«محافظ الإسكندرية»: ندعو المواطنين للمشاركة الإيجابية في العملية الانتخابية    حتى الآن.. 60 طعنا أمام الإدارية على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    السيدة انتصار السيسي تحتفي بيوم أصحاب الهمم: قلوب مليئة بالحب    مدبولي: زيادة ثقة الشركاء العالميين في القطاعات ذات الأولوية بالمجال الصناعي    مصدر مسؤول ينفي ما تداولته الصحف الإسرائيلية عن فتح معبر رفح للخروج من غزة    مصر السلام.. إيديكس 2025.. رسائل القوة بقلم    هيئة البث الإسرائيلية: التصعيد العسكري ضد لبنان مسألة وقت    كولومبيا تطرد أعضاء من الطائفة اليهودية المتشددة ليف تاهور إلى أمريكا    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية فى إندونيسيا ل 804 قتلى    دمشق: تأييد 123 دولة لقرار الجولان يعكس الدعم الكبير لسوريا الجديدة    محمد صلاح في القائمة النهائية لجائزة جلوب سوكر 2025    محمد صلاح على رأس القائمة النهائية لجوائز جلوب سوكر    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    مدبولي: معرض إيديكس أصبح يشغل مكانة عالمية في منظومة الصناعات العسكرية والأمنية    ضبط فني إلكترونيات روج لبيع المخدرات عبر مواقع التواصل بالجيزة    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    ضبط المتهمين في مشاجرة بالأسلحة البيضاء في الإسكندرية    الداخلية تضبط سيدة توزع أموالا على الناخبين فى طهطا    "نوة قاسم "جزءًا من التراث المناخى.. موعدها من 4 إلى 8 ديسمبر    التضامن: حافلات حديثة لنقل حجاج الجمعيات بين المشاعر والمناطق المقدسة    بعد اختياره شخصية معرض القاهرة للكتاب 2026.. معلومات عن الأديب نجيب محفوظ    مراسل إكسترا نيوز: 18 مرشحا يعودون للمنافسة فى الفيوم بعد قرار الإلغاء    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    على رأسها رونالدو.. صراع مشتعل على جائزة مميزة ب جلوب سوكر    «مشوفتش رجالة في حياتي».. أبرز تصريحات زينة    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    وزيرا التخطيط والمالية يناقشان محاور السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    زيارة دبلوماسية يابانية إلى فلسطين لتعزيز جهود الإعمار وتحقيق حل الدولتين    الأمن يضبط قضايا إتجار فى العملات الأجنبية تتجاوز 3 ملايين جنيه    مصر واليونان تتفقان على تعزيز الاستثمارات المشتركة في الطاقة والزراعة والنقل    حزمة إجراءات لرفع كفاءة الخدمات بوحدات الرعاية الأولية بالجيزة    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    3 ديسمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    3 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    وزير قطاع الأعمال العام يشارك في حفل سفارة الإمارات بالقاهرة بمناسبة عيد الاتحاد ال 54    محافظ القاهرة يوجه بوضع خطة عاجلة لتطوير الحديقة اليابانية بحلوان    وزير الخارجية يلتقي مع أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الألماني    موعد صلاة الظهر.... مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    محافظ الإسكندرية يتفقد لجان الاقتراع بدائرة الرمل    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    العربية للتصنيع توقع مذكرة تفاهم واتفاقية تعاون مع شركة "Sofema" الفرنسية في صيانة وعمرة محركات الطائرات    «غني بالمعادن ومضادات الأكسدة».. الفوائد الصحية للعنب    احتفاءً بأديب نوبل، القاهرة للكتاب والوطني للقراءة يطلقان مسابقة لإعادة تصميم أغلفة روايات محفوظ    «ميدوزا»: كفاءة عالية رغم سوء الأحوال الجوية    بعد لقائهما المسلماني.. نقيبا السينمائيين والممثلين يؤكدان تعزيز التعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام    مواعيد مباريات اليوم.. مهمة محلية لصلاح ومجموعة مصر في كأس العرب    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    فيدرا تدافع عن كلاب الشوارع: عندنا مشكلة إدارة وعندي 40 قطة و6 كلاب معيشاهم في بيتي    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفسير الشعراوي للآية 81 من سورة آل عمران
نشر في الفجر يوم 02 - 12 - 2015

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)} .
هذه الآية تجعلنا نتعرف على أسباب بعث الحق لموكب الرسل، ونعرف جميعا أن المنهج الأول قد أنزله الله على آدم عليه السلام متضمنا كل ما يجعل الحياة تسير إلى انسجام، وبلّغ آدم أولاده هذا المنهج كما علمهم أمور حياتهم، تماما مثلما يعلم الأب أبناءه ما يخدم أمور حياتهم، كما يقوم بإبلاغ الأبناء مطلوب الدين، والأبناء يبلغون أبناءهم، وتتواصل البلاغ من جيل إلى جيل كي يكتمل وصول المنهج للذرية، ولكن مع توالي الزمن وتتابعه نجد أن بعضا من مطلوبات الدين يتم نسيانها.
إن هذا دليل على أن الناس قد غفلت عن المنهج وهكذا نرى أن الغفلة عن المنهج إنما تتم على مراحل، فبعد بلاغ المنهج نجد إنسانا يغفل عن جزئية، ما في هذا المنهج، وتنبهه نفسه وتلومه على تركه لتلك الجزئية، ونسمي صاحب هذا الموقف بصاحب النفس اللوامة، إنه يفعل السيئة لكن نفسه تعود إلى اليقظة لمنهج الله؛ لأنه يتمتع بوجود خلية المناعة الإيمانية فيه، وهناك إنسان آخر يستمرئ المخالفة للمنهج وتلح عليه نفسه بالمخالفة؛ إنه صاحب النفس الأمارة بالسوء، وتتوالى به دواعي ارتكاب السيئات، ومثل هذا الإنسان يحتاج إلى غيره من خارج نفسه ليلفته إلى الخير.
وماذا يحدث للمجتمع إذا صار افراده جميعا من أصحاب النفس الأمارة بالسوء؟
إن معنى ذلك أن الفساد قد طم، ولابد من مجيء رسول؛ لأن مراد الحق سبحانه هو هداية الناس، لقد خلقنا سبحانه وله كل صفات الكمال، ولم يضف خلقُنا إليه شيئا. وها هو ذا الحديث القدسي الذي رواه أبو ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، ياعبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار، إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي، لم أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، قاموا إلى صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخْيط إذا أدخل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياه، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
إن الله سبحانه وتعالى قد خلقنا وهو من الأزل إلى الأبد، في تمام صفات الكمال ولم يضف له هذا الخلق شيئا، وهو القائل: {ما أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين} [الذاريات: 57-58].
إذن فعندما يشرع لنا الحق أمراً فهو يشرعه لمصلحتنا؛ إنه سبحانه يحب لصنعته أن تظفر بسعادة المنهج؛ لذلك أنزل المنهج (بافعل ولا تفعل) وحين يقول المنهج: (افعل ولا تفعل) فهو لا يريد أن يحدد حرية الحركة على الخلق الا بما يحميهم، إنه يحدد حرية هنا ليحمي حرية هناك. فعندما حرم الله السرقة-على سبيل المثال- فالأمر شامل لكل البشر، فلا يسرق أحدا أحدا.
إن الحق سبحانه حين منع يدَ واحدٍ من السرقة، كان في ذلك منع لملايين الأيدي أن تسرق من هذا الإنسان، وفي هذا حماية لكل البشر من أن يسرق إنسان إنسانا آخر، وفي ذلك كسب لكل إنسان، فساعة تأخذ التشريع لا تأخذه على أنه مطلوب منك، ولكن خذه على أنه مطلوب منك ومطلوب لك أيضا.
ومثال آخر، لقد حرم المنهج على العبد المؤمن أن يمد عينيه إلى محارم غيره، ولم يكن هذا التحريم لعبد واحد، إنما لكل إنسان مؤمن، وبذلك لا تمتد أي عين إلى محارم هذا العبد، لقد جاء الأمر لك بغض البصر عن محارم غيرك وأنت واحد، وكففنا من أجلك ملايين الأبصار كيلا تمتد إلى محارمك.
إذن فكل عبد مؤمن يكسب حياة مطمئنة من وجود التشريع، وكل التشريعات إنما جاءت لصالحنا جميعا، ولذلك كان الحق رحيما بنا لأن رَكْبَ الرسل قد تواصل واستمر في الكون منذ آدم، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم، والمنهج الذي جاء به كل هؤلاء الرسل لا تناقض فيه أبدا، لأن في هذا المنهج مصلحة للخلق، لذلك فلا يمكن أن يكون موكب رسول قد أتى، ليناقض موكب رسول آخر.
لكن ما الذي يأتي بالتناقض بين الأديان والمشرع واحد؟ وكل الناس عيال له؟
إننا نبرئ الرسل من التناقض، وإن حاول البعض أن يصوروا الأمر كذلك فلنعلم أن أتباع الرسل هم الذين يريدون لأنفسهم سلطة زمنية يتحكمون بها في الدنيا، فالذين كانت لهم سلطة زمنية في دين كاليهودية أو النصرانية فعلوا ذلك.
وعندما جاءت النصرانية على اليهودية قال أحبار اليهود: نحن لا نريد النصرانية لماذا؟ لأن السلطة الزمنية كانت في أيديهم، ولو أن هؤلاء الأحبار ظلوا باقين على ما أنزله الله عليهم من منهج لقَبَّلُوا يدي أي رسول قادم شاكرين له مقدَمَة ومجيئه وقالوا له: ساعدنا على أن نعمق فهمنا لمنهج الله.
إذن فالخلاف لا يحدث إلا حين توجد أهواء لها سلطات زمنية، وموكب الرسالات من يوم أن خلق الله الإنسان هو منهج متساند لا متعاند.
وحينما يأتي رسول ليجد أناسا غير مؤمنين بإله فالمشكلة تكون سهلة، لأنه سيلفتهم إلى إله واحد، وبالمنهج الذي يريده الله، لكن المشكلة تكون كبيرة مع الجماعة التي لها رسول وهم منسوبون إلى السماء فإذا ما جاء رسول من الله فهو يجيء وهؤلاء الأتباع قد أخذوا من ادعائهم بالانتساب لرسالة رسول سابق سلطة زمنية كما حدث مع اليهود والنصارى، فتعصبوا للدين الذي كانوا عليه متناسين أن كبارهم قد حرفوا المنهج لحساب السلطة الزمنية.
وقد استمر موكب الرسل إلى الخلق ليحمي الله الخلق من سيادة الانحراف واصطفى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله قد ضمن بقاء الخير في هذه الأمة، فإذا رأيت أناسا بالغوا في الإلحاد فثق أن هناك أناسا زادهم الله في المدد حتى يحدث التوازن؛ لأن الحق هو القائل: {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخير وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر وأولئك هُمُ المفلحون} [آل عمران: 104].
وفي موضع آخر من القرآن الكريم يقول الحق سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر وَتُؤْمِنُونَ بالله وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الكتاب لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ المؤمنون وَأَكْثَرُهُمُ الفاسقون} [آل عمران: 110].
إذن فإن امتنع الوازع النفسي في النفس اللوامة عند فرد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فسوف يأتي أناس مسلمون ينبهونه إلى المنهج، والحق سبحانه وتعالى لا يعصم الناس من أن يخطئوا فهو القائل: {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} [العصر: 1-3].
إن الحق جاء بكلمة (وتواصوا)، ولم يأتِ بكلمة (وصوا) وذلك لنفهم أن التوصية أمر متبادل بين الجميع، فساعة يوجد إنسان في لحظة ضعف أمام المنهج توجد لحظة قوة عند غيره فيوصيه.
وترد هذه المسألة أيضا إلى الموصى، فقد تأتي له لحظة ضعف أمام المنهج؛ فيجد من يوصيه وهكذا نرى أنه لا يوجد أناس مخصوصون ليوصوا، وآخرون مهمتهم تلقى التوصية، إنما الأمر متبادل بينهم، وهذا هو التكافل الإيماني، والإنسان قد يضعف في مسألة من المسائل فيأتي أخ مؤمن يقول له: ابتعد عن هذا الضعف، إن هذه المسألة تحدث بالتناوب لمقاومة لحظات الأغيار في النفس البشرية؛ لأن لحظات الأغيار لا تجعل الإنسان يثبت على حال، فإذا ما رأينا إنسانا قد ضعف أمام التزام ما فعلينا أن نتواصى بالحق ونتواصى بالصبر، وأنت أيضا حين تضعف ستجد من أخوتك الإيمانية مَنْ يوصيك.
هذا هو الحال في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أما الأمم السابقة عليها فقد كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، ولذلك كان لابد أن تتدخل السماء وتأتي برسول جديد ومعه معجزة جديدة تلفت العقول لفتا قسريا إلى أن هناك أشياء تأتي بها المعجزة، وهي خرق ناموس الكون، وفي ذلك لفت من الله للناس إلى مناطق القدرة.
وأخذ الله الميثاق على الأنبياء بأن يبلغ كل نبي قومه هذا البلاغ، انتظروا أن ترسل إليكم السماء رسلا، وساعة يجيء الرسول المبلغ عن الله منهجه فكونوا معه، وأيدوه.
كان الرسل عليهم جميعا السلام مأمورين أن يضعوا في المنهج. وصلبه أن السماء حينما تتدخل وتأتي برسول جديد فلابد أن يتبعه أقوامهم، وألا يتعصبوا ضد الرسول القادم، بل يسلمون معه ويرحبون به؛ لأن الرسول إنما يجيء ليعاون الناس على المنهج الصحيح، لكن الأتباع الذين يعشقون السلطة الزمنية تعمدوا التحريف، ومن أجل أن يحمي الحقُّ خلقه من هذا المرض أنزل الميثاق الذي أخذه على النبيين، فقال: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81].
قد يقول قائل: إن هذا القول يصلح عندما يأتي رسول معاصر لرسول مثلما عاصر شعيب سيدنا موسى عليه السلام، وكما عاصر لوط سيدنا إبراهيم عليه السلام، ونقول: هذا يحدث- أيضا- وإن لم تتعاصر الرسل، فالحق سبحانه قد أراد لكل رسول أن يعطي لقومه البلاغ الواضح، وإن لم يتعاصر الرسولان فلابد أن يعطي الرسول مناعة ضد التعصب، فما داموا قد آمنوا بالرسول واتبعوه فعليهم حسنَ استقبال الرسول القادم من بعد رسولهم، وكان على كل رسول أن يبلغ قومه: كونوا في انتظار أن تتدخل السماء في أي وقت، فإذا تدخلت السماء في أي وقت من الأوقات، وجاءت برسول مصدق لما معكم فإياكم أن تقفوا منه موقف المضارّة، وإياكم أن تقفوا منه موقف العداوة، بل عليكم أن (تنصروه) وهذا قول واضح وجلى ولا لبس فيه. {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ}.
ونقول في شرح معنى: {رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ}.
إن الدين يأتي بقضايا متفق عليها؛ لأن العقائد واحدة، والأخبار واحدة، والقصص واحد، لكن الذي يختلف هو الحكم التشريعي الذي قد يناسب زمنا ولا يناسب زمنا آخر، فإذا جاء الرسول بكتاب مصدق لما معكم في الأمور الدائرة في منهج العقائد، أو منهج القصص فلابد لكم أن تصدقوه.
لكن اليهود لم يفعلوا ذلك؛ لأن الرسول جاء ليعيد هداية الجماعة التي آمنت بالرسل والتي تؤمن بإله، وكان مجيء محمد صلى الله عليه وسلم بالمنهج الواضح العقيدة والأخبار الصحيحة غير المحرفة والقصص التي تدعم المنهج كما جاء بالتشريع المناسب وكان مجيء النبي الخاتم مزلزلا لمن استمرءوا السلطة الزمنية، فمنهم من أصر على اتباع رسولهم فقط وبالمنهج الذي تم تحريفه ورفضوا اتباع الرسول الجديد، ومنهم جماعة أخرى آمنت، بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت هناك جماعة ثالثة تؤمن برسول آخر، والخيبة تأتي نتيجة للتعصب، ولذلك كانت دعوة الإسلام هي لتصفية العقائد، ودعوة لكل متبع لأي رسالة سابقة أن يدرس ويناقش، هل الدين الخاتم قد جاء بما يختلف عن الأديان السابقة في العقائد؟ أو جاء مصدقاً لها؟
لقد جاء الدين الخاتم مصدقا لما سبقه في العقائد والأخبار والقصص وإن اختلف في التشريعات التي تناسب زمنا ولا تناسب زمنا آخر، فكأن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يعصم البشرية من العصبية الهوجاء، والعصبية العمياء التي تنشأ من اتباع رسول لتقف سدا حائلا أمام رسول آخر؛ فالله حين أرسل كل رسول قد أعطاه الأخبار والحقائق وأنه سبحانه قد أخذ الميثاق على كل نبي أرسله بأن يكون على استعداد هو والمؤمنون معه لتصديق كل رسول يأتي معاصرا ومصدقا لما معهم، وأن يؤمنوا به، وأن يبلغ كل رسول أمته بضرورة هذا الإيمان.
لماذا؟ لأن الحق سبحانه وتعالى يريد من الركب الإيماني المتمثل في مواكب الرسل ألا يكون بعضهم لبعض عدوّا، بل عليهم أن يواجهوا أعداء قضية الدين كلها. فالذي يجعل الإلحاد متفشيا في هذا العصر هو أن المنسوبين إلى الأديان السماوية مختلفون، وربما كانت العداوة بينهم وبين بعضهم أقوى من العداوة بينهم وبين الملحدين والمنكرين لله، وهذا الاختلاف يعطي المجال للملحدين فيقولون: لو كانت هذه الأديان حقا لا تفقوا وما اختلفوا، فما معنى أن يقول أتباع كل رسول إنهم يتبعون رسولا قادما من السماء؟
إن الملحدين يجدون من اختلاف أتباع الديانات السماوية فرصة ليبذروا في الناس بذور الإلحاد، ولا يجدون تكتلا ولا قوة إيمانية لمن يؤمن بالسماء أو بمنهج السماء لكن الحق سبحانه يقول: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين} وهذا يعني أنه سبحانه قد أخذ الميثاق على كل نبي ساعة أرسله أنه قد آتاه الكتاب والحكمة، وإنه إذا جاءكم رسول مصدق لهذا الكتاب وتلك الحكمة فعليكم الإيمان به، ولا يكفي إعلان الإيمان فقط، بل لابد أن يكون النبي ومن معه في نصرة الرسول الجديد نقول: ولو عمل أتباع كل نبيّ بهذا العهد والميثاق لما كان لهؤلاء الملحدين حجة ويضيف سبحانه: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي قالوا أَقْرَرْنَا قَالَ فاشهدوا} والإقرار سيد الأدلة كما يقولون؛ والإصر هو العهد الشديد، ولذلك يقال: (آصره المودة) أي الرابطة الشديدة المعقودة. قال الموكب الإيماني للأنبياء موجهين إقرارهم لله تعالى {أَقْرَرْنَا}، فقال الحق سبحانه: {فاشهدوا}. والشهادة دائما تقتضي شاهدا ومشهودا عليه ومشهودا به.
وما دام الحق سبحانه هو الذي يقول للنبيين الذين أخذوا منه العهد والميثاق الحق: {فاشهدوا}، إذن فهم في موقف الشاهد، وما المشهود عليه؟ وما المشهود به؟ هل يشهدون على أنفسهم؟
أو يشهد كل نبي على الأنبياء الآخرين؟
أو يشهد أنه قد بلغ أمته هذا القرار الإلهي؟
إن الرسول يشهد على أمته، وأن الأنبياء يشهد بعضهم لبعض.
إذن قد يكون الشاهد نبيا، والمشهود له نبي آخر، والمشهود به أن يؤمنوا بالرسول القادم وينصروه.
وقد يكون الشاهد النبي، والمشهود عليه هي أمته بأنه قد بلغها ضرورة الإيمان بالرسول القادم بمنهج السماء؛ لأن الأمة ما دامت قد آمنت برسول فعليهم مؤازرة هذا الرسول، ومؤازرة مَنْ يأتي من بعده، وذلك حتى لا يتبدد ركب الإيمان ؤمام باطل الإلحاد: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي قالوا أَقْرَرْنَا قَالَ فاشهدوا وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشاهدين} [آل عمران: 81].
ولنرتب الشهادات التي وردت في هذه الآية الكريمة: الأنبياء يشهد بعضهم على بعض، أو الأنبياء يشهدون على أممهم، ثم شهادة الله على الأنبياء.
وما دام الأمر قد جاء بهذا التوثيق فعلينا أن ننبه أنه إذا ما وجدنا دينا سابقا يتعصب أمام دين لاحق، بعد أن يأتي هذا الدين بالمعجزة الدالة على صدق بلاغ ذلك الرسول عن الله فلنعلم أنهم خانوا هذه القضية. وسبب ذلك يرجع إلى أن الله يريد أن يحتفظ للدعوة إلى الإيمان، بانسجام تام، فلا يتعصب رسول لنفسه ولا لقوميته ولا لبيئته، ولا يتعصب أهل رسول لملتهم أو نحلتهم؛ لأنهم جميعا مبلغون عن إله واحد لمنهج واحد، فيجب أن يظل المنهج مترابطا فلا يتعصب كل قوم لنبيهم أو دينهم، وهذا ليكون موكب الرسالات موكبا متلاحما متساندا متعاضدا، فلا حجة من بعد ذلك لنبي، ولا لتابع نبي أن يصادم دعوة أي رسول يأتي، ما دام مصدقا لما بين يديه.
لقد أعلمنا الحق أنه قد عرض شهادة الأنبياء على بعضهم، وشهادة الأنبياء على أممهم، وشهادة الله سبحانه على الجميع، وذلك أوثق العهود وآكدها. ولذلك يزداد موكب الإيمان تآزرا وتلاحما، فلا يأتي مؤمن برسالة من السماء ليصادم مؤمنا آخر برسالة من السماء.. ولندع المصادمة لمن لا يؤمنون برسالة السماء، وحين يتكاتف المؤمنون برسالة السماء يستطيعون الوقوف أمام هؤلاء الملاحدة، وبعد هذا البيان الواضح يقول الحق: {فَمَنْ تولى بَعْدَ ذلك فأولئك هُمُ الفاسقون}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.