رئيس جهاز مدينة دمياط الجديدة يزور جامعة المحافظة لبحث سبل التعاون التنموي والتعليمي    محافظ الإسماعيلية يتابع الموقف التنفيذي لنسب الإنجاز بملفات التقنين والمتغيرات المكانية (صور)    مالطا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية    شهادة من الداخل.. رجل أعمال إسرائيلي يكشف خداع تل أبيب لواشنطن بشأن مساعدات غزة    دمشق تتعهد لواشنطن بالمساعدة في البحث عن أمريكيين مفقودين في سوريا    كريستال بالاس يتقدم على ليفربول 1-0 بعد مرور 30 دقيقة    خبير لوائح: أتوقع أن تخصم المحكمة الرياضية 6 نقاط كاملة من الأهلي    رئيس بعثة الحج الرسمية: وصول نحو 13 ألف حاج من بعثة القرعة إلى مكة المكرمة    السعودية تدعو لتحري هلال ذى الحجة الثلاثاء وتكلف صالح بن حميد بخطبة عرفة    موعد صلاة عيد الأضحي 2025 في القاهرة والمحافظات.. تعرفوا عليه    وزير الأوقاف في ماسبيرو لتسجيل حلقات برنامج حديث الروح في دورته الجديدة    وزير الأوقاف في ماسبيرو لتسجيل حلقات برنامج حديث الروح في دورته الجديدة    جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تستضيف انعقاد "المجلس الأعلى" للجامعات الخاصة والأهلية برئاسة د. أيمن عاشور    مدبولي: حريصون على جعل مصر مركزًا إقليميًا لصناعة الحديد    تامر حسني وأبطال "ريستارت" يحتفلون اليوم بالعرض الخاص للفيلم    إنجاز على صعيد العمل.. توقعات برج القوس في الأسبوع الأخير من مايو 2025    موعد وقفة عرفات 2025 وكيف تستغل هذا اليوم المبارك    المفتي: يوضح حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع    دليلك لاختيار الأضحية في عيد الأضحى 2025 بطريقة صحيحة    ختام الموسم.. ماذا يحدث في 10 مباريات بالدوري الإنجليزي الممتاز؟ (مُحدث)    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا الاثنين 26-5-2025    خلال المؤتمر الجماهيري الأول لحزب الجبهة الوطنية بالشرقية.. عثمان شعلان: ننطلق برسالة وطنية ومسؤولية حقيقية للمشاركة في بناء الجمهورية الجديدة    «الإسماعيلية الأزهرية» تفوز بلقب «الأفضل» في مسابقة تحدي القراءة العربي    إيتو: مستوى الفرق بكأس العالم للأندية متقارب.. وأثق في أنديتنا الأفريقية    عمر مرموش يقود تشكيل مانشستر سيتي ضد فولهام في الدوري الإنجليزي الممتاز    "عاشور ": يشهد إطلاق المرحلة التنفيذية لأضخم مشروع جينوم في الشرق الأوسط    إصابه 5 أشخاص في حادث تصادم على الطريق الإقليمي بالمنوفية    5 سنوات على مقتل جورج فلوريد.. نيويورك تايمز: ترامب يرسى نهجا جديدا لخطاب العنصرية    الأهلي يحتفي بذكرى تتويجه بلقب دوري أبطال أفريقيا للمرة ال 12    تقارير: الهلال السعودي يحدد موعد سفره إلى أمريكا.. ويترك القائمة للمدرب الجديد    لجنة تصوير الأفلام تضع مصر على خريطة السينما العالمية    مصر تهنيء الأردن بمناسبة الاحتفال بذكرى يوم الاستقلال    الهيئة العربية للاستثمار توقّع مذكرة تفاهم مع شركة أمريكية لدعم التحول الرقمي في الزراعة    النواب يوافق نهائيا على مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ    جدول مواعيد الصلاة في محافظات مصر غداً الاثنين 26 مايو 2025    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    نائب رئيس الوزراء: زيادة موازنة الصحة ل406 مليارات جنيه من 34 مليار فقط    يسبب السكتة القلبية.. تناول الموز في هذه الحالة خطر على القلب    المئات يشيعون جثمان القارئ السيد سعيد بمسقط رأسه في الدقهلية    محافظ المنوفية: تقييم دوري لأداء منظومة النظافة ولن نتهاون مع أي تقصير    محافظ بني سويف يلتقي وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    ضبط سائق سيارة نقل بتهمة السير عكس الاتجاه بالقاهرة    الصحة العالمية تشيد بإطلاق مصر الدلائل الإرشادية للتدخلات الطبية البيطرية    محافظ أسيوط يتفقد مستشفى الرمد بحي شرق ويلتقي بعض المرضى    خطوة بخطوة.. إزاي تختار الأضحية الصح؟| شاهد    فور ظهورها.. رابط نتيجة الشهادة الإعدادية الأزهرية بالاسم ورقم الجلوس 2025 الترم الثاني    «بني سويف الأهلية» تناقش مشروعات طلاب المحاسبة والتمويل الدولي.. والجامعة: نُعد كوادر قادرة على المنافسة العالمية    بعد افتتاح الوزير.. كل ما تريد معرفته عن مصنع بسكويت سيتي فودز بسوهاج    محافظ الشرقية: 566 ألف طن قمح موردة حتى الآن    وزير الإعلام الكويتى يؤكد حرص بلاده على دعم وحدة الصف الخليجي    وزير الخارجية يتوجه لمدريد للمشاركة فى اجتماع وزارى بشأن القضية الفلسطينية    انتظام كنترول تصحيح الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالشرقية    إيرادات السبت.. "المشروع x" الأول و"نجوم الساحل" في المركز الثالث    الكشف عن مبنى أثري نادر من القرن السادس الميلادي وجداريات قبطية فريدة بأسيوط    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    استعدادًا لعيد الأضحى.. «زراعة البحر الأحمر» تعلن توفير خراف حية بسعر 220 جنيهًا للكيلو قائم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    «ليلة التتويج».. موعد مباراة ليفربول وكريستال بالاس والتشكيل المتوقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هدي النبي في العشر الأواخر من شهر رمضان
نشر في الفجر يوم 25 - 06 - 2016

كان النبي يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، ما لا يجتهد في غيرها، ومن ذلك أنه كان يعتكف فيها ويتحرى ليلة القدر خلالها، وفي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي "كان إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد مئزره". وزاد مسلم: "وجَدّ وشدّ مئزره".
وقولها: "وشد مئزره" كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد فيها زيادة على المعتاد، ومعناه التشمير في العبادات. وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء، وترك الجماع.
وقولها: "أحيا الليل" أي: استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها. وقد جاء في حديث عائشة الآخر رضي الله عنها: "لا أعلم رسول الله قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى الصباح، ولا صام شهرًا كاملاً قط غير رمضان"، فيحمل قولها "أحيا الليل" على أنه يقوم أغلب الليل، أو يكون المعنى أنه يقوم الليل كله لكن يتخلل ذلك العشاء والسحور وغيرهما، فيكون المراد أنه يحيي معظم الليل.
وقولها: "وأيقظ أهله" أي: أيقظ أزواجه للقيام. ومن المعلوم أنه كان يوقظ أهله في سائر السنة، ولكن كان يوقظهم لقيام بعض الليل؛ ففي صحيح البخاري أن النبي استيقظ ليلة فقال: "سبحان الله! ماذا أُنزل الليلة من الفتن؟ ماذا أُنزل من الخزائن؟ من يوقظ صواحب الحجرات؟ يا رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة". وفيه كذلك أنه كان يوقظ عائشة -رضي الله عنها- إذا أراد أن يوتر، لكن إيقاظه لأهله في العشر الأواخر من رمضان كان أبرز منه في سائر السنة.
وفعله هذا يدل على اهتمامه بطاعة ربه، ومبادرته الأوقات، واغتنامه الأزمنة الفاضلة. فينبغي للمسلم الاقتداء بالنبي فإنه هو الأسوة والقدوة، والجِد والاجتهاد في عبادة الله، وألاّ يضيع ساعات هذه الأيام والليالي؛ فإن المرء لا يدري لعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هادم اللذات ومفرق الجماعات والموت الذي هو نازل بكل امرئ إذا جاء أجله، وانتهى عمره، فحينئذٍ يندم حيث لا ينفع الندم.
من فضائل العشر الأواخر
من فضائل هذه العشر وخصائصها ومزاياها أن فيها ليلة القدر، قال الله تعالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [الدخان: 1-6].
أنزل الله القرآن الكريم في تلك الليلة التي وصفها رب العالمين بأنها مباركة، وقد صح عن جماعة من السلف منهم ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وغيرهم، أن الليلة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة القدر.
وقوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}، أي: تقدّر في تلك الليلة مقادير الخلائق على مدى العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والعزيز والذليل، والجدب والقحط وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة.
والمقصود بكتابة مقادير الخلائق في ليلة القدر -والله أعلم- أنها تنقل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ، قال ابن عباس: "إن الرجل يُرى يفرش الفرش ويزرع الزرع وأنه لفي الأموات". أي أنه كتب في ليلة القدر أنه من الأموات. وقيل: إن المعنى أن المقادير تبين في هذه الليلة للملائكة.
ومعنى "القدر" التعظيم، أي أنها ليلة ذات قدر، لهذه الخصائص التي اختصت بها، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر. وقيل: القدر التضييق، ومعنى التضييق فيها: إخفاؤها عن العلم بتعيينها. وقال الخليل بن أحمد: إنما سميت ليلة القدر؛ لأن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة، من "القدر" وهو التضييق، قال تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: 16]. أي: ضيّق عليه رزقه.
فسماها الله تعالى ليلة القدر وذلك لعظم قدرها، وجلالة مكانتها عند الله، ولكثرة مغفرة الذنوب وستر العيوب فيها، فهي ليلة المغفرة كما في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي قال: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه".
خصائص ليلة القدر
وقد خص الله تعالى هذه الليلة بخصائص:
1- منها أنه نزل فيها القرآن، كما تقدم، قال ابن عباس وغيره: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصَّلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله .
2- وصْفها بأنها خير من ألف شهر في قوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3].
3- ووصفها بأنها مباركة في قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3].
4- أنها تنزل فيها الملائكة، والروح، "أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحِلَق الذكْر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيمًا له" والروح هو جبريل ، وقد خصه بالذكر لشرفه.
5- ووصفها بأنها سلام، أي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا، أو يعمل فيها أذى كما قاله مجاهد. وتكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب بما يقوم العبد من طاعة الله .
6- {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4]، أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها، كل أمر محكم لا يبدل ولا يغير، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وكتابته له، ولكن يُظهِر للملائكة ما سيكون فيها ويأمرهم بفعل ما هو وظيفتهم.
7- أن الله تعالى يغفر لمن قامها إيمانًا واحتسابًا ما تقدم من ذنبه، كما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي قال: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقوله: "إيمانًا واحتسابًا" أي تصديقًا بوعد الله بالثواب عليه، وطلبًا للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه.
وقد أنزل الله تعالى في شأنها سورة تتلى إلى يوم القيامة، وذكر فيها شرف هذه الليلة وعظّم قدرها، وهي قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1-5].
فقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} تنويهًا بشأنها، وإظهارًا لعظمتها. {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي: إحْياؤها بالعبادة فيها خير من عبادة ثلاث وثمانين سنة. وهذا فضل عظيم لا يقدره قدره إلا رب العالمين تبارك وتعالى، وفي هذا ترغيب للمسلم وحث له على قيامها، وابتغاء وجه الله بذلك؛ ولذا كان النبي يلتمس هذه الليلة ويتحراها مسابقةً منه إلى الخير، وهو القدوة للأمة.
تحري ليلة القدر
تحري ليلة القدريستحب تحري ليلة القدر في رمضان، وفي العشر الأواخر منه خاصة، جاء في صحيح مسلم من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: "إِن رَسُولَ اللهِ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأُولَ مِنْ رَمَضَانَ ثُم اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ فِي قُبةٍ تُرْكِيةٍ عَلَى سُدتِهَا حَصِيرٌ. قَالَ: فَأَخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحاهَا فِي نَاحِيَةِ الْقُبةِ، ثُم أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ الناسَ فَدَنَوْا مِنْهُ، فَقَالَ: (إِني اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأُولَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ الليْلَةَ، ثُم اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ، ثُم أُتِيتُ فَقِيلَ لِي: إِنهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ أَحَب مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ). فَاعْتَكَفَ الناسُ مَعَهُ. قَالَ: (وَإِنِّي أُرْيْتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ وَإِنِّي أَسْجُدُ صَبِيحَتَهَا فِي طِينٍ وَمَاءٍ). فَأَصْبَحَ مِنْ لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَدْ قَامَ إِلَى الصبْحِ، فَمَطَرَتْ السمَاءُ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فَأَبْصَرْتُ الطينَ وَالْمَاءَ، فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاةِ الصبْحِ وَجَبِينُهُ وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ فِيهِمَا الطينُ وَالْمَاءُ، وَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ".
وليلة القدر في العشر الأواخر كما في حديث أبي سعيد السابق، وكما في حديث عائشة وحديث ابن عمر أن النبي قال: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان".
وفي أوتار العشر آكد؛ لحديث عائشة أن رسول الله قال: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر".
وفي الأوتار منها بالذات، أي ليالي: إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين؛ فقد ثبت في الصحيحين أن النبي قال: "التمسوها في العشر الأواخر، في الوتر"، وفي حديث ابن عباس أن النبي قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى"، فهي في الأوتار أحرى وأرجى إذن.
وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي ليخبرنا ليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرُفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة". أي: في الأوتار. وفي هذا الحديث دليل على شؤم الخصام والتنازع، وبخاصة في الدين، وأنه سبب في رفع الخير وخفائه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين، ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي : "لتاسعة تبقى، لسابعة تبقى، لخامسة تبقى، لثالثة تبقى". فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع، وتكون الاثنان والعشرون تاسعةً تبقى، وليلةُ أربع وعشرين سابعة تبقى. وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح، وهكذا أقام النبي في الشهر... وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه".
وليلة القدر في السبع الأواخر أرجى؛ ولذلك جاء في حديث ابن عمر أن رجالاً من أصحاب النبي أُروا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله : "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر".
وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون، فقد جاء عن النبي من حديث ابن عمر عند أحمد، ومن حديث معاوية عند أبي داود أن النبي قال: "ليلة القدر ليلة سبع وعشرين". وكونها ليلة سبع وعشرين هو مذهب أكثر الصحابة وجمهور العلماء، حتى أبيّ بن كعب كان يحلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين. قال زر بن حبيش: "فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالعلامة، أو بالآية التي أخبرنا رسول الله أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها".
وروي في تعيينها بهذه الليلة أحاديث مرفوعة كثيرة، قال ابن عباس : "إنها ليلة سبع وعشرين". واستنبط ذلك استنباطًا عجيبًا من عدة أمور، فقد ورد أن عمر جمع الصحابة وجمع ابن عباس معهم وكان صغيرًا فقالوا: إن ابن عباس كأحد أبنائنا، فلِمَ تجمعه معنا؟ فقال عمر: إنه فتى له قلب عقول، ولسان سَئُول. ثم سأل الصحابة عن ليلة القدر، فأجمعوا على أنها من العشر الأواخر من رمضان، فسأل ابن عباس عنها، فقال: إني لأظن أين هي، إنها ليلة سبع وعشرين. فقال عمر: وما أدراك؟ فقال: إن الله تعالى خلق السموات سبعًا، وخلق الأرضين سبعًا، وجعل الأيام سبعًا، وخلق الإنسان من سبع، وجعل الطواف سبعًا، والسعي سبعًا، ورمي الجمار سبعًا. فيرى ابن عباس أنها ليلة سبع وعشرين من خلال هذه الاستنباطات، وكأن هذا ثابت عن ابن عباس.
ومن الأمور التي استنبط منها أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، أن كلمة "فيها" من قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} هي الكلمة السابعة والعشرون من سورة القدر.
وهذا ليس عليه دليل شرعي، فلا حاجة لمثل هذه الحسابات، فبين أيدينا من الأدلة الشرعية ما يغنينا. لكن كونها ليلة سبع وعشرين أمر غالب والله أعلم وليس دائمًا، فقد تكون أحيانًا ليلة إحدى وعشرين، كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم. وقد تكون ليلة ثلاث وعشرين كما جاء في رواية عبد الله بن أُنيس كما تقدم. وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى"، ورجّح بعض العلماء أنها تتنقل وليست في ليلة معينة كل عام. وإنما أخفى الله تعالى هذه الليلة؛ ليجتهد العباد في طلبها، ويجدوا في العبادة، كما أخفى ساعة الجمعة وغيرها. فينبغي للمؤمن أن يجتهد في أيام وليالي هذه العشر طلبًا لليلة القدر؛ اقتداءً بنبينا ، وأن يجتهد في الدعاء والتضرع إلى الله.
الدعاء المأثور فيها
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت أن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني".
خصوصية الاعتكاف ليلة القدر
لقد اختص الله الاعتكاف في ليلة القدر بزيادة الفضل على غيرها من أيام السنة. والاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وقد كان النبي يعتكف هذه العشر كما جاء في حديث أبى سعيد السابق أنه اعتكف العشر الأُول ثم الأوسط، ثم أخبرهم أنه كان يلتمس ليلة القدر، وأنه أُريها في العشر الأواخر، وقال: "من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر". وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده، وكان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه، كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة.
وقال الأئمة الأربعة وغيرهم رحمهم الله: يدخل قبل غروب الشمس. وأوّلوا الحديث على أن المراد أنه دخل المعتكف وانقطع وخلّى بنفسه بعد صلاة الصبح، لا أن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف. ويسنُّ للمعتكف الاشتغال بالطاعات، ويحرم عليه الجماع ومقدماته؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]. ولا يخرج من المسجد إلا لحاجةٍ لا بُدَّ منها.
العلامات التي تعرف بها ليلة القدر:
العلامة الأولى: ثبت في صحيح مسلم من حديث أبيّ بن كعب ، أن النبي أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شُعاع لها.
العلامة الثانية: ثبت من حديث ابن عباس أن النبي قال: "ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تُصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة".
العلامة الثالثة: روى الطبراني بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع ، أن النبي قال: "ليلة القدر ليلة بلجة، لا حارة ولا باردة، ولا يُرمى فيها بنجم"، أي: لا ترسل فيها الشهب.
فهذه ثلاثة أحاديث صحيحة في بيان العلامات الدالة على ليلة القدر. ولا يلزم أن يعلم من أدرك وقام ليلة القدر أنه أصابها، وإنما العبرة بالاجتهاد والإخلاص، سواءٌ علم بها أم لم يعلم، وقد يكون بعض الذين لم يعلموا بها أفضل عند الله تعالى وأعظم درجة ومنزلة ممن عرفوا تلك الليلة؛ وذلك لاجتهادهم. نسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يُعيننا فيه على ذكره وشُكْره وحُسْن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.