- ( وارزقوهم فيها واكسوهم ...النساء (5) هنا فائدة لطيفة: لاحظ أن الله تعالى قال: {وَارْزُقُوهُمْ}؛ أي أنفقوا عليهم {فِيهَا}، ولم يقل: (منها)، مع أن المعهد في لغة العرب (ارزقوهم منها)، ومع أن الله تعالى قال في آية بعدها: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [النساء:8]، فقال هنا: {فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ} كما هو معهود، فما هو السر يا ترى؟ لماذا في الأولى {فِيهَا} وفي الثانية {مِّنْهُ}؟ أشارت بعض أهل التفسير كالزمخشري في الكشاف وعاشور في التحرير والتنوير ومن المعاصرين الدكتور فضل عباس رحمهم الله جميعاً إلى معنى قريب مما يلي: أن قوله تعالى {ارْزُقُوهُمْ فِيهَا} يعني: اجعلوها مكاناً لرزقهم بأن تستثمروا المال وتتجروا فيه وتتربحوا فلا يكون الإنفاق على اليتيم من رأس المال فقط فينقص مع مرور الزمن، بل ينفق عليه من الربح كذلك. ويشهد لذلك ما رواه البيهقي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "ابتغُوا في أموالِ اليتامَى لا تَأكلُها الصدقةُ"؛ أي نموها وأدخلوها في استثمار لئلا تتناقص بالزكاة. لاحظ أن حرف الجر (من) يُشعر بالانتقاص من المال شيئاً فشيئاً، بينما حرف (في) يُشعر وكأن اليتيم منغمس في ماله لا ينحسر عنه. بينما في الآية الأخرى {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ} لا يسوغ هذا المعنى من التنمية والاستثمار، إذ هي قسمة مباشرة للمال يعطون منه شيئاً محدوداً، فقال تعالى هنا: {فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ}. فهذه من دقائق القرآن وعظمة هذا الكتاب .