الحياة تدب والأصوات تتعالى، فالشباب يخططون للزواج، والصغار يلهون ممسكين بألعابهم، في مشهد يعتادون عليه يوميًا، إلى أن القدر كان على موعد معهم. فالأصوات تلاشت في تمام الساعة الثانية عشر من ظهر أمس الخميس، بعد دوى سقوط عقار صدع حي منشأة ناصر بأكمله.
ففجع سكان عقار مكون من خمس طوابق في حارة الحنفية بمنشأة ناصر بسقوطه، ليخفي تحت ركامه حكايات تدمي قلوب ساكنيه، ويترك ذويهم بين دموع الفراق، وألم الحيرة والبحث عن أحضان محبيهم، فهم عالقون بين خيوط الحياة، أو ليكون تقبيلهم بمثابة وداع إلى يوم يجتمعون فيه في الدار الآخرة.
وبمرور الساعات أسقط الليل ظلامه على ركام العقار، وترك ساكنيه عالقين بين شلالات من المياة إحداهم تتساقط من أعينهم، والآخرى تأتي من السماء، وكأن كل الظروف كانت ضدهم .
أحتمى أهالي العقار المنهار، وساكني العقارات الثلاثة المتصدعة بعد سقوطه، بجدران المسجد، لعلها تكون أرحم عليهم مما فعل القدر بهم.
ومع الساعات الأولى من صباح اليوم الجمعة أشرقت الشمس، ولكن حزن هؤلاء الأهالي كان أكبر من أن ترى أعينهم الضوء.
وعلى ركام العقار المنهار، روى الأهالي ل "الفجر" 24 ساعة من الألم حولت حياتهم إلى جحيم. "أنا معرفش عن أمى حاجة" بقلب يعتصر من الألم، روت نجلة الحاجة سيدة أحمد طه، أنها لا تعلم على والدتها شيء، بعد انهيار العقار.
السيدة التي تجاوزت ال55 عامًا، كانت بمفردها في شقتها بالدور الثالث لحظة وقوع العقار، لتترك نجلتها بين الحيرة والحزن، لا هي تراها وتعلم أنها بخير، أو تعلم أن روحها صعدت للسماء.
وما بين نظرتها المشتته ورضعيتها التى تحملها فوق ذراعيها، أخرست كلماتها الجميع: "أنا معرفش عنها حاجة.. معرفش عايشة ولا ميتة". أم 3 توائم.. تفقد اثنين وتصارع الحياة بالمستشفى والتقطت إحدى الجيران أطراف الحديث لتروي أن الدور الثاني من العقار المنهار، كانت تسكنه سيدة لديها ثلاثة توائم.
وبحزن قالت إن السيدة نقلت إلى المستشفى وحالتها حرجة، واثنين من أبنائها لفظوا أنفاسهم الآخيرة، لتترك نجلها الثالث ابن الثلاث سنوات، الذي لا يعرف عن الحياة سوى حضن أمه. سيدة تتحدث من تحت الركام لتأتي القصة الثالثة بأن سيدة كانت بمحل في الدور الأرضي من العقار المنهار، تبحث عن ضوء الحياة ومعها طفلين تحت الأنقاض.
واستطاعت قوات الحماية المدنية التواصل مع السيدة عبر الأجهزة وأكدت أنها بخير ومعها طفلين، إحداهم يحدثها والآخر لا يتكلم. 10 أشخاص تحت ركام العقار يحاول الأهالي تذكر كل شخص من ساكني العقار المنهار، ما بين المصابين ومن فارقوا الحياة، ومن تحت الأنقاض لا يعرف مصيرهم، ليكون تقديرهم بأن هناك 10 أشخاص بين أطفال وكبار تحت ركام العقار المنهار.
الأهالي يكشفون لغز سقوط العقار وكشف الأهالي أن ما آثار شكوكهم سماعهم صوت بجانب العقار المنهار منذ أسبوع، مضيفين أن الصوت كان ينبعث في الوقت بين الساعة الثانية عشر من منتصف الليل إلى السادسة صباحًا.
وربط الأهالي بين سقوط العقار والصوت المنبعث بجانبه، قائلين: "منعرفش كانوا عايزين يبنوا من ورا.. ولا عاوزين يوقعوا البيت ويستفيدوا من وراه".
مساعدات التضامن لم نراها ولم يحتمل الأهالي الذين افترشوا الشارع منذ الفاجعة أى حديث، معبرين عن غضبهم من انتقاص نقل وضعهم بالكامل، مشيرين أن مساعدات وزارة التضامن الاجتماعي لم تصل إلى أيديهم.
وأكد الأهالي أنهم استعانوا بأغطية للاحتماء من البرد من الجيران، الذين لم يتاونوا في مساعدهم، كما أمدوهم بالطعام ليستطيعوا الوقوف على أقدامهم بعد فراغ معدتهم من الذات منذ وقوع الفاجعة عليهم.