باتت الشوارع والمواصلات العامة أوكاراً للمتحرشين، لكن التحرش بالمواصلات العامة على وجه الخصوص أصبح هو الموضة السائدة تلك الأيام، فمنذ أيام قليلة استطاعت الشرطة القبض على "متحرش المترو" الشهير، الذي اعترف أنه يذهب كل يوم إلى محطات المترو المزدحمة ليتحرش بالسيدات في الزحام. و 99.3% من السيدات في مصر يتم التحرش بهن لفظياً أو جسدياً أو إلكترونياً وعبر الهاتف، وفي أغلب الحالات بشتى الطرق السابق ذكرها، لتأتي جمهورية مصر العربية في المركز الثاني بعد أفغانستان.
ورصدت "الفجر" بعض حالات لفتيات في العشرينيات والثلاثينيات من أعمارهن تم التحرش بهن أو شاهدن تحرش في الشارع والمواصلات العامة، منهن من دافعت عن نفسها، ومنهن من لاذت بالصمت، ومنهن من حاولت تقديم بلاغ بقسم الشرطة، ومنهن من دافعت عن فتيات يتعرضن للتحرش، لكن المؤسف أنه ليس هناك حالة واحدة استطاعت الثأر لنفسها أو قام القانون معها بدوره.
تحرش ولا "تثبيت" "تحرش بس ولا تحرش وتثبيت؟"، كان رد "م. ر" بعد أن سألناها عن تعرضها لموقف تحرش، فجاء الرد وكأنه أمر عادي يحدث كل يوم، وأضافت: "كنت برفقة عمتي في طريقنا لزيارة أحد الأقارب بشهر رمضان المبارك، وعند وصولنا للمكان بأحد شوارع منطقة فيصل قام مجموعة من الشباب بالتحرش بنا ثم (ثبتونا)، قاموا بسبنا وتقطيع ملابسنا ثم قاموا بسرقة 4 هواتف محمولة كانت بحوزتنا وسلسلة ذهبية". وتابعت.. ذهبنا إلى قسم شرطة الوراق لتحرير محضر بالواقعة فرفض الضابط تحرير محضر تحرش وسرقة بالإكراه، وتم تحرير المحضر على أن الواقعة مجرد "سرقة هواتف محمولة"، وبالطبع تم حفظ المحضر.
وعن التحرش في المواصلات العامة قالت أنه منذ بضع أيام فقط تم التحرش بها في المترو، حيث قام متحرش بملامسة أجزاء حساسة من جسدها، وتابعت: "بالطبع لم أفكر في اتخاذ أي إجراء قانوني مرة أخرى".
الضرب أسلوب فعال في إبعاد المتحرشين أما " ه . أ "، فتاة جامعية تعيش بمحافظة الإسكندرية، فأوضحت أنه بلغ أمر التحرش في المواصلات العامة مداه، وأن عقلها أصبح مبرمج على ضرب أي متحرش، وهو الأمر الذي بدأت بتنفيذه بالفعل، مؤكدة أنه بات أسلوبًا فعالًا في إبعاد المتحرشين. وتابعت: "لما أضرب المتحرش حتى وإن كانت الضربة ضعيفة، يصمت أو يلوذ بالفرار لأنه دائماً ما يتوقع مني الصمت". وروت عن واقعة حدثت معها، قائلة: "في مره كنت راكبه مشروع واللي ورايا مد ايده بين الكرسي والشباك لفيت ضربته بضهر الموبيل راح موقف المشروع ونزل"، ولم تنتهي رواياتها حيث استكملت بواقعة أخرى، متابعة: "في مره تانية واحد جنبي مد ايده لفيت ضربته بالبوكس وكل الستات اللي في العربية قاموا بيه وولد قالي تعالي مكاني قولتله لا أنا هفضل قاعده وهو اللي هيحترم نفسه". ونصحت الفتيات بعدم الصمت والدفاع عن أنفسهن، وعدم الاتكال على المسؤولين بالدولة في أخذ حقوقهم، قائلة: "الحكومة مابتجيبش حق حد".
المجتمع ممكن يحولني من ضحية ل"جاني" بينما قالت "غ . ع "، طبيبة في الثلاثينات من عمرها إن من تحرش بها في المواصلات ليس شاباً صغيراً، بل كان رجل ويحمل طفلته الصغيرة، وتابعت: "رغم تحذيراتي المتكررة له وبأنني سأتخذ إجراء ضده ظل مُصِر على التحرش بي". وتابعت قائلةً الحقيقة أنني لم أكن سأتخذ أي إجراء ضده لأنني أعلم العقبات التي ستواجهني إذا رغبت بتحرير محضر له، وحتى لم أستطع رفع صوتي بالتحذير لأني أعلم جيداً نظرة المجتمع من حولي، سأتحول فوراً من ضحية إلى جاني، لأنه بمجرد أن يظهر هو بمظهر رجل متزوج يحمل طفلته الصغيرة، بينما أنا متبرجة لا أضع الحجاب على رأسي سيتم اتهامي بالتبلي عليه أو أنني أنا السبب لأن مظهري غير لائق.
سلاحي الصوت العالي والصرخات أما "س . ج"، فروت أنها شاهدت متحرش يتحرش بفتيات لا تتجاوز أعمارهن الرابعة عشر عام في الشارع وبوضح النهار، فما كان منها إلا أن ترجلت من سيارتها ممسكة بعصا حديدية تستخدمها في الدفاع عن نفسها ضد المتحرشين أيضاً. وأضافت بأنها توجهت للمتحرش قائلة: "أنا مش هقول عنك متحرش أنا هقول إنك حرامي عشان متحرش دي مابتاكلش مع الناس"، متابعة بأنها استخدم سلاح الصوت العالي والصرخات هي والفتيات قائلين "حرامي". وتابعت فوراُ توجه الناس نحو المتحرش لكنه لاذ بالفرار، ونصحت الفتيات "لو مرة تانية حد اتحرش بيكم قولوا أنه حرامي، لأنه عقولة السرقة في بلدكن أكبر من عقوبة التحرش والناس هتقوم معاه بالواجب قبل ما يوصل القسم.. بلدنا مابقاش فيها رجالة ممكن تقف تدافع عن واحدة بتتعاكس".
فتيات ما بين 13 حتى 35 عام يتم التحرش بهم في المواصلات العامة وقام المركز القومي للمرأة بدراسة أثبتت أن الفتيات اللائي يتم التحرش بهن في المواصلات العامة تتراوح أعمارهن بين 13 و 35 سنة بنسبة تتعدى ال90 %، وذلك باعتراف نحو 66% منهن، وأنه نحو 12.6% فقط من النساء يدركن ما هو التحرش.
وفي ظل تلك الظاهرة المتفشية ينص القانون المصري في المادتين 268 و269 على أن جريمة هتك العرض أو ملامسة العورة عقوبتها السجن المشدد من ثلاث إلى سبع سنوات، ويتم تشديد العقوبة إذا كانت المجني عليها أقل من 18 سنة. وتنص المادة 306 أ على أن التعرض لأنثى على وجه يخدش الحياء يعاقب بالحبس سنة.. وهي المادة التي قام الرئيس السابق عدلي منصور بتعديلها وتشديد مدة الحبس إلى عامين، ويتم تشديدها إلى خمس سنوات إذا ثبت حدوث الفعل تحت ضغط.
شوفت تحرش: جميع نساء مصر يتعرضن ل"التحرش" وقالت "هالة مصطفى" المنسق العام لحركة "شوفت تحرش"، إن ظاهرة التحرش قد جاوزت الحد، وأن الإحصائيات أثبتت أن كل نساء مصر تقريباً تعرضن للتحرش، لافتة إلى أنه لا يمكن حصر أعمار المتحرشين في سن معين، لأن المتحرشين من كل الاعمار تقريباً. وأوضحت أن مواسم التحرش الحقيقية هي الأعياد، مشيرة إلى أن الحركة رصدت أكثر من 397 حالة تحرش بمنطقة وسط القاهرة تحديداً في شارع طلعت حرب وكورنيش النيل في العيد الماضي، وأعلنت وزارة الداخلية بدروها أنها تلقت في ذلك اليوم 24 بلاغًا فقط من كافة أنحاء الجمهورية.
وعند سؤالها عن دور المنظمات النسوية وحركات مكافحة التحرش، أجابت: "نحاول بذل أقصى ما نستطيع من جهد، نعمل على توعية النساء بحقوقهن، وتشجيعهن على تقديم البلاغات ضد المتحرشين ومواجهة المجتمع وعدم الانصياع للضغوط المجتمعية التي تجبرهن على السكوت والتنازل عن المحاضر خوفاً من النبذ والفضيحة، كما نحاول الضغط على الدولة لإيجاد حل جذري لتلك المشكلة".
وأشارت إلى أن حل مشكلة التحرش يحتاج لتكاتف كل الجهود، جهود حركات مكافحة التحرش ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية، وأن العنصر الأهم هو وجود إرادة حقيقية من الدولة.