محافظ القليوبية يتفقد لجان بنها في ثاني أيام انتخابات مجلس النواب    ظهر اليوم.. هدوء بلجان القصر العيني ووسط البلد وتسهيلات لذوي الاحتياجات الخاصة    انسيابية عالية وإقبال كثيف.. الشباب والمرأة يتصدرون المشهد في القليوبية | فيديو    توقيع بروتوكولات تعاون بين مصر وإيطاليا لإنشاء 89 مدرسة تكنولوجيا تطبيقية    صعد أكثر من 100 جنيه.. قفزة جديدة في أسعار الذهب بالسوق المحلية    رئيس الوزراء: مصر تضع التعليم الفني والتكنولوجي في صدارة أولوياتها    وزير الاتصالات يبحث التعاون الرقمي مع وزير التنمية الرقمية الأذربيجاني    مدبولي: نستثمر في الإنسان قبل البنية التحتية.. وهذه هي معادلة التنمية الحقيقية    الاحتلال ينفذ عمليات نسف للمباني في غزة مع قصف مدفعي شرق خان يونس    الصين: أجواء المكالمة الهاتفية بين شي وترامب كانت "إيجابية وودية وبناءة"    السياحة الرياضية في مصر.. رؤية صنعت البنية وقطفت الثمار    الموضوع انتهى.. خالد الغندور يكشف تفاصيل مشادة تريزيجيه وبن شرقي    وصول رمضان صبحي لحضور ثالث جلسات محاكمته في قضية التزوير    ضبط كيان تعليمي بدون ترخيص للنصب والاحتيال على المواطنين بالدقي    ضبط عامل وسيدة وزعا بطاقات ومبالغ مالية مقابل التصويت بالانتخابات    تدابير أمنية مكثفة بمحيط المحكمة العسكرية بلبنان تزامنا مع أولى جلسات محاكمة فضل شاكر    وكيل الصحة بالقليوبية يشهد إجراءات استلام مستشفى طوخ المركزي الجديد    استقبال 2245 حالة بعيادات طب الأسنان بجامعة بني سويف خلال الشهر الجاري    عبداللطيف: نعتز بالعلاقات المصرية الإيطالية الراسخة بمجال التعليم الفني والتي امتدت لعقود    القبض على المتهم بإنهاء حياة والدته بعد دفعها من الطابق الثاني أمام مجمع الهيئات ببورسعيد    الهيئة الوطنية تعلن انتظام التصويت فى اليوم الأخير من المرحلة الثانية لانتخابات النواب    محاكمة فضل شاكر أمام المحكمة العسكرية اليوم    الافتاء توضح حكم الامتناع عن المشاركة في الانتخابات    المستشار أحمد بنداري يُدلي بصوته في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    غرفة عمليات التنسيقية: إقبال جماهيرى مكثف على مدرسة التونسى الابتدائية بالقاهرة    ارتفاع مؤشرات البورصة المصرية بمستهل تعاملات جلسة منتصف الأسبوع    الدحيل ضد الاتحاد.. عملاق السعودية يتلقى أسوأ هزيمة منذ 2019    باسل رحمي: نعمل على مساعدة المشروعات المتوسطة والصغيرة الصناعية على زيادة الإنتاجية والتصدير    التمثيل التجاري: 17.378 مليار دولار أمريكي حجم التجارة بين مصر والصين    «كارتل الشمس».. أداة اتهام لتبرير عقوبات أمريكا على فنزويلا    رومانيا تنشر طائرات مقاتلة بعد اختراق مسيرتين مجالها الجوي    إطلاق قافلة زاد العزة ال80 مُحملة ب 12 ألف طن مساعدات غذائية إلى غزة    مصرع سيدة كل 10 دقائق، تقرير أممى: 83 ألف امرأة قتلن عمدا العام الماضي    سعر الريال القطرى اليوم الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 فى بداية التعاملات    وزيرة التضامن توجه فريق التدخل السريع بالتعامل مع حالات كبار بلا مأوى    تشكيل الهلال المتوقع أمام الشرطة في دوري أبطال آسيا    شريف إكرامى يؤازر رمضان صبحى فى جلسة محاكمته بتهمة التزوير    شوبير: جلسة منتظرة بين الأهلى وديانج لحسم ملف التجديد    وزير الصحة يلتقي وفد اتحاد الغرف التركية لبحث التعاون الصحي والاستثمار المشترك    الزراعة تطلق حملة لمواجهة مقاومة المضادات الحيوية في الثروة الحيوانية    «الصحة»: تقديم 21.9 ألف خدمة في طب نفس المسنين خلال 2025    تأجيل محكمة المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته الى أشلاء فى الإسماعيلية    وكيلهما: الجزار كان قريبا من الأهلي.. وتوروب لم يطلب رحيل أحمد رضا    انطلاقة قوية للتصويت بشبرا الخيمة.. تنظيم محكم وحضور لافت من المواطنين    محامي المجنى عليهم في واقعة مدرسة سيدز الدولية: النيابة أكدت تطابق اعترافات المتهمين مع أقوال الأطفال    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25-11-2025 في محافظة قنا    الآثاريون العرب يدعون لتحرك عاجل لحماية تراث غزة وتوثيق الأضرار الميدانية    معرض مونيريه بالاكاديمية المصرية للفنون بروما | صور    عزيز الشافعي يخطف الأنظار بلحن استثنائي في "ماليش غيرك"... والجمهور يشيد بأداء رامي جمال وروعة كلمات تامر حسين وتوزيع أمين نبيل    دعاء وبركة | أدعية ما قبل النوم    أميرة أبو زهرة تعزف مع لانج لانج والأوركسترا الملكي البريطاني في مهرجان صدى الأهرامات    محافظ قنا يعلن رفع درجة الاستعداد القصوى لمواجهة حالة عدم الاستقرار الجوي    10 حقائق مذهلة عن ثوران بركان هايلي غوبي.. البركان الذي استيقظ بعد 10 آلاف عام    أحمديات: تعليمات جديدة لدخول السينما والمسارح والملاعب    أول تعليق من رئيس الاتحاد السكندري بعد أحداث نهائي المرتبط    هل يجوز للزوج الانتفاع بمال زوجته؟.. أمين الفتوى يجيب    وزارة الأوقاف الفلسطينية تُشيد ببرنامج "دولة التلاوة"    بث مباشر.. مانشستر يونايتد ضد إيفرتون في الدوري الإنجليزي 2025/2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة المكان ومعاني "النوستالجيا" تتجلى في قصة فندق قاهري عريق
نشر في الفجر يوم 05 - 03 - 2018

لعل ثقافة المكان بمعانيها المتعددة والتي تتضمن الحنين للماضي او "النوستالجيا" تتجلى الآن في الجدل الذي تزامن مع بدء هدم فندق عريق في قلب القاهرة ضمن عملية شاملة لاعادة بنائه والحفاظ على الأرواح بعد ان صنف رسميا كمبنى آيل للسقوط .
ورغم ان هذا الفندق كان يبدو غريبا بصمته وسكونه على مدى سنوات ترجع لبدايات ثمانينيات القرن العشرين عندما بدا خاويا على عروشه وآيلا للسقوط في قلب القاهرة النابض بالحياة والصخب فان خبر "هدم الكونتيننتال القديم" اثار فورا تعليقات وحكايات سواء في الشارع او في الصحافة ووسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية وبعضها تستدعي حكايات ترجع لنهاية القرن التاسع عشر وزمنا مضى ولن يعود.
واستدعت هذه الحالة من النوستالجيا اسم الفتى البلقاني جورج ننجوفيتش الذي ولد في ليماسول بقبرص عام 1856 وشد الرحال لمصر وعمره لايزيد عن 14 عاما واذا به يتحول بالعمل في بيئة مصرية منفتحة دوما ومرحبة بكل جهد انساني فاعل الى صاحب عدة فنادق في القاهرة والأسكندرية من بينها فندق "جراند كونتيننتال" الذي أقيم قبالة حديقة الأزبكية وافتتح رسميا في العشرين من ديسمبر عام 1899.
ومع الشروع في عملية تحديث فندق الكونتيننتال بميدان الأوبرا والذي عرف في الماضي بحفلاته الموسيقية وضيوفه من الشخصيات الأجنبية المرموقة فان هناك دعوات تؤكد ضرورة الحفاظ على ملامح التراث في هذا المكان عند تجديده فيما يستهدف المشروع بالفعل تطوير الفندق مع الحفاظ على طرازه وطابعه التاريخي بما يعيد للأذهان "موقع النوستالجيا في جدل الهوية والتاريخ والحاضر".
وكان الجهاز القومي للتنسيق الحضاري قد شكل لجنة من الخبراء لمعاينة مبنى الفندق العريق وأوصت في تقرير منشور بأن تدخل فكرة الحفاظ على شكل المبنى وقيمته التاريخية في جوهر الأفكار التصميمية المقترحة لعملية التطوير وهي توصيات تتفاعل إيجابيا مع ثقافة المكان ومعاني النوستالجيا.
وهذا الحنين يتبدى أيضا في الجدل حول أسماء الشوارع التي تتجاوز بكثير مجرد المسميات لتحكي التاريخ فيما يصر بعض كبار السن على ذكر أسماء قديمة لشوارع رغم ان هذه الأسماء جرى تغييرها منذ سنوات بعيدة.
وحتى في الفضاء الالكتروني لشبكة الانترنت ستجد من يبحث بشغف عن تلك المواقع التي تغازل مشاعر الحنين للماضي بتقديم محتوى يعتمد على الذكريات او مايعرف بالزمن الجميل وكأن تكنولوجيا العصر تتحول الى خادم للماضي ليفرض سطوته اكثر على الانسان المعاصر.
ولا ريب ان "النوستالجيا" متصلة بالوجود الزمني للإنسان في العالم كما يوضح الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر الذي ولد عام 1889 وقضى في عام 1976 وصاحب الكتاب العلامة "الوجود والزمان" الذي يعد من اهم اعماله.
وهذا الوجود الزمني للإنسان في الأرض يعني انه وجود مؤقت ومحدود باطار زمني ومن ثم فهو يثير مشاعر وانفعالات شتى في النفس الإنسانية القلقة ومن بينها الحنين للماضي ولحظات وأماكن بعينها في استدعاء حميم يخفف من حدة القلق ووجع أسئلة الحاضر.
وقد تركت فلسفة هايدجر عن الوجود الزمني للإنسان آثارها الثقافية العميقة في عالم الأفكار والفلسفات وطالت مفكرين مصريين مثل الراحل العظيم عبد الرحمن بدوي الذي كانت أطروحته للدكتوراه عام 1944 بعنوان "الزمان الوجودي" بينما اصدر أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة الدكتور محمد عناني مؤخرا كتابا جديدا بعنوان مصطلحات الفلسفة الوجودية عند مارتن هايدجر..معجم ودراسة".
والطريف ان الألماني مارتن هايدجر الذي يوصف من الكثير من المثقفين ودارسي الفلسفة بأنه من "اصعب الفلاسفة واكثرهم ايغالا في التجريد ووعورة في تركيباته اللغوية" لم تخل فلسفته الوجودية من عواطف ومشاعر توميء للحنين لمراحل مضت في تاريخ الإنسانية حتى انه كان مولعا بالشعر اليوناني القديم ولوحات للفنان الهولندي الشهير فان جوخ وقد يشكل اسمه في نهاية المطاف نوعا من "النوستالجيا لبعض المثقفين الذين يشدهم الحنين لزمن الأفكار الكبيرة والفلسفات التي اثرت في الإنسانية ككل ومن بينها الفلسفة الوجودية".
اما المفكر المصري وعالم الاقتصاد الدكتور جلال امين فخطر له ان يتتبع ما يسميه "بمفهوم الحياة الحلوة" منذ طفولته فاكتشف تطورا هائلا في هذا المفهوم وقال :"مازلت أذكر جيدا درجة التواضع الذي كان يتسم به مفهوم الحياة الحلوة عند الطبقات المختلفة في الأربعينيات من القرن الماضي بمصر" فيما يوضح ان التطور في هذا المفهوم يرتبط بعوامل مثل تطور التكنولوجيا.
والحنين كما يقول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة ليس للأشخاص فقط ولكنه أيضا "للأشياء والزمن والأماكن" والماضي كثيرا "ماتؤنسنا فيه وجوه رحلت ومشاعر طافت بنا الى ابعد نقطة في هذا الكون ولهذا نشعر بالحنين الى هذا الماضي".
فهناك أشياء في حياتنا اقوى من الزمن لأنها تجسدت واخذت مكانها في القلوب كما يقول جويدة مضيفا : "اما الأماكن فهي اكثر ما يحرك مشاعر الحنين داخل الانسان" كما يحملنا الحنين للزمن والشيء المؤكد على حد قوله ان "الأزمنة لاتتساوى وبقدر ماتعطينا بقدر مانشعر بها".
والكاتب محمد سلماوي الأمين العام لاتحاد كتاب افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية ، قال إن الحنين للماضي شعور تعرفه كل الشعوب معيدا للأذهان ان لهذا الشعور مظاهر في بعض الكتابات الفرعونية داخل المقابر ، ومن هنا "فالنوستالجيا ظاهرة إنسانية تعرفها كل الشعوب في كل العصور" لكنه يناهض بشدة مسألة التطرف في الحديث عن الماضي الجميل ومحاولة البعض اسقاط فضائل على الماضي لم تكن فيه بما قد يصل لما يسميه "بتزوير التاريخ".
وهكذا فمع ان الحنين للماضي شعور انساني طبيعي فان هذا الشعور المعروف "بالنوستالجيا" قد يتحول الى فخ او شرك يرهن الانسان المعاصر في قيوده ويحول دون بناء المستقبل المأمول حتى ان الظاهرة استرعت انتباه مثقفين مثل محمد سلماوي وفاروق جويدة الذي حذر من الاسراف في الحديث عن الماضي باعتباره "الزمن الجميل" ورأى ان "لكل جيل ان يعيش زمانه".
ولما كانت المجتمعات الانسانية المعاصرة تبدو في كثير من الأحيان وفي كثير من المجالات واقعة تحت سطوة "النوستالجيا" فان مثقفين في الشرق والغرب رأوا ان هذه المسألة تشكل اشكالية ثقافية ومضى يحذر من مخاطر الشعور الجارف بالحنين للماضي او "النوستالجيا"!.
ولئن خاطب فاروق جويدة الحبيبة قائلا :"لاانكر انني في أحيان كثيرة احن الى أيامنا معا..لاانكر ان وجهك كثيرا مايصافحني وانا اتصفح كتابا او اقرأ قصيدة او اسمع اغنية من اغانينا القديمة..لاانكر انني كثيرا ماتمنيت لو عاد الزمان بنا خطوة للوراء" فقد استدرك ليقول :"ولكن من اين استعيد كل هذه المشاعر وكيف استرجع كل هذه الأيام وكل الأشياء حولنا تغيرت وانا وانت أيضا تغيرنا".
اما الكاتب الجزائري خالد عمر بن ققة فقد ذهب لما هو ابعد فتحدث عما سماه "بأكذوبة الزمن الجميل عند العرب" مستهجنا ان نتحدث كعرب دائما عن الماضي باعتباره الزمن الجميل وهي ظاهرة كما يراها طالت رجل الشارع والنخبة معا مضيفا :"نحن مشدودون للماضي اكثر من الحاضر".
وإذ يذهب بن ققة الى ان التخلص مما يسميه "بأكذوبة الزمن الجميل" يتطلب "التقليل من جرعة الماضي كمدخل لتغيير يمكننا من العيش في عصرنا وصناعة تاريخنا" فان الظاهرة على أي حال تتجاوز العالم العربي وحاضرة في ثقافات أخرى.
وهاهو الكاتب الروائي والقاص الباكستاني محسن حميد الذي اصدر روايته الجديدة "الخروج من الغرب" يحذر من مخاطر "النوستالجيا" معتبرا ان هناك حاجة "لاعمال الخيال لمستقبل اكثر اشراقا" ومن هنا فهو يسدي النصح للروائيين والحكائين على وجه العموم للنظر للآتي بأمل.
ومحسن حميد صاحب رواية "دخان العثة" والذي امسى احد نجوم الكتابة الابداعية بالانجليزية لتنصت له صحف كبرى في الغرب لايغفل عن علاقة الكائن الانساني بالزمن كعلاقة حاكمة لظواهر وجودية مثل النوستالجيا ورحلة الانسان منذ لحظة الوجود في هذا العالم وحتى لحظة الرحيل وتحولاته عبر رحلته من المهد الى اللحد.
واذ يتحدث حميد عن "محاولات الكائن الانساني لمقاومة الزمن او التمرد على قيوده وحتمياته" فانه يقول ان الانسان في خضم هذه العملية قد يجد نفسه مشدودا "كعاشق لماض لايمكن الوصول اليه واستعادته ولذكريات واحلام" فاذا بها "رحلة الاغراق في النوستالجيا".
وهذا القاص الباكستاني الذي ولد في مدينة لاهور الباكستانية ويمضي في الشطر الثاني من عمره الأربعيني ويهوى الترحال حول العالم ينظر "للنوستالجيا كقوة مريعة في تلك اللحظة الكونية من التاريخ الانساني" موضحا رؤيته بقوله ان هناك العديد من الساسة والقوى والجماعات تتلاعب وتلعب على "اوتار النوستالجيا واستعادة الماضي المتخيل بأمجاده" وهي ظاهرة في مفردات السرد ولغة الخطاب السياسي بالشرق والغرب معا.
فظاهرة "العزف على اوتار النوستالجيا" عالمية كما يلاحظ محسن حميد صاحب رواية "اصولي على مضض" وهي تمتد لبلدان كالهند والصين ناهيك عن جماعات في المنطقة العربية تروع البشر بممارساتها الارهابية وافكارها الظلامية في الحاضر وهي "تعزف على اوتار النوستالجيا" بالحديث عن "استعادة الماضي الجميل وامجاد العصر الذهبي" !.
ثم ان الظاهرة واضحة في الفن ومجال كالسينما حيث تحظى الأفلام التي "تعزف على اوتار النوستالجيا وتداعب مشاعر الحنين للماضي وحلم استعادة الأيام الخوالي" بنسب مشاهدة عالية وكأنها تقدم مركبات تنطلق في فضاء زمني عكسي ويتمنى الكثير من المشاهدين لو كانوا من ركابها فرارا من الزمن الذي كتب عليهم ان يعيشوا في اشتراطاته.
او كأنه الماضي يعود في ثوب جديد وحلة قشيبة اتاحتها تقنيات العصر الرقمي ليجد انسان هذا العصر مستعدا كل الاستعداد للقاء الموعود مع الزمن الجميل كما يتصوره وكما تؤجج هذه التصورات اشواقا وتوقا لذلك الماضي الذي يتغول احيانا على الحاضر !.
ولكن لماذا كل هذا الحنين للماضي"!..الاجابة عند محسن حميد تتلخص في ان ايقاع التغيير الحالي سريع للغاية ومن ثم يحاول الانسان المعاصر وسط آلام هذا الايقاع اللاهث ومتغيراته ان يجد في الماضي ملاذا آمنا.
والاشكالية هنا في قلب هذا الايقاع السريع للغاية للتغيير كما يحددها حميد تتمثل في الخوف الانساني ان لم يكن الذعر من المستقبل فيما الأدوات التي يطورها انسان العصر الرقمي للتكيف مع معطيات هذا العصر غير كافية بعد لتبديد خوفه من الحاضر وفزعه من المستقبل.
وهكذا تتجلى محنة الانسان المعاصر في نظر الروائي محسن حميد في كونه "عالقا في الحاضر المضطرب بين ماض انتزع منه لكنه مشدود له بقوة الحنين والرغبة في البحث عن الآمان ومستقبل يخشى منه ومن ثم فهو يحاول ان يقاومه" ، فيما تمثل حالة الاسراف في"النوستالجيا" آلية من آليات مقاومة المستقبل.
نعم قد تتحول النوستالجيا الى اشكالية عندما يعيش الانسان بكل وجوده الحاضر في الماضي محجوبا عن المستقبل لكنها يمكن ان تتحول للحن عذب واجنحة يحلق بها الانسان المعاصر نحو مستقبل افضل واكثر جمالا وانسانية من الحاضر..فثمة معادلة دقيقة ومطلوبة حتى لاتتحول النوستالجيا الى سلطة لماض يصادر الحاضر والمستقبل وسؤال من جراح وغواية من سراب !.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.