يُحسب للأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد، قدرته على إصلاح ما أفسده الرئيس الأمريكي السابق أوباما؛ وأعاد العلاقات الإستراتيجية بين المملكة والولاياتالمتحدةالأمريكية، إلى ما كانت عليه منذ عهد الملك عبدالعزيز كما يُحسب له قدرته على ترسيخ هذه العلاقات وتطويرها سياسياً واقتصادياً واستخباراتياً؛ لتصل إلى قمتها هذه الأيام، وهو ما أسفر عنه الإعلان بأن أول زيارة خارجية سيقوم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ منذ توليه سدة الحكم بداية هذا العام، ستكون إلى المملكة العربية السعودية. ولهذا الإعلان مدلولاته ومضامينه التي تشير إلى مرحلة النضج التام في العلاقات بين السعودية، والولاياتالمتحدةالأمريكية. وفق صحيفة "سبق" وتطور الشراكة الإستراتيجية والتاريخية بين البلدين، ووصولها إلى الذروة، من أجل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية، والاتفاق على محاربة الإرهاب بكل صوره وأشكاله. جاء ذلك في الزيارة التي قام بها سمو ولي ولي العهد، إلى واشنطن في هذا العام، كأول مسؤول سعودي يزور أمريكا في عهد ترامب. وحقّقت الزيارة بحسب عدد كبير من المحللين الكثير من النجاحات المهمة، التي لفتت أنظار العالم، وجعلت الكثيرين يصفون شخصية الأمير محمد بن سلمان؛ بأنها من ضمن أهم الشخصيات المؤثرة في العالم، وهي شخصية تحظى بالاحترام والتقدير الكبيرين، ليس على مستوى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإنما على مستوى العالم بأكمله. وخلال الزيارة، نجح الأمير محمد بن سلمان، في لفت أنظار العالم، إلى خطورة الإرهاب الإيراني، وتأثيره في السلم والأمن الدوليين، وهو ما أيّدته واشنطن، ورأت أنه من الضروري محاصرة هذا الإرهاب ووأد مخططاته، من أجل الحفاظ على المنطقة من تأثير المليشيات التي تدعمها إيران في عدد من دول المنطقة. أرضية جديدة وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ قد قال خلال مؤتمر صحفي أجراه من حديقة "الورود"، أمس الخميس، إن جولته الخارجية الأولى منذ توليه زمام الرئاسة في الولاياتالمتحدة سيستهلها بزيارة المملكة العربية السعودية، موضحاً أن زيارته القادمة للمملكة تهدف إلى إنشاء أرضية جديدة للتعاون مع زعماء الدول الإسلامية من أجل مكافحة الإرهاب. ومدح ترامب؛ المملكة، وقال: "السعودية هي التى تتولى شأن اثنين من أكثر الأماكن قدسية في الإسلام "في إشارة إلى الحرمين الشريفين المكي والنبوي"، ومن هناك سنقوم بوضع أسس جديدة للتعاون والدعم مع حلفائنا المسلمين لمحاربة التطرف والإرهاب والعنف، ولكي نتبنى مستقبلاً أكثر عدالة وأملاً للشباب المسلم في بلدانهم". الإرهاب الحوثي ويدرك ترامب أن السعودية تقوم اليوم بدور مهم في قيادة العالمين العربي والإسلامي، في حربها ضدّ الإرهاب من مناطق الصراع، كما يدرك أن السعودية تقوم بدور مهم في الملف السوري، وتعمل على حل الصراع الدائر هناك منذ نحو ستة أعوام، يضاف إلى ذلك حربها ضد الإرهاب الحوثي، الذي تدعمه إيران. لذا يرى ترامب؛ أنه من الضروري؛ بل من المهم، تعزيز التحالف مع السعودية، والوصول بعلاقات البلدين إلى المكانة المرموقة واللائقة. وبيّن ترامب؛ أن هدف الولاياتالمتحدة "ليس هو الفرض على الآخرين كيفية العيش، وإنما إنشاء تحالف من الأصدقاء والحلفاء الذين يدعمون مكافحة الإرهاب وتوفير الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي مزقتها الحرب". البيت الأبيض وحظيت زيارة ولي ولي العهد إلى أمريكا باهتمام بالغ من قِبل الجانب الأمريكي، الذي حضر اجتماعه أهم الشخصيات ومنهم مستشار الأمن القومي الجنرال ماك ماستر؛ وثلاثةُ مستشارين للرئيس الأميركي، وهم: جاريد كوشنر، وهو صهر الرئيس ترامب؛ ومسؤول ملف السلام في البيت الأبيض، ودينا حبيب باول؛ وهي مستشارة اقتصادية للرئيس وتعمل على المبادرات الجديدة، وستيف بانون؛ وهو مستشار سياسي للرئيس، ويعتبر منظّر ترامب العقائدي. وأطلق على الأمير محمد بن سلمان "مهندس العلاقات الأمريكية"، ولم تكن الزيارة عادية، ولا تقتصر على المشاريع الاستثمارية في سياق رؤية السعودية 2030 المعلن عنها في أبريل 2016؛ بل هي استثنائية بالمعني الحرفي للكلمة، وترتب على أساسها نوع العلاقة المستقبلية، وكذلك الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة". تاريخ الزيارات تأتي زيارة ترامب؛ إلى السعودية، إمداداً لسلسة الزيارات المتبادلة بين زعماء الدولتين على مدى عقود مضت، حيث أكّد الملك سلمان بن عبدالعزيز في زياراته الأخيرة لواشنطن، متانة العلاقات السعودية - الأمريكية ووصفها بأنها علاقات تاريخية وإستراتيجية منذ أن أرسى أسسها الملك عبدالعزيز والرئيس فرانكلين روزفلت. وبرزت في تاريخ العلاقات السعودية - الأمريكية محطات مهمة عدت مرتكزاً أساساً في دعم مسيرة العلاقات بين البلدين، ومنها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في 11 أبريل 2012م للولايات المتحدة حينما كان ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للدفاع، والتقى خلالها الرئيس الأمريكي باراك أوباما؛ وبحث معه تعزيز العلاقات بين البلدين، خصوصاً في المجال العسكري والإستراتيجي المشترك. وفي 27 يناير عام 2015 زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما؛ برفقة وفد رفيع المستوى، المملكة، ليقدم التعزية في وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأجرى خلال الزيارة محادثات مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين وتطورات الأحداث في المنطقة، وآخر زيارة للرئيس أوباما إلى المملكة يوم 13 رجب الماضي، والتقى خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. وفي 19 ذي القعدة 1436 وصل الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى مدينة واشنطن في الولاياتالمتحدةالأمريكية في زيارة رسمية، تلبية لدعوة من الرئيس باراك أوباما. وفي 20 ذي القعدة 1436 استقبل الرئيس باراك أوباما؛ في البيت الأبيض، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعقدا جلسة مباحثات استعرضا خلالها العلاقات المتينة بين البلدين. علاقات قوية أما تاريخ لقاءات قيادات المملكة والولاياتالمتحدة، فيعود إلى عام 1943، حينما لم يتمكّن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن من زيارة الولاياتالمتحدة تلبية للدعوة الرسمية من الرئيس الأمريكي فرانكلين دي روزفلت، فأناب نجليه الأمير فيصل بن عبدالعزيز وزير الخارجية، والأمير خالد بن عبدالعزيز لبحث مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين. وزار الملك سعود بن عبدالعزيز الولاياتالمتحدةالأمريكية بدعوة من الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في 29 يناير عام 1957، ليكون أول الملوك السعوديين الذين زاروا أمريكا. وفي يونيو 1945، زار الملك فيصل بن عبدالعزيز الولاياتالمتحدةالأمريكية في عهد والده الملك عبدالعزيز، بوصفه ممثلا للملك عبدالعزيز، لحضور تأسيس منظمة الأممالمتحدة في مدينة سان فرنسيسكو، والتوقيع على اتفاقية انضمام المملكة إلى المنظمة، لتصبح الدولة الخامسة والأربعين المنضمة إليها. تبادل الزيارات واستمر تبادل الزيارات وعقد اللقاءات بين قادة البلدين وكبار المسؤولين فيهما منذ عهد الملك المؤسّس عبدالعزيز بن عبدالرحمن؛ وتبرز مسار العلاقات بين البلدين خلال اللقاءات والزيارات التي قام بها ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز للولايات المتحدةالأمريكية، إذ التقى في الثالث من ربيع الأول عام 1434 - وكان حينئذ وزيراً للداخلية - ضمن زيارته الرسمية للولايات المتحدةالأمريكية مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي توم دونلون؛ كما التقى مدير مكتب التحقيقات الاتحادية (إف بي آي) روبرت موللر؛ ومدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية جيمس روبرت كلابر؛ كلا على حدة. وفي سبيل تعزيز العلاقات الأمنية وشؤون الدفاع بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية، عقد الأمير محمد بن سلمان نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، عديداً من الاجتماعات واللقاءات مع المسؤولين في الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ أن أصبح وزيراً للدفاع. ومن نشاطات محمد بن سلمان، استقبال سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية لدى المملكة جوزيف ويستفول؛ وقائد القيادة الوسطى الأمريكية الفريق أول لويد أوستن؛ ورئيس بعثة التدريب العسكرية الأمريكية في المملكة اللواء توماس هاروود؛ ولقاؤه مع رئيس مجلس النواب الأمريكي جون بينر؛ واستقبال نائب وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن؛ واجتماعه مع قائد القيادة المركزية الأمريكية الفريق أول لويد أوستن. علاقات دبلوماسية أعدّت الشعبة السياسية بإشراف مباشر من فؤاد حمزة؛ ويوسف ياسين؛ مذكرة خاصّة تتضمن معلومات عامة عن البلاد السعودية تمّ ارسالها الى عدد كبير من دول العالم للاعتراف بالدولة السعودية الجديدة، والدخول في علاقات دبلوماسية معها، وانطلاقاً من التنافس المحموم بين روسياوبريطانيا في المنطقة، ولاقتناع الحكومة السوفياتية بأهمية الدولة السعودية الجديدة أصبحت روسيا أو الاتحاد السوفياتي اول دولة تعترف بالدولة السعودية. واصلت الدول الأوروبية وغيرها اعترافها بالدولة السعودية التي حظيت باهتمام خاص لوجود معطيات الاستقرار والبناء فيها، ورغم محاولات الشعبة السياسية في الرياض الاتصال ببعض الدول إلا أن الاهتمام كان منصباً على دولة لها وزنها الدولي رغم بعدها الجغرافي، تلك هي الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومن عوامل الجذب نحو أمريكا خلو تاريخها آنذاك من فصول استعمارية في المنطقة مقارنة ببعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا. أصرت الرياض على الاتصال بواشنطن من خلال محاولات عدة وعبر عدد من القنوات الدبلوماسية من منطلق إستراتيجية الملك عبدالعزيز الرامية إلى تنويع العلاقات مع الدول وعدم الاتكاء على دولة واحدة أو الارتباط بها. ولقد عزّز هذه الإستراتيجية حكمة الملك عبدالعزيز في التعامل مع الدول وفقاً للظروف والتزاماً بالمبادئ، كما وفق الملك عبدالعزيز في سياسة الشفافية مع جميع الدول وإحاطتها بتحركاته واتصالاته معها جميعا معلناً وبوضوح عن متطلباته وأهدافه، لذا لم يكن الملك عبدالعزيز مرتبطاً بدولة واحدة فقط أو خاضعاً لدولة معينة؛ بل استفاد من انفتاح العلاقات مع الجميع رغم تناقض بعض تلك العلاقات مع بعضها بعضا من منظور تلك الدول.