توفير 7574 فرصة عمل جديدة في 63 شركة خاصة.. التفاصيل الكاملة    وكيل تموين الإسكندرية يبحث استعدادات معارض «أهلا رمضان»    طارق شكري رئيسًا لغرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات    وزير الداخلية يستقبل وزير خارجية جنوب السودان لبحث سبل التعاون المشترك    هايدينهايم ضد البايرن.. البافارى بالقوة الضاربة فى الدورى الألمانى    حسام حسن ينشر صورته مع كأس إفريقيا قبل انطلاق بطولة كان 2025    سيسكو يقود هجوم مانشستر يونايتد أمام أستون فيلا في البريميرليج    حقيقة توقيع يوسف بلعمري مع الأهلي 3 مواسم ونصف.. مصدر يكشف    الطقس غدا.. أجواء شديدة البرودة ليلًا وهطول أمطار فى الإسكندرية    ضبط طرفي مشاجرة بعد تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي    لسة واقفة حتى لو اتغربت.. فيديو بال AI لأم كلثوم تتحدث عن آثار مصر المسروقة    وزير الثقافة ومحافظ القاهرة يتفقدان مكتبة «نون السحار 2» تمهيدًا لافتتاحها    خبير: لقاء نتنياهو وترامب يركز على قضايا الفساد والضفة الغربية بدلاً من غزة    باسل رحمي: جهاز تنمية المشروعات قدم تمويلات بأكثر من 750 مليون جنيه    الجيزة توضح حقيقة نزع ملكية عقارات بطريق الإخلاص    رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد تشغيل فندق الكونتيننتال التاريخي وسط القاهرة بعلامة تاج العالمية    التشكيل – واتكينز يقود هجوم أستون فيلا.. وتبديلات في مانشستر يونايتد بسبب غيابات إفريقيا    حصاد 2025.. تنفيذ أكبر خطة حضارية لتطوير شوارع مدينة كفرالشيخ| صور    جامعة عين شمس تحقق إنجازًا جديدًا وتتصدر تصنيف "جرين متريك 2025"    وكيل الأزهر يلقي محاضرة لعلماء ماليزيا حول "منهج التعامل مع الشبهات"| صور    وزير الخارجية يعقد اجتماعاً ثلاثياً حول ليبيا مع نظيريه الجزائري والتونسي    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة قلقيلية ‫ويداهم بناية    على أنغام الربابة.. نائب محافظ الأقصر يشهد تعامد الشمس على معابد الكرنك| صور    «النجمة التي سقطت من السماء» يفتتح عروض نوادي مسرح الطفل في الغربية    مفتي الجمهورية: المؤسسة الدينية خَطُّ الدفاع الأول في مواجهة الحروب الفكرية التي تستهدف الدين واللغة والوطن    الصحة: إغلاق 11 مركزًا خاصًا للنساء والتوليد ب 5 محافظات لمخالفتها المعايير الطبية    القيمة السوقية لمنتخبات أفريقيا في كان 2025    رئيس الإمارات يبحث مع نظيره الفرنسي تعزيز العلاقات    إحالة أوراق قاتل زوجته أمام أبنائه إلى المفتي بالبحيرة    أمن الجيزة يفحص فيديو اقتحام عدد من الخيول فناء مدرسة بمنطقة بولاق    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الكهرباء الموقف التنفيذى لمشروعات الطاقة المتجددة    دراما بوكس | المسلسلات المؤجلة بعد رمضان 2026 .. وقصة آسر ياسين ودينا الشربيني مع الصدمات النفسية    انطلاق اليوم الأول للاختبارات التجريبية لمنصة الذكاء الاصطناعي اليابانية بالأزهر    نصيحة للأمهات، احذري من تأثير ضغط الدراسة على علاقتك مع أبنائك    إيمى سمير غانم تكشف كواليس اختيار أسماء أبنائها مع حسن الرداد    لماذا نشتهى الطعام أكثر في الشتاء؟    عراقجي: مستعدون لإبرام اتفاق "عادل ومتوازن" بشأن برنامجنا النووي    اتحاد شركات التأمين: معالجة فجوات الحماية التأمينية تتطلب تعاونًا بين شركات التأمين والحكومات والمجتمع المدني    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    ضبط 3 محطات وقود بالبحيرة لتجميع وبيع 47 ألف لتر مواد بترولية    مدير تعليم البحيرة يتابع انتظام الدراسة بعدد من مدارس إيتاي البارود وكوم حمادة    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزير خارجية جنوب إفريقيا لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية    «المصدر» تنشر نتيجة الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    محافظ أسيوط: استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف المواهب الرياضية    حملة للمتابعة الطبية المنزلية لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن وذوي الهمم.. مجانًا    فى مباحثاته مع مسرور بارزانى.. الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ولوحدة وسلامة أراضيه ومساندته فى مواجهة التحديات والإرهاب.. ويدعو حكومة كردستان للاستفادة من الشركات المصرية فى تنفيذ المشروعات    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخرين في بورسعيد إثر حادث تصادم بين سيارتين    حقيقة تأثر رؤية شهر رمضان باكتمال أو نقص الشهور السابقة.. القومي يوضح    فضل العمرة فى شهر رجب.. دار الإفتاء توضح    محافظ القاهرة جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي    شهر رجب .. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن في مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    شهر رجب.. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    حبس المتهم بقتل زميله وتقطيع جثمانه إلى أربعة أجزاء وإخفائها داخل صندوق قمامة بالإسكندرية    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    بركلة جزاء قاتلة.. أرسنال يهزم إيفرتون ويعود لاعتلاء صدارة البريميرليج    قمة إنجليزية نارية.. ليفربول يحل ضيفًا على توتنهام في الجولة 17 من البريميرليج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطيب جامع الراجحي يوجه رسالة لقاتلَي والدتهما
نشر في الفجر يوم 15 - 07 - 2016

خصّص الدكتور حمزة بن سليمان الطيار؛ الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وإمام وخطيب جامع الراجحي بحي الجزيرة في مخرج 15، خطبة اليوم الجمعة، للجرائم الارهابية التي وقعت خلال شهر رمضان المبارك الماضي، وأبرزها جريمة قتل شابين لوالدتهما، ومحاولة التفجير في المسجد النبوي الشريف.

الخطبة تضمنت شرح تلك الجرائم وتبيان خطورتها، ودروساً توعوية، فيما اختتمها بقصيدة فصحى مؤثرة عن جريمة قتل الأم.

وفيما يلي كامل الخطبة:
"فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ الْمُبَارَكَةِ المُضَمَّخَةِ بِعَبِيرِ التِّلَاوَاتِ، والمُتَعَطِّرَةِ بِعَبَقِ الابْتِهَالَاتِ، والمُسلِمونَ مُنْشَغِلُونَ بِتَهْذِيبِ النُّفُوسِ وَتَزْكِيَتِهَا، وَتَخْلِيصِهَا مِنَ الْكُدُورَاتِ وَتَنْقِيَتِهَا، وَالتَّرَفُّعِ بِهَا عَن سَفَاسِفِ الرَّذَائِلِ، والسُّمُوِّ بِهَا إِلَى آفَاقِ الْمَعَالِي وَالْفَضَائِلِ، فِي أَجْوَاءٍ مُفْعَمَةٍ بالرُّوحَانِيَّةِ الْمُسْتَمَدَّةِ مِنْ صِيَامِ النَّهَارِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَتِلَاوَةِ آيَاتِ الذِّكْرِ، فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ نَظَرْنَا إِلَى الْمُوَفَّقِينَ الْمُعْتَصِمِين بِحَبْلِ اللَّهِ الْمَتِينِ، والْمُتَمَسِّكين بِعُرْوَةِ الْجَمَاعَةِ الْوُثْقَى، فَرَأَيْنَاهُم يَتَسَابَقُونَ إِلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ، وَإِيصَالِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، بَلْ إلَى مَنْ تَرْبِطُهُمْ بِهِم أَوَاصِرُ الْأُخُوَّةِ فِي الدِّينِ، وَإِنْ تَبَاعَدَتِ الدِّيَارُ، وَاخْتَلَفَتِ الْأَعْرَاقُ وَالْأَجْنَاسُ، وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ، فبِالمُقَابِلِ لَاحَظْنَا الْمَخْذُولِينَ الْعَاصِينَ لِلرَّحْمَنِ، الْمُتَّبِعِين لخُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، الشَّاقِّينَ لِعَصَا الطَّاعَةِ وَالْإِمَامَةِ، الْمُفَارِقِينَ لِلْأُمَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَرَأَيْنَاهُمْ يَتَسَابَقُونَ إِلَى سَخَطِ اللَّهِ، وَيَتَنَافَسُونَ فِي إلْحَاقِ الْأَذَى بِالْعِبَادِ، وَإِشَاعَةِ الْفَسَادِ فِي الْبِلَادِ، وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْإِسَاءَةِ إِلَى مَنْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِحْسَان إلَيْهِ، وَحَضَّ عَلَى إغْدَاقِ الْفَضْلِ عَلَيْه، وعلى مُضِيِّ سنةٍ تقريباً عَلَى الذِّكْرَى الألِيمَةِ الأُولَى لِانْقِضَاضِ أَحَدِ أَتْبَاعِ الْفِكْرِ الضَّالِّ الْمُنْحَرِفِ عَلَى خَالِهِ وَقَتْلِهِ لَهُ، قاطِعاً بِذَلِك رَحِمَهُ الْقُرْبَى، وفَاجِعاً أُمَّه بِنُورِ عَيْنِهَا، وبعَضِيدِها وَمُعِينِها، وَحَامِي حِمَاهَا بَعْد اللَّه - جَلّ وَعَلَا؛ لِيَسُنَّ بِذَلِك أَشْنَعَ السُّنَنِ، ويَبْتَكِرَ أَقْبَحَ السِّيَرِ، فَاقْتَفَى أَثَرَهُ الْقَبِيحَ فِي سُنَّتِه الشَّنِيعَةِ بَعْضُ الْمُغَرِّر بِهِم مَن طَائِفَتِه، يَتَجَارَى بِهِم كَلَبُهُم المُسْتَعِرُ اللَّهِيبِ، وَيَسُوقُهُم حَادِي الْهَوَى الرَّهيبِ، كَلٌّ يَبْذُلُ قُصَارَى جَهْدِه، وَيَبْلُغُ مُنْتَهَى كَدِّهِ، لِيَكُونَ أَرْبَى مِمَّن سَبَقَه جُرْماً، وَأَغْلَظَ مِنْهُ إثماً، فيتَعَمَّدُ أن يَرْتَكِبَ فَتْكَةً عظيمةً، وَيُوقِعَ ضربةً أليمةً، تَقِفُ الْأَلْبَابُ أَمَامَهَا مَشْدُوهَةً، إِذْ لَا هِيَ مَكْرُورَةٌ ولا مَعْهُودَةٌ، وَبِالتَّهَوُّرِ الْمُتَنَاهِي وَصَلَ السِّبَاقُ المشْؤُومُ إِلَى مَدَاهُ، وانْتَهَى التَّنَافُسُ فِي الْمَخَازِي إِلَى أَقْصَاهُ، فَبَلَغ أَبْعَدَ مَا يُمْكِنُ أن يَصِلَ إلَيْه الْفَسَادُ وَالْجَرِيمَةُ، وَأَبْشَعَ مَا يُمْكِنُ أن تُسَوِّلَهُ النَّفْسُ الأثيمَةُ، مُتَمَثّلِاً فِيْمَا اجْتَرَحَهُ ذِئْبَانِ مَاكِرَانِ مِنْ أَتْبَاعِ الْفِئَةِ الضَّالَّةِ، وجَزَّارَانِ حَاقِدَانِ مِنْ أَذْنَابِ الطَّائِفَةِ الشَّاذَّةِ، بعد تَخطيطٍ مسبقٍ، وإعدَادٍ مُبْرَمٍ، حَيْثُ تَحَيَّنَا أَشْرَفَ الْأَيَّامِ فِي أَشْرَف الشُّهُورِ، شَهْرِ الصِّيَام وَالْقَيامِ، لِأَيّ شَيْءٍ؟ أللصَّدقةِ؟ أَم لِلْبِرِّ؟ أَم لِلْإِحْسَانِ؟ لا، وَلَكِنْ للتَّفَلُّتِ التَّامِّ مِن قُيُودِ الدِّيَانَةِ، وَالتَّجَرُّدِ الْكَامِلِ مِن الْأَعْرَافِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَذَلِك بالانْقِضَاضِ عَلَى أُسْرَتِهِمَا بِهَدَفِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا قَضَاءً كُلِّيًا، وَإِزْهَاقِ نُفُوسِ أَفْرَادِها إزهاقاً وَحْشِيًّا، فَمَا الَّذِي حَدَث؟ لَقَد اسْتَهَلَّا الْجَرِيمَةَ النَّكْرَاءَ، وَالدَّاهِيَةَ الدَّهْيَاءَ بِمَا لا يَدَعُ مَجَالاً لِلشَّكِّ فِي أَنَّه لَيْسَ فِي قَلْبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِرْقٌ يَنْبِضُ بِالرَّحْمَةِ، أَو يَسْتَجِيبُ لِدَاعِي الْفِطْرَةِ، فَيا تُرَى مَن هاجما؟ هاجما أُمَّهُمَا، نَعَمْ أُمَّهُمَا الَّتِي حَمَلَتْهُمَا مَعاً فِي بَطْنِهَا، وَغَذَّتْهُمَا مِن صَدْرِهَا، وآوَتْهُمَا إِلَى حِضْنِهَا، وها هِيَ قَد هَدَّ الْكِبَرُ أَرْكَانَ قُوَّتِهَا، وقَوَّضَتِ الْأَيَّامُ دَعَائِمَ بِنْيَتِهَا، فَهَل خَفَضَ لَهَا تَوْأمَاها جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَهَل لَاحَظَاهَا بِعَيْنِ الْإِشْفَاقِ وَالرَّأْفَةِ، لا بَلِ انْهَالَا عَلَيْهَا بِكُلِّ قَسْوَةٍ وغِلْظَةٍ طعْناً بِالسَّكَاكِينِ، وتقْطِيعاً بالسَّوَاطِيرِ، فَمَا كَان مَن الضَّعِيفَةِ الْمَظْلُومَةِ حِينَ أَحَسَّتْ بِالْمَوْتِ إلَّا أن صَرَخَتْ مُسْتَنْجِدَةً ... لَكِن بِمَن استنْجَدَتْ؟ استنجدتْ بِمَن تَلَاشَى من ضَمِيرِه نَبْضُ الْإِحْسَاسِ، استنجدتْ بِأَقْرَبِ قَرِيبٍ، لَكِنَّه فِي الْحَقِيقَةِ الْعَدُوُّ الْأَثِيمُ، فَلَم يُلَامِسْ صُرَاخُ الْعَجُوزِ مِنْهُمَا أُذُناً تَسْمَعُ، ولا عَاطِفَةً تَخْضَعُ، وَلَمْ يَلِجْ صُيَاحُهَا إِلَى قَلْبٍ يَخْفِقُ، تَبَارَيَا فِي تَسْدِيدِ الطَّعَنَاتِ إِلَيْهَا، وتَنَافَسَا فِي تَوْجِيهِ الضَّرَبَات تُجَاهَهَا، وتركَاهَا تَسْبَحُ فِي دِمَائِهَا، وَكمْ سَبَحَا فِي أَنْهَارِ عواطِفِهَا الجَيَّاشَةِ، وكفى بِهَذَا جُحُوداً لِلْجَمِيلِ، ونُكْرَاناً لِلْفَضْلِ الْعَظِيم.

ثُمّ مَاذَا؟ هَل تَوَقَّف خُبْثُهُمَا؟ هَل انْقَطَع شَرُّهُمَا؟ لا بَل عَطَفَا عَلَى أَبِيهِما السبعينيِّ الَّذِي كدَّ وسَعَى، وَذَهَب وأتَى، وَكَابَدَ الْمَتَاعِبَ وَتَحَمَّلَ الْعَنَا، وقامَ وقعدَ حَتَّى احْدَوْدَبَ ظَهْرُهُ وَانْحَنَى، يقُوتُهُما وَيُنْفِقُ عَلَيْهِما وَيَذُبُّ عَنْهُمَا حَتَّى بَلَغَا أَشُدَّهُمَا، فَامْتَدَّتْ إلَيْه تِلْكَ السَّواعِدُ الَّتِي خُلِقَتْ مَن دَمِه، وَنَبَتَ لَحْمُهَا مَن عَرَقِ جَبِينِه، امْتَدَّتْ إلَيْه بِتَسْدِيدِ الطَّعَنَات، وَمُوَالَاةِ الضَّرَبَاتِ، ولولا عِنَايَةُ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - لسَلَبَتْهُ حُشَاشَةَ رُوحِهِ، وغادَرَاهُ طَريحاً تَشْخَبُ عُروقُه دماً.

وَلَمّ يَنْتَه الأَمْرُ عِنْد ذَلِك حَيْثُ لَم يَكُن حَظُّ أَخِيهِما الشَّقِيقِ بِأَحْسَنَ مِن حَظِّ الْأَبِ، فَقَد سُقِيَ كَأْسَ الْعُدْوَانِ التي اسْتَقَاهَا أَبُوه، وَكَادَ يَلْفِظُ أَنْفَاسَه تَحْتَ وَطْأَةِ شقيقيْهِ اللَّذَيْنِ يَعُدُّهُمَا قبْلُ مِجَنَّاً واقياً يُدَافِعُ بِهِ سَطْوَةَ كُلِّ ذي سَطْوَةٍ، فَإِذَا سِكِّينُهُما أَوَّلُ خَنْجَرٍ يُغْرَزُ فِي جَسَدِه. ولولا إلْهَامُ اللَّهِ أُخْتَهُمَا إغْلَاقَ الْبَابِ دُونَهَا بعد أن توجّها إليها، لَلَقِيَتِ الْمَصِيرَ نَفْسَه، وَلَمَزَّقَ جَسَدَهَا مَن تَعْتَقِدُ فِي قَرَارَةِ نَفْسِها أَنَّهَا حَرِيمُهُ الَّذِي لا يُسْتَبَاحُ، وَعِرْضُهُ الَّذِي لا يُرَام".

وأوضح: "إن هَذِه الْحَادِثَةَ الْعَظِيمَةَ والفاجعةَ الأليمةَ الَّتِي تُعَدُّ مِن أَنْدَرِ الْحَوَادِثِ فِي مُخْتَلَفِ الْعُصُورِ لَتَسْتَدْعِي مِنَّا تَمَامَ الْأُهْبَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ، وَتُهِيبُ بِنَا إِلَى الْمُثَابَرَةِ وَالِاجْتِهَادِ، وَتَضَعُ يَقَظَتَنَا عَلَى مِحَكِّ التَّجْرِبَةِ، وَتُوَضِّحُ لَنَا مَدَى هَمَجِيَّةِ الْفِئَةِ الْمَارِقَةِ وَمَدَى انْجِرَافِهَا فِي تَيَّارِ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، وَأَنَّ مَا دأبتْ عَلَيْه مَن تَلْقِينِ الشَّبَابِ مَبْدَأ اسْتِحْلَالِ الدِّمَاءِ الْمُحَرَّمَةِ هُو رَأْسُ الْبَلَاءِ، وَمَنْبَعُ الْفَسَادِ، فَمَن أُشْرِبَ قَلْبُهُ الِاسْتِهَانَةَ بِالدِّمَاءِ الْمَعْصُومَةِ، وَشُغِفَت نَفْسُهُ بِإِزْهَاقِ الْأَرْوَاحِ الْبَرِيئَةِ، لَم يُفَرِّقْ بَيْنَ دَمٍ وَدَمٍ، وكان شُغْلَهُ الشَّاغِلَ أنْ يُرِيقَ دماً، وصارَ دَيْدَنُهُ كَمَا قيل: وأحياناً عَلَى بَكرٍ أَخِينَا... إِذَا مَا لَم نَجِد إلَّا أَخَانَا".

وواصل: "كَمَا تَكْشِفُ لَنَا هَذِه الْوَاقِعَةُ مَدَى تَحْرِيفِ هَذِه الْفِئَةِ مَبْدَأِ الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ فِي الدّينِ، وَكَيْف فَهِمُوه غَلَطَاً كغيرهِ مِن أُصُولِ وقواعدِ الشَّرْعِ الْحَنِيف، اُنْظُرُوا كَيْف تَلَقَّنَ هَذَانِ العاقَّانِ المجرمان أنَّ دِيَانَتَهُمَا الْمُزَيَّفَةَ تُوجِبُ عَلَيْهِمَا تَذْبِيحَ أَبَوَيْهِما، هَبْ أَنَّهُمَا اقْتَنَعَا – افتراضاً - بِأَنَّ وَالِدَيْهِما كافران، كَيْف غَابَتْ عَنْهُمَا نُصُوصُ الْكِتَابِ فِي الأَمْرِ بِحُسْنِ مُصَاحَبَةِ الْوَالِدَيْنِ ولو كانا مُشْرِكِين، قَال تَعَالَى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)".

وفي الخطبة الثانية قال "الطيار": "ثُمّ إن الْفِكْرَ لَم يَزَلْ رَهْنَ التَّعَجُّبِ، وَإنّ الْعُقُولَ لَم تَبْرَحْ وَالِهَةً مُتَحَيِّرَةً مَن وَقْعِ هَذِهِ الْفَاجِعَةِ الْغَرِيبَةِ، وَالْوَاقِعَةِ الأليمةِ، حَتَّى حَدَثَتْ تفجيراتٌ إرهابيةٌ في كُلٍّ من جدةَ والمدينةِ المنوّرةِ والقطيفِ، وجميعُ هذه التفجيراتِ آثمةٌ عدوانيةٌ، ولتفجيرِ المدينةِ المنوّرةِ خُصوصيةٌ تستدعِي الوقوفَ معه، حيثُ كان هذا التفجيرُ من أغربِ الغرائبِ، وهَزَّ ضَمَائِرَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب، جَرِيمَةٌ يَنْدَى لَهَا الْجَبِينُ، وَتَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ، وَتَتَضَاءَلُ أَمَامَهَا الْجَرَائِمُ، إنَّهَا حَادِثَةُ التفجيرِ الإرْهَابِيِّ الْآثِمِ الَّذِي وَقَعَ فِي الْعَاصِمَة النَّبَوِيَّة، الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ مَأْرِزِ الْإِيمَانِ، وَمَهْبِطِ آيَاتِ الْقُرْآن، وَحَرَمِ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسلم -، إنَّهَا الْمَدِينَةُ الَّتِي تَرَبَّى أَطْفَالُ الْمُسْلِمِين عَلَى احْتِرَامِهَا، وتَلَقَّنُوا مَبْدَأَ إعزازِها وَإِكْرَامِها، كَيْف لا وَهي مُهَاجَرُ الْحَبِيب، وَمَرْقَدُ جُثْمَانِهِ الشَّرِيفِ، مَشَى عَلَى تُرْبتِها الْمُصْطَفَى فَفِيهَا مَدَارِجُهُ، وَنَزَلَ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ فَمِنْهَا مَعَارِجُهُ، انْطَلَقْتِ الْمَغَازِي النَّبَوِيَّةُ من أَرْجَائِهَا، وَانْعَقَدَت فِيهَا أَلْوِيَةُ دَحْرِ الرِّدَّةِ وإطفائِها، ومنها انْطَلَقْتِ الْفُتُوحَاتُ الْإِسْلَامِيَّةُ تجوبُ أَقْطَارَ الْبُلْدَانِ، وتَدُوسُ كِبْرِيَاءَ فَارِسَ والرومانِ".

وتابع: "وَقَد تَضَافَرَتِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ عَلَى مَا لحَرَمِ الْمَدِينَةِ مَن عِصْمَةٍ، وما يَتَرَتَّبُ عَلَى انْتِهَاكِهِ مَن الْعُقُوبَاتِ الَّتِي أَغْلَظُهَا حُلُولُ اللَّعْنَةِ، وَهَذِه بَعْضٌ مِن النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِك: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: المَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، لاَ يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا حَرَامٌ»، وَأَخْرج الْبُخَارِيّ أَيْضًا عَن سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَقُولُ: «لاَ يَكِيدُ أَهْلَ المَدِينَةِ أَحَدٌ، إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ المِلْحُ فِي المَاءِ".

ونوّه قائلاً: "أَيُّهَا الْمُسْلِمُون: إنَّ أَفْظَعَ مَا فِي هَذِه الْحَادِثَةِ أن هذا التفجيرَ الإرهابيَّ الْآثِمَ، وَالْعُدْوَانَ الغاشمَ، كَانَ الْمُرَادُ مِنْه استهدافَ الْمُصَلِّينَ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ، ثَانِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْن، ولولا لطفُ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا -، ثُمّ شَجَاعَةُ المتَصَدِّينَ لَه مَن رِجَالِ الْأَمْنِ، لأوْدَى بمئاتِ الْمُسْلِمِين فِي هَذِه الْبُقْعَةِ الطَّاهِرَةِ الْمُبَارَكَةِ، ولَمَّا حِيلَ بَيْنَه وَبَيْن ذَلِك الْمَقْصَدِ الْأَثِيمِ، فَجَّرَ نَفْسَه مُضحِّياً بِعَدَدٍ مَن شُرَفَاءِ رِجَالِ أمنِنا البواسلِ الَّذِين لَقُوا رَبَّهُم صَائِمَينَ فِي هَذِه السَّاعَةِ الْمُبَارَكَةِ مُدافعينَ عَن عِبَادِهِ مِن سُكَّانِ حرَمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عليه وسلم -، والمتوافدين عَلَيْهِ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، تحدوهم الْأَشْوَاقُ إِلَى مَهْبِطِ الْوَحْيِ، وَيَبْذُلُونَ الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ لِلْوُصُول إِلَى أَوَّلِ حَاضِنٍ للإسلام، وَقَد وَقَعَ هَذَا التفجيرُ قُرْبَ بَوَّابَةٍ من بواباتِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ، وَعَلَى بُعْدِ بِضْعِ مئاتٍ من الأمتار من مَضْجَعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّه عليه وسلم - وصَاحِبَيهِ، وَالرَّوْضَةِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي هِي رَوْضَةٌ مَن رِيَاضِ الْجَنَّةِ".

وأفاض: "وعِلَاوَةً عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِه الْحَادِثَةُ مِن اسْتِبَاحَةٍ عَظِيمَةٍ لَحَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَإِحْدَاثِ حَدَثٍ شَنِيعٍ فِيهَا، واستهدافٍ لِوَاحِدٍ مَن أَكْبَرِ وَأَهَمِّ حشودِ الْمُسْلِمِين الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا الإسلامُ، وَقَتْلٍ لِلْقَائِمِينَ عَلَى تَأْمِينِ تِلْكَ الحشودِ، عِلَاوَةً عَلَى هَذَا كَانَتْ هَذِه الْجَرِيمَةُ استخفافاً وقِحاً بمقدساتِ الْمُسْلِمِينَ، وتلاعباً ظاهراً بمشاعرِهم، وتجاهُلاً تاماً لِحُرْمَةِ هَذِهِ الْبِقَاعِ الطَّاهِرَةِ، واستهانةً بما يَحُفُّ بِها مَن رُوحَانِيَّةٍ لا يَخْلُو زائرُها الْمُؤْمِنُ من استشعارِها، كما تضمَّنتْ هذهِ الجريمةُ رِسَالَةً مُفْصِحَةً بِأَنَّ جَمِيعَ الْحُرُمَاتِ مُسْتَبَاحَةٌ عِنْد الْفِئَةِ الضَّالَّة، وَالشِّرْذِمَةِ الشَّاذَّةِ، فَلا تُرَاعِي حُرْمَةَ ذي حُرْمَةٍ شخصاً كَان أَو مكاناً، بَل هَمُّهَا التَّخْرِيبُ والتقتيلُ كَلَّمَا سَنَحَتْ لَهَا الْفُرْصَةُ، وَأَمْكَنَتْهَا الفَتْكَةُ".

وزاد: "سُبْحَان اللَّهِ أيُعقَلُ أن يَهُزَّ دَوِيُّ الانفجاراتِ نُفُوسَ الْجَالِسِينَ الْخَاشِعِينَ فِي رَوْضَةٍ من رياض الْجَنَّة بَيْن مِنْبَرِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسُلِّم - وَحُجْرَتِهِ، أيُعقَلُ أن تُصِمَّ أصواتُ الانفجاراتِ آذَانَ الْوَاقِفِينَ تُجَاه الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسُلِّم - يُلْقُون عَلَيْه التَّحِيَّةَ فِي سَكِينَةٍ بِأَصْوَاتٍ خَفِيَّةٍ، وَقُلُوبٍ مُخبتَةٍ، أَلَم يُصَرِّحْ فُقَهَاؤُنَا بِأَنّ زَائِرَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسلم - لا يَرْفَعُ صَوْتَه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَه بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُم لِبَعْض} وَحُرْمَتُه - صلى الله عليه وسلم - ميتاً كَحُرْمَتِه حياً".

واختتم: "لَقَد بَدَا جليّاً مُبَايَنَةُ طَرِيقِ هَؤُلَاءِ لسلوكياتِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، فَقَد اتَّفَقَ الْمُسْلِمُون عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِم، وَتَنَوُّعِ مَشِاربِهِم عَلَى تَقْدِيسِ هَذِه الْأَمَاكِنِ الْمُطَهَّرَةِ، وَاحْتِرَامِ هَذِه الْبِقَاعِ الْمُنَوَّرَةِ، وَعَلَى النَّقِيضِ مِن ذَلِك أَظْهَرَت هَذِه الْفِئَةُ استهانتَها بِهَذَا الْحَرَمِ، وَتَعَمَّدَتْ تَوْشِيحَ نَصَاعَةِ ساحاتِهِ بِحُمْرَةِ الدِّمَاءِ، وَتَغْطِيَةِ أجوائِهِ الْمُنَوَّرَةِ بِسَحَائِبِ الدُّخَان، نَسْأَلُ اللَّه ألا يَحْتَرِقَ بنيرانِهِم إلاَّ هُمْ، وَأَلا تنغرِزَ سِهَامُهُم إلَّا فِي نُحُورِهِم، ونقدِّمُ أحرَّ التَّعَازِي، وَأَصْدَقَ الْمُوَاسَاةِ لأسرِ رِجَالِ الْأَمْن الَّذِين استُشْهِدُوا فِي هَذِه الْفَاجِعَةِ فِي مَيْدَانِ الشَّرَفِ وَالْكَرَامَةِ وَاخْتَلَطَتْ دِمَاؤُهُم وأشلاؤهم بِالْبِقَاعِ الطَّاهِرَةِ، وَأُكْرِمُوا بِأَن لفظوا أنفاسَهُم وهم يُنافِحُون عن حرمِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعن جُمُوعِ الْمُصَلِّين فِي مَسْجِدِه، فاللهم اجْعَل هَذَا فِي مِيزَان حَسَنَاتِهِم، وأخيراً أَقُول لِلْعَاقّ أَو مَن تُسَوِّل لَه نَفْسُه الْعُقُوق:

"إن الْعُقُوقَ مَذَمَّةٌ وَدَنَاءَةٌ ... لا يَرْتَضِيه سِوَى الْوَضِيعِ الأحقرِ
يَا مَن يَمُدُّ لِوَالِدَيْه يَدَ الْأَذى ... شُلَّتْ يَمِينُك يَا عَظِيمَ الْمُنْكَر
حَمَلَتْكَ تِلْك الْأُمُّ فِي أَحْشَائِهَا ... وهْنَاً عَلَى وَهْنٍ تمامَ الْأَشْهُر
إن تَخْتَفِ الْحَرَكَاتُ مِنْك انتابَها ... فَزَعٌ ومهما تَنْتَظِمْ تستبشر
وأوانَ وَضْعِك بَعْد مَا أنْهَكْتَها ... جرَّعْتَها غُصَصَ الْمَخَاضِ الْأَعْسَر
ومتى اشْتَكَيْتَ ولو أَقَلَّ شكايةٍ ... تُهْرَعْ إِلَى مشفى الطَّبِيبِ وتسهَر
وَأَبُوكَ كُنتَ عُصارةً مِنْ صُلْبِهِ ... وَسُلالةً مَن مَائِهِ المتحَدِّر
طَارَتْ بِهِ الْأَفْرَاحُ إِذْ زُفَّتْ لَه ... بُشْرَى الْمُبَشِّر بِالْجَنِينِ الْمُضْمَر
واستبْطأ الْأَيَّامَ يَرْقُبُ ضَيْفَه ... شوقاً إِلَى فَجْرِ السُّرُورِ النيِّر
وَسَعَى يَقُوتُك جاهداً لا يَأْتَلِي ... ومِنَ الْأَذَى يحميك غيرَ مُقَصِّر
وَفَوَاضِلُ الْأَبَوَيْنِ لا تَخْفَى عَلَى ... أُذُنِ السَّمِيعِ ولا لِعَيْنِ الْمُبْصِر
يَا وَيْلَ مَن زُرِعَت لَدَيْه فَوَاضِلٌ ... فِي حَجْمِهَا وَسِوى الْأَذَى لَم تُثْمِر
يَا جَاحِدَ الْحَقِّ الْعَظِيمِ سَفَاهَةً ... أَجْزَاءُ أُمِّك طَعْنَةٌ بِالْمَنْحَر
تُدْمِي تَراقيَها ولو أَلْبَسَتْهَا ... أَغْلَى الْقَلَائِد لا تَفِي بالأجدر
كَيْفَ ارتضيتَ بِأَنّ تُخَضِّبَ بالدِّما ... قَدَمَيْنِ تَحْتَهُمَا جِنانُ الْأَنْهُر
وَاخْفِض جَنَاحَ الذُّلِّ أَمْرُ إلهِنا ... وكشَرْتَ عَن نَابِ الْأَذَى بِتَنَمُّر
أَتَشُجُ رَأْسَ أَبِيك وَالَأَوْلَى بِهِ ... تَقْبِيلُهُ بِتَوَاضُعِ المُتَصَغِّر
قَد ظَنَّ أَنَّك إن كَبِرْتَ تُعِزُّهُ ... وتذودُ عَنْه إذَايَةَ الْمُسْتَهْتِر
وَتَزِيْنُهُ فِي مَحْفِلٍ إِذ يَكْتَسِي ... رَجُلٌ بِأَبْنَاءٍ رِدَاءَ المَفْخَرِ
أتغادرُ الْأَخَ وَهْو رَهَنُ جِرَاحِهِ ... تمكو الفرائصُ بالعبيطِ الْأَحْمَر
وَالْأُخْتُ قَد روَّعْتَها وَفَجَعْتَها ... وَالْأُخْتُ مَن أَغْلَى حَرِيم الأغير
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ هَذَا مُنْكَرٌ ... مَلأَ الْفُؤَادَ مَرَارَةَ المُتَحَسِّرِ
وَإِلَيْكَ نَبْرَأُ مِنْ مَعَرَّةِ قُبْحِهِ ... ونعوذُ مَن شُؤْم اجْتِرَاءِ المجتري
إنَّا لننكِرُهُ فنصدعُ جَهْرَةً ... وَسْطَ الْمَجَالِسِ أَو بِذِرْوَةِ مِنْبَر".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.