بينما يعيش الملايين من السوريين تحت وطأة الحرب، هناك آخرون يتجرعون العذاب خوفًا على آهاليهم من داخل مصر، فبرغم السلام والأمان الذى ينعمون به على أرض المحروسة، إلى أن هناك الآلاف من الأميال التي تفصلهم عن أقربائهم الذين استيقذوا في صباح أول أمس السبت على ضربة عسكرية ثلاثية اشتركت فيها كلاً من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وجهت للأراضي السورية ردًا على الهجوم الكيماوي "المزعوم" على بلدة دوما، ليزداد ذعرهم وحزنهم على بلدتهم التي لا يهدأ فيها أصوات الصواريخ وطلقات الأسلحة، وتملىء الحيرة قلوبهم عن ما سينتظر سوريا الجريحة. وسط أصوات الزبائن والانصات لمطالبهم فوجىء مهند المقداد، مدير أحد المطاعم بمنطقة الدقي، بأنباء الضربة العسكرية عقب عشر ساعات من تدشنها، معللاً بأنه لا يهتم بالأخبار ولا يفضل سماعها، لما تحمله من أوجاع عن بلده، لاسيما رؤية أطفال سوريا الذين يقتلون بدون وجه حق، وهو مكتف الأيدي "عرفت عن الضربة من الفيس بوك.. لأن ما بفتح أخبار في المطعم مابدي شىء يعكر مزاجي أكتر مما وصلنا إليه.. هادي لقمة عشنا اللي تركنا بلادنا وحياتنا ولا نملك إلا التركيز فيها.. السياسة لعبة وكلٍ يغني على ليلاه". خمس سنوات يعيش الشاب الثلاثيني بمصر، عقب أن ترك "حماة" بلدته التي تبعد عن القواعد والمقرات العسكرية في دمشق المستهدفة من قبل العدوان الثلاثي، المئات من الأمتار، ولكن بعد المسافة عن الأحداث لم تمنعه من الاطمئنان على أهله، وقضاء طيلة الوقت بقلق وحيرة، بالرغم أنه يرى أن هذه الضربة "مفبركة" وتهدف لمآرب أخرى غير الذي ظهرت عليها "هذه العملية تمت في أماكن بعيدة عن المعمار والأهالي.. وله هدف معين حاولت هذه الدول ايصاله".
"ما حدا يقبل بلده تضرب، مهما كان بها من ظلم"، عبارة قالها مروان فؤاد، صاحب أحد المطاعم بمحافظة الجيزة، معبرًا عن رفضه للضربة العسكرية حتى وأن كانت بعيدة عن المواطنين، مشيرًا إلى أن سوريا ليست بحاجة لدمار أكثر مما هي عليه، فبنيتها التحتية تدمرت، وعقب هذه العملية انتهت، وصارت أحلامنا بالرجوع إلى بلادنا شبه مستحيلة في الوقت الراهن "دمروا البلد حتى والدتي كنت أريد أزورها لأطمئن عليها بعد اللي صار اختلطت الأمور علينا". شرد الرجل الخمسيني للحظات ثم لانت ملامحه وظهرت على شفتيه ظلال ابتسامة شاحبة "كنت فاكر أن لما أجيب أبنائي هون بمصر راح أخفف أوجاعهم.. لكن الحقيقة أن الحرب والدمار أصبحو جزء من حياتنا.. فوالدي ضلو ليلة كاملة بدون نوم.. وكأن كتب علينا العذاب وين ما نكون.. حتى نحن الكبار ضلينا سهرانين بالمطعم نحاول نتابع الأخبار من التليفزيون ومواقع الانترنت"، مؤكدًا أن حال العراق أهون بكثير من حالهم وأنهم حتى لم ينعموا بما وصلت إليه بغداد"نحن نعيش أبشع من العراق الأن". وبصوت مختنق، وفكر عالق بين أهله الذين تركهم منذ بداية الحرب، يروي محمد فواز، عامل بأحد المطاعم، لحظات استقباله للضربة العكسرية التي ألمت ببلاده "أنا هون وأهلي في دمشق.. قلبي منفطر عليهم.. نفسي أكون معاهم دلوقتي". قطع الشاب العشريني المسافة إلى القاهرة ليحاول العيش بسلام والعمل مثل غيره بنفس عمره لسد احتياجاته، لتبقى متابعته لما يدور داخل سوريا عبر شاشة تلفاز لا تبعث حزنه على ما يفعل بها ولا تطمئن قلبه على أقربائه. رغم مرارة ما يعانوا منه على مدار 7 أعوام من الحرب التي تأكل الأخضر واليابس بسوريا ورفضهم الشديد لما يفعله الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، إلى أن الشاب يرفض التدخل الدولي بدولته، ويذهب فكره لشيء آخر: "أنا فرحت بالضربة عشان هي أثبتت قوة سوريا ضد التدخل الخارجي.. ما يشغلني الأسد.. بشار صدام سوريا". وتأتي الضربة العسكرية على سوريا ك"سهم" نافذ في صدر حازم عمار، مدير مطعم سوري، ليزداد عمق جرحه عن سوريا التي تبدل حالها منذ أن تركها قبل ستة أعوام، فأنباء فقدان الأهل تتوالي عليه فرد بعد الآخر: "شلو ضربة.. سوريا كل يوم بتنزف دم وما حدا بيحس بيها زينا". ويضيف الشاب الثلاثيني أنه يتألم لسماعه أن دولته تضرب من داخل مصر مثلما علم كل شعوب العالم، دون الاطمئنان على عائلته عن قرب "راسي مخربه من البارحة.. ما بعرف شي وما أدرى اعمل شي.. غير اني بدعى لبلدي الحبيبة". ليشرد الشاب ويتذكر لحظات طفولته وشبابه في مدينة دمشق ويحاول يوصف بكلماته كم كانت جميلة قبل أن يتبدل حالها "بدى أرجع يوم واحد هناك"، لتتكون أمام أنظاره رفض النظام الحل السلمي للأزمة السورية "الضربة ما هتوقع بشار.. الأسد بيقوي أكثر وما في غير الشعب الخسران".