لم يكن من المُستغرب، بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيزور العاصمة الفرنسية يوم الجمعة المقبل، أن يُبادر قصر الإليزيه للتأكيد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيبحث مع أردوغان، قضايا حقوق الإنسان على وجه الخصوص، إذ يُشير ذلك للنظرة الرسمية والإعلامية للرئيس التركي الذي نجح في ترسيخها في المُجتمع الفرنسي في السنوات الأخيرة. وفيما تمضي علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي من سيئ لأسوأ، يتزايد رفض انضمام تركيا للاتحاد من معظم الدول الأوروبية، والتي تنتقد على الدوام ازدياد حدّة القمع في تركيا، وبشكل خاص في أعقاب محاولة الانقلاب على أردوغان يوليو 2016. وكان ماكرون تواصل مع أردوغان عدّة مرّات في 2017 بعد توقيف صحافيين فرنسيين إثنين في تركيا، أحدهم طالب ماجستير صحافة والآخر مُصوّر صحافي، قبل ترحيلهما إلى فرنسا، وذلك بعد أن طالبت نقابات الصحافيين الفرنسية وروابط الصحافيين الأوروبية والدولية، إلى جانب منظمة "مراسلون بلا حدود" وقناة "تي في 5" بالإفراج الفوري عنهما في حملة عالمية واسعة. وتتفرّد تركيا باعتقالها أكبر عدد من الصحافيين في دولة واحدة خلال العامين الماضيين بينهم عدد من الصحافيين الأوروبيين، فضلاً عن إغلاق العديد من وسائل الإعلام، لكنّ الحكومة التركية تنفي صحة هذه المعلومات على الدوام. وترى صحيفة "لو " الفرنسية أنّ تركيا تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى دولة بلا أصدقاء، مؤكدة أن مواقف أردوغان ما زالت تقود إلى تدهور السياسة الخارجية التركية. وبينت الصحيفة أنّ تركيا لم يعد لها حليف في منطقة الشرق الأوسط نتيجة المواقف العدائية مع الدول المجاورة، ورأت أنّ أنقرة تحاول تلميع صورتها في المنطقة باستغلال قضية القدس لمصالحها الخاصة، إذ يسعى قادة حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى إظهار هويتهم الإسلامية رغبة منهم في زعامة سياسية وثقافية للعالم الإسلامي. وأما صحيفة "أفريك لا تريبين"، فترى أنّ تركيا، بسعيها لبسط نفوذها في القارة السمراء، ترغب في كسب بعض الحلفاء لمساعدتها على قطع الطريق أمام التهديدات التي تمثلها "شبكة غولن" وازدياد نفوذ بعض دول المنطقة. وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أنّ تركيا ترغب في تأكيد عودتها إلى ممتلكاتها الاستعمارية السابقة، فضلاً عن مطامع اقتصادية مُتنامية في أفريقيا. ويأتي ذلك، فيما لا تزال أصداء التحقيق الذي بثّته القناة الفرنسية الثانية منذ عامين حول تركيا، تُثير الجدل، واتهمت أنقرة وسائل الإعلام الفرنسية وقتها بفتح النار على أردوغان بتشويه الحقائق في معلومات "تطفح بالعداوة" حسب قولها بعد أن تناولت القناة تنامي ظاهرة الإسلام السياسي ومخاطره على التسامح الديني في تركيا والمنطقة عموماً، وأوردت الكثير من الأمثلة والبراهين على ذلك، من البرلمان التركي، إلى الجامعات، وصولاً إلى المساجد. يُذكر أنّ لجنة حماية الصحافيين، المنظمة الأمريكية غير الحكومية، ذكرت في تقريرها السنوي مع نهاية 2017، أنّ تركيا تحتل وللعام الثاني على التوالي، مرتبة الدولة الأسوأ من حيث سجن الصحافيين، بعد اعتقال 73 صحافياً بسبب عملهم في تركيا، مع مواصلة البلاد حملة واسعة ضد حرية الصحافة. ومنذ محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا يوليو(تموز) 2016، تواصل السلطات التركية حملة قمع للصحافيين الذين يُبدون آراء لا تؤيد الحكومة، وتتهمهم بالمشاركة بالمحاولة الانقلابية، وبأنشطة معادية للدولة، والانضمام إلى جماعات إرهابية مُرتبطة وفق مزاعمها بالداعية فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب. وتقول منظمات الدفاع عن حرية الصحافة إنّ وسائل الإعلام التركية عانت كثيراً خلال هذه الفترة، بعد إغلاق نحو 150 وسيلة إعلامية. ويرى معارضون أتراك، أنّ يوم الانقلاب وما تبعه من فرض لحالة الطوارئ يُمثل بالفعل بداية لحملة قمع ضخمة، بعد اعتقال أكثر من 100 ألف شخص منذ ذلك الحين.