها الهيئة وتلك المتوفرة لدى مؤسسة الأرشيف الوطني"، بيّن الهادي جلاب أن المسألة تقنية وبسيطة جدا، نافيا أن تكون بن سدرين راسلت مؤسسته في الغرض. وأكد في سياق متصل "العمل منذ سنوات على تطوير برمجية وطنية للتصرف في الأرشيف الوطني ومعالجته ورقمنته". وفي رده على استفسارات أعضاء اللجنة والتي تمحورت بالخصوص حول توفر أرشيفات وزارات الداخلية والدفاع والعدل، وكيفية التعامل مع المعطيات الشخصية الواردة في شهادات جلسات الإستماع التي عقدتها هيئة الحقيقية والكرامة وخصوصية أرشيف الهيئة، ذكر مدير عام الأرشيف الوطني أنه تم تمكين هذه الهيئة من كافة الوثائق التي طلبتها من أرشيف وزارتي الداخلية والعدل والمتوفرة لدى المؤسسة، ملاحظا أن "وزارة الدفاع لم ترحّل إلى اليوم أيّة وثائق للأرشيف، رغم أنها تتعامل مع المؤسسة". وقال بخصوص برنامج مؤسسة الأرشيف الوطني للتصرف في أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة، "إن العمل سيكون في إطار احترام القانون المنظم للأرشيف والذي ينص على إتاحة الإطلاع على الوثائق العامة العادية بعد 30 سنة من تاريخ غلق الملف و60 سنة للوثائق المتضمنة معطيات أمنية أو شخصية و100 سنة من تاريخ ميلاد الشخص إذا تعلق الملف بمعطيات خاصة أو طبية"، مشيرا إلى أنه "لا يمكن النفاذ إلى وثائق جلسات الإستماع لضحايا الإنتهاكات، إلا في حالة وحيدة وهي موافقة المعني وذلك احتراما لقانون حماية المعطيات الشخصية". ولاحظ جلاب في إشارة إلى أعمال البحث العلمي، أنه يمكن لمؤسسة الأرشيف الوطني أن "تقدّر إمكانية منح ترخيص استثنائي للإطلاع على معطيات خاصة، شرط عدم استخدامها بما يسيء لصاحبه أو يعرضه للمخاطر"، مؤكدا الحاجة إلى "إيجاد موازنة بين ضرورة حماية المعطيات الشخصية وحق النفاذ إلى المعلومة، في إطار دفع البحث العلمي والتشجيع على معرفة الحقائق، لتجنيب البلاد العودة إلى حقب الإستبداد والظلم". كما أفاد مدير عام الأرشيف الوطني بأن هذه المؤسسة استعدت لمتطلبات العدالة الإنتقالية منذ 2011، وذلك من خلال جمع أرشيفات الهياكل التي تم حلها والهيئات التي أحدثت بعد الثورة، مشيرا إلى أنه تم خلال السنتين الأخيرتين، جمع أكثر من 1500 فيديو حول أحداث الثورة في المدن والقرى التونسية ومعالجتها في إطار الإعداد لمعرض كبير سيتم افتتاحه في 17 ديسمبر 2018. ولاحظ أن مؤسسة الأرشيف الوطني ساهمت بفاعلية في مساعدة هيئة الحقيقة والكرامة على حل الإشكال الذي جد بينها وبين مصالح رئاسة الحكومة في بداية 2015، وذلك بالتعهد بجرد هذا الأرشيف على مدى ثمانية أشهر ومد الهيئة بكراسات الجرد، فضلا عن مدها بكافة الوثائق التي طلبتها والمتوفرة لدى المؤسسة، لافتا إلى التفكير في إمكانية تخصيص إدارة صلب مؤسسة الأرشيف الوطني، للتصرف في أرشيف هيئة الحقيقة والكرامة ومعالجته وحفظه وذلك بالنظر إلى خصوصيته. وعلى صعيد آخر قدّم جلاب مجموعة من المعطيات حول الإمكانيات الإدارية والبشرية والتقنية المتوفرة بالأرشيف الوطني، ومن أهمها التوصل إلى رقمنة أكثر من 850 ألف وثيقة، في انتظار بلوغ مليون وثيقة خلال الأشهر المتبقية من 2018، مشيرا بخصوص طاقة الحفظ صلب المؤسسة، إلى أنها في حدود 48 مخزنا قادرة على استيعاب 52 كلم خطي من الوثائق أي ما يعادل 5 ملايين و200 ألف حافظة أرشيف، منها أقل من 20 كلم خطي مستغلة وهو ما يعني القدرة على حفظ 3 ملايين و200 ألف حافظة أرشيف أخرى. وكانت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين قالت في ندوة صحفية يوم 25 ماي المنقضي، حول مآل أرشيف الهيئة، "إن مدير مؤسسة الأرشيف الوطني لم يوجه لهيئتها أية مراسلة يطالب فيها بتسلّم أرشيف الهيئة وإن رئاسة الحكومة هي التي أثارت في مراسلتها الأخيرة لهيئة الحقيقة والكرامة، نقطة تتعلق بسياسة الهيئة بخصوص أرشيفها". وذكرت أن غالبية الأرشيف هو "أرشيف رقمي" وأن وفدا من الهيئة سيتحول إلى مؤسسة الأرشيف الوطني للنظر في مسألة "التطابق بين المنظومات المعلوماتية للمؤسستين"، ولاحظت أن التسجيلات الخاصة بضحايا الإنتهاكات، تمثل "إشكالا" نظرا لوجود اتفاق سابق ومكتوب بين الهيئة والضحايا الذين يرفض بعضهم تسليم تسجيلاتهم إلى الأرشيف الوطني وهناك وثائق وتعهدات ممضاة في الغرض بين الطرفين. وأضافت أنها ستتصل بالجمعيات الممثلة لهؤلاء الضحايا لبحث هذه المسألة معهم. يذكر أن الحكومة كانت طلبت يوم 23 ماي 2018، من هيئة الحقيقة والكرامة، تسليم أرشيفها إلى مؤسسة الأرشيف الوطني، وفق ما ينص عليه الفصل 68 من قانون العدالة الإنتقالية وتسليم تقريريها الإداري والمالي إلى الرئاسات الثلاث في31 ماي 2018، والذي يعتبر نهاية مدة الأربع سنوات المخصصة لعمل هذه الهيئة.