قرش البحر على موائد السوريين المحاصرين

سبب ارتفاع الأسعار الكبير في اللحوم الحمراء والبيضاء نتيجة الحصار الذي تتعرض له سوريا، قيام بعض المواطنين في الساحل السوري إلى الذهاب بين الفينة والأخرى إلى البحر أو النهر لاصطياد الأسماك بمختلف أنواعها وأحجامها، بهدف تأمين وجبتهم من البروتين الذي غاب عن موائد بعض العائلات.
وبما أن غزارة الأنواع السمكية تختلف من منطقة لأخرى وبالتالي اختلاف الكميات المصطادة منها، إلا أن الصيادين يتجهون إلى أنواع سمكية محددة دون غيرها، وذلك تبعاً لرغبة المستهلك واحتياجاته وتبعاً للمردود الاقتصادي التي تحققه عملية الصيد، مما يتسبب في تعرض بعض الأنواع السمكية إلى الاستنزاف المستمر، والحاق الضرر بمخزوناتها الحية إلى درجة قد تصل حد الانقراض المحلي للنوع، خاصة إذا لم يلتزم الصيادون بالقوانين الناظمة لعملية صيد الأنواع السمكية (FAO,2010).
أسماك مهاجرة
الدكتورة معينة بدران، من الجمعية السورية لحماية الحياة البرية والمعهد العالي للبحوث البحرية في جامعة تشرين، أوضحت أن عدد أنواع الأسماك بحسب الدراسة الوطنية للتنوع الحيوي في سوريا عام 2006 بلغ 224 نوعا من الأسماك العظمية البحرية، منها 37 نوعا مهاجرا من البحر الأحمر و14نوعا مهاجرا من غرب المتوسط. وبعد العام 2006، تم تسجيل أكثر من 22 نوعا جديدا من الأسماك العظمية من قبل الباحثين في المعهد العالي للبحوث البحرية وجامعة تشرين، وبالتالي أصبح العدد الكلي للأسماك العظمية حوالي أكثر من 246نوعا مسجلا في المياه السورية، في الوقت الذي توجد أنواع أخرى مسجلة في مياه الدول المجاورة، ومن المؤكد أن تكون موجودة في سوريا، لكن لم يتم تسجيلها حتى الآن، علماً أنه في العالم يوجد أكثر من 29000نوع من الأسماك العظمية.
وتابعت بدران: إن أكثر الأسماك التي تصادف في شباك الصيادين "سردين- سكمبري — غبس- غريبة رملية- بوري- سرغوس — جراوي — بلميدا"، بينما أقل الأسماك مصادفة " السلطاني- لقز- صلبن- زليق- براق- غنبار- كربال- أرفيدة "، وصنفت الأسماك الغضروفية في العالم ب 60 فصيلة يتبعها 185جنسا وحوالي 1164نوعا، حيث تمتلك الأسماك الغضروفية خصائص بيولوجية استثنائية تعرضها لخطر الانقراض بنسبة أعلى من غيرها كانخفاض الخصوبة والنضج المتأخر ودورات التناسل الطويلة، بينما تتعرض الأسماك الغضروفية في المياه السورية للاستنزاف بشكل يومي وقد قل مصيدها كثيراً وأصبح الصيادون يتباهون بمكان اصطياد سمكة القرش في السنوات الخمس الأخيرة خاصة في ظل انشغال الدولة في تأمين الأمن والأمان للمواطنين، مما دعا بعض الصيادين صغار النفوس إلى استغلال هذا الوقت في أقصى درجات الصيد الجائر، حيث يشاهد الزائر لساحة السمك في كل من طرطوس واللاذقية الكثير من أسماك القرش المصادة والتي لم نكن نشاهدها بهذه الكثرة من قبل. وفي العام 2010 تم تسجيل 41نوعا من الأسماك الغضروفية، كما تم اكتشاف عدة أنواع من الأسماك الغضروفية (حوالي10أنواع) بعد العام 2010، لكن لم يتم تسجيلها حتى الآن.
السلاحف البحرية
وأشارت بدران إلى وجود ثلاثة أنواع من السلاحف البحرية في المياه السورية Dermochelys coriacea ظهرية الجلد وهي من الأنواع المهددة بالانقراض (خطر انقراض أقصى)، وكذلك كبيرة الرأس Caratta caratta أيضاً مهددة بالانقراض لكن بشكل أقل من السابقة (خطر انقراض أدنى)، والخضراء Chelonya mydas أيضاً مهددة بالانقراض(خطر انقراض متوسط)، علماً أنه هناك بعض الدراسات القليلة على السلاحف البحرية منذ العام 2002وحتى العام 2010فقط (Rees, Saad, and Jony) أكدت تلك الدراسات على وجود تلك السلاحف على شواطئ مدينة جبلة ووادي قنديل ورأس البسيط، متوسط عمرها100 سنة وتصل إلى النضج الجنسي ابتداء من سن الخامسة عشر، و تبدأ بالتعشيش على شواطئنا من بداية أيار حتى أواخر شهر تموز تضع البيوض في حفرة تحفرها بنفسها في الرمل ثم تطمرها، وتفقس الفراخ بعد50-60 يوماً وتعود الصغار بعد الفقس إلى البحر، وتضع من 300-400 بيضة على عدة دفعات وفي عدة أعشاش وكل سنتين إلى أربع سنوات.
وتواجه السلاحف مهددات منها جرف الرمال حيث تضع بيوضها، والقتل العمد لاستخدام لحمها، والمفترسات كالكلاب والثعالب والطيور التي تأكل البيوض والصغار بالإضافة للتلوث بكافة أشكاله.
وبينت بدران العوامل المؤثرة على الثروة البحرية في سوريا تتمثل ببحر مغلق فهو لا يتصل إلا عن طريق مضيق جبل طارق بالمحيط الأطلسي وعن طريق قناة السويس بالبحر الأحمر، والموازنة السلبية" أي أن الفقد المائي الناجم عن التبخر أكبر من كمية المياه الواردة إليه من الأمطار والأنهار، ويغطى جزء من هذا العجز الحاصل من خلال المصادر التالية: مياه المحيط الأطلسي، الأمطار، الأنهار، مياه البحر الأسود، البحر الأحمر. لكن مياه المحيط الأطلسي هي أكثر المصادر فعالية بسبب اتساع مضيق جبل طارق 8-27 ميلا وكل هذه الأسباب بالإضافة للأسباب التالية (وهي كثيرة) أدت إلى فقر في الثروة السمكية في سوريا، في حين تتمثل العوامل الطبيعية بانعدام الخلجان والبحيرات الشاطئية على الشاطئ السوري، وقلة الوارد المائي من الأنهار إلى البحر وبالتالي قلة العناصر المغذية، وقصر الساحل السوري وضيق الرصيف القاري في أغلب مناطق الساحل السوري، وارتفاع ملوحة مياه الحوض الشرقي للبحر المتوسط حيث وصلت درجة الملوحة إلى 40‰ مقارنة مع الجزء الغربي للمتوسط، وما ينتج عن ذلك من قلة الغذاء المتوفر للأسماك وتغيير في تركيب التنوع الحيوي في المنطقة نتيجة قدوم أسماك محبة للملوحة والحرارة من البحار المجاورة.
أما العوامل البشرية فهي إقامة السدود على الأنهار التي تصب في البحر وبالتالي نقص الغذاء الوارد، التلوث الناجم عن إقامة المصانع على الساحل ومخلفات المنشآت السياحية وقنوات الصرف الصحي التي ترمى في البحر دون أي معالجة وما ينتج عن ذلك من تأثير على التنوع الحيوي السمكي، واستخدام الصيادين لشباك ضيقة الفتحات مخالفة للقوانين والأنظمة بالإضافة لاستخدام الديناميت وما ينتج عنه من تدمير للقاع البحري وأماكن تكاثر الأسماك، وعدم التزام الصيادين بمواعيد منع الصيد أو الصيد في الأماكن المحمية.
ولفتت بدران إلى أنه في عام 2006 تبين وجود 7 أنواع من أصل 8 من الحوتيات المتوسطية النظامية موطنها الأصلي المياه السورية، و تم تسجيل20حالة جنوح لحوتيات منذ العام 2003وحتى 2011.
وقدر نصيب المواطن السوري السنوي من الأسماك (المستوردة والمحلية) أقل من2كغ بين عامي2001-2003 ثم ارتفع ليصل إلى 2-5كغ بين عامي2005-2007 (FAO,2010)، ويبلغ طول الساحل السوري202.3كم(رسميا183كم)، ويمثل الشريط الساحلي السوري خطاً قليل التعرج نسبياً وتختلف طبيعة الساحل السوري من منطقة إلى أخرى، فالمنطقة الممتدة من رأس البسيط إلى رأس ابن هاني (شمال اللاذقية) تعد منطقة صخرية ذات أعماق كبيرة نسبياً، أما بقية الساحل السوري فتختلف طبيعة القاع فيه من منطقة إلى أخرى (رملية، طينية، حصوية، صخرية) وتكون بعض المناطق متدرجة في العمق (جنوب اللاذقية، جبلة، بانياس) والبعض الآخر ذو انحدارات مفاجئة (رأس البسيط، برج إسلام، منطقة رأس ابن هاني، شمال طرطوس).