موعد أذان الفجر في مصر اليوم الأربعاء 28 مايو 2025    عيار 21 يعود لسابق عهده.. انخفاض كبير في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة    أبو حسنة: لن نتعاون مع الآلية البديلة ونلتزم بتعليمات الأمين العام للأمم المتحدة    قبل فاركو.. كيف جاءت نتائج الأهلي مع صافرة أمين عمر؟    عبد الله الشحات: بيراميدز كان يستحق الدعم من رابطة الأندية وتأجيل لقاء سيراميكا.. وهذا سبب تقديمي شكوى ضد الإسماعيلي    غموض موقف أحمد الجفالي من نهائي الكأس أمام بيراميدز    «أنا أفضل في هذه النقطة».. عبد المنصف يكشف الفارق بينه وبين الحضري    رابط مباشر| إعلان أرقام الجلوس لطلاب الثانوية العامة 2025 اليوم الأربعاء    وجبة كفتة السبب.. تفاصيل إصابة 4 سيدات بتسمم غذائي بالعمرانية    كواليس حريق مخزن فراشة بكرداسة    ولي أمر يقتحم مدرسة بالفيوم ويعتدي على معلم لمنعه نجله من الغش    إصابة 18 شخصًا في حادث تصادم أتوبيس مع سيارة نقل بالشرقية    محامي نوال الدجوي يروي تفاصيل محاولة الحجر على موكلته وطلب حفيدها الراحل الصلح    أول تعليق من آية سماحة بعد التحقيق معها بشأن تطاولها على مشيرة إسماعيل    أحمد الكاس: نحاول الوصول إلى أبعد نقطة ممكنة في كأس العالم للشباب    «يقدر يكون زي محمد صلاح».. ضياء السيد يتغنى بنجم الأهلي    مصطفى الفقي: كنت أشعر بعبء كبير مع خطابات عيد العمال    إما الولاية 51 لأمريكا أو دفع 61 مليار دولار، ترامب يبتز كندا بعد عرض انضمامها إلى القبة الذهبية    إدارة الأزمات ب «الجبهة»: التحديات التي تواجه الدولة تتطلب حلولاً مبتكرة    رئيس جامعة عين شمس: «الأهلية الجديدة» تستهدف تخريج كوادر مؤهلة بمواصفات دولية    بيان مهم من صندوق النقد بشأن المراجعة الخامسة بشأن الاقتصاد المصري    عيد الأضحى المبارك.. تعرف على أسعار الأضاحي 2025 العجول والأبقار والأغنام    موعد مباراة تشيلسي وريال بيتيس في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    ظافر العابدين يتحدث عن تعاونه مع طارق العريان وعمرو يوسف للمرة الثانية بعد 17 سنة (فيديو)    العيد الكبير 2025 .. «الإفتاء» توضح ما يستحب للمضحّي بعد النحر    ما حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد؟ الإفتاء تحسم الجدل    رئيس مجلس النواب الليبي يدعو إلى دعم دولى ومحلى لتشكيل الحكومة الجديدة    إعلام عبري: 1200 ضابط يطالبون بوقف الحرب السياسية بغزة    مصطفى الفقي: السوشيال ميديا لا ترحم في «عصر فاضح»    سعر الفراخ البيضاء وكرتونة البيض الأبيض والأحمر في الأسواق اليوم الأربعاء 28 مايو 2025    محافظ البنك المركزي يترأس وفد مصر في الاجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية الإفريقي    حقيقة ظهور صور ل«روبورت المرور» في شوارع مصر    تنبيه هام من محافظة الإسكندرية للمواطنين بشأن رائحة الغاز    السيطرة على حريق شب داخل مطعم بمنطقة مصر الجديدة    إصابة 8 بينهم رضيعان أشخاص في انقلاب سيارة ميكروباص ببني سويف    ولاء صلاح الدين: "المرأة تقود" خطوة جادة نحو تمكين المرأة في المحافظات    البلشي يدعو النواب الصحفيين لجلسة نقاشية في إطار حملة تعديل المادة (12) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام    سلاف فواخرجي تعلن مشاركة فيلم «سلمى» في مهرجان روتردام للفيلم العربي    التحقيق مع آية سماحة فى نقابة المهن التمثيلية بسبب مشيرة إسماعيل.. صور    هناك من يحاول إعاقة تقدمك المهني.. برج العقرب اليوم 28 مايو    فشل سياسي يتجدد.. تحذير مصري وسط تجاهل إثيوبي لقَسم آبي أحمد للسيسي    مدرب مالي: ديانج يمكنه الانضمام ل الأهلي عقب مواجهة الكونغو    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    وكيل صحة سوهاج يبحث تزويد مستشفى طهطا العام بجهاز رنين مغناطيسى جديد    «الرعاية الصحية»: التشغيل الرسمي للتأمين الشامل بأسوان في يوليو 2025    تنتهي بفقدان البصر.. علامات تحذيرية من مرض خطير يصيب العين    الاحتراق النفسي.. مؤشرات أن شغلك يستنزفك نفسيًا وصحيًا    لا علاج لها.. ما مرض ال «Popcorn Lung» وما علاقته بال «Vape»    حماس: آلية توزيع المساعدات فشلت وتحولت لفخ خطير يهدد حياة المدنيين    حزب الجبهة الوطنية بجنوب سيناء يبحث خطة العمل بأمانة التعليم (صور)    سلمى الشماع: تكريمي كان "مظاهرة حب" و"زووم" له مكانه خاصة بالنسبة لي    حدث بالفن | وفاة والدة مخرج وتامر عاشور يخضع لعملية جراحية وبيان من زينة    جورجينيو يعلن رحيله عن أرسنال عبر رسالة "إنستجرام"    بن جفير يتهم سياسيًا إسرائيليًا بالخيانة لقوله إن قتل الأطفال أصبح هواية لجنود الاحتلال    الشركة المتحدة تفوز بجائزة أفضل شركة إنتاج بحفل جوائز قمة الإبداع    رسميًا.. دار الإفتاء تعلن نتيجة استطلاع هلال ذي الحجة والجمعة أول أيام العيد (بيان)    هل يأثم من ترك صيام يوم عرفة؟.. أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    تعرف على موعد صرف معاشات شهر يونيو 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطيب جامع الراجحي يوجه رسالة لقاتلَي والدتهما
نشر في الفجر يوم 15 - 07 - 2016

خصّص الدكتور حمزة بن سليمان الطيار؛ الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وإمام وخطيب جامع الراجحي بحي الجزيرة في مخرج 15، خطبة اليوم الجمعة، للجرائم الارهابية التي وقعت خلال شهر رمضان المبارك الماضي، وأبرزها جريمة قتل شابين لوالدتهما، ومحاولة التفجير في المسجد النبوي الشريف.

الخطبة تضمنت شرح تلك الجرائم وتبيان خطورتها، ودروساً توعوية، فيما اختتمها بقصيدة فصحى مؤثرة عن جريمة قتل الأم.

وفيما يلي كامل الخطبة:
"فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ الْمُبَارَكَةِ المُضَمَّخَةِ بِعَبِيرِ التِّلَاوَاتِ، والمُتَعَطِّرَةِ بِعَبَقِ الابْتِهَالَاتِ، والمُسلِمونَ مُنْشَغِلُونَ بِتَهْذِيبِ النُّفُوسِ وَتَزْكِيَتِهَا، وَتَخْلِيصِهَا مِنَ الْكُدُورَاتِ وَتَنْقِيَتِهَا، وَالتَّرَفُّعِ بِهَا عَن سَفَاسِفِ الرَّذَائِلِ، والسُّمُوِّ بِهَا إِلَى آفَاقِ الْمَعَالِي وَالْفَضَائِلِ، فِي أَجْوَاءٍ مُفْعَمَةٍ بالرُّوحَانِيَّةِ الْمُسْتَمَدَّةِ مِنْ صِيَامِ النَّهَارِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَتِلَاوَةِ آيَاتِ الذِّكْرِ، فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ نَظَرْنَا إِلَى الْمُوَفَّقِينَ الْمُعْتَصِمِين بِحَبْلِ اللَّهِ الْمَتِينِ، والْمُتَمَسِّكين بِعُرْوَةِ الْجَمَاعَةِ الْوُثْقَى، فَرَأَيْنَاهُم يَتَسَابَقُونَ إِلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ، وَإِيصَالِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، بَلْ إلَى مَنْ تَرْبِطُهُمْ بِهِم أَوَاصِرُ الْأُخُوَّةِ فِي الدِّينِ، وَإِنْ تَبَاعَدَتِ الدِّيَارُ، وَاخْتَلَفَتِ الْأَعْرَاقُ وَالْأَجْنَاسُ، وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ، فبِالمُقَابِلِ لَاحَظْنَا الْمَخْذُولِينَ الْعَاصِينَ لِلرَّحْمَنِ، الْمُتَّبِعِين لخُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، الشَّاقِّينَ لِعَصَا الطَّاعَةِ وَالْإِمَامَةِ، الْمُفَارِقِينَ لِلْأُمَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَرَأَيْنَاهُمْ يَتَسَابَقُونَ إِلَى سَخَطِ اللَّهِ، وَيَتَنَافَسُونَ فِي إلْحَاقِ الْأَذَى بِالْعِبَادِ، وَإِشَاعَةِ الْفَسَادِ فِي الْبِلَادِ، وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْإِسَاءَةِ إِلَى مَنْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِحْسَان إلَيْهِ، وَحَضَّ عَلَى إغْدَاقِ الْفَضْلِ عَلَيْه، وعلى مُضِيِّ سنةٍ تقريباً عَلَى الذِّكْرَى الألِيمَةِ الأُولَى لِانْقِضَاضِ أَحَدِ أَتْبَاعِ الْفِكْرِ الضَّالِّ الْمُنْحَرِفِ عَلَى خَالِهِ وَقَتْلِهِ لَهُ، قاطِعاً بِذَلِك رَحِمَهُ الْقُرْبَى، وفَاجِعاً أُمَّه بِنُورِ عَيْنِهَا، وبعَضِيدِها وَمُعِينِها، وَحَامِي حِمَاهَا بَعْد اللَّه - جَلّ وَعَلَا؛ لِيَسُنَّ بِذَلِك أَشْنَعَ السُّنَنِ، ويَبْتَكِرَ أَقْبَحَ السِّيَرِ، فَاقْتَفَى أَثَرَهُ الْقَبِيحَ فِي سُنَّتِه الشَّنِيعَةِ بَعْضُ الْمُغَرِّر بِهِم مَن طَائِفَتِه، يَتَجَارَى بِهِم كَلَبُهُم المُسْتَعِرُ اللَّهِيبِ، وَيَسُوقُهُم حَادِي الْهَوَى الرَّهيبِ، كَلٌّ يَبْذُلُ قُصَارَى جَهْدِه، وَيَبْلُغُ مُنْتَهَى كَدِّهِ، لِيَكُونَ أَرْبَى مِمَّن سَبَقَه جُرْماً، وَأَغْلَظَ مِنْهُ إثماً، فيتَعَمَّدُ أن يَرْتَكِبَ فَتْكَةً عظيمةً، وَيُوقِعَ ضربةً أليمةً، تَقِفُ الْأَلْبَابُ أَمَامَهَا مَشْدُوهَةً، إِذْ لَا هِيَ مَكْرُورَةٌ ولا مَعْهُودَةٌ، وَبِالتَّهَوُّرِ الْمُتَنَاهِي وَصَلَ السِّبَاقُ المشْؤُومُ إِلَى مَدَاهُ، وانْتَهَى التَّنَافُسُ فِي الْمَخَازِي إِلَى أَقْصَاهُ، فَبَلَغ أَبْعَدَ مَا يُمْكِنُ أن يَصِلَ إلَيْه الْفَسَادُ وَالْجَرِيمَةُ، وَأَبْشَعَ مَا يُمْكِنُ أن تُسَوِّلَهُ النَّفْسُ الأثيمَةُ، مُتَمَثّلِاً فِيْمَا اجْتَرَحَهُ ذِئْبَانِ مَاكِرَانِ مِنْ أَتْبَاعِ الْفِئَةِ الضَّالَّةِ، وجَزَّارَانِ حَاقِدَانِ مِنْ أَذْنَابِ الطَّائِفَةِ الشَّاذَّةِ، بعد تَخطيطٍ مسبقٍ، وإعدَادٍ مُبْرَمٍ، حَيْثُ تَحَيَّنَا أَشْرَفَ الْأَيَّامِ فِي أَشْرَف الشُّهُورِ، شَهْرِ الصِّيَام وَالْقَيامِ، لِأَيّ شَيْءٍ؟ أللصَّدقةِ؟ أَم لِلْبِرِّ؟ أَم لِلْإِحْسَانِ؟ لا، وَلَكِنْ للتَّفَلُّتِ التَّامِّ مِن قُيُودِ الدِّيَانَةِ، وَالتَّجَرُّدِ الْكَامِلِ مِن الْأَعْرَافِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَذَلِك بالانْقِضَاضِ عَلَى أُسْرَتِهِمَا بِهَدَفِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا قَضَاءً كُلِّيًا، وَإِزْهَاقِ نُفُوسِ أَفْرَادِها إزهاقاً وَحْشِيًّا، فَمَا الَّذِي حَدَث؟ لَقَد اسْتَهَلَّا الْجَرِيمَةَ النَّكْرَاءَ، وَالدَّاهِيَةَ الدَّهْيَاءَ بِمَا لا يَدَعُ مَجَالاً لِلشَّكِّ فِي أَنَّه لَيْسَ فِي قَلْبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِرْقٌ يَنْبِضُ بِالرَّحْمَةِ، أَو يَسْتَجِيبُ لِدَاعِي الْفِطْرَةِ، فَيا تُرَى مَن هاجما؟ هاجما أُمَّهُمَا، نَعَمْ أُمَّهُمَا الَّتِي حَمَلَتْهُمَا مَعاً فِي بَطْنِهَا، وَغَذَّتْهُمَا مِن صَدْرِهَا، وآوَتْهُمَا إِلَى حِضْنِهَا، وها هِيَ قَد هَدَّ الْكِبَرُ أَرْكَانَ قُوَّتِهَا، وقَوَّضَتِ الْأَيَّامُ دَعَائِمَ بِنْيَتِهَا، فَهَل خَفَضَ لَهَا تَوْأمَاها جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَهَل لَاحَظَاهَا بِعَيْنِ الْإِشْفَاقِ وَالرَّأْفَةِ، لا بَلِ انْهَالَا عَلَيْهَا بِكُلِّ قَسْوَةٍ وغِلْظَةٍ طعْناً بِالسَّكَاكِينِ، وتقْطِيعاً بالسَّوَاطِيرِ، فَمَا كَان مَن الضَّعِيفَةِ الْمَظْلُومَةِ حِينَ أَحَسَّتْ بِالْمَوْتِ إلَّا أن صَرَخَتْ مُسْتَنْجِدَةً ... لَكِن بِمَن استنْجَدَتْ؟ استنجدتْ بِمَن تَلَاشَى من ضَمِيرِه نَبْضُ الْإِحْسَاسِ، استنجدتْ بِأَقْرَبِ قَرِيبٍ، لَكِنَّه فِي الْحَقِيقَةِ الْعَدُوُّ الْأَثِيمُ، فَلَم يُلَامِسْ صُرَاخُ الْعَجُوزِ مِنْهُمَا أُذُناً تَسْمَعُ، ولا عَاطِفَةً تَخْضَعُ، وَلَمْ يَلِجْ صُيَاحُهَا إِلَى قَلْبٍ يَخْفِقُ، تَبَارَيَا فِي تَسْدِيدِ الطَّعَنَاتِ إِلَيْهَا، وتَنَافَسَا فِي تَوْجِيهِ الضَّرَبَات تُجَاهَهَا، وتركَاهَا تَسْبَحُ فِي دِمَائِهَا، وَكمْ سَبَحَا فِي أَنْهَارِ عواطِفِهَا الجَيَّاشَةِ، وكفى بِهَذَا جُحُوداً لِلْجَمِيلِ، ونُكْرَاناً لِلْفَضْلِ الْعَظِيم.

ثُمّ مَاذَا؟ هَل تَوَقَّف خُبْثُهُمَا؟ هَل انْقَطَع شَرُّهُمَا؟ لا بَل عَطَفَا عَلَى أَبِيهِما السبعينيِّ الَّذِي كدَّ وسَعَى، وَذَهَب وأتَى، وَكَابَدَ الْمَتَاعِبَ وَتَحَمَّلَ الْعَنَا، وقامَ وقعدَ حَتَّى احْدَوْدَبَ ظَهْرُهُ وَانْحَنَى، يقُوتُهُما وَيُنْفِقُ عَلَيْهِما وَيَذُبُّ عَنْهُمَا حَتَّى بَلَغَا أَشُدَّهُمَا، فَامْتَدَّتْ إلَيْه تِلْكَ السَّواعِدُ الَّتِي خُلِقَتْ مَن دَمِه، وَنَبَتَ لَحْمُهَا مَن عَرَقِ جَبِينِه، امْتَدَّتْ إلَيْه بِتَسْدِيدِ الطَّعَنَات، وَمُوَالَاةِ الضَّرَبَاتِ، ولولا عِنَايَةُ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - لسَلَبَتْهُ حُشَاشَةَ رُوحِهِ، وغادَرَاهُ طَريحاً تَشْخَبُ عُروقُه دماً.

وَلَمّ يَنْتَه الأَمْرُ عِنْد ذَلِك حَيْثُ لَم يَكُن حَظُّ أَخِيهِما الشَّقِيقِ بِأَحْسَنَ مِن حَظِّ الْأَبِ، فَقَد سُقِيَ كَأْسَ الْعُدْوَانِ التي اسْتَقَاهَا أَبُوه، وَكَادَ يَلْفِظُ أَنْفَاسَه تَحْتَ وَطْأَةِ شقيقيْهِ اللَّذَيْنِ يَعُدُّهُمَا قبْلُ مِجَنَّاً واقياً يُدَافِعُ بِهِ سَطْوَةَ كُلِّ ذي سَطْوَةٍ، فَإِذَا سِكِّينُهُما أَوَّلُ خَنْجَرٍ يُغْرَزُ فِي جَسَدِه. ولولا إلْهَامُ اللَّهِ أُخْتَهُمَا إغْلَاقَ الْبَابِ دُونَهَا بعد أن توجّها إليها، لَلَقِيَتِ الْمَصِيرَ نَفْسَه، وَلَمَزَّقَ جَسَدَهَا مَن تَعْتَقِدُ فِي قَرَارَةِ نَفْسِها أَنَّهَا حَرِيمُهُ الَّذِي لا يُسْتَبَاحُ، وَعِرْضُهُ الَّذِي لا يُرَام".

وأوضح: "إن هَذِه الْحَادِثَةَ الْعَظِيمَةَ والفاجعةَ الأليمةَ الَّتِي تُعَدُّ مِن أَنْدَرِ الْحَوَادِثِ فِي مُخْتَلَفِ الْعُصُورِ لَتَسْتَدْعِي مِنَّا تَمَامَ الْأُهْبَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ، وَتُهِيبُ بِنَا إِلَى الْمُثَابَرَةِ وَالِاجْتِهَادِ، وَتَضَعُ يَقَظَتَنَا عَلَى مِحَكِّ التَّجْرِبَةِ، وَتُوَضِّحُ لَنَا مَدَى هَمَجِيَّةِ الْفِئَةِ الْمَارِقَةِ وَمَدَى انْجِرَافِهَا فِي تَيَّارِ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، وَأَنَّ مَا دأبتْ عَلَيْه مَن تَلْقِينِ الشَّبَابِ مَبْدَأ اسْتِحْلَالِ الدِّمَاءِ الْمُحَرَّمَةِ هُو رَأْسُ الْبَلَاءِ، وَمَنْبَعُ الْفَسَادِ، فَمَن أُشْرِبَ قَلْبُهُ الِاسْتِهَانَةَ بِالدِّمَاءِ الْمَعْصُومَةِ، وَشُغِفَت نَفْسُهُ بِإِزْهَاقِ الْأَرْوَاحِ الْبَرِيئَةِ، لَم يُفَرِّقْ بَيْنَ دَمٍ وَدَمٍ، وكان شُغْلَهُ الشَّاغِلَ أنْ يُرِيقَ دماً، وصارَ دَيْدَنُهُ كَمَا قيل: وأحياناً عَلَى بَكرٍ أَخِينَا... إِذَا مَا لَم نَجِد إلَّا أَخَانَا".

وواصل: "كَمَا تَكْشِفُ لَنَا هَذِه الْوَاقِعَةُ مَدَى تَحْرِيفِ هَذِه الْفِئَةِ مَبْدَأِ الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ فِي الدّينِ، وَكَيْف فَهِمُوه غَلَطَاً كغيرهِ مِن أُصُولِ وقواعدِ الشَّرْعِ الْحَنِيف، اُنْظُرُوا كَيْف تَلَقَّنَ هَذَانِ العاقَّانِ المجرمان أنَّ دِيَانَتَهُمَا الْمُزَيَّفَةَ تُوجِبُ عَلَيْهِمَا تَذْبِيحَ أَبَوَيْهِما، هَبْ أَنَّهُمَا اقْتَنَعَا – افتراضاً - بِأَنَّ وَالِدَيْهِما كافران، كَيْف غَابَتْ عَنْهُمَا نُصُوصُ الْكِتَابِ فِي الأَمْرِ بِحُسْنِ مُصَاحَبَةِ الْوَالِدَيْنِ ولو كانا مُشْرِكِين، قَال تَعَالَى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)".

وفي الخطبة الثانية قال "الطيار": "ثُمّ إن الْفِكْرَ لَم يَزَلْ رَهْنَ التَّعَجُّبِ، وَإنّ الْعُقُولَ لَم تَبْرَحْ وَالِهَةً مُتَحَيِّرَةً مَن وَقْعِ هَذِهِ الْفَاجِعَةِ الْغَرِيبَةِ، وَالْوَاقِعَةِ الأليمةِ، حَتَّى حَدَثَتْ تفجيراتٌ إرهابيةٌ في كُلٍّ من جدةَ والمدينةِ المنوّرةِ والقطيفِ، وجميعُ هذه التفجيراتِ آثمةٌ عدوانيةٌ، ولتفجيرِ المدينةِ المنوّرةِ خُصوصيةٌ تستدعِي الوقوفَ معه، حيثُ كان هذا التفجيرُ من أغربِ الغرائبِ، وهَزَّ ضَمَائِرَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب، جَرِيمَةٌ يَنْدَى لَهَا الْجَبِينُ، وَتَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ، وَتَتَضَاءَلُ أَمَامَهَا الْجَرَائِمُ، إنَّهَا حَادِثَةُ التفجيرِ الإرْهَابِيِّ الْآثِمِ الَّذِي وَقَعَ فِي الْعَاصِمَة النَّبَوِيَّة، الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ مَأْرِزِ الْإِيمَانِ، وَمَهْبِطِ آيَاتِ الْقُرْآن، وَحَرَمِ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسلم -، إنَّهَا الْمَدِينَةُ الَّتِي تَرَبَّى أَطْفَالُ الْمُسْلِمِين عَلَى احْتِرَامِهَا، وتَلَقَّنُوا مَبْدَأَ إعزازِها وَإِكْرَامِها، كَيْف لا وَهي مُهَاجَرُ الْحَبِيب، وَمَرْقَدُ جُثْمَانِهِ الشَّرِيفِ، مَشَى عَلَى تُرْبتِها الْمُصْطَفَى فَفِيهَا مَدَارِجُهُ، وَنَزَلَ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ فَمِنْهَا مَعَارِجُهُ، انْطَلَقْتِ الْمَغَازِي النَّبَوِيَّةُ من أَرْجَائِهَا، وَانْعَقَدَت فِيهَا أَلْوِيَةُ دَحْرِ الرِّدَّةِ وإطفائِها، ومنها انْطَلَقْتِ الْفُتُوحَاتُ الْإِسْلَامِيَّةُ تجوبُ أَقْطَارَ الْبُلْدَانِ، وتَدُوسُ كِبْرِيَاءَ فَارِسَ والرومانِ".

وتابع: "وَقَد تَضَافَرَتِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ عَلَى مَا لحَرَمِ الْمَدِينَةِ مَن عِصْمَةٍ، وما يَتَرَتَّبُ عَلَى انْتِهَاكِهِ مَن الْعُقُوبَاتِ الَّتِي أَغْلَظُهَا حُلُولُ اللَّعْنَةِ، وَهَذِه بَعْضٌ مِن النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِك: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: المَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، لاَ يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا حَرَامٌ»، وَأَخْرج الْبُخَارِيّ أَيْضًا عَن سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَقُولُ: «لاَ يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ، إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ".

ونوّه قائلاً: "أَيُّهَا الْمُسْلِمُون: إنَّ أَفْظَعَ مَا فِي هَذِه الْحَادِثَةِ أن هذا التفجيرَ الإرهابيَّ الْآثِمَ، وَالْعُدْوَانَ الغاشمَ، كَانَ الْمُرَادُ مِنْه استهدافَ الْمُصَلِّينَ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ، ثَانِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْن، ولولا لطفُ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا -، ثُمّ شَجَاعَةُ المتَصَدِّينَ لَه مَن رِجَالِ الْأَمْنِ، لأوْدَى بمئاتِ الْمُسْلِمِين فِي هَذِه الْبُقْعَةِ الطَّاهِرَةِ الْمُبَارَكَةِ، ولَمَّا حِيلَ بَيْنَه وَبَيْن ذَلِك الْمَقْصَدِ الْأَثِيمِ، فَجَّرَ نَفْسَه مُضحِّياً بِعَدَدٍ مَن شُرَفَاءِ رِجَالِ أمنِنا البواسلِ الَّذِين لَقُوا رَبَّهُم صَائِمَينَ فِي هَذِه السَّاعَةِ الْمُبَارَكَةِ مُدافعينَ عَن عِبَادِهِ مِن سُكَّانِ حرَمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عليه وسلم -، والمتوافدين عَلَيْهِ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، تحدوهم الْأَشْوَاقُ إِلَى مَهْبِطِ الْوَحْيِ، وَيَبْذُلُونَ الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ لِلْوُصُول إِلَى أَوَّلِ حَاضِنٍ للإسلام، وَقَد وَقَعَ هَذَا التفجيرُ قُرْبَ بَوَّابَةٍ من بواباتِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ، وَعَلَى بُعْدِ بِضْعِ مئاتٍ من الأمتار من مَضْجَعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عليه وسلم - وصَاحِبَيهِ، وَالرَّوْضَةِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي هِي رَوْضَةٌ مَن رِيَاضِ الْجَنَّةِ".

وأفاض: "وعِلَاوَةً عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِه الْحَادِثَةُ مِن اسْتِبَاحَةٍ عَظِيمَةٍ لَحَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَإِحْدَاثِ حَدَثٍ شَنِيعٍ فِيهَا، واستهدافٍ لِوَاحِدٍ مَن أَكْبَرِ وَأَهَمِّ حشودِ الْمُسْلِمِين الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا الإسلامُ، وَقَتْلٍ لِلْقَائِمِينَ عَلَى تَأْمِينِ تِلْكَ الحشودِ، عِلَاوَةً عَلَى هَذَا كَانَتْ هَذِه الْجَرِيمَةُ استخفافاً وقِحاً بمقدساتِ الْمُسْلِمِينَ، وتلاعباً ظاهراً بمشاعرِهم، وتجاهُلاً تاماً لِحُرْمَةِ هَذِهِ الْبِقَاعِ الطَّاهِرَةِ، واستهانةً بما يَحُفُّ بِها مَن رُوحَانِيَّةٍ لا يَخْلُو زائرُها الْمُؤْمِنُ من استشعارِها، كما تضمَّنتْ هذهِ الجريمةُ رِسَالَةً مُفْصِحَةً بِأَنَّ جَمِيعَ الْحُرُمَاتِ مُسْتَبَاحَةٌ عِنْد الْفِئَةِ الضَّالَّة، وَالشِّرْذِمَةِ الشَّاذَّةِ، فَلا تُرَاعِي حُرْمَةَ ذي حُرْمَةٍ شخصاً كَان أَو مكاناً، بَل هَمُّهَا التَّخْرِيبُ والتقتيلُ كَلَّمَا سَنَحَتْ لَهَا الْفُرْصَةُ، وَأَمْكَنَتْهَا الفَتْكَةُ".

وزاد: "سُبْحَان اللَّهِ أيُعقَلُ أن يَهُزَّ دَوِيُّ الانفجاراتِ نُفُوسَ الْجَالِسِينَ الْخَاشِعِينَ فِي رَوْضَةٍ من رياض الْجَنَّة بَيْن مِنْبَرِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسُلِّم - وَحُجْرَتِهِ، أيُعقَلُ أن تُصِمَّ أصواتُ الانفجاراتِ آذَانَ الْوَاقِفِينَ تُجَاه الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسُلِّم - يُلْقُون عَلَيْه التَّحِيَّةَ فِي سَكِينَةٍ بِأَصْوَاتٍ خَفِيَّةٍ، وَقُلُوبٍ مُخبتَةٍ، أَلَم يُصَرِّحْ فُقَهَاؤُنَا بِأَنّ زَائِرَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسلم - لا يَرْفَعُ صَوْتَه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَه بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُم لِبَعْض} وَحُرْمَتُه - صلى الله عليه وسلم - ميتاً كَحُرْمَتِه حياً".

واختتم: "لَقَد بَدَا جليّاً مُبَايَنَةُ طَرِيقِ هَؤُلَاءِ لسلوكياتِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، فَقَد اتَّفَقَ الْمُسْلِمُون عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِم، وَتَنَوُّعِ مَشِاربِهِم عَلَى تَقْدِيسِ هَذِه الْأَمَاكِنِ الْمُطَهَّرَةِ، وَاحْتِرَامِ هَذِه الْبِقَاعِ الْمُنَوَّرَةِ، وَعَلَى النَّقِيضِ مِن ذَلِك أَظْهَرَت هَذِه الْفِئَةُ استهانتَها بِهَذَا الْحَرَمِ، وَتَعَمَّدَتْ تَوْشِيحَ نَصَاعَةِ ساحاتِهِ بِحُمْرَةِ الدِّمَاءِ، وَتَغْطِيَةِ أجوائِهِ الْمُنَوَّرَةِ بِسَحَائِبِ الدُّخَان، نَسْأَلُ اللَّه ألا يَحْتَرِقَ بنيرانِهِم إلاَّ هُمْ، وَأَلا تنغرِزَ سِهَامُهُم إلَّا فِي نُحُورِهِم، ونقدِّمُ أحرَّ التَّعَازِي، وَأَصْدَقَ الْمُوَاسَاةِ لأسرِ رِجَالِ الْأَمْن الَّذِين استُشْهِدُوا فِي هَذِه الْفَاجِعَةِ فِي مَيْدَانِ الشَّرَفِ وَالْكَرَامَةِ وَاخْتَلَطَتْ دِمَاؤُهُم وأشلاؤهم بِالْبِقَاعِ الطَّاهِرَةِ، وَأُكْرِمُوا بِأَن لفظوا أنفاسَهُم وهم يُنافِحُون عن حرمِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن جُمُوعِ الْمُصَلِّين فِي مَسْجِدِه، فاللهم اجْعَل هَذَا فِي مِيزَان حَسَنَاتِهِم، وأخيراً أَقُول لِلْعَاقّ أَو مَن تُسَوِّل لَه نَفْسُه الْعُقُوق:

"إن الْعُقُوقَ مَذَمَّةٌ وَدَنَاءَةٌ ... لا يَرْتَضِيه سِوَى الْوَضِيعِ الأحقرِ
يَا مَن يَمُدُّ لِوَالِدَيْه يَدَ الْأَذى ... شُلَّتْ يَمِينُك يَا عَظِيمَ الْمُنْكَر
حَمَلَتْكَ تِلْك الْأُمُّ فِي أَحْشَائِهَا ... وهْنَاً عَلَى وَهْنٍ تمامَ الْأَشْهُر
إن تَخْتَفِ الْحَرَكَاتُ مِنْك انتابَها ... فَزَعٌ ومهما تَنْتَظِمْ تستبشر
وأوانَ وَضْعِك بَعْد مَا أنْهَكْتَها ... جرَّعْتَها غُصَصَ الْمَخَاضِ الْأَعْسَر
ومتى اشْتَكَيْتَ ولو أَقَلَّ شكايةٍ ... تُهْرَعْ إِلَى مشفى الطَّبِيبِ وتسهَر
وَأَبُوكَ كُنتَ عُصارةً مِنْ صُلْبِهِ ... وَسُلالةً مَن مَائِهِ المتحَدِّر
طَارَتْ بِهِ الْأَفْرَاحُ إِذْ زُفَّتْ لَه ... بُشْرَى الْمُبَشِّر بِالْجَنِينِ الْمُضْمَر
واستبْطأ الْأَيَّامَ يَرْقُبُ ضَيْفَه ... شوقاً إِلَى فَجْرِ السُّرُورِ النيِّر
وَسَعَى يَقُوتُك جاهداً لا يَأْتَلِي ... ومِنَ الْأَذَى يحميك غيرَ مُقَصِّر
وَفَوَاضِلُ الْأَبَوَيْنِ لا تَخْفَى عَلَى ... أُذُنِ السَّمِيعِ ولا لِعَيْنِ الْمُبْصِر
يَا وَيْلَ مَن زُرِعَت لَدَيْه فَوَاضِلٌ ... فِي حَجْمِهَا وَسِوى الْأَذَى لَم تُثْمِر
يَا جَاحِدَ الْحَقِّ الْعَظِيمِ سَفَاهَةً ... أَجْزَاءُ أُمِّك طَعْنَةٌ بِالْمَنْحَر
تُدْمِي تَراقيَها ولو أَلْبَسَتْهَا ... أَغْلَى الْقَلَائِد لا تَفِي بالأجدر
كَيْفَ ارتضيتَ بِأَنّ تُخَضِّبَ بالدِّما ... قَدَمَيْنِ تَحْتَهُمَا جِنانُ الْأَنْهُر
وَاخْفِض جَنَاحَ الذُّلِّ أَمْرُ إلهِنا ... وكشَرْتَ عَن نَابِ الْأَذَى بِتَنَمُّر
أَتَشُجُ رَأْسَ أَبِيك وَالَأَوْلَى بِهِ ... تَقْبِيلُهُ بِتَوَاضُعِ المُتَصَغِّر
قَد ظَنَّ أَنَّك إن كَبِرْتَ تُعِزُّهُ ... وتذودُ عَنْه إذَايَةَ الْمُسْتَهْتِر
وَتَزِيْنُهُ فِي مَحْفِلٍ إِذ يَكْتَسِي ... رَجُلٌ بِأَبْنَاءٍ رِدَاءَ المَفْخَرِ
أتغادرُ الْأَخَ وَهْو رَهَنُ جِرَاحِهِ ... تمكو الفرائصُ بالعبيطِ الْأَحْمَر
وَالْأُخْتُ قَد روَّعْتَها وَفَجَعْتَها ... وَالْأُخْتُ مَن أَغْلَى حَرِيم الأغير
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ هَذَا مُنْكَرٌ ... مَلأَ الْفُؤَادَ مَرَارَةَ المُتَحَسِّرِ
وَإِلَيْكَ نَبْرَأُ مِنْ مَعَرَّةِ قُبْحِهِ ... ونعوذُ مَن شُؤْم اجْتِرَاءِ المجتري
إنَّا لننكِرُهُ فنصدعُ جَهْرَةً ... وَسْطَ الْمَجَالِسِ أَو بِذِرْوَةِ مِنْبَر".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.