"الغربة شهادة وفاة مؤقتة" مقولة خطفتني من الوهلة الأولى حينما سمعتها وأصبحت تتردد داخل ذهني مرارا وتكراراً.. دائما ما ينظر الناس إلى المغترب بأنه يجني الكثير من الأموال وينتظرون "سعادة البيه" عندما يعود إلى وطنه ب"شنط الفلوس" ولا يعلمون كيف يعاني من "الجهاد" النفسي والفكري الذي يعيش بداخله وبه طوال فترة سفره خارج أرض وطنه "الحنونة" التي يحن ويعشق كل ما بها مهما "قست عليه البلاد". أرى في عيون وأحس بداخل قلوب الكثيرين "حقد وغل وحسد" لكل من يعرف أن هذا الشخص يعمل بالخارج سواء بلد عربي أو أوروبي, وهنا في هذا المجتمع الذي لا يعتبر للمشاعر أي قيمة بل يعتبرون أن هدف المغترب هو جمع الأموال فقط, وفي خلال فترة قصيرة سيتحول هذا المغترب إلي "المليونير الصغير" في نهاية المطاف. وبدأت أتحدث داخل نفسي وأتساءل عن حلم السفر الذي يسعى دائما نحوه الشباب العربي وخاصة "المصري" وما سوف يحققونه من هذا الهدف؟ وكيف ستكون حياتهم خارج أقطارهم؟ وكيف سيتعاملون مع أشكال جديدة وعادات مختلفة؟ كيف ستمر عليهم الأيام بدون أسرهم وأصدقائهم؟ كيف يحسبون الوقت؟ ومتى سيعودون إلى أوطانهم محققين حتى ولو جزء بسيط من حلمهم؟ طيب يعني اللي هنا عايز يسافر واللي هناك يتمني يرجع, موضوع حيرني جدا حبيت أعرف ده ليه عايز يسافر ود ليه بيتمني يرجع, تحدثت مع صديق العائلة المغترب في احدي الدول العربية. وبدوره، بدأ يسرد لي قصص مرعبة وقاتلة نفسيا عن "الغربة" بدأها بمقولة "الغربة ما هي إلا شهادة وفاة مؤقتة", في الغربة تغترب مشاعرك وأحاسيسك حتى أطباعك القديمة تصبح غريبة, أما نظرتي لبلدي هتتغير أزاي حصلت علي شهادتي ولم أجد فرصة عمل مناسبة والأجور ضئيلة جدا, وكان الحلم الكبير هو السفر لكي اعيش "مرتاح البال والمال", لكن المقابل كان اكبر من الراتب الذي أحصل عليه شهريا, الحنين لذكريات الماضي, الخوف من بكرة, شوق الأهل والأصحاب, وطنك روحك.. وبقية الأماكن مجرد ذكريات. ويتابع بصوت "مهموم" يحمل على عاتقه الكثير من الألم.. مهما كانت أرض الغربة جميلة لا يمكن أن تحل محل الوطن, مضيفا الغريب للغريب في الغربة نسيب مش صاحب، هكذا نعيش خارج وطننا.. هكذا نتألم ولا يشعر بنا أحد.. هكذا يحكم علينا الجميع بمظهرنا. "غاب عقلي منه لفترة".. وبدأ يبحث في كلامه على معاني ل"الغربة".. فهمت من كلامه، أن اللي في بلده عايز يسافر واللي مسافر عايز يرجع، ولا أحد يشعر بأحد، وأن الذي يعيش في وطنه لا يشعر بالراحة لعدم مكافأة مجهوده، ولكنه يصبر نفسه ب"أنا عمدة في بلدي" ولا الذي خرج من بلده باحثا عن تحقيق حلمه وجمع مال كثير يشعر بالراحة. نهاية.. أنا مش ضد فكرة الغربة بس هقول حاجة اللي عايز يسافر يفكر كويس أوي هيقدر يدفع الضريبة المفروضة علي كل مغترب للعيش حياة أفضل بدون أي أحاسيس ومشاعر, ولا هيجاهد في الحصول علي لقمة عيش في بلده الأم وعمره يضيع بحلم تكوين المستقبل والزواج وبناء أسرة, مقارنة في غاية الصعوبة والسؤال اللي مش عارفة أخرجه من دماغي,, "ليه كدة يا بلادي؟".